كتاب في حلقات-احمد الحلي
اتركها ، فإنها سمكتنا !
روى لي ابنه الذي أتيح له أن يعود من الأسر في إيران بعد 20 عاماً قضّاها
هناك في أعقاب أحداث عام 2003 ، روى حكاية طريفة وقعت أيام صباه مع والده ، فحينما
ذهبوا للصيد على نهر الحلة في احد الأيام ، جلسوا هناك منذ ساعات الصباح الأولى
عند حافة معروفة لدى أهل المدينة بـ (السورة) والقوا سنارتيهما على أمل أن يصطادا بعض السمك ، وبقيا
يرميان سنارتيهما ويخرجانها فارغة من الطعم لوقتٍ طويل ، " شك أبي من أن ثمة
جنيّاً يختبئ في أعماق النهر يقوم بسرقة (الطُعم) بهذه الطريقة الماكرة ، وارتفع صوت آذان الظهر
من المرقد القريب ولكن دون جدوى ، بعد قليل جاء احد الأشخاص مرتدياً دشداشة على
دراجة هوائية متهالكة ، واتخذ مكانه على مقربة منا ، ثم استخرج عدة الصيد التي
كانت متخلفة قياساً إلى العدة التي جلبناها ثم رمى سنارته ، ولم تمر سوى دقائق
قليلة حتى اهتز خيط سنارته فسحبه بقوة فإذا هو عالق بسمكة كبيرة تزن أكثر من
كيلوغرامين ، امسك بها الصياد الوافد ووضعها في كيس كان معه ، ثم رمى سنّارته
للمرة الثانية ، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى اهتز الخيط بقوة ، ليحصل على سمكة
أخرى أكبر من الأولى ، ذهب إلى دراجته وهيأها للانطلاق ؛ كنتُ أراقب أبي في هذه
اللحظة وما قد يبدر منه ، إلا أن الصياد
لم يعبأ للأمر وأمسك درّاجته وشرع بتهيئتها لينطلق بها فصاح به أبي بحدة ؛ توقف ! ، إلى أين أنت ذاهب
؟ أجاب الصياد والدهشة تعقد لسانه ؛ وما شأنك أنتَ ، أنا ذاهب إلى بيتي ، فقال أبي
؛ إذن يتوجّب عليك أن تترك لنا إحدى السمكتين .
- ولكن لماذا ، أليستا هما سمكتيَّ ؟!
- كلا ، ليست السمكتان تعودان لك ،
فهما أو إحداهما على الأقل كانتا تأكلان طعامنا منذ الصباح ولحد الآن ، وتريد أنت
بكل بساطة أن تأخذهما منا هكذا ؟
اسقط في يد الصياد المسكين بعد أن رأى عزم أبي وانه لا طاقة له على مغالبته
وبقي حائراً ماذا يفعل ، فما كان من أبي إلا أن أطلق ضحكة مجلجلة ثم قال مخاطباً
الصياد ؛ لقد كنت امزح معك ، خذهما هنيئاً مريئاً ، فهما سمكتاك بالفعل ، وهذه هي
أحوال النهر ومقالبه ...
أمنية تتحقق
روى رمضان
، وهو ابن عم لي ، وكان يشغل منصب (محاسب) في الوقف السني ، روى لي حكاية طريفة تتعلق بعمله ، حيث
كانت المزارات الشيعية خاضعة لديوان رئاسة الجمهورية ، وكان ابن العم هذا عضواً في
لجنة فتح أموال العتبات المقدسة ، ومن بين أعضائها آنذاك ؛ محافظ كربلاء ومدير شرطتها
وعدد من المسؤولين الآخرين .
في إحدى
المرات ، وعند فتح باب الضريح ، كما جرت العادة ، بصورة دورية ، لغرض إحصاء وتصنيف الموجودات ، التقط مدير
الأمن من كدس الموجودات التي أمامه ، مظروف رسالة ، فتحه وقرأ ما مكتوب في الورقة
التي بداخلة ، ولم يتمالك نفسه إلا أن ضحك ، فأثار ضحكه المكتوم ولكن المرئي محافظ
كربلاء ، فطلب منه أن يعطيه الظرف ، فناوله إياه ، وبعد أن اطلع المحافظ على
محتواه طواه وأعاده إلى المظروف ، ثم وضعه في جيبه .
كان
محتوى الرسالة يتضمن التماساً مقدماً من امرأة شابة موجهاً إلى الإمام الحسين تطلب
فيه تحقيق أمنيتها أو مطلبها بالاقتران بحبيبها ، وقد ثبتت المرأة في رسالتها اسم
الشاب ووظيفته مع عنوانه الكامل ، بالإضافة إلى اسمها وعنوانها .
وقد ظهر
فيما بعد ، أن هذا الشاب سبق وأن تقدم لخطبتها عدة مرات ، ولكن طلبه رد من قبل
أهلها بشدة لأنه كان موظفاً بسيطاً ، بالإضافة إلى أن طبقة عائلته لم تكن من
طبقتها ، كان ذلك إبان فترة الحصار الاقتصادي ، الذي انحدرت فيه منزلة الموظفين
الصغار إلى الحضيض .
وفي
اليوم التالي ، أوعز المحافظ إلى معاونيه أن يجلبوا إليه هذا الموظف من دائرته ،
وبعد قليل من الوقت أحضروه ، وكانت علائم الذعر والترقب بادية على وجهه ، لاسيما
وأن ذلك تم في أعقاب الانتفاضة الشعبانية التي حدثت في العام 1991 ، وبعد أن
طمأنوه ، وقدموا إليه الشاي ، سأله المحافظ ؛
- هل
أنت متزوج ؟!
- كلا ،
كلا يا سيدي ..
- وما
هي أسباب عدم زواجك لحد الآن ؟
- لقد
تقدمت لخطبة امرأة أحبها وتحبني مرّاتٍ عديدة ، إلا أن أهلها رفضوا طلبي .
قال
المحافظ ؛ هل هي فلانة بنت فلان ؟
فتعجب
الشاب من معرفة المحافظ باسم حبيبته ، وهنا سأله المحافظ ؛ هل تريد أن أساعدك في
التزوج منها ؟
فأبدى
الشاب موافقته وتحمسه ، على الرغم من أنه ظن للوهلة الأولى أنهم يدبرون له مقلباً
.
وفي
اليوم التالي ، ذهب المحافظ برفقة عدد من معاونيه إلى بيت الفتاة المثبت لديه في
الرسالة ، طرق الباب ، فخرج الأب ، وذُعر عندما رأى المحافظ يحوطه بعض معاونيه ،
وعلى أية حال لم يملك الأب إلا أن يستقبله بما يليق بمقامه كمسئول أول في المدينة
، وبعد ذلك جرى كالعادة تقديم الماء والشاي .
بعد قليل سأل المحافظ الأب ؛ هل عندك بنت اسمها
كذا ؟ قال مندهشاً ؛ نعم ! قال المحافظ ؛ هل تستطيع إحضارها الآن ، لأوجه إليها
سؤالاً على انفراد ؟
لم يملك الأب خياراً إلا أن يحضر ابنته ،
وأخلى لهما غرفةً أخرى ، وبعد أن صاراً معاً لوحدهما ، سألها بعد أن أخرج من جيبه
مظروف الرسالة وناوله لها ؛
- هل
هذا الظرف يعود لك ؟ قالت الفتاة وقد عقدت
الدهشة لسانها ؛ نعم ، سألها ؛ أترغبين حقاً بالتزوج من هذا الشاب ، قالت ؛ نعم !
بعد ذلك
نادى المحافظ على أبيها ، وتوجّهً إليه بكلامه ؛ سوف يتقدم الشاب الذي رفضتم طلبه
سابقاً لخطبة ابنتك مرة أخرى ، وسوف تكون جميع تكاليف ونفقات الزواج على عاتقنا ،
وبالإضافة إلى ذلك سوف يجري تمليك بيت للشاب من البيوت المخصصة للموظفين ، فهل أنت
موافق على ذلك؟
قال
الأب ؛ ألف نعم يا سيادة المحافظ .
وهكذا
تحققت أمنية هذه المرأة الشابة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق