ذاكرة ثقافية : انه عادل كامل ولاغرابة !
حسن العاني
هو الذي يستعصي على الفهم اذا ما تيسر فهم الآخرين، الرجل الذي يغريك بأنه ما جاوز عهد الفتيان وقد بلغ الأربعين، والرجل الذي تقول لك مواجعه انه بلغ الثمانين حتى تشفق عليه من نفسه.
طفل ضاج يمتلئ المكان بضحكاته، وقور هاديء صامت يملأ المكان سكوتا ً حد الكآبة، تجتمع في نفسه وظنونه كل مكتشفات علم النفس وأمراضه في ساعة من الزمن، وتجتمع في بدنه واحمرار خديه وقدراته على العمل والحركة كل معاني الصحة وإمارات العافية في اللحظة الواحدة، في اللحظة نفسها، وهو يقضم (لفة) الكباب، يناقش الشلة عن معرض من معارض الرواق وأمامه ورقة يكتب عليها موضوعا ً عن فن القصة ما بين عام 1947 وعام 1987، رسم من اللوحات وأقام من المعارض وكتب من القصص والروايات والكتب الفنية ما يعجز عن تقديمه خمسة رسامين وخمسة أدباء وخمسة صحفيين يواصلون عملهم ليل نهار دون راحة أو استراحة، وقد بلغ من أمر نشاطه الكتابي المتنوع انه كان يفاجأ بموضوع أو دراسة له في هذا المطبوع وتلك المجلة وهذه الجريدة مرة باسمه وعشر مرات بأسماء وهمية ومائة مرة بدون اسم، بعد ان نسي متى كتب الموضوع ومتى بعثه ومن كلفه بكتابته.
وخلال الأربعين عاما ً من العمل الأدبي والفني يستطيع عادل كامل لو مزق نصف الموضوعات التي نشرها وجمع البقية الباقية من قصة ورواية وكتابات فنية ونقدية وصحفية وأدبية وأضافها إلى لوحاته ومعارضه لأصبح واحدا ً من المرشحين لنيل جائزة نوبل.
أكمل المعهد والأكاديمية وأقام ستة معارض ويحمل عضوية اتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين ونقابة الفنانين وجمعية التشكيليين، اصدر ستة كتب في النقد الفني ومثل هذا العدد في مجال القصة والرواية واصدر مؤلفات مختلفة في ميادين الأزياء والآثار والفن الآشوري والمدن وشغل مواقع تحريرية مختلفة آخرها في ألف باء، له 30 بحثا ً أو يزيد في مجال تاريخ الفن، وله بضعة آلاف تحقيق ومادة صحفية ...
لقد أتعبني وأتعبكم هذا الإنسان الآلي الوديع القريب إلى القلب، الصديق الذي يحسن فن الصداقة ويحترم أصولها، المستعجل في كل شيء، القلق من كل شيء والذي طلبت منه ان يضع لنفسه أسئلة ويجيب عليها، ففعل وسأل وأجاب قبل ان انتهي من طلبي... انه عادل كامل ولا غرابة ... وهذا يسير من يسير مما يستعصي على الفهم.
بدأ حياته رساما ً ولم ينته أديبا ً، ولكنه غير أجواء أداته وأدواته وبين هذا التحول ظل في النفس حنين إلى اللون، وقبل ان يسعى عائدا ً إلى اللوحة قرر إكمال دراسته العليا، هل نقف قليلا ً عند حواره,
* لماذا غادرت فن الرسم إلى القصة؟
ـ مازلت ارسم، لا اعني اعن أني حاولت ان أعوض الرسم بالكلمات، بل اعني شخصيا ً: لماذا الرسم؟ أقول بعد تجربة أكثر من ربع قرن في الرسم وفي النقد...، ان الرسم من الفنون العظيمة، مثل الموسيقى، والشعر، وأنا لم أغادر هذا الفن إلى القصة، أو إلى الرواية,
* لكنك لم تعد تعرض لوحاتك الفنية...؟
ـ هذا أكيد ...، لقد قال والدي لي قبل ثلاثين سنة: عادل... لا يمكن ان تكون إلا رساما ً، وأنا اعرف الآن أنني لا أصلح إلا لفن الرسم.
* وماذا عن النقد..؟
ـ كان النقد ومازال محنة في حياتي: إنها محنة حياة ومحنة رؤية ومحنة صدق مع النفس، أنت لا تحب ان أتحدث بالتجريد ولا تحب ان أتحدث بالنظريات، حسنا ً، ان النقد الفني الذي ارتبط بحياتي هو جزء منها ذاتها، صدقني أني لا أحب النقد الآن، بل أحب الرسم.
* ولكن لماذا القصة القصيرة ..؟
ـ تبقى القصة قريبة للرسم، ومع ذلك فإنها تمتلك عالمها الخاص...، إنها ربما ترسم العالم الداخلي للإنسان، في الوقت الذي يمتلك الرسم تحديد جماليات العالم الخارجي.
* حسنا ً، ماذا عن الرواية ..؟
ـ تقصد، كما يبدو لي، اني أجرب أكثر من فن، حسنا ً...، الرواية، بعد القصة والرسم والنقد ...، تبقى الفن الوحيد...، الفن الذي يمثل الخبرة، والحياة، لأن الرواية هي سيدة الفنون، وأنا اعد نفسي على هذا المستوى لكتابة العمل الذي يمثل خلاصة هذه التجارب.
* والآن، ما مشاريعك الأدبية ؟
ـ إنها مشاريع في الرسم.
* عودة إلى الماضي؟
ـ نعم، إلى رسم الطبيعة، ورسم الحياة، ولكني اكتب رواية عن الحرب، واكتب النقد الفني أيضا ً . إنني اعمل بمعدل عشر ساعات يوميا ً، وأنا سعيد بهذا العمل، العمل الذي وجدت له أكثر من صدى عند الآخرين.
* لقد حدثتني عن رواية جديدة، ترى ماذا فيها ....؟
ـ لدي ّ أكثر من رواية في مقدمتها رواية عن العذاب العربي. إي رواية تتحدث عن الكفاح، والعذاب، ولدي ّ رواية تتحدث عن الحب، وفي الروايتين هناك الحب إزاء الموت، وهناك البطل إزاء الأسطورة، أي هناك محاولة البحث عن حقيقة الإنسان...، هذا الذي يتعذب بصمت، والذي يتحول إلى بطل في أعمالنا الفنية ...، ان كانت في القصة أو في الرواية.
* هل ترى ان النقد الفني اليوم يوازي الإبداع؟
ـ أبدا ً...، ان النقد يتراجع كثيرا ً عن العملية الإبداعية، لا لأن الإبداع يتميز بالتنوع او بالتجديد، بل لأن النقد لم يعد يواكب الحركة الفنية عامة، كتاريخ أو كنقد جاد يسهم بتعديل مسار بعض التجارب...، بل اخذ النقد، في الغالب، يتراجع الى ملاحظات صحفية عابرة.
* إذن، هناك خلل في النقد..؟
ـ اجل...، بل أكثر من خلل، والنقد كي يكون مؤثرا ً في حياتنا الثقافية لابد ان يكون جزءا ً من الإبداع، لأن الإبداع بحد ذاته عملية نقدية كلية.
* أخيرا ً...، ما مشاريعك القادمة؟
ـ المشروع الوحيد، تقريبا ً، هو تحولي إلى طالب، لأن الدراسة الأكاديمية أو أية دراسة عليا لا تجدد المعلومات حسب، بل تضع الإنسان إزاء امتحان آخر، فانا لا أتوخى من الدراسة النجاح، بل استعادة حياة كادت تغيب، بفعل روتين العمل.
ينتهي عادل كامل من توجيه الأسئلة إلى عادل كامل...، ويجيب عادل كامل على أسئلة عادل كامل، لكن عطاءه يظل يتدفق ويتدفق.
جريدة العراق
25/7/1987
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق