الخميس، 22 مايو 2014

حافات الحلم !!دوائر وطقوس ومدن في رسوم كامل حسين- د.شوقي الموسوي

حافات الحلم !!
دوائر وطقوس ومدن
في رسوم كامل حسين



  د.شوقي الموسوي




      ثمة تمظهرات لعمليات التربيع والتدوير في نتاجات التشكيل المعاصر في العراق وجدناها حاضرة في الحقل البصري يتم من خلالها تشييد عالم خاص يقترب من الحلم ، متخيّل ومتحرر من لواحق أصنام البعد المكاني يُجسد أفكارنا المتمفصلة بالمثالي محققاً التوازن بين العالم والإنسان لإعادة انتاج المعنى من اللامعنى .  




فالفنان التشكيلي في العراق كغيره من اقرانه مازال يبحث في الوجود عن ينابيع الاسرار فيما وراء الاقنعة لمحاكاة الجوهر وبمساعدة التلقائية وشيء من البدائية أدائياً وجمالياً وسحرياً وبالتالي وجدناه يقترح تكوينات ومشاهد تصويرية ذات الطابع البانورامي ، تتخذ فكرة التجنيس والتجميع مبداً لانتاج الاشكال المربعة او ربما الدائرية المحتفلة بالتدوير على حساب التشبيه ... وما مشاهد الفنان كامل حسين التصويرية الاخيرة إلا تأكيداً لما تقدم ، لبلورة مفهوم الكلية (الكونية) بفعل عمليات التحديث والتعبير والتجريد والتي تسمح بانتاج تكوينات محورية تخرج على الانساق المستقرة  ؛على اعتبار ان الفنان قد  راهن بالتعددية الصوتية المحتفلة بالتلقائية الواعية لانتاج افق جديد للمعنى المشترك ذي النزعة الانسانية ليصبح الفنان بمثابة منقب في الوجود عن اللامرئيات التي تمنح الاعماق اشكالا جديدة .
      حيث تمسك الفنان التشكيلي كامل حسين بفكرة التدوير والتربيع في أغلب مشاهده التصويرية والتي منحها طاقات رمزية وجمالية وتمظهرات بينية جديدة .. فالمربع نجده يقترب برمزه من مرجعيات الفكر الميثيولوجي القديم المتمثل بالحقيقة الروحية بينما الدائرة تأتي تعبيراً رمزياً عن فكرة اللانهائية ؛ كونها تعتبر رمزاً للنفس بوصف ان الفيلسوف افلاطون وجد ان النفس بمثابة دائرة . فنلاحظ مثلاً ان اغلب مفرداته التشكيلية (الجسد العاري – الحرف – الدائرة- النقطة- السمكة – الطبيعة – الشمس – القمر – الهلال ...) المستوحاة من ذاكرة مدينته القديمة (البصرة) تحتفل بالتسطيح والتجريد ضمن ايقاع لوني حُر (الاحمر – الاخضر – البني – الرصاصي ..) وايقاع خطي محوري (الحلزونيات) ضمن حوارية الحركة والسكون فالفنان يبتدأ بالتربيع ذي الطابع السكوني المستقر في تأسيس تكويناته الفنية ومن ثم يتمرحل بالاشكال من الطبيعي باتجاه الثقافي فينتهي بالتدريج بفعل عمليات التعبير والتجريد والتحطيم الى التدوير ، ليصبح هذا الفعل تمرحلاً دراماتيكي من السكون الى الحركة فالنقطة المربعة أصبحت بمثابة انطلاقة من السكون (المركز) الى الحركة ؛ بمعنى آخر هنالك تمرحل بتكوينات الفنان من الوجود بالقوة (المركز) الى الوجود بالفعل (الحركة) .




    وبجانب حديثنا عن السكون والحركة ايضاَ تجاورت موضوعة الجسد العاري (الرجل والامرأة) الحاضرة بقوة في التشكيل المعاصر في العراق ؛ بعد ان تواجدت في الفنون الرافدينية القديمة منذ الالاف السنين والتي جعلت من الدائرة أو الهلال رمزاً لمعنى الامومة أو الانوثة المقدسة .فالجسد في التشكيل يستطيع استيعاب المرئيات كونه يضفي المعنى عليها .. هنا استذكر مقولة لميرلوبونتي تنص :(انني أشاهد أشياء العالم الخارجية بجسدي ، ألمسها أطوف بها ، أتعرف عليها ، لكن عندما يتعلق الامر بجسدي فأنا لا أراه هو نفسه ...ربما أنا داخل جسدي!!) بهذه المقولة أجد الفنان كامل حسين حاضراً في الفن كوجود من خلال جسده الذهني ؛ على اعتبار ان اغلب تكويناته الجسدية قد تخلت عن التصورات المادية للجسد والتمسك بالحلم كي يعي العالم المحيط به لاجل تغييره بحثاً عن الحرية .. هذه النزعة الانسانية في موضوعة الجسد لدى الفنان نجدها تبحث عن المعاني الكامنة في الحلم ، للتواصل مع الآخر بقصد استشعار الوجود والكون .فالتكوينات البصرية المتمسكة بالديمومة لدى الفنان كامل حسين وجدتها تشبه حافات الحلم تماماً الذي يحوي طاقات الرمز والمرموز المفعمة بالتدويل والتدوير وجماليات التجريد التي تنتج الاسئلة لحظة فعل القراءة وبالتالي تسيح بذهن الآخر (المتلقي) الى فضاءات بلا حافات تقبل التأويل .. فتكسب المفردات التشكيلية أبعاداً كونية دائرية ذات تعددية دلالية تمتص جميع الاجناس التعبيرية ليستوعب المرئيات (الانسان – النبات – الحيوان – النجوم – الاكوان ..) باختلاف أنواعها وأجناسها وأدواتها وأساليبها الفنية والتقنية ، بحثا عن الخلاص في الجمال .
 

ليست هناك تعليقات: