همنجواي في الحلة(11)
الشهيد العائد
أحمد الحلي
دخل بسيارته الخاصة من نوع موسكوفج
في احد شوارع محلته الفرعية ،
وعلى الرغم من أن الوقت كان ليلاً إلا أن الشارع كان مضاءً بصورة كافية مكنته أن يرى
شبحَ أحد
الأشخاص ، استغرب لأول وهلة وهو يراه يقترب من سيارته
المتوقفة ، قال مع نفسه ؛ ربّاه
انه هو بلحمه ودمه ، فرك عينيه وحدّق
باتجاه الشبح المريب
الذي اقترب من
السيارة ، توقف الشبحُ ثم قال ؛ أظنك
عرفتني؟
-
اجل ، اجل .. وكيف لي أن لا أعرفك ، ولكن
...
- لا تكمل ، فأنا اعرف تتمة الحكاية ، فلأول
وهلة خالجك شعورٌ بأني شبحٌ لشخص ميّت رغب
أن يتجول في دياره ، إلا أنني لست كذلك ، وبإمكانك أن تلمسني لمس اليد ، لقد عرفت
بل وتوقعت أن الجميع وكذلك أهلي يعتبرونني
في عداد الأموات ، وقد اخبرني احدهم أن أهلي
أقاموا لي مراسيم الفاتحة في مسجد المحلة
باعتباري احد شهداء الحرب ، ولكن
وكما ترى، فأنا
لست شهيداً والحمد
لله..
-
ولكن ،الشخص الذي جاء
احدُ جنود وحدتكم
بجثته ، من
تراه يكون إن لم يكن أنت ؟
ثم أردف
قائلا ؛ ترى ، كيف تم تمرير هذا
الأمر الخطير بمثل
هذه السهولة ؟
-
اعلم أيها العم أن الأمر عصيٌّ على الفهم حقا ، ولكن وكما تعلم أو لا تعلم ، فأن وحدتنا قد تم تدميرها عدة مرات ، وأنها بمجرد أن يعاد
تنظيمها حتى يتم الزجُّ بها في أتون
معركة جديدة ، وقد ضقت ذرعاً من هذه الحرب
المجنونة ، لذا اتخذت قراري بالهرب
لبعض الوقت لأنجو بجلدي و لألتقط أنفاسي ، ولربما حالفني الحظ في اجتياز الحدود
والهرب إلى تركيا ومنها إلى أوربا كما فعل
ذلك بعض المحظوظين ، وسأروي لك ما
فعلت بالضبط ، ففي
آخر معركة اشتركتْ
بها وحدتنا ، فاني
نزعت قرص التعريف
الخاص بي عن عنقي
وبحثت بين جثث
قتلى المعركة الذين
سقطوا في الليلة
الماضية، فعثرت على ضالتي ؛ جثة
شبه متفحمة بوجه
مموّه الملامح ،
فاستخرجت قرص التعريف
الخاص به ودسست
مكانه قرص التعريف
الخاص بي ،
ثم أني اتخذت
طريقي في المسالك
الوعرة في الجبال
وهربت ، وحصل الذي كنت
أتوقعه ، فقد
ذهبوا بالجثة المتفحمة
إلى أهلي باعتباره
أنا ، وها
أنت ذا تراني
أمامك ثانية بعد
موتي ! تعجّب من هذه الحكاية الغريبة ، وسأل
الهاربَ العائد ؛ ولكن
يبدو انك لم
تطرق باب اهلك
لحد الآن ..
-
أخشى ذلك بل وأتهيّبه
!
فهو لا يريد لامّه
وأبيه أن يتفاجآ
بعودته ، لاسيما
وانه ابنهما الوحيد ،
كما أن الأب
مصابٌ بجلطة دماغية
والأم مصابة بمرض
السكري منذ اللحظة
التي جنّدوا فيها
ابنها وساقوه إلى الحرب عنوة ، وبعد
تفكير قصير طلب
الجندي منه أن
يذهب به إلى
بيت خالته في
منطقة المسيّب ،
وان يطرق بابهم
بمفرده في حين لا
يكون هو
موجوداً في لحظة
اللقاء ، على أن
يقوم بإفهامهم خلال
ذلك سبب زيارته لهم
وهو أن خبراً جاءه من احد
الأشخاص يتعلق بابن خالتهم الذي
يبدو انه ما يزال
حيا يرزق ، وانه الآن
موجود في مكان
ما .
وبهذه الطريقة
يمهد لحضوره ،
واغتبطت العائلة بالخبر
بعد أن تأكد
الأب من سلامة المخبر العقلية ،
ثم انه ما
لبث أن احضره لهم في اليوم التالي ، فعلت زغاريد الخالة وبناتها وهلهلن
ابتهاجاً لقدومه ، احتفوا
به وشكروه على
الطريقة الحاذقة التي
أوصل بها الخبر إليهم
ومن ثم إحضاره
لابن خالتهم ، وأصروا
عليه أن يبيت
ليلته تلك في
بيتهم لاسيما وأنهم
يعرفونه حق المعرفة
، وأثناء ذلك
اتصل احد أفراد
العائلة هاتفياً ببيت بأهله لينقل
إليهم الخبر السار
الطازج ، ثم
امسك المعني نفسه
بالهاتف واخذ يتحدث
مع ذويه بحديث ذي
شجون ودموع.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق