الثلاثاء، 8 يوليو 2014

همنجواي في الحلة (6) كتاب في حلقات-كتابة احمد الحلي

همنجواي في الحلة (6)
كتاب في حلقات

رفشان !! *
"بعد أن اضطررت إلى الهرب من العاصمة بغداد بعد أحداث عام 1963 ، استقر رأيي ان استوطن مدينة الحلة ، وهو نوع من التواري عن الأنظار ، بعد ان راجت في بغداد بضاعة كيل الاتهامات بين الناس  آنذاك ، وعقب استقراري في مدينة الحلة الوادعة والمتفتحة فأني شرعت باستئناف ماكنت قد اعتدت عليه من رحلات الصيد ، وفي احد الأيام ذهبت بسيارتي الى قضاء الكفل الذي يتضمن قبر النبي ذي الكفل بالإضافة إلى قبور عدد من أنبياء اليهود منذ عهد نبوخذ نصر وحاخاماتهم ، وعلى ضفة نهر الفرات رميت بسنارتي ، وبعد حوالي الساعة شعرت بآن الخيط يسحبني بقوة غير مألوفة فاعتقدت آن ثمة حوتاً صغيراً عالق بسنارتي ، سحبت الخيط بقوة شديدة ، وذهلت عندما شاهدت (رفشاً) كبيراً عالقاً فيها ، سحبته الى صفة النهر ، ولم استطع السيطرة عليه إلا من خلال جره من أطرافه الخلفية ، وبعد جهد ومشقة استطعت ان أضعه في الخانة الخلفية من سيارتي التي كانت من نوع (موسكو فج ستيشن) ، وفي طريق عودتي ، شاهد الزوار العائدون من النجف هذا المخلوق الغريب الكبير الرابض بسيارتي فتملكهم الفضول لمعرفة ما يكون ، واخذوا يحاذون سيارتي ويسيرون خلفي لكي يمعنوا النظر إليه ، ويبدو ان الرفش قد استمرأ هذا الوضع ، حيث أصبح نجماً فأستعاد ذاته وانتصب على رجليه واخذ يلوّح للزائرين من خلال زجاج السيارة ، واستمر هذا الاستعراض الذي هو اقرب شبهاً بزفة عرس الى حين وصولي الى تقاطع الحلة / نجف في مدينة الحلة ، وأخيراً وصلت إلى داري الكائن في منطقة الماشطة وخلال إنزالي لهذا المخلوق احتشد جمهور كبير من الناس ، كباراً وصغاراً ، رجالاً ونساءً يدفعهم الفضول لرؤية مأثرة ابو رياض الجديدة ..
وأخيراً استطعت إنزاله وسحبته إلى وسط حديقة بيتي وربطته بسلسلة حديدية هناك ، وأوصيت زوجتي بالاعتناء به طيلة فترة دوامي في مصلحة نقل الركاب التي كنت اعمل فيها سائقاً لإحدى حافلاتها ، على أمل أن أقدمه هدية إلى حديقة الزوراء في بغداد في وقت لاحق ، وفي احد الأيام عاد ثملاً إلى البيت فتراءى له الرفش تحت جنح الظلام حصاناً ، فامتطاه ، فإذا به يمشي به ، وامسك بعصا قطرها نصف انج وقربها من فمه فإذا به يقطعها بأسنانه الحادة بأسرع من لمح البصر ، " وما إن شاهدت أم رياض هذا المشهد المروع حتى صاحت بي ؛ " لو الرفش يبقى في البيت لو آني " وقررت المغادرة ، وفي حقيقة الأمر ، فإنها بعد ان رأت قوة أسنانه فإنها خافت على أولادنا من بطشه ، فوافقتها الرأي وهدأت من روعها وقلت لها اطمئني سوف اقتل هذا المخلوق ونتخلص منه ، وبالفعل أحضرت عصا غليظة وضربته على رأسه ، ولكنني سرعان ما ندمت على هذا التصرف الطائش الذي ينم عن جبن ، وقررت ان أعود به إلى النهر ، وهذا ما حصل .
احد الأطفال من منطقة مجاورة ممن شاهد الرفش حكى لأخيه الأصغر سناً ما شاهده ، فاخذ هذا يبكي في الليل مطالباً أمه وأباه بأن يذهبوا به لمشاهدة هذا الكائن الغريب ، " وقد علمت بعد ذهابي الى الدوام ، بأن أم الصبي جلبت ابنها معها في الصباح الباكر ، وأخيراً أوصلوها إلى بيتنا ،  دقت المرأة الباب ، فخرجت زوجتي ، فسألتها ؛ عيني ، هذا بيت ابو رفش ؟! قالت لها زوجتي متبرمة ؛ عيني ، عندنا في البيت رفشان ، رفش ذهب الى دائرته ، والرفش الآخر ذهب إلى النهر فأي منهما تريدين ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــ
*الرفش هو ذكر السلحفاة حينما يصبح كبيرا  في السن ، وقد أشيع في الموروث الشعبي العراقي عن قوته وقدرته على إغراق السباحين الماهرين أساطير كثيرة .

ليست هناك تعليقات: