قصص قصيرة جدا
عادل كامل..!
[6] هتافات وأناشيد
عندما أفقت، بعد قرون من السبات، رأيت القطيع ذاته، يهتف، يرقص، يغني، ينشد، ولكن لراعينا الجديد. لم أجد ممرا ً، أو فجوة، أو فراغا ً يسمح لي بالفرار، والهرب، فالساحة اكتظت بالنعاج، والحملان، والخراف، والماعز، والجاموس، والإبل، والعجول، وكأنها خلية نحل، أو مملكة نمل كالتي كادت بساطيل جند سليمان ان تسحقها، وثمة موجات أخرى من هذه المخلوقات مازالت تتدفق من الفروع، والشعب، والأزقة، للاشتراك بإحياء مباهج هذا الاحتفال الكبير.
ولم أجد فرصة، أو اختيارا ً، أو حلا ً، إلا ان احشر نفسي مع القطيع، وأؤدي ما كانوا يؤدوه، ، لكن الآخر ـ القابع داخل رأسي ـ سألني:
ـ لماذا ترقص..؟
ـ راعينا وفر لنا العشب..!
ـ ولماذا تغني ..؟
ـ راعينا سمح لنا بتنفس الهواء..!
ـ ولماذا تنشد...؟
ـ راعينا لم يمنع عنا الماء...!
ـ ولماذا تتمايل طربا ً..؟
ـ راعينا وسمنا بالعلامات ..!
ـ ولماذا تبدو وكأن النشوة بلغت ذروتها ..؟
ـ راعينا لم يمنعنا من العودة إلى بيوتنا..!
ـ ولماذا تهتف بصوت عال ٍ ..؟
ـ راعينا لم يغلق أفواهنا...، فماذا نفعل بالفم، وأنت ترانا لا نتذمر من شيء...؟
وخزني هذا القابع داخل رأسي وقال من غير سخرية:
ـ وكأن الراعي وهبكم الزمن الجميل، والمراعي السعيدة ..؟
فقلت له:
ـ لا تتكلم عن بعد، وأنت في كوكب آخر، تعال بجواري، وقل كلمتك. ثم ان الراعي أمر بتأجيل إرسالنا إلى المسلخ!
[7] في الطريق
عندما غادرت بيتي، بحثا ً عن أمر ما طالما شغلني، استوقفتني امرأة جميلة، بل بالغة الفتنة، والإغراء، هيفاء، ممتلئة من غير زيادة، سمراء من غير سواد، تركت خصال شعرها تداعبها الريح، وأصابعها بدت كأنامل راقصة باليه، فمها حبة عنب، وانفها زيتونة، وسألتني بصوت رقيق، أبنوسي، معطر برذاذ الفجر:
ـ هل تعلم، يا سيدي، أنني أمضيت سنوات طويلة وأنا ابحث عنك؟
باستغراب تساءلت، وأنا خائف ان ارفع رأسي وانظر في عينيها الترابيتين:
ـ تبحثين عني، عني أنا ..؟
ـ أجل عنك، أنت، وليس عن آخر سواك، سيدي!
ـ وها أنا بين يديك...، ولكن ما هي حاجتك إلى شبح؟
قالت بصوت مشفر بأكثر الغوايات إغراء ً:
ـ تعال معي!
فدار بخلدي، من غير تفكير، سؤال أربكني، ربما تكون قد عثرت على ضحية! ولكن ماذا لو استخدمتني لأغراض أخرى..؟
قالت:
ـ اجلس، لا ترتبك، اخبرني بماذا تحلم...؟
فقلت بطلاقة، ولكن بخجل:
ـ منذ زمان بعيد لم اعد احلم، ولست بحاجة لمن يعيد لي أحلامي، أو يسمح لي بأحلام احلم بها!
اقتربت مني كثيرا ً، حتى لامس محياها وجهي، وقالت:
ـ اطلب منك ان تقتلني!
مرت ببالي قصة الصبي وماذا قال للطبيب، في إحدى قصص كافكا، اقتلني، لكن هذا لا علاقة له بالقصة، ورحت انتظر، وأنا لم اعد حتى شبحا ً.
لم تفتح فمها. آنذاك ابتسمت، من غير إرادة، ونهضت:
ـ هل يقدر هذا الشبح ان يرتكب هذا الفعل...؟
قالت بثقة:
ـ اخبروني انك حاذق في القتل، وفي الدفن!
لم اصدم، فانا لم اعد شيئا ً، ولكنني أخبرتها كيف أنني أعدت روحي لباريها، وجسدي إلى الأرض، وأنفاسي للريح، فانا ما طلبت شيئا ً من هذه الأشياء كي تستلب مني، فأعدتها وقنعت بوجودي هذا وقد غاب الآن تماما ً!
فهمست بأسى عميق:
ـ أنا اطلب منك ان تمنحني واحدة منها، فانا بلا جسد وبلا روح وبلا أنفاس!
فقلت متضرعا ً:
ـ حتى الشبح الذي كنت ِتبحثين عنه، توارى، تبخر، والآن، أنا مثلك، سيدتي، سأشترك معك بالبحث عن هذا الذي غاب!
[8] تحقيق
إبان الفوضى التي ضربت البلاد، وزعزعت أركانها، وكادت تمحوها من الوجود، أصدرت الجهات الجديدة أمرا ً بإلقاء القبض على كل من شارك، وروج، واسهم فيها. وبعد ان القينا القبض على احد ابرز الزعماء، وكي أحقق معه، وجدت انه بلا فم! لقد أخفاه في مكان ما من جسده، وموه بطريقة يصعب تفكيك مغاليقها، حتى بدأنا نصدق انه ولد من غير فم. على انه كان زعيما ً طالما حرض الملايين على الانتفاضات، والتمرد، والعصيان، وقاد حملات الامتناع عن تناول الطعام، والصمت، والإضراب عن العمل.
عمليا ً ليس لدينا حتى وثيقة واحدة تثبت انه كان قد تفوه بكلمة تستوجب محاكمته، ومعاقبته، لا قبل الأحداث التي كادت تطيح بدولتنا، ولا إبان الحرب الأهلية الأخيرة، بل أكدت غالبية نتائج البحث والتحليل الخاصة بالمعلومات انه لم يكن يستخدم فمه في إصدار الأوامر، كما لم يستخدم أصابعه في ترك أي اثر دال على هويته.
فكان علي ّـ بصفتي المشرف على فريق الاستجواب ـ فك هذه المشفرات. ولأنني كنت استثمر النظريات الأكثر تقدما ً، في القراءة، وإعادة قراءة القراءات، والنبش في الممحوات، وملغزات ما تخلفه الأصوات من أصداء مشوشة، فلم افقد الأمل في العثور على نتيجة تخرجنا من المأزق.
فأين خبأ فمه...؟
لكن الرجل، في نهاية المطاف، استدعاني، كي يخبرني، بأنه في عصر الإمبراطور الأكبر، كان يمتلك فما ً واحدا ً، ككل أبناء الأمة، ولكنه أغلق فمه، أمام حشد من الخبراء، والشهود، والعلماء، والجواسيس، والمخبرين السريين، واستغنى عنه إلى الأبد!
ـ والآن ...؟
لم ينطق، ولم يترك أثرا ً للمعلومات التي أدلى بها. فقد أكد انه عندما أصبحت الرقابة بالغة التمويه، والدقة، في التقصي، بعملها عبر التقدم ما بعد التقني، وما بعد سذاجة جمع المعلومات، والرصد، والمراقبة القديمة، البالية، وعبر ملايين الإشارات، والمخفيات، بتنوعها، فانه من المستحيل ان تكون ثمة أهمية تذكر لمصادرها!
ربما أكون الوحيد الذي خرج بخلاصة مفادها انه من الصعب للغاية التوصل إلى مصدر، أو محرك، محدد، للفاعل، مما يسمح لنا ـ واقصد لي ـ بالتقدم في عملنا بإجراء قرارات رادعة، أو مثمرة، خاصة بنشاطنا.
آنذاك تم إطلاق سراحه، كي نمارس ـ نحن ـ تحرياتنا، بحرية اكبر، بعد ان لم يعد للفم، ولا للكلمات، الدور الذي يقود إلى إسقاط الدول، والإمبراطوريات!
[9] ذروة
قال لنا: صفقوا ...، ارقصوا ...، ابتهجوا!
كان الرجل قد دعا، عددا ً من الغرباء الذين غزو بلادنا، إلى داره، وأقام حفلة باذخة فيه، فقد تناوب الغرباء التمتع بحريم أهل البيت: جدته، أمه، زوجته، بناته، وحفيداته أيضا ً!
ـ لا!
نافيا ً تهمة التمتع ـ مستبدلا ً كلمة الاغتصاب بها ـ وشرح بسلاسة:
ـ فهؤلاء حررونا...، فمن كان باستطاعته ان ينقذنا من الظلمات، والضلالات، والظلم، سواهم!
وأضاف بشفافية:
ـ ولنا شرف ان ندعهم يمرحون...، يتمتعون....، ويفرحون...، ويبتهجون.
همس زميل لي في آذني:
ـ ها هم يستبدلونهن الحريم بالرجال!
سمعنا صاحب البيت، فاقترب منا، وخاطبنا بصوت مرتجف:
ـ دعونا من عقدكم، ومن أورامكم، أيها المرضى!
رفع زميلي رأسه قليلا ً وسأله:
ـ اخبرنا أيها البرفسيور ماذا كنت تعمل في زمن الإمبراطور الجائر...؟ الم ْ تكن مشرفا ً على احتفالاته، ومباهجه، وأعراسه، وكنت تدعونا إليها..؟
ـ الأصدقاء الحلفاء يعرفون...!
ـ الغرباء يعرفون أنهم حررونا!
ـ اجل يعرفون ان هناك من صعد إلى السماء، وهناك من دفن في الأرض، وان هناك من ينتظر ....
اقترب منا وسألنا همسا ً:
ـ ولكن من دعاكم إلى هذا الاحتفال؟!
ـ مثلما كنت تدعونا إلى الاحتفالات القديمة، وكنت تعرف لماذا لم نكن نعترض....، هل ترانا نستطيع ان نمتنع عن تلبية دعوتكم الكريمة!
ـ وهل انتم ملائكة، أبرياء..؟
قال زميلي بصوت خفيض:
ـ بل كنا نحن سلمك الذي قادك إلى هذه الذروة!
[10] انفجار
عقب انفجار السيارة المفخخة، بلحظات، ساد الصمت.
ـ لا تهرب، اسمع، يا أنت...، ها هي أصابعك متناثرة بجواري.
لم يلتفت له، فقد توارى.
آنذاك بحث المتكلم عن ساقيه، كي يلوذ بالفرار، لم يجدهما، إنما شاهد كرة تتدحرج وتقترب منه، وقد استقرت بين يديه: رأس يعود لشاب كان قد أوصاه بشراء الخبز. فخاطب نفسه:
ـ اخبروني ....، من انتصر...، أنت بلا أصابع، والآخر بلا رأس، وأنا بلا ساقين..و ..و ...و ...
قبل ان يكمل جملته، وجد جسده يتناثر في الهواء، إنما كان صدى كلماته يرّن في آذان آخر لم يفقد حياته بعد.
عادل كامل..!
[6] هتافات وأناشيد
عندما أفقت، بعد قرون من السبات، رأيت القطيع ذاته، يهتف، يرقص، يغني، ينشد، ولكن لراعينا الجديد. لم أجد ممرا ً، أو فجوة، أو فراغا ً يسمح لي بالفرار، والهرب، فالساحة اكتظت بالنعاج، والحملان، والخراف، والماعز، والجاموس، والإبل، والعجول، وكأنها خلية نحل، أو مملكة نمل كالتي كادت بساطيل جند سليمان ان تسحقها، وثمة موجات أخرى من هذه المخلوقات مازالت تتدفق من الفروع، والشعب، والأزقة، للاشتراك بإحياء مباهج هذا الاحتفال الكبير.
ولم أجد فرصة، أو اختيارا ً، أو حلا ً، إلا ان احشر نفسي مع القطيع، وأؤدي ما كانوا يؤدوه، ، لكن الآخر ـ القابع داخل رأسي ـ سألني:
ـ لماذا ترقص..؟
ـ راعينا وفر لنا العشب..!
ـ ولماذا تغني ..؟
ـ راعينا سمح لنا بتنفس الهواء..!
ـ ولماذا تنشد...؟
ـ راعينا لم يمنع عنا الماء...!
ـ ولماذا تتمايل طربا ً..؟
ـ راعينا وسمنا بالعلامات ..!
ـ ولماذا تبدو وكأن النشوة بلغت ذروتها ..؟
ـ راعينا لم يمنعنا من العودة إلى بيوتنا..!
ـ ولماذا تهتف بصوت عال ٍ ..؟
ـ راعينا لم يغلق أفواهنا...، فماذا نفعل بالفم، وأنت ترانا لا نتذمر من شيء...؟
وخزني هذا القابع داخل رأسي وقال من غير سخرية:
ـ وكأن الراعي وهبكم الزمن الجميل، والمراعي السعيدة ..؟
فقلت له:
ـ لا تتكلم عن بعد، وأنت في كوكب آخر، تعال بجواري، وقل كلمتك. ثم ان الراعي أمر بتأجيل إرسالنا إلى المسلخ!
[7] في الطريق
عندما غادرت بيتي، بحثا ً عن أمر ما طالما شغلني، استوقفتني امرأة جميلة، بل بالغة الفتنة، والإغراء، هيفاء، ممتلئة من غير زيادة، سمراء من غير سواد، تركت خصال شعرها تداعبها الريح، وأصابعها بدت كأنامل راقصة باليه، فمها حبة عنب، وانفها زيتونة، وسألتني بصوت رقيق، أبنوسي، معطر برذاذ الفجر:
ـ هل تعلم، يا سيدي، أنني أمضيت سنوات طويلة وأنا ابحث عنك؟
باستغراب تساءلت، وأنا خائف ان ارفع رأسي وانظر في عينيها الترابيتين:
ـ تبحثين عني، عني أنا ..؟
ـ أجل عنك، أنت، وليس عن آخر سواك، سيدي!
ـ وها أنا بين يديك...، ولكن ما هي حاجتك إلى شبح؟
قالت بصوت مشفر بأكثر الغوايات إغراء ً:
ـ تعال معي!
فدار بخلدي، من غير تفكير، سؤال أربكني، ربما تكون قد عثرت على ضحية! ولكن ماذا لو استخدمتني لأغراض أخرى..؟
قالت:
ـ اجلس، لا ترتبك، اخبرني بماذا تحلم...؟
فقلت بطلاقة، ولكن بخجل:
ـ منذ زمان بعيد لم اعد احلم، ولست بحاجة لمن يعيد لي أحلامي، أو يسمح لي بأحلام احلم بها!
اقتربت مني كثيرا ً، حتى لامس محياها وجهي، وقالت:
ـ اطلب منك ان تقتلني!
مرت ببالي قصة الصبي وماذا قال للطبيب، في إحدى قصص كافكا، اقتلني، لكن هذا لا علاقة له بالقصة، ورحت انتظر، وأنا لم اعد حتى شبحا ً.
لم تفتح فمها. آنذاك ابتسمت، من غير إرادة، ونهضت:
ـ هل يقدر هذا الشبح ان يرتكب هذا الفعل...؟
قالت بثقة:
ـ اخبروني انك حاذق في القتل، وفي الدفن!
لم اصدم، فانا لم اعد شيئا ً، ولكنني أخبرتها كيف أنني أعدت روحي لباريها، وجسدي إلى الأرض، وأنفاسي للريح، فانا ما طلبت شيئا ً من هذه الأشياء كي تستلب مني، فأعدتها وقنعت بوجودي هذا وقد غاب الآن تماما ً!
فهمست بأسى عميق:
ـ أنا اطلب منك ان تمنحني واحدة منها، فانا بلا جسد وبلا روح وبلا أنفاس!
فقلت متضرعا ً:
ـ حتى الشبح الذي كنت ِتبحثين عنه، توارى، تبخر، والآن، أنا مثلك، سيدتي، سأشترك معك بالبحث عن هذا الذي غاب!
[8] تحقيق
إبان الفوضى التي ضربت البلاد، وزعزعت أركانها، وكادت تمحوها من الوجود، أصدرت الجهات الجديدة أمرا ً بإلقاء القبض على كل من شارك، وروج، واسهم فيها. وبعد ان القينا القبض على احد ابرز الزعماء، وكي أحقق معه، وجدت انه بلا فم! لقد أخفاه في مكان ما من جسده، وموه بطريقة يصعب تفكيك مغاليقها، حتى بدأنا نصدق انه ولد من غير فم. على انه كان زعيما ً طالما حرض الملايين على الانتفاضات، والتمرد، والعصيان، وقاد حملات الامتناع عن تناول الطعام، والصمت، والإضراب عن العمل.
عمليا ً ليس لدينا حتى وثيقة واحدة تثبت انه كان قد تفوه بكلمة تستوجب محاكمته، ومعاقبته، لا قبل الأحداث التي كادت تطيح بدولتنا، ولا إبان الحرب الأهلية الأخيرة، بل أكدت غالبية نتائج البحث والتحليل الخاصة بالمعلومات انه لم يكن يستخدم فمه في إصدار الأوامر، كما لم يستخدم أصابعه في ترك أي اثر دال على هويته.
فكان علي ّـ بصفتي المشرف على فريق الاستجواب ـ فك هذه المشفرات. ولأنني كنت استثمر النظريات الأكثر تقدما ً، في القراءة، وإعادة قراءة القراءات، والنبش في الممحوات، وملغزات ما تخلفه الأصوات من أصداء مشوشة، فلم افقد الأمل في العثور على نتيجة تخرجنا من المأزق.
فأين خبأ فمه...؟
لكن الرجل، في نهاية المطاف، استدعاني، كي يخبرني، بأنه في عصر الإمبراطور الأكبر، كان يمتلك فما ً واحدا ً، ككل أبناء الأمة، ولكنه أغلق فمه، أمام حشد من الخبراء، والشهود، والعلماء، والجواسيس، والمخبرين السريين، واستغنى عنه إلى الأبد!
ـ والآن ...؟
لم ينطق، ولم يترك أثرا ً للمعلومات التي أدلى بها. فقد أكد انه عندما أصبحت الرقابة بالغة التمويه، والدقة، في التقصي، بعملها عبر التقدم ما بعد التقني، وما بعد سذاجة جمع المعلومات، والرصد، والمراقبة القديمة، البالية، وعبر ملايين الإشارات، والمخفيات، بتنوعها، فانه من المستحيل ان تكون ثمة أهمية تذكر لمصادرها!
ربما أكون الوحيد الذي خرج بخلاصة مفادها انه من الصعب للغاية التوصل إلى مصدر، أو محرك، محدد، للفاعل، مما يسمح لنا ـ واقصد لي ـ بالتقدم في عملنا بإجراء قرارات رادعة، أو مثمرة، خاصة بنشاطنا.
آنذاك تم إطلاق سراحه، كي نمارس ـ نحن ـ تحرياتنا، بحرية اكبر، بعد ان لم يعد للفم، ولا للكلمات، الدور الذي يقود إلى إسقاط الدول، والإمبراطوريات!
[9] ذروة
قال لنا: صفقوا ...، ارقصوا ...، ابتهجوا!
كان الرجل قد دعا، عددا ً من الغرباء الذين غزو بلادنا، إلى داره، وأقام حفلة باذخة فيه، فقد تناوب الغرباء التمتع بحريم أهل البيت: جدته، أمه، زوجته، بناته، وحفيداته أيضا ً!
ـ لا!
نافيا ً تهمة التمتع ـ مستبدلا ً كلمة الاغتصاب بها ـ وشرح بسلاسة:
ـ فهؤلاء حررونا...، فمن كان باستطاعته ان ينقذنا من الظلمات، والضلالات، والظلم، سواهم!
وأضاف بشفافية:
ـ ولنا شرف ان ندعهم يمرحون...، يتمتعون....، ويفرحون...، ويبتهجون.
همس زميل لي في آذني:
ـ ها هم يستبدلونهن الحريم بالرجال!
سمعنا صاحب البيت، فاقترب منا، وخاطبنا بصوت مرتجف:
ـ دعونا من عقدكم، ومن أورامكم، أيها المرضى!
رفع زميلي رأسه قليلا ً وسأله:
ـ اخبرنا أيها البرفسيور ماذا كنت تعمل في زمن الإمبراطور الجائر...؟ الم ْ تكن مشرفا ً على احتفالاته، ومباهجه، وأعراسه، وكنت تدعونا إليها..؟
ـ الأصدقاء الحلفاء يعرفون...!
ـ الغرباء يعرفون أنهم حررونا!
ـ اجل يعرفون ان هناك من صعد إلى السماء، وهناك من دفن في الأرض، وان هناك من ينتظر ....
اقترب منا وسألنا همسا ً:
ـ ولكن من دعاكم إلى هذا الاحتفال؟!
ـ مثلما كنت تدعونا إلى الاحتفالات القديمة، وكنت تعرف لماذا لم نكن نعترض....، هل ترانا نستطيع ان نمتنع عن تلبية دعوتكم الكريمة!
ـ وهل انتم ملائكة، أبرياء..؟
قال زميلي بصوت خفيض:
ـ بل كنا نحن سلمك الذي قادك إلى هذه الذروة!
[10] انفجار
عقب انفجار السيارة المفخخة، بلحظات، ساد الصمت.
ـ لا تهرب، اسمع، يا أنت...، ها هي أصابعك متناثرة بجواري.
لم يلتفت له، فقد توارى.
آنذاك بحث المتكلم عن ساقيه، كي يلوذ بالفرار، لم يجدهما، إنما شاهد كرة تتدحرج وتقترب منه، وقد استقرت بين يديه: رأس يعود لشاب كان قد أوصاه بشراء الخبز. فخاطب نفسه:
ـ اخبروني ....، من انتصر...، أنت بلا أصابع، والآخر بلا رأس، وأنا بلا ساقين..و ..و ...و ...
قبل ان يكمل جملته، وجد جسده يتناثر في الهواء، إنما كان صدى كلماته يرّن في آذان آخر لم يفقد حياته بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق