الاثنين، 21 يوليو 2014

همنجواي في الحلة كتاب في حلقات ح -13



كتاب في حلقات-احمد الحلي


اتركها ، فإنها سمكتنا !

روى لي ابنه الذي أتيح له أن يعود من الأسر في إيران بعد 20 عاماً قضّاها هناك في أعقاب أحداث عام 2003 ، روى حكاية طريفة وقعت أيام صباه مع والده ، فحينما ذهبوا للصيد على نهر الحلة في احد الأيام ، جلسوا هناك منذ ساعات الصباح الأولى عند حافة معروفة لدى أهل المدينة بـ (السورة) والقوا سنارتيهما على أمل أن يصطادا بعض السمك ، وبقيا يرميان سنارتيهما ويخرجانها فارغة من الطعم لوقتٍ طويل ، " شك أبي من أن ثمة جنيّاً يختبئ في أعماق النهر يقوم بسرقة (الطُعم)  بهذه الطريقة الماكرة ، وارتفع صوت آذان الظهر من المرقد القريب ولكن دون جدوى ، بعد قليل جاء احد الأشخاص مرتدياً دشداشة على دراجة هوائية متهالكة ، واتخذ مكانه على مقربة منا ، ثم استخرج عدة الصيد التي كانت متخلفة قياساً إلى العدة التي جلبناها ثم رمى سنارته ، ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى اهتز خيط سنارته فسحبه بقوة فإذا هو عالق بسمكة كبيرة تزن أكثر من كيلوغرامين ، امسك بها الصياد الوافد ووضعها في كيس كان معه ، ثم رمى سنّارته للمرة الثانية ، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى اهتز الخيط بقوة ، ليحصل على سمكة أخرى أكبر من الأولى ، ذهب إلى دراجته وهيأها للانطلاق ؛ كنتُ أراقب أبي في هذه اللحظة  وما قد يبدر منه ، إلا أن الصياد لم يعبأ للأمر وأمسك درّاجته وشرع بتهيئتها لينطلق بها  فصاح به أبي بحدة ؛ توقف ! ، إلى أين أنت ذاهب ؟ أجاب الصياد والدهشة تعقد لسانه ؛ وما شأنك أنتَ ، أنا ذاهب إلى بيتي ، فقال أبي ؛ إذن يتوجّب عليك أن تترك لنا إحدى السمكتين .
 - ولكن لماذا ، أليستا هما  سمكتيَّ ؟!
 - كلا ، ليست السمكتان تعودان لك ، فهما أو إحداهما على الأقل كانتا تأكلان طعامنا منذ الصباح ولحد الآن ، وتريد أنت بكل بساطة أن تأخذهما منا هكذا ؟
اسقط في يد الصياد المسكين بعد أن رأى عزم أبي وانه لا طاقة له على مغالبته وبقي حائراً ماذا يفعل ، فما كان من أبي إلا أن أطلق ضحكة مجلجلة ثم قال مخاطباً الصياد ؛ لقد كنت امزح معك ، خذهما هنيئاً مريئاً ، فهما سمكتاك بالفعل ، وهذه هي أحوال النهر ومقالبه     ...


أمنية تتحقق
روى رمضان ، وهو ابن عم لي ، وكان يشغل منصب (محاسب) في الوقف السني ، روى لي حكاية طريفة تتعلق بعمله ، حيث كانت المزارات الشيعية خاضعة لديوان رئاسة الجمهورية ، وكان ابن العم هذا عضواً في لجنة فتح أموال العتبات المقدسة ، ومن بين أعضائها آنذاك ؛ محافظ كربلاء ومدير شرطتها وعدد من المسؤولين الآخرين .
في إحدى المرات ، وعند فتح باب الضريح ، كما جرت العادة ، بصورة دورية ،  لغرض إحصاء وتصنيف الموجودات ، التقط مدير الأمن من كدس الموجودات التي أمامه ، مظروف رسالة ، فتحه وقرأ ما مكتوب في الورقة التي بداخلة ، ولم يتمالك نفسه إلا أن ضحك ، فأثار ضحكه المكتوم ولكن المرئي محافظ كربلاء ، فطلب منه أن يعطيه الظرف ، فناوله إياه ، وبعد أن اطلع المحافظ على محتواه طواه وأعاده إلى المظروف ، ثم وضعه في جيبه .
كان محتوى الرسالة يتضمن التماساً مقدماً من امرأة شابة موجهاً إلى الإمام الحسين تطلب فيه تحقيق أمنيتها أو مطلبها بالاقتران بحبيبها ، وقد ثبتت المرأة في رسالتها اسم الشاب ووظيفته مع عنوانه الكامل ، بالإضافة إلى اسمها وعنوانها .
وقد ظهر فيما بعد ، أن هذا الشاب سبق وأن تقدم لخطبتها عدة مرات ، ولكن طلبه رد من قبل أهلها بشدة لأنه كان موظفاً بسيطاً ، بالإضافة إلى أن طبقة عائلته لم تكن من طبقتها ، كان ذلك إبان فترة الحصار الاقتصادي ، الذي انحدرت فيه منزلة الموظفين الصغار إلى الحضيض .
وفي اليوم التالي ، أوعز المحافظ إلى معاونيه أن يجلبوا إليه هذا الموظف من دائرته ، وبعد قليل من الوقت أحضروه ، وكانت علائم الذعر والترقب بادية على وجهه ، لاسيما وأن ذلك تم في أعقاب الانتفاضة الشعبانية التي حدثت في العام 1991 ، وبعد أن طمأنوه ، وقدموا إليه الشاي ، سأله المحافظ ؛
- هل أنت متزوج ؟!
- كلا ، كلا يا سيدي ..
- وما هي أسباب عدم زواجك لحد الآن ؟
- لقد تقدمت لخطبة امرأة أحبها وتحبني مرّاتٍ عديدة ، إلا أن أهلها رفضوا طلبي .
قال المحافظ ؛ هل هي فلانة بنت فلان ؟
فتعجب الشاب من معرفة المحافظ باسم حبيبته ، وهنا سأله المحافظ ؛ هل تريد أن أساعدك في التزوج منها ؟
فأبدى الشاب موافقته وتحمسه ، على الرغم من أنه ظن للوهلة الأولى أنهم يدبرون له مقلباً .
وفي اليوم التالي ، ذهب المحافظ برفقة عدد من معاونيه إلى بيت الفتاة المثبت لديه في الرسالة ، طرق الباب ، فخرج الأب ، وذُعر عندما رأى المحافظ يحوطه بعض معاونيه ، وعلى أية حال لم يملك الأب إلا أن يستقبله بما يليق بمقامه كمسئول أول في المدينة ، وبعد ذلك جرى كالعادة تقديم الماء والشاي .
 بعد قليل سأل المحافظ الأب ؛ هل عندك بنت اسمها كذا ؟ قال مندهشاً ؛ نعم ! قال المحافظ ؛ هل تستطيع إحضارها الآن ، لأوجه إليها سؤالاً على انفراد ؟ 
       لم يملك الأب خياراً إلا أن يحضر ابنته ، وأخلى لهما غرفةً أخرى ، وبعد أن صاراً معاً لوحدهما ، سألها بعد أن أخرج من جيبه مظروف الرسالة وناوله لها ؛
- هل هذا الظرف يعود لك ؟ قالت الفتاة  وقد عقدت الدهشة لسانها ؛ نعم ، سألها ؛ أترغبين حقاً بالتزوج من هذا الشاب ، قالت ؛ نعم !
بعد ذلك نادى المحافظ على أبيها ، وتوجّهً إليه بكلامه ؛ سوف يتقدم الشاب الذي رفضتم طلبه سابقاً لخطبة ابنتك مرة أخرى ، وسوف تكون جميع تكاليف ونفقات الزواج على عاتقنا ، وبالإضافة إلى ذلك سوف يجري تمليك بيت للشاب من البيوت المخصصة للموظفين ، فهل أنت موافق على ذلك؟
قال الأب ؛ ألف نعم يا سيادة المحافظ .
وهكذا تحققت أمنية هذه المرأة الشابة .









ليست هناك تعليقات: