قصص فصيرة جدا-عادل كامل
[11] ورود
لم يصدم، ولم يخف، ولم يستغرب،
وهو يشاهد أخيرا ً النبات الذي زرعه، منذ سنوات، تنتهي بورود ذات أشكال لفتت نظره،
فاقترب منها، ثم ابتعد، واقترب أكثر فأكثر، وأعاد تأملها بلذّة شاردة:
ـ إنها تشبهني!
وجلس متجمدا ً يعيد النظر فيها،
وكرر:
ـ إنها تشبهني!
ومكث يعيد التحديق فيها حتى غاب
عن الوعي، إنما، بعد ان آفاق، سمع الورود تهمس بعطر لامس محياه برذاذ ندي:
ـ بل نحن هو من يشبهك يا صديقنا!
[12] ديمقراطية
وقف المخبر بصحبة رجل ألقى
القبض عليه، أمام الضابط، قائلا ً:
ـ أمسكت به وهو يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع.
ـ ماذا كان يقول...؟
ـ كان يقول: إذا كانت هذه هي الديمقراطية ...، فما هو الاستبداد إذا ً ...؟
رفع الضابط رأسه وسأل الرجل:
ـ ماذا تقول..؟
ـ خمسون عاما ً أمضيتها وراء الجدران لأنني كنت أطالب ان لا افقد صوتي،
فوضعوني في السجن، وفي السجن علموني ان لا ارفع صوتي، وان لا أتحدث إلا معها! وها
هو يوشي بي باتهام باطل! فانا كنت أتحدث مع الله!
ـ إذا ً أنت طليق منذ هذا اليوم، وأنت تتمتع بالحرية أيضا ً، فإن لم تعترف بهذا
الانجاز، فإننا سنعيدك لتمضي ما تبقى من عمرك وراء الجدران! ولا تتحدث حتى مع
نفسك!
[13] مع من
بعد ان ترك بصره يمتد إلى بعيد ،
مع الأفق، لم ير شيئا ً.
ـ لا أحد!
فسأل نفسه:
ـ هل أنت وحيد حقا ً..؟
ـ لا! إنما أنا لا اعرف مع من..؟
[14] لا!
ـ أتعرف من هو أنا ؟
رفع العجوز بصره وتطلع في
العتمة، فلم ير سوى ما لا يحصى من الومضات، والذرات تشتبك، وتتداخل، وتتصادم،
تاركة أصداء، وتمويهات، وأشكال لا مقدمات ولا نهايات لها.
ـ لا ....! فقد تكون هو أنت الذي أمر بتركي على قيد الحياة، أو هو أنت الذي
جئت تسلب الحياة مني!
ـ لا...! هل تعتقد أنني كنت العب النرد معك؟
ـ لا ...! وأنا لم أكن أفكر باللعب أيضا ً! ربما كنت أتخبط، وها أنت تراني
لا امتلك إلا ان أتجلد....، بانتظار خاتمتي، وكي أقدم شكري للفاعل!
عندما غاب الصوت، قال العجوز مع
نفسه، ربما يكون قد وجد سكنه في ّ، أو ربما أكون أنا من وجد سكنه فيه. هكذا يكون
المفتاح يدور وأنت لا تعرف في أي قفل، مثلما تجهل اهو يدعوك للدخول، أم قد تركك لا
ترى ممرات المغادرة..؟ إنما حقا ً أنا اجهل اذا ما كنت ابحث عنه، أم تركني لا
استدل عليه، وقد وجد سكنه في ّ؟!
[14] العرافات
ـ سيدي، قالت العرافة، أن امرأة ما ستلد، خلال هذا العام، غلاما ً سيطيح
بسلطتك!
فكر الزعيم برهة، وقال:
ـ كأنك تطلب مني ان اقضي على نصف سكان الأرض!
ـ لو لم تتخذ قرارا ً ....، فسيتم القضاء علينا، وعليك.
ابتسم الزعيم، وأجاب هامسا ً:
ـ جئني بالعرافات!
ـ وماذا ستفعل بهّن؟
ـ سأخبرهن ان يتنبأن بنبوءة عليهن نشرها ...، فهذا هو البديل الوحيد بدل
مراقبة وانتظار وسفك دم كل من سيولد ليفكر
بانتزاع السلطة منا! نبوءة تقول: ان العجول المخصية وحدها ستنجب بقرات عاقرات!
[15] انقراض
قال البرفسيور في خاتمة
محاضرته:
ـ بإيجاز: كانت مهمة الإنسان الأولى الهرب من الضواري، وكانت مهمته الثانية
ملاحقتها وهي تهرب منه.
توقف برهة وأضاف:
ـ وكانت المهمة الثالثة للإنسان هي الحفاظ على الضواري من الإبادة.
وصمت، وامتد صمته، فسأله احد
المستمعين:
ـ وما كانت مهمته الثالثة، أيها البرفسيور؟
ـ اعتقد إنها الأكثر خطورة....، من يحافظ علينا من الانقراض؟
[16] إلى أفلاطون!
ـ ما جدوى حياتنا داخل هذا الكهف ...؟
كان هذا هو السؤال الذي شغلنا في
مطلع حياتنا، ثم استبدلناه، وأجرينا تعديلا ً عليه، فقلنا:
ـ هل باستطاعتنا مغادرة الكهف ...؟
ثم وجدنا أنفسنا نتساءل:
ـ هل ثمة ضرورة لمغادرته...؟
وفي نهاية المطاف، وجدنا أنفسنا لا نتذكر إذا ما
كان للكهف وجود، بل لا احد منا استطاع ان يثبت إذا ما كان لنا أي وجود!
[17] علامات
ـ سيدي، لقد أسقطنا النظام الجائر، وخلعنا الدكتاتور..
فقال الزعيم يخاطب مساعده:
ـ تعرف ان المهمة لا تكمن في الاستيلاء على السلطة، بل في الحفاظ عليها.
ـ أجل، أجل، هذا ما كنا نردده... وأضاف:
ـ ولكن مهمتنا، سيدي، لا تكمن في الحفاظ على السلطة، بل كيف نمنحها
شرعيتها..؟
قال الزعيم غاضبا ً:
ـ وهل هناك سلطة ما تمتلك مثل هذه الشرعية، أيها الثائر!
فقال للزعيم:
ـ كنت اقصد إننا بحاجة إلى إقامة: احتفالات، وأناشيد، وقصائد، وإعلانات،
وندوات، ومحاضرات، ومباهج، ومسرات، وفضائيات، ومواقع للتواصل الاجتماعي،
ومهرجانات، ووووووو ...ووو، تضفي الشرعية
علينا!
هز الزعيم رأسه:
ـ فكر معي، منذ الآن، من هي القوة التي بدأت، في الخفاء، وفي الظلمات، تخطط
للإطاحة بنا! لأن كل ما ذكرته، ليس بحاجة إلا إلى استبدال العلامات!
18/4/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق