الأربعاء، 16 يوليو 2014

في التشكيل العربي المعاصر-في تجارب د. علي الخالد الكرافيكية النص وذاكرة المشاهد - عادل كامل

في التشكيل العربي المعاصر

في تجارب د. علي الخالد الكرافيكية
 النص وذاكرة المشاهد




  عادل كامل




* تضادات التماثل والاختلاف :

      إلى أي حد نجحت فلسفات ما  بعد ــ الحداثة ،  ان تدفع بالنص  خارج ذاتية الصانع ، وتجعل من الاخير ، موتا ــ أو قطيعة ..؟ والى أي حد ، في سياق ما بعد التقنية ، يأتي  النص الفني ، بمعزل  عن مخيال ـ وحواس الفنان ؟ ان  الكرافيكي السوري ، د. خالد سليم الخالد ، لا يغامر بالانحياز الى فلسفة ما قبل ـ موت ـ الإنسان ، أو بعده ، في سياق  برامج عولمة تسندها مظاهر صورية ـ وعملية  لا تحصى ، ولكنه ، في نصوصه  الطباعية ، يضعنا في بنية أقدم النصوص الفنية : آثار  التخطيطات  فوق جدران الكهوف ن وتميل عشتار ، والأختام ، والتشفيرات  الموازية لتقاليد  الفنان القديم . ان علي الخالد  لا يغامر بالحفاظ على  باثات نصوص  تجدد مأزقها فحسب ن بل تضع الإدراك  الفني ،  بموازاة التأمل ، والرصد .. فأعماله  الطباعية تأتي  خلاصة تدريبات طويلة  أفضت  الى ضرب من التركيب ، والاختزال .. فالتشفير  لا يمثل  إلا نهاية  عمل تقنيات الآلة ، مع بقاء الحساسية تشتغل شغلها عبر  الأزمنة . ففن الكرافيك  لا ينتمي الى عصر محدد ، حتى على صعيد الحرفة ؛ انه يلتزم خفايا عمل  نظام النبض ، والإيقاع ، وعمل الحريات في سياق نظامها .. كي تتشكل بنية ذاتية ولكن بمواصفات عصر لم تعد للإنسان فيه إلا مراقبات وتنفيذات تقنن الغايات  ولا تفسح للتعبير ، إلا مكانة الحذف . ان الفنان د . علي الخالد  يشتغل داخل  شغل تقنيات الطباعة ، يشتغل  للامساك بما هو غير قابل للرصد ، والتحديد ، والمعرفة .. بيد انه يذهب حيث أكثر الموضوعات خفاء ً تبدو قد تشكلت عبر التراكم  والحذف ، داخل  النص  ، حيث صار النص  يولد سلاسل تدريبات تتوازن مع  المخفيات المعلنة : دوائر وأقواس وحروف وإشارات .. تعمل على تقويض حالات السكون ، أو جماليات  الرؤية الأحادية ! وهل ثمة جماليات للثوابت ..؟ ان نصوص الفنان الكرافيكية  تستمد ديناميتها بتحاورها حد التوحد مع موضوعات الزمن / الطيف : هذا المتحرك عبر فضاءات كوكبية .  فليس ثمة  موضوعات  للسرد ، أو قابلة للتأطير  إلا كمنطلق للتوسع ، مع خواص الفن العامة ، وفي حدود إمكانية فن الكرافيك تحديدا ً .  


* التراكم ــ اشتغالات المخفي







      لو لم تمتلك أقدم البصمات وأقدم  الرسومات ، تلك التي ولدت متضمنة  خفاياها ، وأسباب  ظهورها ، لكف  الماضي ان يكون مستقبلا ،، عبر الحاضر  الرائي  وكثافة وجوده ــ ألعلاماتي ــ لغدا فن الرسم ، والكرافيك في مسارات تحولاته ، لا يؤدي  إلا دورا  يمكن الاستغناء عنه . لم يكن الفن  لغة ، أو معان قابعة في القاع  ؛ انه لغة نفسه ،  وهو ما يريد ان يرسله كي يمتد بمغزى موته المنبعث . فالتكرار  الحاصل على صعيد المأزق ، يرسخ ، دينامية الاتصال .  فالتكرار يكف ان يكون استنساخا ً .  انه إلغاء . فالمأزق  لا يتشكل بالأحلام ذاتها  التي تعيد المخيلة  افتراضاتها ، وإنما ، بما هو متحد بالمحركات  وأشكالها  المحورة . أليست هي أول حداثة تؤشر  للفجوة بين الجدار  والقلب ..؟  لأن النص  سيتحدث ـ بما فيه ـ عن كيانه المنفصل . انه  نص القطيعة عن مكوناته حد ان الظاهر ، صار يولد   متتاليا ته . ولكن هذا لا يدحض ان الإشكال مكث دافعا ـ ومحركا في كل الأشكال ـ والبنية الفنية . ان  ألواح علي الخالد  تحمل موضوعات مكثت تمتلك قدرتها على  الانبعاث . انه هذا الذي  ناره  مازالت كامنة في الرماد . فالمحركات تجد أشكالها بما يمتلكه الرسام من رهافة تبلغ حد الوجد الصوفي.. فالأشكال تكاد ، في حدودها ، تتكون مندمجة : المشهد الكلي للأجزاء  المندمجة .. أما التفاصيل  فأنها حروف تكوّن عبارات الكتاب / النص . لأن محركات الفنان كامنة في هذا الترابط بين [1 ] عالم يزداد تراكما [ 2 ] وتقنيات تنوع رؤية ما تم رؤيته [ 3 ] مع حساسية  تجاور / تحاور  آليات التنصيص ، والخبرة  الكلية  للقلب والبصر والخلايا . فالرسام  لا يرى .  انه يصنع مرايا  ترى  الآخر  الذي يمدها بقدرة  التوغل في جدلية  الأبعاد . فلم يعد الجدل الهيجلي ــ وما قبله منذ الديانات الفارسية والهندية  والشرقية المثنوية ــ  إلا مفتاحا لما بعد الجدل ، وليس لـ ( ما بعد ) موت الفن / الإنسان . هذه الشرعية لحضور أبعاد ترى ما لم ير ، تمنح عمل وسائل الاتصال ، طاقات مستحدثة أو مصنّعة . ثمة  أبعاد توّلد فعل التراكم ، بمرور الأزمنة ، الذي نسف أحادية الأساطير ونظامها التكراري ، دخلت الفضاءات بما تمتلك – موضوعيا ً- لجعل الذات  لا تكف من التوغل في مساحاتها غير الساكنة . د . علي الخالد  درس فن العصور السابقة ، وتوقف عند  عصر النهضة ، والمدارس  الغربية المعاصرة  ، يجعل نصه بعدا ً ـ يتضمن المغامرة : انه يذهب  ابعد من المعنى  ، وابعد من السطح ، حيث الحقب ، الأزمنة ، والمحن ، كلها تشكل تحويرات  التقانة .
     فمع تطور الكهف الى ناطحات سحاب ، والمحراث الى آلات عملاقة  ، تكون التقنية قد كفت  ان تكون كهفا ً أو محراثا ً . إنها ، منذ بدأت تفكر ــ التقنية / الحاسوب ــ ذاتيا ً ، راحت ، في المراقبة ، تراقب  مداها المحدق ، والمتدحرج ، حيث التوغل عميقا في  المجهول . ان التقنية  لا تنفصل  عن ذات شذبت حد إعادة صياغة أقدم  الأسئلة . ليس ( لماذا ) .. بل :  كيف يغدو النوع نوعا قادرا ً على بناء كثافات  تتوازن فيها الأزمنة .. والثقافات .. والغايات .
     نصوص الفنان السوري ، تشترك ، مع عدد آخر م الرسامين العرب ، بالدق على لوح خالٍ إلا من تراكمات تتراكم حد  إنها لا تقول إلا ما تخفيه : محنة موجودات في وجود يتبعثر . أليس الدحض ، منذ ربع قرن ، لا  يرغب إلا  بعيد يختفي فيه الإنسان ..؟   بيد ان اشكاليته ، لن تمكث  بما هي عليه ، عندما  تجد دحضا موضوعيا ينقلها من حد الى حدود مندمجة في أبعاد  تجعل الأسئلة وقد  صارت ترى كل الذي كان يقع خلف المرآة  . ومن الصعب ان أدوّن – إن لم نتأمل  أعماله الغزيرة – وقبلها شخصيته  النادرة توقدا يدمج فيها تصادمات المناهج  واللامعاني واللااسباب  وتفكيكات الضؤ وعمل ترليونات جينات أجزاء الخلية الواحدة ، كي أوضح ان النص  الكرافيكي يتمتع  بعلاقة مع هذا التوغل داخل  اتساع  اللاحافات ، وفي كل الذي يكف ان يكون له وجود  في  الوجود .
     يوضح هذا  الرصد ،  رصد الفنان لـ [ 1 ] تراكمات تتعاقب ، تمحو  أشكالها ،  ولا تتخلى عن أسرارها وانكشافاتها وزولاتها  ، عبر  [ 2 ] منح الجدل ن نفيا يناسب سياقات  الحلول المستحدثة ، لمآزق  تتعاقب [ 3 ] مع انكشاف  خلايا زمنية ، غير أسطورية  أو قائمة على الخرافة والأحاديات ، وإنما  ، في موضوعات تقود الى موضوعات عبر  سلاسل الانقطاع ، والاندثار [4 ] حيث الرائي ، مع تطور  التقانة ومجاورة كثافات  الوقائع ، وتعددية  الأزمنة والأدوات والمسافات والمجهولات ، يغدو  مرئيا ورائيا  أمام مصائر ليس  لها إجابات ناجزة . انه يكرر – في نصوصه – كل الذي يخفيه البركان ، في الطبيعة ، ان آخرين ، بعد استقرار الرماد فوق الأرض ، لن تدهشهم  إلا الأزهار  وهي تنبت في اصلب  الصخور قسوة .    
 
*اختزال:














     لا يفسر ظهور فنون الطباعة ، مدى تحول الوعي الى تطبيقات ، ومدى التطور الحاصل في وسائل إنجاز النص ألطباعي فحسب ، بل ، إن  التراكم ذاته قد أدى لظهور لغة  أكثر إخفاء ً لمرجعياتها . إن د . علي الخالد ، بثقافته النظرية ، يعيد قراءة أكثر العلاقات تداخلا ً : التراكم والاختزال .. هذا  الضرب من  الاختزال  يتوخى ، في دينامية النص ، البوح  بما كتم . لكن هل ثمة قول أخير ..؟  نصوص الطباع ، تنفي ، إنها لا تذهب الى العمق : ما هو  ابعد من التحدي والاستجابة ، وابعد من نفي النفي .. فثمة ــ في الحاضر ــ  مسافة مرئية لكنها تقع بين بعدين متحركين .. تجعل الفنان يتحرك داخل  الحركة .  فليس ثمة قضايا ناجزة  إلا  عبر امتدادها . انه  يراقب ويحصي  الاختلافات ، كما يتأمل  أسرار تكرارات  إيقاعية  تبلغ حد التماثل ، ليدمجها ، بدينامية ، في إطار بنية حاملة لدوافعها ، وانفتاحها  الهندسي . ان صوره تبدو للنظرة البكر ، إنها  حاصل ترتيب وتجميع وتركيب ما لا يحصى من الأشكال الهندسية  والعضوية .. والتراكم  مسلمة .. بيد ان الفنان لا يحذف ، بمعنى الحذف  الشكلي ، بل  بمعنى الإخفاء . انه يخفي سلاسل الأصداء  والمآزق  والتكيفات ، حد ان الحذف  ذاته يصير كثافة .  مثل المسار  الطويل الذي صار  عليه الرمز ــ وصارت عليه العلامات . فنصوصه  ، فنيا ً ، تقول الأقوال ـ أو التعبيرات ــ  التي ما زالت تمتلك ــ تدفقها . إنها  لا تعلن عن نقص الماضي ، خارج سره ،  بل عن سره في نقص لا يردم ، نقص يماثل عدم قول القول  التام . فالنص يصير مسرحاً  لصمت أشكال لا تعزل فيها دالاتها  عن مدلولاتها : ولا تبعد مكونات  النصوص ، ودوافعها ، في مشهدها الكلي . فهو جمع مركب ومندمج لمصائر وتجارب وصبوات صهرها كي يبقى فن الكرافيك يؤكد انه لا يتكرر ، ولا يتماثل ، بل يختلف داخل مسار الأسرار التي بدأ منها : الخط المتعرج فوق جدار الكهف وفوق الأواني الفخارية .. إنها حساسية الحواس ـ عبر الأصابع ـ كأقدم وسائل للعمل التي حملت أثقال  الرأس ــ وقد  وضعت  داخل إطار ـ أو مفهوم . فالفنان يحرص أن يجمع مراكزه داخل مركز النص : أشكال وعلامات وشفرات وحروف ورموز صورية  كلها لا تحكي  إلا الذي يحركها  : إنها أشكال  لا تغادر محركاتها ، عبر أزمنتها ، لكنها ، في الزمن  المعاش ، تفتح شرخا ً ـ شقا ً ـ في الذاكرة : عصر  كفت اللغات أن تقول إلا بذهابها نحو لغات مجاورة ، أخرى ، كي  تكمل مسار  لوعة  الوعي ـ واشتغال الأصابع عبر الزمن . إن نصوص علي الخالد تعيد صياغة المخيال وقد تكشف عن فضاءات دفعت بالإطار وبالمفهوم ـ نحو فضاء الاتساع . انه  لا يصور  شواخص أزمنة ، أو خرائب حضارات ، إلا بما يحمله الأثر من مغادرة : حركة فعالة ، وتوقدات . انه ، يعمل بسر العمل ولا  يترك للسر أن ينكشف ... فالدينامية  لا تصبح ، بحسب ( عمانوئيل كانت ) الشيء في ذاته ـ إلا  لأنها ـ في ديالكتيها  البنيوي ، تظهر الذي يبقى في القاع . فالمعنى يغدو كل الذي ينبثق عبر معناه  المضاف ، والمحذوف  وغير القابل للحذف . فالحركة لا تستقل ـ في ذاتها ـ ولا تنفصل البنية عن متجاوراتها .. لأن مهارة الرسام لا  تكف عن دراسة العلاقات : الحركات ، والبنيات ، داخل  نظام يولد ، في هذا التفاعل أو ما فوقه ، مخفيات الطبّاع الأول . أن د. علي الخالد لا يستنسخ ، بل يشتغل  كما يشتغل الرحم .. انه مشغول بالتتابع .. لأن كل ( ولادة ) هي تاريخ عنيد وطويل  للموت . وهو تاريخ لا ينفي الموت  القادم .. لكن ، تبقى ثمة مسافة  لا تغيب ، مسافة الكثافة ن والحضور ، وكل  ما  هو تأمل فعّال  في الوجود ، وغير منفصل  أو مقطع .. مسافة  يجعلها  الاختزال ، في خطاب الفن ، لا تحقق اتساعها ، ولكننا لا نراها إلا في إطارها ، حيث يتدخل مخيال ، وأصابع ، وحساسية الرسام ، كي تجعلها مرئية ، ومراقبة : انه ينظم المعنى المولد لمصيره ، حيث يكف الموت ( المعنى )  إلا أن يكون  قد حمل فضاء ً للتوق ، أو إضاءة وجيزة  تسرد كل الذي يتستر وراء الأشكال ؛ وكل  الذي صار ذاكرة ـ ومشفرات ـ لا  تكف تمتد بكثافات أحلام  توّلد خفاياها . انه ، على حد قول لباشلار : بمثابة فلسفة تختزل  غنى لمختلف في فقر المتشابهات .    

الكلي ومظاهر الأجزاء ـ حول الأثر












     يثبت فن د. علي الخالد ، الكرافيكي ، ان قواعد العمل الفني ، لا تنتمي الى طبيعة  الأشياء ، ولكنها  ليست ذاتية خالصة . ان هذا التوازن ، في معالجة العناصر ،  يجعل عالمنا أمام مصائر تكمل خفايا  مقدماتها . هل ثمة مضامين ملغية ، أم هي قيد الانبثاق ..؟ ما المخفي ، في وضوح نصوص الرسام : حساسية  الصانع ، أم باثات  الفن ؟ وأخيرا ً ، كما اشغل شاكر حسن أل سعيد على ( وقائع الأثر والمراقبة ) ، ما الذي يدل عليه الأثر ــ الذي صار نصا ً .. ؟ يسهم الفنان علي الخالد ، بقصد أو بدونه ،  انه صار  هو الذي يدوّن  ما يراه ، منذ  لم تعد الأصابع إلا طرفا ً خاصا بالوعي . فالكلي  يسمح بالذهاب ، ابعد فابعد ، في الخفايا : ان الرسام لا يغادر حدود الأشكال الهندسية ، بعد  ان دمج التشخيص بها . فموضوعات  اغتراب الوعي ــ عن مساراته وامتداداته  النفسية والاجتماعية ، جعل المشهد الجمالي  يأخذ صيغة التعارض  ، أو النقد . ثمة مشاهد  لا تحتفل ، بل تتكون  : إنها  تتصادم ، وتتقاطع ، كي تقول الذي كان كامنا ً وراء فن التعبير . ثم جاء الإعلان : علامات للمقارنة  : سماءات ومشاهد  أرضية يتداخلان كانهما  في حلم ؛ كابوس  مصدع ، وحلم تغدو شفافيته طريقة تنفيذ ؛ وسيلة غدت غاية  ، جاعلا ً ذاته أمام الاتساع ، تتلصص الوقائع . ان الإنسان لا يختفي ، ولكنه لا يظهر . فالنزعة ما بعد التعبيرية ن وما بعد التجريد الخالص ، تتوقف  عند هذه النزعة  : ان الفن يبوح بما  سيبقى كامنا  في مجموع العلاقات ، وليس في غاية أخيرة .  والفنان ، في تنويعات  أشكاله  وعلاماته يدمج ، ولا يجد صعوبة في ذلك ، بين  المتضادات : الهندسية  والعضوية ، وبين  الاتساعات ونقاط التلاشي . فالنص خلية كونية تم تفكيكها  وجعلها  تجد وثباتها عبر  حساسية الفنان ــ وفنه : الطباعة بالحجر ، والزنك ، وبالمواد الأقل كلاسيكية ، الى جوار : ذات صاغتها القواعد والمفارقات . ان هذا البوح ، لا يغادر فضاء قرن كان التشكيل العربي  قد بلغ فيه ذروته ( في الانغلاق ) : ان الحداثة  لا تستقل ، ولا تنفصل ، عن حساسية  لا تغادر وعيها ، ومرجعياتها . ففي مشهد التشكيل العربي المتماثل ، كمرآة ، ونقوش زخرفية ، ولذائذ أحادية ،  لا يتوغل بل يتردد ، لا يغامر بل يمضي بعيدا في التبرج والتزيين ، نجد الفنان الخالد  يقاوم صعوبات الحفر في الصمت المدفون . ان فنه  يمسك بما وراء  اللعب ـ والتقنيات ـ فهو  لا يغادر خفايا  جعلت الخارج مرسوما بنظام ضربات الداخل ، وعمل المخيال المحاصر ، والمنفي . انه  لا يرثي ، ولا يمجد ، بل يفكك . انه لا يشهد كي يؤدي الفن دور الشاخص أو مآثر الأطلال ، ففي الخفايا  ، ووراء  المرئيات ،  النبض الذي يكمل ، انبثاقا ته  ، بقدر يناسب  مكونات مآزق  عصرنا : زيادة السكان ، وتقسيم مستند الى فعل التراكم ، وقرارات الحاسوب ، التلوث ، وموارد تنذر بالنفاد ، في عمق مشهد النزاع بين الارتداد من ناحية وبين وقائع  التدحرج في المجهول من ناحية ثانية . ان  فن علي الخالد ، له ـ مثل الوعي ـ  استغاثات : انه يصوّر خصائص عصرنا كما يفعل الطباع : انه  لا يستنجد إلا بوسائله في قهر انغلاق المديات . ففنه لا يتوخى ان يكون  علامة استهلاك ، عبر مظاهر الموت  والرفاهيات ،  أو مراقبة قائمة على شرعية النقض ، بل يذهب ، حيث  ثمة ما يقال ، في عالم تحكمه آليات  بدأت بالإيقاع المبكر للتكرارات ، ولا تريد التسليم برضاها  لحتميتها ، المحسوبة ،  بل القول  الذي  لم يقل إلا ما أخفاه ، طوال  أزمنة التدوين . ثمة أمل ، أو أمل  مضاد  لا يجعل المشهد أكثر انفتاحا ، أو اقل انغلاقا ،  إلا بصفته لا يريد ان يغادر ، أو يصمت ، وإنما ـ  هو ـ  كلاهما ، مسافة بين حدين  لا يلتقيان .  






ليست هناك تعليقات: