حقائق عن تواضع قادة الغرب
كاظم فنجان الحمامي
الحديث عن تواضع قادة الغرب لا نهاية له، وربما يطول بنا بقدر ما تتحفنا به الوقائع اليومية المذهلة، فيبهرنا تواضعهم الجم في سلوكهم وملبسهم ومأكلهم وبساطتهم، ما يمنحهم التفوق على غيرهم نحو الارتقاء في مكانتهم العالمية، بعدما اتخذوا من التواضع جسراً لتحقيق العدالة الإنسانية، فقمة التواضع أن يضع الزعيم نفسه عند من هم دونه، وأن أرفع الزعماء قدراً من لا يتعالى على شعبه، وأكبرهم فضلاً من لا يرى فضله عليهم.
يعد الرئيس (خوسيه موخيكا) أفقر رؤساء الغرب الأمريكي, لأنه يتقاضي مرتباً شهرياً لا يزيد على (12500) دولار. لكنه يتبرع بنحو (90%) منه، ويحتفظ بأقل من (1250) دولارا فقط. يعيش (موخيكا) مع زوجته (لوسيا) في كوخ ريفي صغير. أما سيارته الرئاسية فهي عربة قديمة من طراز (فولكس ووكن) المحدبة الرخيصة، التي لا يزيد سعرها على (1945) دولار، وهو النوع الذي اختفى من شوارع العراق، ولم يعد له وجود، فهي عندنا أرخص من (الستوتة).
وضرب لنا وزير المالية البريطاني (جورج أوزبورن) مثلاً رائعاً في التواضع، عندما أستقل (من دون قصد) مقصورة الدرجة الأولى في القطار المنطلق من مدينته، وكانت معه تذكرة الدرجة الثانية، فأجبره مفتش القطار بالانتقال إلى عربات الدرجة الثانية، أو الامتثال لقانون خطوط السكك الحديدية بدفع رسوم الغرامة، مقابل السماح له بالبقاء في مقعده. قال له الوزير أن القانون يجيز له بالتمتع بتسهيلات عطلة نهاية الأسبوع، التي تسمح لركاب الدرجة الثانية بالجلوس في مقاعد الدرجة الأولى، فرد عليه المفتش: نعم هذا صحيح لكن العطلة لم تبدأ إلا بعد منتصف ليلة الغد, والساعة الآن تشير إلى الرابعة عصراً، فاعتذر منه الوزير, ودفع له الغرامة المقررة. لم يتردد المفتش في تطبيق القانون، ولم يجامل الوزير، ولم يخشى بطشه.
وفي بريطانيا أيضاً استقالت وزير الرياضة (ماريا ميلر)، التي اتهمتها الصحافة بالتبذير والإسراف وسوء الإنفاق، وكل القصة وما فيها أنها أنفقت مبلغ أقل من ستة آلاف جنيه من حسابها الخاص. بمعنى أنها لم تسرق المال العام, ولم تتهرب من دفع الضرائب، لكنها امتثلت للرأي العام، وتقدمت باستقالتها إلى رئيس الوزراء (دافيد كاميرون)، الذي قبلها وكلف بريطانياً مسلماً بالحلول مكانها في الوزارة, هو (ساجد جاويد).
ولا مجال للمقارن بين موكب الزعيم الهولندي (مارك روتتي) المؤلف من دراجة هوائية واحدة، وبين مواكبنا الخرافية المؤلفة من مجاميع كبيرة من السيارات المدرعة والعربات المصفحة والدراجات النارية، تحلق فوقها أحياناً أسراب من طائرات الهليكوبتر، وربما الطائرات المقاتلة.
وفي بريطانيا اكتشف رئيس وزراؤها (ديفيد كاميرون) إن دراجته الهوائية أسهل له وانفع وأسرع في التنقل، ولا تكلفه شيئاً، فحذا حذو نظيره الهولندي، وتجول بدراجته في ضواحي مدينته. يمارس (كاميرون) حياته الطبيعية بلا حراس, ولا رجال أمن, ولا بودي غارد, ولا يتبعه الانتهازيون والوصوليون, ولا تسمع أهازيجهم الولائية المستنسخة: (بالروح بالدم نفديك يا كاميرون)، فالناس هناك يتعاملون معه مثلما يتعاملون مع بعضهم البعض، من دون حواجز ولا موانع ولا فوارق وظيفية أو طبقية.
هؤلاء كلهم من خارج مجتمعاتنا. لا يدينون بديننا الذي أوصانا بالبساطة والتواضع، ولا ينتمون إلى قوميتنا العربية، التي زرعت في قلوبنا حسن التعامل مع الناس. لكنهم تمسكوا بالثوابت الإنسانية النبيلة، واختاروا البساطة سلماً مهذباً للوصول إلى قلوب الجماهير، فاكتسبوا حب الناس بالرفق والتعامل المرن، ونالوا حب الله وحب العباد بالابتسامة الرقيقة والكلمة الطيبة.
أمام هذه النماذج من الزعماء الذين يتوزّعون على أكثر من بلد غربي، تمرّ مشاهد وأسماء زعماءٍ لا ينفكّون يتمسّكون بالسلطة، وكأنّها إرثٌ أزلي لهم. يورّثونه لأبنائهم. ينقلونه من جيل إلى جيل. يعملون بلا كلل ولا ملل لزيادة ثرواتهم، التي تتّخذ من المادة وأشكالها عناوين عريضة تميّزهم عن غيرهم من الفقراء والمسحوقين.
كاظم فنجان الحمامي
الحديث عن تواضع قادة الغرب لا نهاية له، وربما يطول بنا بقدر ما تتحفنا به الوقائع اليومية المذهلة، فيبهرنا تواضعهم الجم في سلوكهم وملبسهم ومأكلهم وبساطتهم، ما يمنحهم التفوق على غيرهم نحو الارتقاء في مكانتهم العالمية، بعدما اتخذوا من التواضع جسراً لتحقيق العدالة الإنسانية، فقمة التواضع أن يضع الزعيم نفسه عند من هم دونه، وأن أرفع الزعماء قدراً من لا يتعالى على شعبه، وأكبرهم فضلاً من لا يرى فضله عليهم.
يعد الرئيس (خوسيه موخيكا) أفقر رؤساء الغرب الأمريكي, لأنه يتقاضي مرتباً شهرياً لا يزيد على (12500) دولار. لكنه يتبرع بنحو (90%) منه، ويحتفظ بأقل من (1250) دولارا فقط. يعيش (موخيكا) مع زوجته (لوسيا) في كوخ ريفي صغير. أما سيارته الرئاسية فهي عربة قديمة من طراز (فولكس ووكن) المحدبة الرخيصة، التي لا يزيد سعرها على (1945) دولار، وهو النوع الذي اختفى من شوارع العراق، ولم يعد له وجود، فهي عندنا أرخص من (الستوتة).
وضرب لنا وزير المالية البريطاني (جورج أوزبورن) مثلاً رائعاً في التواضع، عندما أستقل (من دون قصد) مقصورة الدرجة الأولى في القطار المنطلق من مدينته، وكانت معه تذكرة الدرجة الثانية، فأجبره مفتش القطار بالانتقال إلى عربات الدرجة الثانية، أو الامتثال لقانون خطوط السكك الحديدية بدفع رسوم الغرامة، مقابل السماح له بالبقاء في مقعده. قال له الوزير أن القانون يجيز له بالتمتع بتسهيلات عطلة نهاية الأسبوع، التي تسمح لركاب الدرجة الثانية بالجلوس في مقاعد الدرجة الأولى، فرد عليه المفتش: نعم هذا صحيح لكن العطلة لم تبدأ إلا بعد منتصف ليلة الغد, والساعة الآن تشير إلى الرابعة عصراً، فاعتذر منه الوزير, ودفع له الغرامة المقررة. لم يتردد المفتش في تطبيق القانون، ولم يجامل الوزير، ولم يخشى بطشه.
وفي بريطانيا أيضاً استقالت وزير الرياضة (ماريا ميلر)، التي اتهمتها الصحافة بالتبذير والإسراف وسوء الإنفاق، وكل القصة وما فيها أنها أنفقت مبلغ أقل من ستة آلاف جنيه من حسابها الخاص. بمعنى أنها لم تسرق المال العام, ولم تتهرب من دفع الضرائب، لكنها امتثلت للرأي العام، وتقدمت باستقالتها إلى رئيس الوزراء (دافيد كاميرون)، الذي قبلها وكلف بريطانياً مسلماً بالحلول مكانها في الوزارة, هو (ساجد جاويد).
ولا مجال للمقارن بين موكب الزعيم الهولندي (مارك روتتي) المؤلف من دراجة هوائية واحدة، وبين مواكبنا الخرافية المؤلفة من مجاميع كبيرة من السيارات المدرعة والعربات المصفحة والدراجات النارية، تحلق فوقها أحياناً أسراب من طائرات الهليكوبتر، وربما الطائرات المقاتلة.
وفي بريطانيا اكتشف رئيس وزراؤها (ديفيد كاميرون) إن دراجته الهوائية أسهل له وانفع وأسرع في التنقل، ولا تكلفه شيئاً، فحذا حذو نظيره الهولندي، وتجول بدراجته في ضواحي مدينته. يمارس (كاميرون) حياته الطبيعية بلا حراس, ولا رجال أمن, ولا بودي غارد, ولا يتبعه الانتهازيون والوصوليون, ولا تسمع أهازيجهم الولائية المستنسخة: (بالروح بالدم نفديك يا كاميرون)، فالناس هناك يتعاملون معه مثلما يتعاملون مع بعضهم البعض، من دون حواجز ولا موانع ولا فوارق وظيفية أو طبقية.
هؤلاء كلهم من خارج مجتمعاتنا. لا يدينون بديننا الذي أوصانا بالبساطة والتواضع، ولا ينتمون إلى قوميتنا العربية، التي زرعت في قلوبنا حسن التعامل مع الناس. لكنهم تمسكوا بالثوابت الإنسانية النبيلة، واختاروا البساطة سلماً مهذباً للوصول إلى قلوب الجماهير، فاكتسبوا حب الناس بالرفق والتعامل المرن، ونالوا حب الله وحب العباد بالابتسامة الرقيقة والكلمة الطيبة.
أمام هذه النماذج من الزعماء الذين يتوزّعون على أكثر من بلد غربي، تمرّ مشاهد وأسماء زعماءٍ لا ينفكّون يتمسّكون بالسلطة، وكأنّها إرثٌ أزلي لهم. يورّثونه لأبنائهم. ينقلونه من جيل إلى جيل. يعملون بلا كلل ولا ملل لزيادة ثرواتهم، التي تتّخذ من المادة وأشكالها عناوين عريضة تميّزهم عن غيرهم من الفقراء والمسحوقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق