بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 13 مايو 2015

جامعة دهوك الخاصة والحلم الأمريكي !-د.إحسان فتحي



جامعة دهوك الخاصة والحلم الأمريكي !


د.إحسان فتحي

     قبل أيام لفتت انتباهي بعض الصور التي أظهرت بناية الجامعة الأمريكية الخاصة في مدينة دهوك وهي تحت الإنشاء وعلى وشك الانتهاء. من الواضح إن المصمم المعماري المسؤول عن التصميم (لا اعلم من هو) قد لجأ إلى الطراز الكلاسيكي الإغريقي أو الروماني، أو بشكل أدق، إلى ما عرف في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ بدايات القرن التاسع عشر، بحركة "الإحياء" أو"الريفايفل". وقد شيدت المئات من أهم الأبنية الرسمية بشكل يحاكي تماما المعابد الاغريقية او الرومانية او القوطية، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، المتحف البريطاني في لندن، وبناية الكونغرس، والمحكمة العليا في واشنغطن، وجامعات عديدة منها هارفرد ولندن وتارتو في استونيا، وكذلك محطات للقطار منها بنسلفانيا، وكنيسة ماديلين العملاقة والبورصة في باريس، وغيرها الكثير. لكن هذه الحركة انتهت منذ بداية القرن العشرين حيث إزاحتها بقوة الحركة الحديثة واستهجنتها بشدة باعتبارها تيارا سلفيا عقيما لايراعي ابدا التطورات التقنية وتبعات الثورة الصناعية التي غيرت بشكل راديكالي تقنيات البناء وطورت مواد معمارية جديدة تماما. كانت هذه الأبنية عظيمة في زمانها ومكانها لانها عكست تماما القيم الجمالية والتقنيات السائدة آنذاك، لكن استنساخها بعد موتها بمئات او حتى آلاف السنين يشكل عملا عبثيا ورجعيا بكل معنى الكلمة.
 ومن المحتمل أن يكون المعماري قد خضع لتوجيهات محددة من مالكي مشروع  جامعة دهوك الخاصة أجبرته على محاكاة هذا الطراز الغريب جدا عن الارث الثقافي والمعماري بهدف عكس "أمريكية" الجامعة و"عراقتها" الكلاسيكية حسب اعتقادهم! إني لا أتردد بالقول بان الطراز الكلاسيكي التي تم تبنيه في هذه الجامعة هو امر محزن تماما ويعبر عن جهل عميق ولافت للإرث الثقافي العراقي أو الرافدي الذي كان بالإمكان الاستلهام منه بدلا من الإرث الإغريقي الذي اندثر منذ 2000 سنة!  ان طراز هذه الجامعة المضحك يعبر عن شعورواضح بالنقص ويبين للجميع مدى الانحدارالمخزي الذي وصل اليه البعض من معماريينا، عربا وأكرادا، ووو، في تعاملهم المبتذل مع العمارة والبيئة الحضرية باعتبارها منجزا ثقافيا وحضاريا.
 أشير بهذه المناسبة الى 3 تصاميم لجامعات عربية شيدت منذ فترة ليست بعيدة. الاولى هي جامعة الشارقة ( العربية والامريكية) التي صممهما المعماري الفرنسي (جامبرت) عام 1996 مستلهما طرازا اسلاميا كلاسيكيا محدثا ولم يقلد الطرز الكلاسيكية الاوروبية. وانا، بهذه المناسبة، لست متحمسا جدا لما سميته بالطراز الشارقي المعتمد رسميا في هذه الإمارة، ولكنه أفضل بأشواط بعيدة جدا عن مثال دهوك.
 المثال الثاني، وهو برأي احد أهم التصاميم الجامعية المعاصرة في منطقتنا، هو حرم الجامعة الأمريكية في القاهرة الذي صمم عام 2001 من قبل مكتب الياباني ساساكي وبالتعاون مع المعماري المصري عبد الحليم إبراهيم. وقد أبدع المصممون في تصميم حرم جامعي حديث يشكل تجربة متميزة حقا في توظيف الموروث الإسلامي في فن العمارة. أما المثال الثالث فهو بعض أبنية جامعة الأميرة نورا بنت عبد الرحمن للبنات والتي صممها المكتب الاستشاري العملاق (بيركنز+ ول) الذي تأسس في 1935 ويعمل فيه أكثر من 1500 موظف ومهندس! إن تصاميم العديد من أبنيتها الأكاديمية التي يرجع تاريخها إلى 2008 تمثل أيضا تجارب متميزة ومبدعة في توظيف فكرة المشربيات الضوئية العربية والأفنية الداخلية والحدائق الخلابة والبرك المائية والزخارف الإسلامية المؤثرة بصريا، والتي اعتقد بأنه يجب أن تكون أمثلة تدرس يحتذى بها حقا من قبل طلابنا ومعماريينا على السواء، بدلا من الأمثلة المزرية التي نراها الآن في كل مكان من زاخو إلى الفاو كما يقال.
نحن بحاجة إلى ثورة كاملة لإعادة تثقيف أنفسنا بعظمة موروث الحضارة الإسلامية وفنها المذهل الذي تبلور عبر أكثر من ألف سنة من التجارب والمنجزات الجبارة. نحن بحاجة إلى رد الاعتبار لذاتنا والشوق المتواصل لفهم ومعرفة موروثنا.



هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

أخي الكريم الجامعة أميركية و ليست عربية أو إسلامية حتى يتم تصميمها على النمط العربي الممل و المكرر و الموجود أينما حللت بالعراق، الجامعة أميركية و من الجيد أن تكون أمريكيتها علمية و معمارية، عدا عن أن فن العمارة الأوروبي يضاهي بجماله و تألقه و سحره و تفاصيله الدقيقة فن العمارة العربية الذي لا تجد فيه الروح المعمارية بل تراه كتلة بيتونية سخيفة، كما أن مبنى الجامعة يعد مبنى فريد في تصميمه و جماله و يجعلك تشعر بروح الثقافة الغربية، و أتمنى أن نجد فنا معماريا محليا يصل لبراعة و جمال الفن المعماري الغربي.

غير معرف يقول...

فعلا دكتور المبنى عبارة عن استنتساخ للعمارة الرومانية، مع تعمد تجاهل السياق الزماني والمكاني للموقع، فلابد هنا من حضور روحية العمارة المحلية.. مثال ذلك : مبنى مهد العالم العربي في باريس الذي عمد المصمم فيه الى دمج كتلتين الاولى منحنية تعبر عن روح العمارة الغربية المعاصرة والاخرى هندسية منتظمة مع استحضار الفناء الداخلي ورمزية المنارات الاسلامية والمشربيات في العمارة العربية الاسلامية