السينما في إيران بعد 30 عاما على الثورة:
بين
التعبوية والرومانسية والواقعية
أمين فارزانيفار
ترجمة: رائد الباش
السينما الإيرانية التي كانت في السابق مشهورة جدًا وخلاَّقة والتي حصدت قبل بضعة أعوام أهم الجوائز السينمائية الدولية، صارت تحيطها الآن حالة من الهدوء في الغرب وفي جمهورية إيران الإسلامية. أمين فارزانيفار في عرض للسينما الإيرانية ونظرة على الماضي السينمائي الإيراني.
الأفلام الإيرانية مرت بأطوار مختلفة حسب المرحلة السياسية
ازدادت فجأة وبشكل مستمر في أواسط الثمانينيات
الأفلام الإيرانية التي كانت تُعرض في المهرجانات السينمائية الأوروبية - وقد
اقتحمت دور السينما في الغرب بلغتها التي تستخدم صورًا خالية من التنميق والزخرفة
وبممثِّلين هواة وبرسالة أخلاقية واضحة. وبرز قبل كلِّ شيء في هذه الأعوام شخصان
متناقضان؛ أحدهما محسن مخملباف Makhmalbaf،
الذي كان عضوًا في "تنظيم مسلَّح معارض للشاه"، ثم اكتشف السينما في
البدء كوسيلة دعائية. وبعد فترة قصيرة بدأ الوعي السينمائي الإجباري الأقرب إلى
حامل رسالة الخلاص في أعماله الأولى يفتر لصالح سينما واقعية تعالج قضايا
اجتماعية. وكونه كان ينتقد النظام ويتمتَّع بثقة الجماهير فقد تحوَّل إلى ما يشبه
البطل الشعبي - وتحوّل في آخر الأمر حتى إلى معارض سياسي تخضع أعماله لمقص
الرقابة.
لحظات انتقالية
وكان عباس كياروستامي Kiarostami غير مشهور كثيرًا في إيران ولكنه كان محبوبًا أكثر في المهرجانات الأوروبية. وعباس كياروستامي أستاذ في العاطفة العميقة أثرى صوره الرمزية المنعكسة في طبيعته المثالية بعدد لا يفنى من المعاني الدقيقة.
اكتشف المخرج محسن مخملباف السينما في البدء كوسيلة دعائية قبل أن يهتدي في آخر الأمر من خلال أفلامه التي أخرجها في فترة متأخرة إلى سينما واقعية تعالج قضايا اجتماعية وأفلامه البسيطة والظريفة على الرغم من كلِّ ما فيها من غموض - فازت بإعجاب السينمائيين والمقلِّدين الموهوبين، ولكنَّها استمالت كذلك النسَّاخ المبتذلين الذين يستخدمون صيغة واحدة؛ يظهر فيها أطفال يجرون عبر منطقة طبيعية مزهرة ويبحثون عن شيء - عن شكارة أرز أو جوز أحذية أو إبريق أو بيت.
وعباس كياروستامي بالذات عالج الإغراء بالانتحال في فيلم "Close Up" الذي ربَّما يعتبر أفضل أفلام تلك الحقبة؛ وهنا ينتحل رجل شخصية مخملباف المشهور وتستضيفه عائلة جميع أفرادها معجبون به، إلى أن تنكشف هذه الخدعة ويأتي مخملباف الحقيقي. وهذا الأمر تعليق معقَّد يعتمد على حادث واقعي وهو كذلك إيراني وعالمي في مضمونه الذي يتحدَّث عن الأمور الظاهرية والواقعية وعن اللهفة إلى حياة الآخرين.
جميلات ورقيقات: نساء يخرجن أفلامًا
وكذلك شكَّلت فترة التسعينيات التي كلِّلت بالنجاح حقبة الأفلام النسوية الإيرانية؛ وأهم مخرجات هذه الحقبة هما تامينه ميلاني Tamineh Milani وراخشان بني إعتماد Rakhshan Bani-Etemad. واتَّبعت الأعمال المتنوِّعة الخاصة بتامينه ميلاني والتي تعتمد في موضوعاتها على سينما هوليوود - من ميلودراما أو فكاهة أو كوميديا - نمطًا واحدًا، كثيرًا ما تظهر فيه امرأة مثقَّفة يسيطر عليها رجل عادي تعطيه الأسرة والبنى الاجتماعية ذات الفكر الذكوري الحقّ في فعل ذلك.
عباس كياروستامي "أستاذ في العاطفة العميقة" حصل على العديد من الجوائز السينمائية مثل النخلة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "طعم الكرز". ولكن مقابل هذه النمطية الأنثوية التي انتشرت حتى ذلك راهنت راخشان بني اعتماد على عرض صور شخصية دقيقة وواقعية لنساء يتحتَّم عليهنَّ النجاح في حياة يومية متعبة (على سبيل المثال نساء وحيدات يتولين تربية أطفالهنَّ أو فنَّانات).
وهؤلاء المخرجات اللواتي كان يسخر بهنَّ في البدء زملاؤهم المخرجون أصبحن بعد فترة قصيرة يحدِّدن شكل السينما الإيرانية، حيث كان يثبت ذلك من خلال حجم مبيعات تذاكر أفلامهنَّ في دور السينما؛ إذ حقَّق الفيلم الكوميدي الذي أخرجته تامينه ميلاني بعنوان "Cease Fire" أعلى نسبة عرض في دور السينما على الإطلاق.
وصار يوجد في هذه الأثناء عدد متزايد من المخرجات الإيرانيات، مثل سميرة مخملباف ومرزة مشكيني ومانيجة حكمت ومانيا أكباري. وقد أصبح بعض الممثِّلات الإيرانيات قدوة ونموذجًا بالنسبة لجيل الشابَّات الإيرانيات؛ إذ تجسِّد نيكي كريمي وهدية تهراني وغولشفتة فرحاني الشابات الجميلات بنات المدن اللواتي كثيرًا ما يكنَّ رقيقات وعاطفيات ودائمًا واثقات بأنفسهنَّ. وفي عهد "الرئيس الإصلاحي" خاتمي أصبح الأطفال الصغار شبابًا ناشئين كانوا يرغبون في المشاركة بشكل فعَّال في العولمة وفي ثقافة موسيقى البوب المصبوغة بصبغة إيرانية.
"لا تؤمن بالمبالغة"
لحظات انتقالية
وكان عباس كياروستامي Kiarostami غير مشهور كثيرًا في إيران ولكنه كان محبوبًا أكثر في المهرجانات الأوروبية. وعباس كياروستامي أستاذ في العاطفة العميقة أثرى صوره الرمزية المنعكسة في طبيعته المثالية بعدد لا يفنى من المعاني الدقيقة.
اكتشف المخرج محسن مخملباف السينما في البدء كوسيلة دعائية قبل أن يهتدي في آخر الأمر من خلال أفلامه التي أخرجها في فترة متأخرة إلى سينما واقعية تعالج قضايا اجتماعية وأفلامه البسيطة والظريفة على الرغم من كلِّ ما فيها من غموض - فازت بإعجاب السينمائيين والمقلِّدين الموهوبين، ولكنَّها استمالت كذلك النسَّاخ المبتذلين الذين يستخدمون صيغة واحدة؛ يظهر فيها أطفال يجرون عبر منطقة طبيعية مزهرة ويبحثون عن شيء - عن شكارة أرز أو جوز أحذية أو إبريق أو بيت.
وعباس كياروستامي بالذات عالج الإغراء بالانتحال في فيلم "Close Up" الذي ربَّما يعتبر أفضل أفلام تلك الحقبة؛ وهنا ينتحل رجل شخصية مخملباف المشهور وتستضيفه عائلة جميع أفرادها معجبون به، إلى أن تنكشف هذه الخدعة ويأتي مخملباف الحقيقي. وهذا الأمر تعليق معقَّد يعتمد على حادث واقعي وهو كذلك إيراني وعالمي في مضمونه الذي يتحدَّث عن الأمور الظاهرية والواقعية وعن اللهفة إلى حياة الآخرين.
جميلات ورقيقات: نساء يخرجن أفلامًا
وكذلك شكَّلت فترة التسعينيات التي كلِّلت بالنجاح حقبة الأفلام النسوية الإيرانية؛ وأهم مخرجات هذه الحقبة هما تامينه ميلاني Tamineh Milani وراخشان بني إعتماد Rakhshan Bani-Etemad. واتَّبعت الأعمال المتنوِّعة الخاصة بتامينه ميلاني والتي تعتمد في موضوعاتها على سينما هوليوود - من ميلودراما أو فكاهة أو كوميديا - نمطًا واحدًا، كثيرًا ما تظهر فيه امرأة مثقَّفة يسيطر عليها رجل عادي تعطيه الأسرة والبنى الاجتماعية ذات الفكر الذكوري الحقّ في فعل ذلك.
عباس كياروستامي "أستاذ في العاطفة العميقة" حصل على العديد من الجوائز السينمائية مثل النخلة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "طعم الكرز". ولكن مقابل هذه النمطية الأنثوية التي انتشرت حتى ذلك راهنت راخشان بني اعتماد على عرض صور شخصية دقيقة وواقعية لنساء يتحتَّم عليهنَّ النجاح في حياة يومية متعبة (على سبيل المثال نساء وحيدات يتولين تربية أطفالهنَّ أو فنَّانات).
وهؤلاء المخرجات اللواتي كان يسخر بهنَّ في البدء زملاؤهم المخرجون أصبحن بعد فترة قصيرة يحدِّدن شكل السينما الإيرانية، حيث كان يثبت ذلك من خلال حجم مبيعات تذاكر أفلامهنَّ في دور السينما؛ إذ حقَّق الفيلم الكوميدي الذي أخرجته تامينه ميلاني بعنوان "Cease Fire" أعلى نسبة عرض في دور السينما على الإطلاق.
وصار يوجد في هذه الأثناء عدد متزايد من المخرجات الإيرانيات، مثل سميرة مخملباف ومرزة مشكيني ومانيجة حكمت ومانيا أكباري. وقد أصبح بعض الممثِّلات الإيرانيات قدوة ونموذجًا بالنسبة لجيل الشابَّات الإيرانيات؛ إذ تجسِّد نيكي كريمي وهدية تهراني وغولشفتة فرحاني الشابات الجميلات بنات المدن اللواتي كثيرًا ما يكنَّ رقيقات وعاطفيات ودائمًا واثقات بأنفسهنَّ. وفي عهد "الرئيس الإصلاحي" خاتمي أصبح الأطفال الصغار شبابًا ناشئين كانوا يرغبون في المشاركة بشكل فعَّال في العولمة وفي ثقافة موسيقى البوب المصبوغة بصبغة إيرانية.
"لا تؤمن بالمبالغة"
: تعدّ راخشان بني إعتماد من بين المخرجات الإيرانيات المشهورات على مستوى عالمي. وهي تمنح قبل كلِّ شيء النساء مكان الصدارة في أفلام مثل فيلم "غيلانة". وتقريبًا في نهاية هذا العرض الشامل والسريع يحين الوقت من أجل الاعتراض على السينما الإيرانية - هذا الاعتراض الذي من الممكن أن يؤدِّي إلى بعض التخمينات حول السينما الإيرانية. إذ إنَّ السينما الإيرانية لم تزدهر من ناحية في المقاومة، بل باعتبارها نتيجة مباشرة للثورة الإسلامية. فبعد أن خرَّب وحرق الغوغائيون الإسلاميون العديد من دور السينما باعتبارها رموزًا للتأثير الغربي الإمبريالي الدخيل، نهض الإمام الخميني شخصيًا بسينما جديدة من الحضيض، أي بما أطلق عليه اسم "البقرة" والتي كان يُشهَّر فيها بالإقطاع وكان من المقرَّر لها أن تكون معيارًا جديدًا للثقافة الوطنية في المستقبل.
ونتيجة لذلك تم إنشاء مؤسسات لدعم الثقافة لم يكن لها مثيل في جميع أرجاء المنطقة، وكان المخرجون الناشئون يحصلون قبل إخراجهم أفلامهم على معونات مالية وهكذا نشأت بالتدريج لعبة تبادل كفكائية كانت تتراوح في الوقت نفسه بين الدعم المالي المقدَّم للأفلام والرقابة المفروضة عليها وكثيرًا ما كان يتم إجراء ذلك من قبل نفس الدائرة المختصة.
ومن ناحية أخرى قام الإبداع السينمائي الإيراني على أساس الاستمرار وارتبط ببنية سينمائية كانت موجودة في عهد الشاه. وكان العديد من المخرجين الإيرانيين ينتسبون إلى حركة سينمائية من الممكن مقارنتها بحركة "Nouvelle Vague" الفرنسية - هذه الحركة الإيرانية التي غيَّرت في السبعينيَّات الأسلوب السينمائي الذي كان موجودًا (مثل أفلام الإثارة) وأثرته بأفلام ذات مضمون واقعي اجتماعي وأفلام تجريبية.
عوالم سينمائية غير عادية
وأخرج مؤلِّفو أفلام آخرون مثل شهيد ساليس Shahid Saless أو تقوائي Taghvaie عوالم رمزية غير عادية تجعل الحياة العادية تبدو عميقة ويصعب سبرها. ومن ناحية أخرى كان هناك مخرجون آخرون يسبرون غور الأعماق الميثولوجية الخاصة بنفسية الشعب، مثل الخبير بالعلوم المسرحية باهرام بايزاي.
عوالم سينمائية غير عادية - المخرج سهراب شهيد ساليس وعن هذا ينشأ جانب ثالث يتجلى في صورة معارضة الطعن في الرقابة المفروضة على السينما التي تعدّ منذ فترة طويلة غير فاسدة والتي تعتبر قبل كلِّ شيء إسقاطًا غريبًا - فنطازيا الحنين إلى الغرب ما بعد الحداثة. وفي الحقيقة تلعب "أفلام الماعز"، أي الأفلام التي تتناول الحياة الريفية، دورًا هامشيًا في البرامج السينمائية في طهران. فالجمهور يفضِّل الأفلام الاجتماعية والأفلام التي تتناول موضوعات الطلاق والدراما الأسرية إلى جانب الأفلام الساخرة وأفلام الإثارة مثلما هي الحال مع باقي المشاهدين في العالم.
وتحديدًا لقد أبرز هذا المحيط تلك الكليشيهات المتشابكة النقدية والتي نفَّست عن حالة التذمّر والاستياء العامة داخل المجتمع في موجة من الضحك. وفي هذا النظام الذي يبتعد فيه الشخصي والعمومي وكذلك المثل الثورية والواقع الاقتصادي عن بعضهما بعضًا، كما لم يعد فيه بإمكان الإيراني العادي حماية هوياته المتعدِّدة - ليس صدفة أن تحقِّق ثلاثة أفلام كوميدية في الأعوام الأخيرة النجاحات الثلاثة الكبرى:
فيلم كمال تبريزي الذي يحمل عنوان "السحلية" ويتحدَّث عن لص يتسلَّل من السجن بملابس رجل دين ثم يصبح شيخ قرية. وفي فيلم "ماكس" للمخرج سمعان مقدَّم يقوم واحد من موسيقيي الروك المعزولين من ل. م. تتم دعوته سهوًا إلى حفلة موسيقية كلاسيكية بإثارة اضطرابات صاخبة في المنشأة الثقافية الراقية. وأخيرًا في فيلم "Cease Fire" تتعثَّر امرأة متزوِّجة تثور ثائرتها من أجل الطلاق لتصل إلى عيادة طبيب نفسي بدلاً من وصولها إلى مكتب محامٍ يتولى لها رفع قضية الطلاق.
نشاط ورجاء!
: قطاع الإخراج السينمائي في إيران - لعبة تبادل كفكائية بين الدعم المالي الرسمي والرقابة والآن أصبح الهدوء يحيط بالسينما الإيرانية. وقد وصف المخرج بناهي Panahiالأوضاع في عهد الرئيس أحمدي نجاد على هذا النحو: "في عهد خاتمي كان باستطاعتي على الأقل تصوير أفلامي قبل أن يتم منعها، ولكن الآن أصبح هذا أمرًا صعبًا".
وبالإضافة إلى ذلك أصبح المخرجون معتادين على "التأرجح المتعب ذهابًا وإيَّابًا" في القطاع السينمائي، كما أنَّ المرء يحتفظ بالمعونات في سينماه الخاصة وكذلك يضطر إلى فقدان سمعته. وهكذا ما يزال كبار المخرجين القدماء مثل باهمان فارمانارا ومسعود كيميائي وباهرام بايزاي يمارسون نشاطهم السينمائي.
ولكن صار من النادر أن يتم عرض أفلام للمخرجين الناشئين ذوي القناعات الفنية مثل رفي بيتس وبرويز شاهبازي وأبو الفضل سافاري أو منى زاندي على شاشاتنا. فالمبالغة الفنية في عرض الأحداث انتهت إلى حين؛ وفي الوقت الراهن تترقَّب المهرجانات السينمائية ومجموعة سينمات النجوم الموهوبين في مناطق أخرى من العالم - مثلاً في تركيا.
ومن الممكن أن يشكِّل هذا الأمر حالة الهدوء الذي يسبق عاصفة الصور والأفلام؛ فحاليًا من الممكن ملاحظة نهضة جديدة في مجال الأفلام الوثائقية. فعلى سبيل المثال يعتبر باهمان كياروستامي ومسعود باخشي ومهرداد عسكوئي ومعاني بتگار مجرَّد أقلاَّء من مخرجي الأفلام الوثائقية الذين يتوجَّهون إلى موضوعات مختلفة؛ مثل الطلب المتزايد بكثرة على إجراء عمليات تقويم الأنف وعلى تركيب اللاقطات الهوائية، بالإضافة إلى وضع أقليَّات المخنَّثين المتحوِّلين جنسيًا والمصابين بمرض الإيدز وقدماء المحاربين الذين شاركوا في حرب الخليج، وكذلك وضع اللاجئين الأفغانيين والعراقيين - ولكن أيضًا الموضوعات ذات الأبعاد العرقية والتاريخية والخاصة بالسِيَر وتراجم المشاهير.
وثمة جيل جديد يلتقط مختلف وجوه المجتمع الذي يبقى بشكل يثير الدهشة والملاحظة مُصرًا على التأرجح بين السير والركود وبين الاتِّجاه نحو الخلف والالتحاق بعصر الكمبيوتر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق