الأربعاء، 16 يوليو 2014

همنجواي في الحلة(11)-الشهيد العائد

همنجواي في الحلة(11)
 

الشهيد  العائد
                                                        أحمد الحلي
دخل بسيارته الخاصة من نوع  موسكوفج  في احد  شوارع محلته الفرعية ، وعلى  الرغم  من أن الوقت كان ليلاً إلا  أن الشارع كان مضاءً بصورة كافية مكنته أن يرى شبحَ  أحد  الأشخاص ، استغرب لأول وهلة وهو يراه يقترب من  سيارته  المتوقفة ، قال مع  نفسه ؛ ربّاه انه هو بلحمه ودمه ، فرك  عينيه  وحدّق  باتجاه  الشبح  المريب  الذي  اقترب  من  السيارة ، توقف الشبحُ ثم قال ؛  أظنك عرفتني؟   
-  اجل ، اجل .. وكيف لي أن لا أعرفك ، ولكن  ...
-   لا تكمل ، فأنا اعرف تتمة الحكاية ، فلأول وهلة خالجك  شعورٌ بأني شبحٌ لشخص ميّت رغب أن يتجول في دياره ، إلا أنني  لست  كذلك ، وبإمكانك أن تلمسني لمس اليد ، لقد عرفت بل وتوقعت أن الجميع  وكذلك أهلي يعتبرونني في عداد الأموات ، وقد  اخبرني  احدهم  أن  أهلي  أقاموا لي مراسيم الفاتحة في مسجد المحلة  باعتباري احد  شهداء  الحرب ، ولكن  وكما  ترى،  فأنا  لست  شهيداً  والحمد  لله..
-  ولكن ،الشخص  الذي  جاء  احدُ  جنود  وحدتكم  بجثته  ،  من  تراه  يكون إن لم يكن أنت ؟
ثم  أردف  قائلا ؛ ترى ، كيف  تم  تمرير هذا  الأمر  الخطير  بمثل  هذه السهولة  ؟
-  اعلم أيها العم أن الأمر عصيٌّ على الفهم حقا ، ولكن وكما تعلم أو لا تعلم ،  فأن وحدتنا قد تم تدميرها عدة مرات ، وأنها  بمجرد  أن  يعاد  تنظيمها حتى يتم  الزجُّ بها في أتون معركة جديدة ، وقد ضقت  ذرعاً من هذه الحرب المجنونة ، لذا اتخذت قراري بالهرب  لبعض  الوقت لأنجو بجلدي و لألتقط  أنفاسي ، ولربما حالفني  الحظ في اجتياز  الحدود  والهرب إلى تركيا ومنها إلى أوربا كما فعل  ذلك  بعض المحظوظين ، وسأروي  لك  ما فعلت  بالضبط  ، ففي  آخر  معركة  اشتركتْ  بها  وحدتنا  ، فاني  نزعت  قرص  التعريف  الخاص  بي  عن عنقي  وبحثت  بين  جثث  قتلى  المعركة  الذين  سقطوا  في  الليلة  الماضية، فعثرت على  ضالتي  ؛ جثة  شبه  متفحمة  بوجه  مموّه  الملامح  ،  فاستخرجت  قرص  التعريف  الخاص  به   ودسست  مكانه  قرص  التعريف  الخاص  بي  ،  ثم  أني  اتخذت  طريقي  في  المسالك  الوعرة  في  الجبال  وهربت ، وحصل  الذي  كنت  أتوقعه  ،  فقد  ذهبوا  بالجثة  المتفحمة  إلى  أهلي  باعتباره  أنا  ،  وها  أنت  ذا  تراني  أمامك  ثانية  بعد  موتي  !  تعجّب من هذه الحكاية الغريبة ،  وسأل  الهاربَ  العائد  ؛ ولكن  يبدو  انك  لم  تطرق  باب  اهلك  لحد  الآن  ..  
-  أخشى  ذلك  بل وأتهيّبه  !  
فهو لا يريد  لامّه  وأبيه  أن  يتفاجآ  بعودته  ،  لاسيما  وانه  ابنهما  الوحيد ،  كما  أن  الأب  مصابٌ  بجلطة  دماغية  والأم  مصابة  بمرض  السكري  منذ  اللحظة  التي  جنّدوا  فيها  ابنها  وساقوه  إلى الحرب عنوة  ، وبعد  تفكير  قصير  طلب  الجندي  منه  أن  يذهب  به  إلى  بيت  خالته  في  منطقة  المسيّب  ،  وان  يطرق  بابهم  بمفرده  في  حين  لا يكون  هو  موجوداً  في  لحظة  اللقاء  ، على  أن  يقوم  بإفهامهم  خلال  ذلك سبب  زيارته  لهم  وهو أن  خبراً  جاءه  من  احد  الأشخاص يتعلق  بابن  خالتهم الذي  يبدو  انه  ما يزال  حيا  يرزق ، وانه  الآن  موجود  في  مكان  ما  .
وبهذه  الطريقة  يمهد  لحضوره  ،  واغتبطت  العائلة  بالخبر  بعد  أن  تأكد  الأب  من  سلامة المخبر العقلية  ،  ثم  انه  ما  لبث  أن  احضره لهم في اليوم التالي ، فعلت زغاريد  الخالة وبناتها  وهلهلن  ابتهاجاً  لقدومه  ، احتفوا  به  وشكروه  على  الطريقة  الحاذقة  التي  أوصل  بها  الخبر إليهم  ومن  ثم   إحضاره  لابن  خالتهم  ، وأصروا  عليه  أن  يبيت  ليلته  تلك  في  بيتهم  لاسيما  وأنهم  يعرفونه  حق  المعرفة  ،   وأثناء  ذلك  اتصل  احد  أفراد  العائلة  هاتفياً  ببيت  بأهله  لينقل  إليهم  الخبر  السار  الطازج  ،  ثم  امسك  المعني  نفسه  بالهاتف  واخذ  يتحدث  مع ذويه  بحديث  ذي  شجون  ودموع..... 




ليست هناك تعليقات: