بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 28 مايو 2014

يوم القيامة المُصَغَّر-كاظم فنجان الحمامي

يوم القيامة المُصَغَّر

كاظم فنجان الحمامي

ربما لم تسمعوا بعد بيوم القيامة المُصَغَّر, أو بيوم القيامة التمهيدي, الذي يسبق القيامة النهائية, إلا إذا كنتم تعيشون في العراق, وإلا إذا بلغتم السن القانونية, وأحالتكم الأعمار إلى التقاعد, فيومئذِ تقفون وجهاً لوجه في طوابير طويلة خلف مصدات دائرة التقاعد, وتُحشرون في قاعات ضيقة. مزدحمة بأجساد بشرية أرهقتها سنوات الخدمة الطويلة المضنية. تتكدسون هناك بالمئات مع ما تحملونه من أمراض الشيخوخة, فتخنقكم رطوبة الجدران الملطخة ببصمات أصابع الموتى الذين سبقوكم إلى التقاعد, وشهدوا قبلكم يوم الحشر التقاعدي بصيغته المُذلة التي لا تعرف الرحمة، وبإجراءاته البطيئة القاتلة، فالتعامل السيئ هو العلامة الفارقة للمؤسسات المعنية بترويج معاملات التقاعد.  
في هذا المكان المكتظ بالمراجعين والمراجعات ينصهر استحقاقك, فيصب في أنهار الاستجداء، وتتفكك عظامك الخاوية فوق المقاعد الممزقة، فتتبعثر آمالك بين دهاليز التعامل السيئ والمواعيد المؤجلة، ثم تتبخر أنت والأوراق التي تتأبطها في زحمة التدافع بين الجموع البشرية المضغوطة في الممرات الضيقة، فتضيق أنفاسك، وينزلق جسدك المنهار في نفق المراجعات اليومية غير المجدية، حتى تصاب بالذهول والخذلان وتفقد أعصابك، ثم يختفي صوتك تماماً وسط بركان الضجيج المتفجر بالصيحات الاستنكارية الحائرة.
في مثل هذا اليوم تعيش في عزلتك الأولى, فتنقطع علاقتك مع رفاقك في الوظيفة، وتتفاقم همومك، وينكمش راتبك الشهري إلى الحد الأدنى بعدما تُحذف منه الحوافز الإضافية والمخصصات المهنية، فيتحول إلى مبلغ شحيح، لا يسمن ولا يغني من جوع في مواجهة ضراوة التضخم المتزايد، وارتفاع الأسعار والخدمات والسكن الطردي، في حين تبقى أسرتك على حالها، فتتدهور صحتك، وتسوء أحوالك، يوم لا ينفعك رصيدك، ولا يؤازرك صديقك. ولا مجال للمقارنة هنا بين ثبات مرتبك التقاعدي ومتغيرات الزيادة السنوية في الرسوم والأسعار.
ختاماً نقول: ما الذي يمنع البرلمانيون من الاهتمام بالمتقاعدين, وما الذي يحول دون توفير سبل الحياة الكريمة لهم بعد التقاعد، وما الضير من منحهم تعديلاً منصفاً في رواتبهم، وتأمينا صحياً عادلاً ؟. وما الضير من تشريع مواد قانونية شاملة للذين أفنوا أعمارهم في المؤسسات الحكومية وفي القطاع الخاص ؟. وإلى متى يبقى المتقاعدون يتقلبون بين مطرقة الروتين القاتل وسندان المعاملة السيئة ؟. وما الذي يمنع دوائر التقاعد المركزية والفرعية من تحسين تعاملها مع الناس ؟. ألم يعلم موظفو هيئة التقاعد أن خير الناس من نفع الناس ؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

ليست هناك تعليقات: