الباحثون عن خبز العراق
كاظم فنجان الحمامي
ربما تظنون أن مفردة (خبز) تعني رغيف الدقيق والحنطة والشعير، لكن معاجم اللغة تؤكد على أن الفعل (خبز) يعني: ضرب، وأن جملة (خبزه على ظهره) تعني: ضربه بقوة، فرغيف القمح يُضرَب مرات ومرات حتى يتمدد ويتسع، ونحن ضربنا الدهر على ظهورنا مئات المرات فتبعثرنا في المخابز المليونية نبحث عن لقمة العيش بين منعطفات مدن العراق الواسعة الفسيحة الرحبة، وبين أرضه المعطاء التي قال عنها الأنبياء: لن يجوع في أرض العراق فقير. فمنابتنا قصب، وأنهارنا عجب، وثمارنا رطب، وماؤنا عذب، وعيشنا خصب، وحقولنا ذهب. لكن العجب كل العجب عندما يهيم العراقيون على وجوههم خوفاً من بطش الدواعش، أو خوفاً من همجية الغارات العشوائية، أو هرباً من التصفيات العرقية والطائفية والمناطقية. يقف المشردون والمهجّرون والنازحون في طوابير في أحياء بغداد ليستلموا الخبز بالمجان. أثرياء ووجهاء وأغنياء ضربتهم عواصف التقلبات السياسية فهاموا على وجوههم في البوادي والوديان حتى استقرت بهم أجنحة النوى في قلب بغداد.
البغداديون لم يتخلفوا لحظة واحدة عن مؤازرتهم ومواساتهم، وظهرت في أسواق العراق أسعار مخفضة للضيوف، لكن الطامة الكبرى أن منظمات المجتمع المدني والوزارات المعنية بأمور النازحين والمتضررين لم تتفاعل كما ينبغي مع تداعيات هذه المصائب والويلات.
أعراقيون يبحثون في العراء عن الملاذ الآمن، ويفتشون عن رغيف الخبز في الأفران والمخابز. من فيكم يصدق هذا الكلام ؟. لكن دهشتكم ستنفجر بصوت مدوي إذا علمتم أن ميزانية العراق بلغت في العام الماضي (138) ترليوناً، و(424) بليوناً، و(608) مليوناً من الدنانير العراقية، بما يعادل (125) مليار دولار أمريكي. تكفي لشراء كل الخبز المخبوز في كوكب الأرض منذ السنوات العجاف التي ضربت مصر في زمن سيدنا يوزرسيف الابن البكر للصابرة راحيل، وحتى يوم رحيلنا الذي صارت فيه منظمة اليونيسيف تتصدق علينا.
الفقراء في بلادي كثيرون ويتكاثرون، والنازحون في بلادي كثيرون ويتكاثرون. ما مر عام والعراق ليس فيه جوع. فقراؤه يموتون جوعاً ويتقاسمون رغيف الفقر في مكبات القمامة، وزعماء القوم غارقون في ممارسة الرذيلة السياسية.
كيف يغفر الضعفاء لمن سرقوا منهم حقوق الأمن والأمان، وسرقوا منهم لقمة العيش ؟. وكيف يغفر الله لمن سرق مستقبل أرض الحضارات، واقتلع جذور الميزوبوتاميا، وأغرق سفينة أحفاد أتونابشتم في المأساة الأخيرة للطوفان الفوضوي، وطغيانه الطائفي المدمر ؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق