الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

: قصص الدّيانة اليهوديّة الأولى - الدّيانة اليهوديّة الإبراهيميّة - -





: قصص الدّيانة اليهوديّة الأولى - الدّيانة اليهوديّة الإبراهيميّة - 
روى لي والدي أنه عندما كان لايزال طفلاً صغيراً يربى في قرية من قرى جبل الحلو أو بما يُعرَف أيضاً بوادي النّصارى في أواخر فترة الثلاثينيّات وبداية الأربعينيّات (١٩٣٠ - ١٩٤٠) أي ما حول الحرب العالميّة الثّانية عن بساطة تطوّر الوعي الدّيني وسذاجة الإيمان الرّوحي لدى القرويين الأميّين السّوريين في وقتٍ ليس كثيراً ببعيد عن وقتنا الحاضر، وهم يؤلّفون الغالبية السكّانية لسوريا و للعالم العربي قبل نزولهم إلى المُدن وحدوث الإنفجار السّكاني فيما بعد في السبعينيات، في ذلك الحين لم تكن قرية واحدة في سوريا تعرف ما هي الكهرباء أو الطرق الإسفلتيّة أو شبكات المياه أو السيّارات، كل بيت أو عدّة بيوت كان لديهم جب (بئر) ماء وتنّور للخبز المشروح وحاكورة للخضراوات وعدّة أشجار تين ورمّان وجوز وتفّاح وعريّشات عنب وقن دجاج للبيض الطّازج ولحم الفراريج المشويّة على منقل الفحم أو للسلق والطبخ مع البرغل و حب الحمّص وكان للبيوت سور وداخله عاشت الخراف والماعز والأبقار للحليب والجبن وعلى زاوية وقف حمار أو بغل أو كديش وفي زاوية أخرى تتواجد مجرشة حنطة يدويّة عبارة عن حجرين صوّان يدوران فوق بعضهما لجرش الحنطة وصنع البرغل وقريباً منها انتشرت أطباق اللبن المُجفّف و قطارميز لدعابيل اللبنة والشّنكليش والزّيتون المرصوص وعلى زاوية أُخرى وضعت أدوات الحراثة والفلاحة والحصاد فهناك رفش و معول (قظمة) و منكوش مُسنّن و منجل و خاشوقة (ملعقة) كبيرة لتحريك السّليقة في القصعة الكبيرة في المُناسبات أو الإحتفالات. باختصار كان لديهم إكتفاء ذاتي ولكن لم تكن الحياة بتلك اليسر و الّسهولة فكثيراً ما مرّت عليهم سنوات قحط عجاف و داهم القُرى الجّوع و الأمراض فلم يكن هناك مستوصف أو خدمات تمريضية و أقرب طبيب لهم كان في بيروت و لم يكن لديهم غير الطّب العربي و روى لي أنّه عندما كان بعمر ٩ سنوات مرضت أخته جميلة وأصابتها حُمّى وكانت بعمر ٦ سنوات فأشار أحد "الفهيمين" بالقرية أن يأتوا لها بتراب أسود من القبور لأنَّ (المسيح وهب الحياة للذين في القبور) ويخلطوه بالماء و يجعلونها تشربه فتسمّمت و ماتت على الفور إثر إجبارها على شرب ذلك الخليط القاتل! وعندما مرض والدي بالتهاب اللوزات كان علاجه قطع اللهاة بالسكّين وكاد أن يموت هو نفسه جرّاء ذلك! ولكنّه قُدِّرَ له أن يعيش وأن يُحتَفَل به كأوّل من يحصل على أسمى وأرفع الشهادات العلميّة المعروفة آنذاك ألا وهي شهادة "السرتفيكا" وهي إتمام الصّف السّادس في مدرسة "الكتّاب" في القرية المُجاورة ! هكذا كانت حال أغلب أو جميع قُرى سوريا و لبنان و العالم العربي في الفترة مابعد انجلاء الحكم العُثماني بعد الحرب العالمية الأولى بعد إطباق الجهل و التّخلّف عليه طوال أربعمئة عام من الحكم التّركي لضمان إستمرار الإحتلال و نهب المحاصيل وجمع الأتاوات و الضرائب المُرهقة منها للباب العالي التّركي و ممثلي السّلطان العُثماني من بكوات و باشوات و أفنديين
مايهمّ بحثنا هنا هو إعطاء فكرة عن بساطة و جهل و تخلّف و سذاجة النّاس الطّيبين اللذين عاشوا في تلك الفترة تحت تلك الظروف وكيف كان وعيهم الدّيني! يقول والدي أنّ القرية كانت تقع في وادي ويحدّها جبلان وكان في قمّة أحدهما صخرة كبيرة وفي أثناء بعض الليالي كان يسقط عليها ضياء القمر فترسم على سفح الجبل ظلّها وكان على شكل خيال رجل وكان ذلك الخيال مدعاة للذُّعر ومصدر لدب الخوف والهلع في قلوب أهل القرية وآمن الجميع، بعد أن أدلى أحد "حكماء" الضّيعة أنّ ذلك الظّل ما هو إلّا ظهور وتجلّي للنّبي موسى فهو كليم "الرّب" الذي كان يصعد الجبال ليكلّم الله. وهناك حادثة أُخرى أذكرها أيضاً و تصب في هذا السّياق وهي وجود عمود بازلتي صغير في الشّاطئ الصّخري لمنطقة الباص أو الباصيّة المقابلة لقلعة المرقب في بانياس السّاحل السّوريّة وقد نُصِبَت وكانت تُستخدم كمرسى لربط حبال السفن الفرنسية والإيطالية عندما كانت ترسو جالبةً الإمدادات والعتاد والسّلاح من أوروبّا للغزاة الصليبيين الذين بنوا القلعة وصاروا حاميتها، ومثل تلك المراسي منتشرة على طول السّاحل السّوري-اللبناني-الفلسطيني مقابل سلسلة القلاع والحصون التي أنشأها الصّليبيون أثناء فترة الحملات الصّليبية على بلادنا ولكن سكّان تلك المنطقة والقُرى المُحيطة بها لهم اليوم رأي آخر في حجر المرساة الأسود المائل هذا ويحيطونه بهالة من القُدسيّة فهو "عصاة موسى" قذفها النّبي موسى من أعلى القلعة لطرد الغُزاة فشّكت وغرزت هناك بشكلها الحالي وميلانها باتّجاه القلعة وما إلى ذلك من تخاريف شيوخ ضيعنا وشعبنا إذ أنّ موسى هذا بعمره لم يعش أو يتواجد في بانياس السّاحل السّوري أو في قرى وادي النّصارى بين حمص و طرطوس! ولكن عندما نقرأ كتب العهد القديم والجديد والقرآن نراها ملآى بتخاريف مثل تلك وأكثر من ذلك بكثير وكلّها منشؤها قصص التّوراة الركيكة الغير مترابطة مكانياً وزمانيّا و التي استمرّت وتمّ تأكيدها في الإناجيل الأربعة المعروفة ب"الكتاب المُقدّس" وتمّ تأكيدها أكثر والإبحار فيها والإضافة إليها في كتاب القس ورقة بن نوفل مطران مكة لطائفة اليهود النصرانيين المترجم و المنقول عن التوراة العبرانية أو ماعُرف فيما بعد بكتاب "القرآن الكريم" وما أدعوها أنا ب"تخاريف اليهود"! فما هي هذه التخاريف والقصص و كيف وردت وكيف أصبح أبطال خيال و أوهام حاخامات اليهود أنبياء ورسل وملوك مقدّسين وأصبحوا تماثيل مُعظّمة مُقدّسة تزنّر وتطوّق الفاتيكان في إيطاليا وكاتدرائيّة نوتردام في فرنسا وسائر كنائس و كاتدرائيّات أوروبّا ؟ كيف نُسجت و ما هي الدّلائل على هشاشتها و عدم مصداقيتها و عدم عقلانيّتها و كيف تمّ تناقلها و تبديل بعض فصولها حتّى وصلت إلينا بشكلها الحالي اليوم؟
قصّة النّبي إبراهيم المُخجلة - أبو الأنبياء و أصل اليهود و العرب
وُلد إبراهيم وفق الرواية التوراتيّة في موطن آبائه بمدينة أور الواقعة في المنطقة الجنوبية من وادي الرافدين أي العراق، والتي يدعوها المحرر التوراتي بأور الكلدان نسبة إلى الشعب الكلداني السامي، الذي استوطن في هذه المنطقة و أسس في نهاية القرن السابع قبل الميلاد المملكة البابلية الجديدة التي كان من أبرز ملوكها الملك العظيم نبوخذ نصر. إن إطلاق إسم أور الكلدان على هذه المدينة، يدل على أن أخبار إبراهيم التوراتي قد دوّنت لأول مرة خلال تواجد سبي يهود مملكة يهوذا في منطقة بابل، لأنّ الشعب الكلداني لم يكن معروفاً خلال الحقبة التي من المفترض أن إبراهيم قد عاش فيها، وهي النّصف الأوّل من الألف الثاني ق.م. ولسبب لا يذكره نص سفر التكوين فقد قرر أبو إبراهيم المدعو (تارح) ترك موطنه و التوجّه إلى بلاد كنعان للإقامة فيها، فارتحل مع ولديه إبراهيم أو أبرام وناحور، و زوجتيهما ساراي و مِلكة، و لوط ابن ابنه الثالث المتوفى المدعو هاران. وتارح توقف في مدينة حرّان أو حاران الواقعة في الشمال السوري، ليقيم فيها مدة من الزمن قبل أن يتابع طريقه إلى كنعان، ولكنه توفي هناك. بعد وفاة تارح خاطب الرّب إبراهيم وقال له: إذهب من أرضك وعشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة و أباركك و أُعظّم إسمك و تكون بركة. فذهب إبراهيم كما قال له الرب، وأخذ معه ساراي (سارة) امرأته وكانت عاقراً لا تنجب، ولوطاً ابن أخيه المتوفى هاران، و كل مقتنياتهما و النفوس التي امتلكوها في حاران، وأتوا إلى أرض كنعان. أما أخوه ناحور فقد بقي في الشمال السوري. في أرض كنعان ظهر الرّب لإبراهيم و قال له: لنسلك أعطي هذه الأرض. فبنى إبراهيم مذبحاً للرب في شكيم حيث (ظهر له)، ثم ارتحل جنوباً إلى قرب مدينة بيت إيل، فإلى أقصى الجنوب الفلسطيني. عاش إبراهيم و ابن أخيه لوط في كنعان حياة الرعي المتنقل، وكان يقيم مع أسرته وعبيده تحت الخيام على أطراف المدن الكنعانية. وفي إحدى سنوات الجفاف حصل جوع في الأرض، فارتحل إبراهيم و لوط إلى مصر. وكانت ساراي زوجته فائقة الجمال، فقال عنها للمصريين إنها أخته لكي لا يُقتل بسببها و تؤخذ منه. ولكن بعض موظفي فرعون رأوها و امتدحوها لدى سيّدهم، فأمر أن يؤتى بها و ضمها إلى حريمه، و صنع لإبراهيم خيراً بسببها و صار له غنم و بقر وحمير و عبيد و إماء و جمال. و لكن الرب ضرب فرعون و بيته ضربات عظيمة بسبب ساراي، فدعا فرعون إبراهيم و قال له: لماذا لم تخبرني أنها امرأتك ؟ لماذا قلت لي هي أختك حتى أخذتها لتكون زوجتي ؟ والآن هوذا امرأتك خذها و اذهب. و أوصى عليه فرعون رجالاً فشيعوه و امرأته و كل ما كان له. فعاد إبراهيم إلى جنوب بلاد كنعان، وكانت مواشيه و مواشي ابن أخيه لوط كثيرة، فاختصم رعاتهما، وقرر الإثنان الإفتراق حتى لا تصير بينهما خصومة. فارتحل لوط شرقاً و سكن عبر نهر الأردن، و كانت هناك مدينتين مزدهرتين هما سدوم و عمورة و التين لم يرد ذكر اسم هاتين المدينين في أي من سجلات ثقافات الشرق القديم. فخيّم لوط على أطراف مدينة سدوم، أما إبراهيم فسكن على أطراف مدينة حبرون (أي الخليل في الجنوب الفلسطيني) . قصّة إبراهيم في سفر التكوين طويلة ومليئة بالتفاصيل المُملّة وبحسب التّوراة ومن بعدها القرآن المُستند عليها فإنّ إبراهيم لم يكن أباً للشعب العبراني فحسب وإنما أباً لجميع الأنبياء: * و وهبنا له إسحاق و يعقوب * و جعلنا في ذريته النبوّة و الكتاب * و آتيناه أجره في الدنيا * و إنه في الآخرة لمن الصالحين * يا أهل الكتاب لمَ تحاجوّن في إبراهيم و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده * ما كان إبراهيم يهودياً و لا نصرانياً و لكن كان حنيفاً مسلماً و ما كان من المشركين *
لم يذكر سفر التكوين شيئاً عن أيّام إبراهيم في موطنه أور الكلدان، و لاعن قصته مع أبيه الذي يُدعى في التوراة تارح ويدعى في القرآن آزر. ولكن هذه القصة وردت في أحد الأسفار غير القانونية و هو المعروف بكتاب اليوبيليّات. فهنا نجد أبرام بعد أن اعتزل أهله وملّته، يوجه لأبيه خطاباً يتطابق مع خطاب إبراهيم في الرواية القرآنية حيث يقول له: ما نفع هذه الأصنام التي نسجد لها ونطلب عونها ؟ إنها خرساء و لا روح فيها، إنها ضلالة للقلب فلا تعبدها، بل أعبد رب السماء الذي يرسل المطر والندى، الذي صنع كل شيء على الأرض، وخلق كل شيء بكلمته، ومنه تُستمد كل حياة. لماذا تعبد هذه الأصنام التي يصنعها الناس بأيديهم وتحملها على كتفك، و ليس فيها نفع لأحد. سوف يخزى من صنعها و يضل قلب من يعبدها. فقال له أبوه: أعرف ذلك يا ولدي، و لكن ماذا أفعل وقد أوكل إلي القوم أمر سدانتها ؟ لو كلّمتهم بالبرِّ لقتلوني لأن قلوبهم متعلّقة بها. إلزم الصمت يابني لكي لا يصيبك أذىً منهم. ثم إن أبرهام حدّث أخويه بما حدث به أباه فاستعر غضبهما عليه و لكن إبراهيم بقي مُصِرّاً على موقفه. و قد دفعته جرأة الشباب و تهوره إلى اقتحام المعبد و تحطيم تماثيل الآلهة فيه. وعندما سأله قومه عندما اجتمعوا عليه إن كان هو من فعل ذلك وحطّم تماثيل الآلهة أنكر أنّه قام بذلك (كذب) و أشار إلى أكبر تمثال لم يحطّمه بل وضع الفأس عليه و قال أنّ ذلك التمثال هو الذي قام بذلك ! وهنا نرى رجل أو خليل الله يكذب لينجو من العقاب. فيما بعد ذلك التّاريخ ب١١٠٠ سنة أي منذ تاريخ كتابة التّوراة في فترة الأسر البابلي حوالي ٥٠٠ ق.م إلى حوالي ٦٠٠ ميلاديّة نجد مُحمّد يستخدم ويتّبع نفس طريقة المُساءلة والنّقاش في مكّة ويقوم بتكسير وتهديم جميع تماثيل الآلهة عدا تمثال إله القمر إيلّلاه أو الّلاه (الله) في داخل و حول بيت الكعبة "بيت إبراهيم" ويدعو النّاس إلى عبادة هذا الإله ربُّ إبراهيم وربُّ الحجر الأسود تحت شعار (لا إله إلّا الّلاه) و إلى عدم إشراك عبادته بأيٍّ من الآلهة الآخرين تحت شعار (وحده لا شريك له) وأنّ من يعبد و يُشرك في عبادته آلهة آخرين هم من سوف يُدعون ب(المُشركين) ويُعلن نفسه على أنّه قائد جبهة نُصرِة هذا الإله تحت شعار (و محمّداً عبدهُ ورسوله)
الضيوف السماويون
في الأرض الجديدة التي نجّاه الرب إليها عاش إبراهيم و إبن أخيه لوط عيشة رغيدة و لكن زوجة إبراهيم كانت عاقراً و كان راغباً في ولد يرثه بعد أن شاخ و تقدم به السن و عمره يناهز ال١٠٠ سنة ثم جاءته بشرى الحمل الإعجازي بواسطة ملائكة لم يذكر النص القرآني عددهم، ولكنهم في النص التوراتي هم ثلاثة. وقد كان هؤلاء (الملائكة) في طريقهم لإهلاك القوم الذين عاش لوط بينهم، وهم أهالي مدينتي سدوم وعمورة لممارستهم الجنس المثلي أي اللواطة نسبةً إلى (النبي) لوط اللذي حاول هدايتهم، وعندما وصل الملائكة بعد سفرهم عبر مليارات المجرّات ظنّهم إبراهيم من البشر و دعاهم إلى ضيافته، وجاء بعجل فذبحه و أعطاه إلى أهله ليجهّزوه طعاماً و عندما وضع المائدة أمامهم وجد أن أيديهم لا تصل إلى الطعام، فأوجس منهم خيفة" ! نقرأ في سورة هود : * و لقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبُشرى * قالوا : سلاماً ، قال: سلام * فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نَكِرَهم وأوجس منهم خيفة" * قالوا : لا تخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط * و امرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب * قالت : يا و يلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ً؟ إن هذا لشيء عجيب * قالوا : أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت * .. وفيما بعد نرى هذا التعبير نفسه يُطلق على محمّد وآل بيته إلى يومنا هذا ! فعندما رأى إبراهيم ضيوفه يأكلون دون أن يأكلوا داخله الخوف، ولكنهم كشفوا له عن هويتهم و عن مهمّتهم المزدوجة ؛ فهم ينقلون له بشرى الرب بحمل زوجته في شيخوختهما، ثم إنهم منقلبون إلى قوم لوط لإهلاكهم لأن شرّهم قد كثر ! فلما سمعت سارة زوجته بالبشرى ضحكت لأنها تجاوزت سنّ الحمل و الولادة، فقالوا لها ألاّ تعجب من أمر الله لأنه ليس من شيء غير ممكن لديه. و بعدما هدأت خواطر إبراهيم راح يجادلهم في أمر قوم لوط، و يحاول ثنيهم عما جاؤوا من أجله، فقالوا له ألا يتشفع لهم لأن أمر الله قد تم بشأنهم .. ترد قصة إبراهيم وضيوفه بجميع عناصرها القرآنية في سفر التكوين ١٨، مع فارق واحد، و هو أن الضيوف الثلاثة كانوا إله التوراة يهوه نفسه ومعه إثنان من ملائكته وبدل الإمتناع عن الأكل فقد أكل الثلاثة و هم متكئون تحت الشجرة أمام خيمة إبراهيم : وظهر له الرب عند بلوطات ممرا و هو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار. فرفع عينيه و إذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة و سجد إلى الأرض وقال : يا سيّد، إن كنتُ قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليلُ ماء و اغسلوا أرجلكم و اتكئوا تحت الشجرة، فآخذُ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون. فقالوا: هكذا نفعل كما تكلّمت. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال : أسرعي بثلاث كيلات دقيقاً سميذاً و اعجني و اصنعي خبز مَلّةٍ. ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً و جيداً و أعطاه للغلام، فأسرع ليعمله. ثم أخذ زبداً و لبناً و العجل الذي عمله و وضعه قدامهم. وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا وقالوا له : أين سارة امرأتك ؟ فقال : ها هي في الخيمة فقال : إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك إبن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة و هو وراءه. وكان إبراهيم و سارة متقدمين في الأيام وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة في باطنها قائلة : أبعد فنائي يكون لي تنعّم وسيّدي قد شاخ ؟ فقال الرّب الذي ترك إدارة شؤون الكون كلّه و الواقف هنا شخصياً أمام إبراهيم : لماذا ضحكت سارة ؟ هل يستحيل على الرّب فعل أي شيء ؟ ثمّ قام الرجلان أي الملاكان من هناك و اتّجهوا نحو سدوم و عمورة لتدميرهما و عقاب ساكنيها، فتقدّم إبراهيم من الله ليتواسط لهم فزَجَرَ إبراهيم الله مُستنكراً: أفتهلك البار مع الأثيم ؟ عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان و لاتصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه ؟ فقال الرب : إن وجدتُ في سدوم خمسين باراً فإني أصفح عن المكان كلّه من أجلهم. فأجاب إبراهيم : ربّما نقص الخمسون باراً خمسة، أتهلك كل المدينة بالخمسة ؟ فقال الله: لا أُهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين، فعاد إبراهيم يُحاور الله بالحجّة والمنطق والإقناع الذي بدا وكأنّه قد جنّ أو فقد عقله فيكلّمه أيضاً ويقول له: طيّب عسى أن يوجد هناك أربعون ؟ فقال الله : إذن لا أفعل من أجل الأربعين فقال إبراهيم : عسى أن يوجد هناك ثلاثون ؟ فقال الرّب: لا لن أفعل إن وجدت هناك ثلاثين فقال إبراهيم : طيّب و إن وجد هناك عشرون ؟ فقال الرّب : لا أهلكهم من أجل العشرين، فقال إبراهيم : لا يسخط المولى فأتكلم هذه المرّة فقط (لاحظو استخدام عبارة "هذه المرّة فقط" بعد كل هذه المشارعة) عسى أن يوجد هناك عشرة ؟ فقال الله : إذن لا أُهلك من أجل العشرة ! و انصرف الرّب عندما فرغ إبراهيم من الكلام معه و رجع إبراهيم إلى مكانه
من الواضح للقارئ سخافة النّص التّوراتي و تخليطه الزّماني مع عدم تواجد العبرانيين في العراق في فترة الكلدانيين وهم الحضارة قبل البابليّة و إنّما كتابتهم لهذه القصّة أثناء فترة السبي البابلي لليهود أي ما بعد حوالي ١٠٠٠ سنة من وجود الكلدانيين في تلك المنطقة. أيضاً نرى أنّ الرّب ترك الكون بأسره و اتّخذ إبراهيم دوناً عن كلّ البشر صديق و خل وفي و لهذا أُطلق على إبراهيم لقب (إبراهيم الخليل) فهو خليل الله و صاحبه الصّدوق الصدّيق ! و في مدينة هامّة في الشّمال السّوري توقّف إبراهيم ليحلب بقرته ذات اللون الأشهب فسُمّيت المدينة بحلب الشّهباء وكأنَّ إبراهيم لم يتوقّف ليحلب بقرته سوى هناك ! و لكن الأهم على الإطلاق من كل هذه القصّة السخيفة هي إدّعاء اليهود ببدء تواجدهم في مصر منذ زمن إبراهيم و سفره إليها هرباً من الجفاف و هذا الإدّعاء غير منطقي جغرافيّاً و لوجستيّاً فلا يُعقل لقبيلة رعويّة صغيرة على رأسها ختيار بعمر ١٠٠ سنة أن تترك المنطقة الرّعويّة اللتي جفّت في شرقي نهر الأردن و لا تقطع النّهر لتصبح مباشرةً في قلب سهول فلسطين أخصب أرض في كل المنطقة ولكن بدلاً من ذلك يرتحلون، عبر صحراء النّقب ثمّ عبر صحراء سيناء ثمّ عبر صحراء شرقي مصر للوصول أخيراً إلى منطقة فرعون ولكن ل ايحدّد الحاخام اليهودي مؤلّف هذه القصّة في أي مكان في مصر كان ذلك البلاط الفرعوني؟ ونحن نعرف أنّ ملوك مصر كانوا قد بنو أهرامات الجّيزة كمدافن لهم قرب البحر المتوسّط حتّى يظن الغزاة القادمين من البحر أنّه في هذا الموقع يكمن كلّ شيء ولكنّهم في الحقيقة عاشوا و بنوا مدنهم و ممالكهم و معابدهم و مدافنهم و مدافن كنوزهم النفيسة في وادي الملوك و وادي الملكات في الأُقصر و أسوان بعيداً في عمق الجنوب المصري فهل قطع إبراهيم كل الصّحراء المصريّة وصولاً إلى حدود السّودان ليقيم هناك بجوار البلاط الفرعوني ؟ و حتّى لو افترضنا أنّ هذا الأمر قد حدث فعلاً لقد قال لنا المؤلّف التّوراتي للتّو أنّ سارة قد تقدّم بها العمر و شاخت و قد ضحكت من غباء الله و لطمت على وجهها بعدما قال أنّه سيمنحها حملاً و تلد اسحاق و يعقوب قائلةَ له كيف يتحدّث بذلك وهي قد انقطعت عنها الدّورة الشّهريّة و لم تعد في سن الإنجاب منذ فترة طويلة و إن كان قد قال لنا أنّ عُمر إبراهيم كان ١٠٠ سنة فهذا يعني أنّ عمر سارة كان غالباً من ٧٠ إلى٩٠ سنة أي أنّها كانت عجوز مثله فهل يُعقل أن موظّفي البلاط الفرعوني قد ذُهلو بجمالها الفريد و أسرعوا ليبلّغوا فرعون عنها و كأن مخادع ملوك مصر قد خلت من مئات من أجمل جميلات صبايا مصر و من كل البلدان التي شملتها الإمبراطوريّة المصريّة من صغيرات السّن حتى ينبهر فرعون بها و بجمالها الفتان ختيارة الجن هذه فيسأل إبراهيم من تكون و هنا يكذب رجل الله مرّة أخرى (بعد إنكاره لهدم الأصنام في العراق) ليصون حياته و يُجيب فرعون على أنّها أخته فيأخذها فرعون و ينكحها لعدة سنوات ثمّ يُعيدها لإبراهيم بعد أن اكتشف أنّها زوجته وأغدق عليه بمال وحلال ويشيّعه رجال فرعون وهو عائد لفلسطين ! أما كان حريٌّ بخليل الله هذا أن يطلب من صديقه الوفي الله آغا معروفاً صغيراً بأن يمنع هذا النّكاح أو يُنزل العقاب بفرعون منذ البداية عقاباً له على دناوة نفسه على هذه الختيارة اليهوديّة (الفائقة الجمال) ؟ و لكن نرى هنا تصوير شخصية إبراهيم الوضيعة الذّليلة لقبوله لفرعون بنكاح زوجته لعدّة سنين و كذبه لحماية نفسه على أنّها أُخته. و لماذا نزل عقاب الله على فرعون فهو لم يفعل خطأ بنكح سارة طالما قدّمها له إبراهيم على أنّها أُخته بينما كان الأجدر نزول عقاب الله على إبراهيم لكذبه على تقديمه لفرعون أنّ سارة هي أُخته و ليست زوجته ليتسنّى لذلك الفرعون نُكاحها و يجني من فرعون بيك مواشي و نوق و عبيد و إماء و خدم و أهمّهم الجارية هاجر المصريّة أمّ إسماعيل و (أمّ العرب)! إذن يصف لنا كاتبوا التّوراة بأنّ إبراهيم لعب دور (عرصة أو قوّاد) كما هو متعارف عليه اليوم و تاجر بزوجته سارة و كسب من ورائها و لكن (فرفور ذنبه مغفور) وأنبياء اليهود كلّهم كما سنرى فيما بعد معصومين من غضب الرّب لذا فالعقاب حلّ بفرعون حين (ضربه الرّب ضربات شديدة). وهناك مغالطة غير منطقيّة هامّة أُخرى جديرة بالذّكر وهي سؤال إبراهيم لتماثيل الآلهة وهي صامتة وأمامها الذبائح والعطايا والتقدمات (ألا تأكلون؟) ثمّ يستنتج أنّها مجرّد أصنام وليست آلهة فيقوم بتحطيمها بالفأس ولكن عندما نجده في مكان وزمان آخر في حضرة ضيوفه السّماويين الثلاثة ويسألهم نفس السؤال (لِمَ ل اتأكلون؟) بعد أن ذبح الغُلام لهم العجل الحنيذ وشوى لحمه على الأحجار السّاخنة ولم يأكلوا فيستنتج لعدم أكلهم هذا أنّه في حضرة الله و إثنين من ملائكته بهيئة رجال أرضيين ! ثمّ يقوم باستدراج الله بذكائه الخارق بتنزيل عدد الصّالحين في سدوم و عمورة تدريجياً من خمسين إلى عشرة و يقنع الرّب أن فكرته في إحلال العقاب بالمدينتين فكرة غير جيّدة و يقنتع الرّب بحجّة و شفاعة إبراهيم مع أنّ هذا الله المُتمثّل بهيئة رجل لا يفعل بعد ذلك شيئاً لمنع الملاكين المُتمثّلين بهيئة الرجلين الآخرين و الذين غادرا للتّو لإهلاك المدينتين الخاطئتين
عدا عن أنّ هذه القصّة وإن حدثت بغض النّظر عن عقلانيّتها وتاريخيتها فإنّ أحداث قصص الرّوايات التّوراتيّة حدثت بالكامل تقريباً في المناطق الرعويّة التي استقرّت فيها هذه القبائل بعد الهجرات السّاميّة في البادية شمال صحراء شبه الجزيرة العربيّة جنوب و شرقي الأردن و صحراء النّقب و دخولها في صراع مادّي على المراعي و الأراضي مع قرية مصريم الواقعة شمال الحجاز و زعيمها مختار أو فرعون القرية حيث أن السجلّات المصريّة لم تُشِر ولا حتّى لمرّة واحدة لإسم أي من ملوك مصر بالفرعون أو بالفراعنة بل كان يُطلَق عليهم إسم الملوك، الملك كذا أو الرّمسيس كذا أمّا كلمة فرعون باللغة العربيّة فتعني زعيم قبيلة أو مختار قرية صغيرة ! ومن ثمّ تأسيس هذه القبائل لمملكتي يهوذا و السّامرة غرب نهر الأردن فيما يُعرَف اليوم بالضّفة الغربيّة مجاورين للكنعانيين و الفلسطينيين و من ثمّ للآراميين و الذين دخلوا معهم جميعاً في صراع مادّي على الأراضي و مناطق النّفوذ و في صراع ديني روحي على الآلهة المعبودة كما نعرف و كما سنعرض لكم فيما بعد. وهناك قصتان من سلسلة قصص إبراهيم في التّوراة سوف نتعرّض لهما عندما نأتي إلى الحديث عن إسماعيل، وهما الخلاف بين سارة زوجة إبراهيم وجاريتها هاجر وما نجم عن ذلك من إبعاد هاجر وابنها إسماعيل إلى البرّية، وكيف همّ إبراهيم بذبح إبنه إسماعيل وتقديمه قرباناً للرّب
قصّة إسماعيل
إسماعيل بالعبرية יִשְׁמָעֵאל ومعنى إسمه في كلتا اللغتين (يسمع إيل) بالعبرية أو (سَمِعَ الله) بالعربيّة بمعنى لبى الله دعاء إبراهيم بأن يكون له ولداً فمنحه إسماع-إيل (سمع الله لمن حمده) وكان إسماعيل الإبن الأكبر لإبراهيم من هاجر المصريّة جارية زوجته سارة و كان إسماعيل أول من ذٌكر في سفر التكوين من كتاب التوراة كالإبن الأكبر لإبراهيم من هاجر المصرية جارية سارة و لا تعترف الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة بنبوّة إسماعيل. في كتاب التوراة العهد القديم، يوجد شرح لحياة إسماعيل في سفر التكوين إصحاح ١٦ ومايليه ويرد فيه : سارة، زوجة إبراهيم منحت خادمتها هاجر لإبراهيم حتى تحبل منه و تلد له ولداً تتبناه لإعتقادها بأن الله حرمها الحمل. حملت هاجر و بدأت بإهانة سارة لذلك طردتها من بيت إبراهيم في ثورة غضب. هربت على إثرها هاجر إلى البريّة وهناك ظهر لها ملاك الرّب و أمرها بأن ترجع إلى بيت إبراهيم و قال لها : (لأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكِ فَلاَ يَعُودُ يُحْصَى) وأكمل قائلاً : (هُوَذَا أَنْتِ حَامِلٌ، وَسَتَلِدِينَ ابْناً تَدْعِينَهُ إِسْمَاعِيلَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ شَقَائِكِ. وَيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ). عادت هاجر إلى بيت إبراهيم ومعها إبنها الذي أسمته إسماعيل وبعد أن بلغ إسماعيل الرابعة عشرة من عمره، حملت سارة بإسحاق أو بالعبريّة (يتسحاك) وتعني بالعربيّة (يضحاك أو يضحك) ولد إبراهيم، و عند بلوغ إسماعيل سن السادسة عشرة أغضَبَ سارة، فطلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر و إبنها. كَبٌرَ اسحاق، و في اليوم الذي فٌطم فيه أقام إبراهيم وليمة كبيرة، لكن سارة لاحظت بأن إسماعيل يسخر من إبنها اسحاق، لذلك طلبت سارة من إبراهيم : (اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ و َابْنَهَا، فَإِنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحقَ). و بالرغم من أن إبراهيم لم يكن مرتاحا" من مسألة طرد هاجر و إسماعيل، لكنه انصاع إلى أمر امرأته بعدما وعده الله، صديقه و خليله المتواجد دائماً بقربه للإستماع إلى همومه ومساعدته في حلّ مشاكله، بأنه سيعتني بإبنه إسماعيل و يجعل له نسلاً كما لإسحاق. ضايق هذا إبراهيم كثيراً لأن إسماعيل كان إبنه ولكنّ الله قال له : (لاَ يَسُوءُ فِي نَفْسِكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ أَوْ أَمْرُ جَارِيَتِكَ، و َاسْمَعْ لِكَلاَمِ سَارَةَ فِي كُلِّ مَا تُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ لأَنَّهُ بِإِسْحقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَسَأُقِيمُ مِنِ ابْنِ الْجَارِيَةِ أُمَّةً أَيْضاً لأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ). فذهبت هاجر و إسماعيل إلى برية بئر سبع، ولاحظو معنا هنا جُملة (برية بئر سبع) أي أنّ أحداث هذه القصّة كانت تدور في صحراء النّقب في جنوب فلسطين و ليس كما ورد في قصّة الإسلام المُناقضة لها على أنّ مكان البرية كان في صحراء الحجاز قُرب مكّة، و عندها مرّت هاجر و ابنها بفترة عصيبة، فسمعت صوت ملاك الرّب يأتيها من السماء يقول لها : (مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَاهَاجَر ُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقًى. قُومِي و َاحْمِلِي الصَّبِيَّ، وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً). وبذلك سكنت هاجر و إسماعيل في صحراء فاران و برع إسماعيل باستخدام القوس و رمي النّبال و اتخَذَت لهٌ أمه زوجةً (لا ندري من أين أتت ؟!) و صار لإسماعيل ١٢ ولداً و منهم إبنة اسمها بَسْمَةَ حيث تزوجها رجلٌ يُدعى عيسو ليرضي أهله. طبعاً هذا ليس عيسى إبن مريم ولكن هذا الإسم كان شائعاً عند اليهود في ذلك الزّمان. ثمّ يظهر إسماعيل مع أخوه في عزاء و دفن أبيهما إبراهيم : (فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحقُ و َإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا). و قد صار أبناء إسماعيل الإثني عشر رؤساء لإثنتي عشر قبيلة (ومن هنا صار هذا الرّقم مُقدّساً عند اليهود ليصف خطأ" أسباط اليهود من ذرّية إسحاق فهم إثني عشر سِبطاً ومن ثمّ يصبح مُقدّساً أيضاً عند الشّيعة والعلويين ليصف الأئمّة الإثني عشريّة من ذرّية الإمام علي فهم إثني عشر إماماً) وانتشرت ذرّية إسماعيل أو يسمع إيل من حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الْمُتَاخِمَةِ لِمِصْرَ فِي اتِّجَاهِ أَشُّور َ(طبعاً بتنا نعرف أنّ هذه المنطقة متاخمة لقرية مصريم الواقعة في جنوب الأردن شمال الحجاز وليست مصر أو الإمبراطوريّة المصريّة البعيدة جداًَ عن هذه المنطقة) وفِي اتِّجَاهِ أَشُّورَ وهذا صحيح جغرافيّاً بالنّسبة لمكان أحداث القصّة ولكن ليس زمنيّاً لأن آشور و نمرودها العظيم كانا قد انقرضا قبل عدّة مئات من السّنين من هذه القصّة و الأحداث تدور في فترة وقوع المنطقة تحت سيطرة مملكة البابليين الآن وليس في فترة مملكة الآشوريين
تختلف الرّواية اليهوديّة مع الرّواية الإسلاميّة بقصّة فداء إبراهيم لإبنه إسحاق بدلاً من إسماعيل وهذا ما سبْب تناقضاً وإحراجاً لمُحمّد فيما بعد .. أمّا في الدّيانة الإسلاميّة فتروى نفس القصّة ولكن مع كثير من المٌغالطات التّاريخيّة و الجغرافيّة و تأخذنا بأحداثها من صحراء بئر السّبع (أو بير شيبا بالعبريّة) في فلسطين إلى جنوب الحجاز وحول مكّة حيث سكنت القبائل اليهوديّة و التي أتى منها القس ورقة بن نوفل و رسوله مُحمّد بعد هروبها من المجازر والإضطهاد الرّوماني بعد سقوط القدس وتدمير المعبد في عامي ٧٠ و ١٣٥ ميلاديّة بعد أن تمّ للرومان القضاء على ثورة وتمرّد اليهود على الحُكم الرّوماني. ففي الرّواية الإسلاميّة يترك إبراهيم زوجته هاجر و ابنه إسماعيل ليواجها مصيرهما لوحدهما إمتثالاً لرغبة زوجته سارة ويكذب للمرّة الثّالثة هنا على هاجر عندما يجيب عن سؤال هاجر لماذا يتركهما في هذا المكان المُقفر لوحدهما ؟ فيجيبها قائلاً : أنّه إمتثالاً و نزولاً عند أمر الرّب (و ليس امتثالاً لرغبة زوجته سارة) و يذهب تاركاً أيّاهما في المنطقة الواقعة ما بين جبل الصّفا و المروة و قد هلعت المرأة و راحت تعدو بينهما عدّة مرّات بحثاً عن الماء لإيشاكها و إبنها على الموت عطشاً و هي تلهث وراء السّراب و لكنّ الماء يتفجّر بإرادة الله عند قدمي الطفل إسماعيل في ذات المكان حيث تركته و هكذا يسلمان و من ثمّ تمر صدفة بالمكان قبيلة (جرهم - القبيلة التي أتى منها محمد فيما بعد) العربيّة فتطلب الإذن من هاجر بالإستيطان فتطلب أن تستأذن هذه الزّوجة المُطيعة من زوجها الغائب أوّلاً، فيظهر إبراهيم في القصّة من الخفاء فجأة ! و يأذن بذلك فتستوطن القبيلة هناك و يدقّون خيامهم و ينصبون لهاجر و ابنها خيمة جميلة ! ثمّ يأمر الله صديقه و خليله إبراهيم ببناء بيت له في مكّة فيفعل و يبني الكعبة في مكّة مع أنّ إبراهيم كما قد سبق و رأينا في الرواية التوراتية كان في صحراء النّقب و بعمره لا كان في مكّة و لا بنى بيت للرّب في مكّة !! لا بل في التّوراة وهي أصل القصّة لم يطلب الرّب منه بناء بيت أو كعبة له و لكن قد تمّ اختيار كعبة مكّة في الرّواية الإسلاميّة لتوجيه و حصر أموال و أرباح تجارة الحج في قبيلة قُريش عدا عن أيّ من القبائل الأُخرى حيث ذكرت الكثير من المصادر وجود ١٨ كعبة في أنحاء شبه الجزيرة العربيّة أي ١٧ كعبة أُخرى إضافةً لكعبة مكّة احتوت جميعها على آلاف التماثيل للآلهة المعبودة عند مُختلف القبائل العربيّة المُتواجدة في اليمن والجزيرة العربيّة آنذاك. طبعاً زالت الكعبات كلّها ولم تُبقي عقيدة التّوحيد الإبراهيميّة - المُحمّديّة إلّا على كعبة مكّة و على إله واحد هو الله ربّ الأرباب أو إللاه كبير الآلهة أو بالعبريّة ياهواه أو يهوه وتعني كلمة ياه-واه أو ياه - واح : القمر وحده
و لكن تتفق الرّواية الإسلاميّة مع الرّواية اليهوديّة بقصّة فداء إسماعيل بذبح كبش بدلاً عنه و هو إعادة تمثيل لإستغناء و عدول السّومريين و الآشوريين و البابليين عن تقديم القرابين البشريّة على مذابح الآلهة الإناث المُقدّسة إنانا وعشتار ومن ثمّ أولادهما الآلهة الذّكور مردوخ و أدونيس (وهذه المنصّات نفسها لازالت موجودة في الكنائس المسيحيّة و تُعرف بإسم المذبح وهي موجودة أمام الخوري و عليها يتم طقس تناول قربان أوجسد الرّب) فقد أمر الله إبراهيم بذبح إبنه إسماعيل و تقديمه له قُرباناً كبرهان على ولائه له و إيمانه به و لمّا امتثل إبراهيم لطلب صديقه الرّب و ما أن همّ بذبح إبنه البكر حتّى سمع إيراهيم نداءً سماوياً يأمره بذبح كبش فداءً لإسماعيل بدلاً من ذبحه و عندما نظر إبراهيم إلى جهة الصوت رأى كبشاً سميناً ينزل من فوق قمة الجبل وكان كبشاً أملحاً و له قرون .. تصوّروا معنا هذه العجيبة ! كبش مليح (و له قرون .. يا الله على هالعجيبة !!) فحلَّ إبراهيم الوثاق عن إبنه إسماعيل ثم قَدِم الكبش طواعية إلى بين يدي الختيار المُسن و تمدّد على الأرض مادّاً عُنقه فذبحه إبراهيم (باسم الله و قدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم) كما تقول الرّواية الإسلاميّة و منذ ذلك اليوم أصبح تقديم الأضاحي من مناسك الحج و المسلمون في كل مكان من العالم يذهبون لزيارة بيت الله .. البيت الذي بناه إبراهيم و إسماعيل لعبادة الله .. يطوفون حوله و يمجّدون اسمه .. و يسعون بين الصفا و المروة كما سعت هاجر من قبل، و يُقدِّمون القرابين كما قدّم إبراهيم قرباناً من قبل .. يفعلون ذلك لأنهم على دين إبراهيم الحينيف و دين إبراهيم هو دين الإسلام الحنيف
أنا ابن الذبيحين .. هل تعلمون من قال هذه العبارة ؟ إنّه مُحَمّد ! فمن ذرّية إبراهيم و إسماعيل ينحدر عبد المطّلب جدّ محمد و هو الذي حفر زمزم وفي عهده هاجم الجيش الحبشي مكة لتدمير الكعبة فدعا عبد المطلب الله أن يحمي البيت الحرام من شرّ الأعداء فاستجاب الله دعاء حفيد إبراهيم و إسماعيل و (أرسل طيراً أبابيل وطائرات إف - ١٦) فقصفت جيش أبرهة الحبشي ومزقته شرّ تمزيق .. تقول الرّواية الإسلاميّة : دعا عبد المطلب الله أن يرزقه عشرة بنين و نذر إن رزقه الله ذلك أن يذبح أحدهم قرباناً لله .. الله رزق عبد المطلب عشرة أبناء .. فقال عبد المطلب : لقد رزقني الله عشرة أبناء و عليّ أن أفي بالنذر. اقترع عبد المطلب بين بنيه العشرة فخرجت القرعة على عبد الله و هو والد محمّد فأراد عبد المطلب أن يذبح ابنه وفاءً بنذره ولكن لاحظوا معنا هذه النّهفة هنا (أهل مكّة كانوا يحبّون عبد الله كثيراً) لهذا قالوا لعبد المطلب : لا تذبح عبد الله بل أقم قرعة بينه وبين الإبل و (اعط ربّك حتى يرضى) .. وهكذا بدأ عبد المطّلب بقرعة بينه و بين عشرة من الإبل فتخرج القرعة على عبد الله فيعيدها و يضاعف عبد المطلب الرّقم بعشرة كل مرة كانت تخرج فيها القرعة على عبد الله حتى أصبح عدد الإبل مئة وعندها خرجت القرعة على الإبل .. وقد (رضي الله) و كان وقتها عبارة عن تمثال اﻹله هبل (إيل - إله القمر) رب اﻷرباب و كبير أصنام الكعبة بفداء عبد الله لقاء نحر مئة من الإبل فأمر عبد المطّلب بالإبل أن تنحر و أن تُوزّع لحومها على الفقراء والجياع. لقد كان عبد الله (أبو محمد) على وشك أن يذبح و لكن الله رضي بفدائه فهو كإسماعيل الذي افتداه الله بذبح كبشٍ عظيم (و الذي كان له قرون لهذا كان اليهودي النُّصراني مُحمّد دائماً يقول : أنا إبن الذبيحين .. لأنّه إبن ذبيح الله عبد الله بن عبد المطّلب الذي هو من ذريّة ذبيح الله إسماعيل إبن إبراهيم
بغض النظر عن ماهية القوة العظمى الخالقة للكون و كونها موجودة أم أن الكون قد خلق نفسه بنفسه فهذا لا يهمنا .. ما يهمنا هنا أن هذه اﻷديان أضحتت لعنة و طاعون و وباء فتّاك على البشريّة و يا ليت البشر بقوا على عبادة عشتار لكان الحب و الخير و المحبة تملأ العالم اليوم لكن اﻷديان و الخرافات و اﻷوهام و الوعود الزائفة بالمكافأة بالجنة و الوعيد و الترهيب بالحرق و العذاب بنار جهنم و غيرها من هذه التُّرّهات الفاسدة التي لوّثت عقول البشر و أتاهتهم عن بوصلة اﻹنسانيّة و ملأت اﻷرض حقدا" و قتلا" و شرورا" بإسم الدين و إسم هذا اﻹله .. ما يهمنا هنا هو تبيان من أين أتت هذه اﻷديان و كيف تطورت و كيف وصل إلينا هذا اﻹله المعبود الحالي في اﻷديان اليهودية اﻹبراهيمية الذكورية الثلاثة : اليهودية و المسيحية و اﻹسلامية و الذي إسمه الله - إيلاه - إله - إيلي - إيلي - إيلاهم أو اللهم - إيلوهيم اليهودي الذي ما هو إلا إيل - إله القمر اﻵرامي البابلي اﻵشوري و دحض سخافات و تُرّهات هذا الدين اليهودي اﻹبراهيمي و نقض هذا الوهم المقدس المُخرِّب لعقول البشر و للحضارات و القيم اﻹنسانيّة .. طبعا" الكلام موجه للعقلاء فقط و للذين يقرأون أي كتب غير التوراة و نسختها المترجمة إلى العربية القرآن !
لا يوجد حال من كل أمم اﻷرض أسوأ مما وصل عليه حال العالم العربي و العالم اﻹسلامي اليوم و كله بسبب النفاق و الكذب و هذا الوهم المقدس; الدين المخرب لعقول الناس .. ليس بالدين و الخرافة و الوهم تبنى المجتمعات الصحيحة .. الدين المسيحي خرّب و دمّر أوروبا في العصور الوسطى و لم تبنى أوروبا و تخطو الخطوات الصحيحة نحو التقدم و التطور العلمي و اﻹزدهار و الرقي الحضاري إلا بعدما واجهت رجال الكنيسة و فصلت دورهم عن الحياة السياسية و الشؤون العامة للبلاد و انعتقت من نير تسلطهم و فسادهم منذ حوالي ٣٠٠ سنة .. أما نحن فلا نزال نعيش اليوم في العصور الوسطى لعالمنا العربي و اﻹسلامي و ما زلنا نتخبط تحت ظلال أكاذيب هذه اﻷديان اليهودية اﻹبراهيمية الثلاثة و التي آن اﻷوان للتخلص منها و اﻹنعتاق من نير تسلطها على عقولنا و على حياتنا حتى نستطيع اللحاق بالركب الحضاري و التخلص من الفقر و الجهل و التخلف الحضاري و اﻹجتماعي و اﻹقتتال الديني و التناحر الطائفي الذي تعيشه مجتمعاتنا اليوم !!
حين نوجه أنظارنا نحو التكوين النفسي للأفكار الدينية نرى أنّ هذه الأفكار التي تطرح نفسها على أنها معتقدات ، ليست خلاصة التجربة أو النتيجة النهائية للتأمل والتفكير، إنما هي توهمات، تحقيق لأقدم رغبات البشرية وأقواها وأشدها إلحاحاً وسر قوتها هو قوة هذه الرغبات .. وبالأصل نحن نعلم ذلك : فالإحساس المرعب بالضائقة الطفلية أيقظ الحاجة إلى الحماية والحماية بالحب ، وهي حاجة لبّاها الأب و قد أدرك الإنسان بأن هذه الضائقة تدوم عبر الحياة كلها مما جعله يتشبث بأب أكبر، أب سماوي أسماه الآب أو الإله، أب أعظم قوة وأشد بأساً هذه المرة .. فالقلق الإنساني إزاء أخطار الحياة يسكن ويهدأ لدى التفكير بالسلطان الرفيق العطوف للعناية الإلهية ، كما أن إرساء أسس نظام أخلاقي يكفل بتلبية مقتضيات العدالة ، هذه المقتضيات في غالب الأحيان غير متحققة في الحضارات الإنسانية ؛ ثم إن إطالة الحياة الأرضية بحياة مستقبلية تقدم إطار الزمان والمكان الذي ستحقق فيه تلك الرغبات .. يؤكد فرويد أن الإنسان يمكن أن يحتمل مشاق الحياة عندما يقطع رجاءه بالغيب ، فيقول : و لا شك في أن الإنسان سيتوصل، يوم يقطع رجاءه من عالم الغيب أو يوم يركز كل طاقاته المحررة على الحياة الأرضية، إلى أن يجعل الحياة قابلة للإحتمال من قبل الجميع .. 



ليست هناك تعليقات: