السبت، 31 مايو 2014

الجواهري في لقاء نادر وفي ايامه الاخيرة

في الثقافة الديمقراطية-*عناية جابر

في الثقافة الديمقراطية


*عناية جابر
في أوروبا الآن انتخابات ونتائج مهمة جدا تفيدنا ربما في فهمنا للثقافة الديمقراطية. فعندما قام البعض بوشم التحركات الشعبية التي قامت في بلادنا خلال السنوات الأخيرة بوشم الديمقراطية اعترض البعض الآخر مشيراً الى استحالة ذلك قبل تثقيف الناس بها.
فهي مناخ ثقافي قبل أي شيء آخر، كما قيل. كما أشار غيرهم إلى أنه من الصعوبة بمكان أن تطرح الناس على نفسها مسألة القيام بمهمة لم تستعد لها جيدا بعدُ. قيل ذلك في ظروف الانتفاضات الأولى بحيث بدت الثقافة الديمقراطية شرطاً لا بد من توافره للعبور من الاستبداد إلى الديمقراطية.
اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات ونيف على بدء الحراك العربي، اتضح، على الأقل، أن ما جرى لا يتعدى القلاقل ولا يشبه ما حلم به الحالمون. غياب الثقافة الديمقراطية هي السبب بحسب البعض، سرقة الثورة هي العلّة بالنسبة للبعض الآخر. لكن لنحاول أن نلقي نظرة على تجارب الشعوب، المشبعة بهذه الثقافة، والتي لم تكتفِ بالمعرفة فيها بل هي تمارسها منذ أكثر من قرنين. ففي سياق الإنتخابات التي تجري في بلاد توصف بأنها أم الديمقراطية بالعالم لوحظ ميل ثابت، منذ سنوات وحتى عقود، نحو تراجع المشاركة الشعبية في العمليات الإنتخابية. فنسبة الممتنعين عن المشاركة راحت تتراوح بحسب الفترات ونوعية الإقتراع بين 30 إلى 60 بالمئة من الذين يحق لهم التصويت.
إذن وبالرغم من تشبع الناس بالثقافة الديمقراطية، يمتنع أقل من الثلثين قليلا، حوالي الـ 60 بالمئة، من المواطنين عن ممارسة حقهم بالإدلاء بوجهة نظرهم في المشاريع المقترحة لإدارة شؤونهم العامة وحياتهم اليومية. من جهة أخرى لوحظ أيضاً ظاهرة انتخابية، متصلة بالأولى أغلب الظن، وتتمثل بالتصويت السلبي أو الإعتراضي وذلك عبر قيام المواطن بالتصويت لطرف لا يؤيده بل يريد من خلاله تسجيل اعتراض على الطرف الذي يؤيد فعلاً. نوعٌ من التصويت العقابي، أو تصويت النكاية إذا صح التعبير.
فإذا أضفنا هؤلاء إلى الممتنعين نصل إلى نتيجة مفادها أن النسبة التي تقرر حياة البشر في هذه الديمقراطيات لا تتعدى بأحسن الأحوال الـ 20 بالمئة من المواطنين وليس من السكان. فالمواطن هو الذي يعيش على الارض ويحمل جنسيتها ويتمتع بحقوق المشاركة بالانتخاب ترشيحا وانتخاباً. إنه مواطن الدولة – المدينة، أي صاحب الحق بتقرير الحياة العامة. لكن كلنا يعلم اليوم أن هناك جاليات أجنبية، تتراوح نسبتها بين 10 إلى 15 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان، تعيش أيضا على أرض الديمقراطيات ولا تتمتع بحق المواطنة وإبداء الرأي بالحياة التي يشاركون بها على نحو سلبي بينما يتلقون نتائجها طيلة عمرهم كاملاً في أغلب الأحيان.
الخلاصة الأولية التي يمكن التوصل إليها من خلال هذا العرض أن الحكم في البلاد الديمقراطية العريقة يستند بالنتيجة العملية إلى أقلية ضئيلة بالتضاد مع فلسفة النظام الديمقراطي وقواعده التي تنص بالعكس على حكم الأكثرية، أكثرية المواطنين. ليس المقصود هنا التقليل من أهمية نظام تاريخي أثبت جدواه السياسية والإجتماعية والإقتصادية. لكن التوقف عند الجانب العملاني للديمقراطية نسبة للنظام النظري يبيّن افتراقات جوهرية تصل أحياناً إلى حد الإفتراق الفلسفي. إذ كيف يمكن التوفيق بين نظرية حكم الأكثرية وبين تحولها عمليا إلى حكم من قبل أقلية لا نعرف الكثير بالواقع عن تاريخ تشكلها وشروطه وتنوع بناها وأسباب توزعها شيعاً وأحزاباً.
الثقافة بالديمقراطية ليست إذا بذاتها ضمانة لممارسة صحيحة للفكرة. الممارسة تحتاج، على ما يظهر، من خلال الإحصاءات الثابتة، إلى عوامل أخرى غير الثقافة. هل هي الفعّالية ؟ هل تخلى الناس، المواطنون، أي اصحاب الحق، هل تخلّوا عن حقهم لقناعة لديهم بأن صوتهم لا نفع له ولا يساهم بأي تغيير في شروط حياتهم ؟ هل لهذا التخلي صلة ما بوجود نخب منظمة في مجتمع المواطنين تمارس نوعاً من الفرض والإكراه الإستبدادي المضمر ؟ هل تملك هذه النخبة أسباباً «مقنعة» لا تملكها جموع المواطنين فامتنعوا ؟ وأبعد من هذا وذاك هل يمكن اعتبار هذا الشكل الحديث من الديمقراطية مختلفاً عن الشكل الذي عرفته روما الامبراطورية واثينا اليونانية قبلها حيث كان تعريف المواطن أقل عمومية مما هو عليه الآن ؟ هذا مع العلم أن حكم الشعب بواسطة الشعب من قبل أكثرية المواطنين، جاء لكي يطيح بنظرية المواطن الروماني او اليوناني عندما كان يميز بين الفقراء والأغنياء، الأشراف والحقراء، بين الأرستقراطيين والتيرانيين أي الإستبداديين.
يقول البعض أن تعقد عملية ادارة المجتمعات الحديثة غلّب التقنية والمعرفة العلمية على الجانب السياسي مما أفقد بالواقع قدرة المواطن على الإختيار. ويعترض آخرون بالقول أن التحولات التي تجاوزت حدود الدول هي التي حرمت عملياّ الدولة – المدينة من حق القرار دون أن تمسّه بالشكل. فالشركات العابرة للقارات هي التي تقرر كل شيء بالنيابة عن الجميع.
على أي حال، ففي الإنتخابات الأوروبية التي جرت في بداية هذا الأسبوع ما يشي بهذه المشكلة. فقد قام المقترعون في بلدين عريقين بديمقراطيتهم هما فرنسا وبريطانيا، وبغياب الباقين، بالتصويت لصالح أكثرية سياسية لا تقبل بالمشروع الأوروبي وتريد العودة الى الدولة الوطنية السابقة. همّشت هذه الإنتخابات جميع الأحزاب التقليدية التي حكمت البلدين منذ عقود طويلة وأطلقت دينامية الخروج على الإتحاد الأوروبي. وهناك من يتحدث عن «بينغ بانغ» سياسية في هذين البلدين. بعيداً عن الثقافة كيف يمكن قراءة هكذا انقلاب في مزاج «المواطن» من دون الإنتباه إلى أنه لم يطل إلا البلدين الأوروبيين، فرنسا وبريطانيا، اللذين انتقلا بأقل من خمسين سنة من مرتبة الدولة العظمى إلى مرتبة الدولة الوسطى. فهل لذلك علاقة بنسبة المشاركين باللعبة الديمقراطية ؟
لا تزال الديمقراطية، حكم الشعب من قبل الشعب، مفهوما تاريخياً مرتبطاً بدرجة تطور الدولة أكثر من ارتباطه بالقناعات والثقافة والتربية. هذا ما تفيدنا به تجارب الشعوب «العريقة». بالماضي اليوناني تمثلت أولى النقلات نحو الديمقراطية بالإطاحة بالارستقراطية من قبل «المستبدين». وكان « التورانّوس» ( المستبد)، زعيم الشعب ومن أصول أرستقراطية ايضاً، هو من ساهم بتوسيع الإطار المجتمعي لمفهوم المواطن والشعب.
الفلسفة الديمقراطية تقوم بالتحليل الأخير على متابعة تطور مفاهيم المواطن والشعب والدولة – المدينة. فكلما اتسعت قاعدة من يحق له ان يكون مواطناً فرداً حرّاً اتجهنا نحو الشعب فالدولة. وكلما ضاق الرابط المواطني ووهن، ضَعٌفَ الشعب والدولة فالديمقراطية أيضاً. وبالرغم من ذلك اتضح من المثال الأوروبي الطويل، بامتناع الغالبية عن المشاركة، أنه إلى هذه الشروط ثمة شروط أخرى لا غنى عنها لكي يشارك الناس بإدارة حياتهم.
______
*القدس العربي

الخميس، 29 مايو 2014

لفظٌ يوحِّد، وعملٌ يبدِّد- *أدونيس

مقالات

لفظٌ يوحِّد، وعملٌ يبدِّد


*أدونيس
ـ 1 ـ
 تذهب السياسة العربية في علاقاتها بالسياسات الأميركيّة ـ الأوروبيّة، إلى مزيد من الخسران والتبعيّة.
وراء ذلك أسبابٌ كثيرة أهمّها:
الأوّل، يبدو العرب «واحداً» على مستوى اللفظ. لكنّهم، على مستوى العمل، يبدون كثرة، ومتنوّعين إلى درجة التناقض. وليست لهم قضيّة واحدة يُجمِعون عليها إجماعاً كاملاً، قولاً وعملاً، ظاهراً وباطناً.
اللفظ «يوحِّدهم» والعمل «يبدّدهم».
وهذه ظاهرة عربيّة خاصّة تدفع إلى القول إنّ مشكلة العرب الكبرى تكمن في العرب أنفسهم.
الثاني، يخضع العرب للسياسة الأميركيّة ـ الأوروبيّة المنحازة مسبّقاً، وعلى نحوٍ كامل لإسرائيل. وهو انحيازٌ ليس فقط لإسرائيل بوصفها دولة، وإنّما هي منحازة أيضاً وقبل ذلك، لرؤية إسرائيل التاريخيّة والثقافيّة والسياسيّة، في كلّ ما يتعلّق بالمنطقة العربيّة. وهي إجمالاً رؤية استخفافٍ بالعرب، شأناً ودَوْراً.
الثالث، ليس العرب في موقع حِوار مع السياسة الأميركيّة ـ الأوروبيّة، بقدر ما هم، بالأحرى، في موقع حصار.
وفي هذا الحصار تؤسّس هذه السياسة لنوعٍ جديد من «الاستعمار» ـ بأدواتٍ «وطنيّةٍ»، وبأشكالٍ «تحرّريّة».

ـ 2 ـ
ما الواقع العربيّ اليوم؟
ربما تقدِّم جواباً أحوالُ «الربيع العربيّ» وتقلّباته، وهو ليس إلاّ «فصلاً» بين فصول أخرى ستكون أكثر «ربيعيّة». فالواقع أنّ العرب (والمسلمين بعامّة) لم يتعلّموا شيئاً من الدرس الفلسطينيّ، وها هي بلدانهم ميدانٌ لحربٍ عالميّةٍ ثالثة، في مستواهم، وضمن حدودهم، تدمّر شعوبهم، وتخرّب عمرانهم وتشلُّ طاقاتهم. وها هي الولايات المتّحدة والدول الأوروبيّة، تثبت نظريّاً وعمليّاً، أنّها لا تقف مع «الشعوب» ـ حرّيّاتٍ وحقوقاً، وإنّما تقف أساسيّاً مع مصالحها. ولا يهمّها إلاّ تغيير رجال السلطة «العُصاة» برجالٍ آخرين «طيّعين». وهي لعبةٌ «صغيرة» تتبدّد فيها أموالٌ وطاقاتٌ كبيرة، فيزداد الفقر والجهلُ والتخلُّف، وتزداد المشكلات حِدّةً وتعقيداً.
وتُثبِت التجارب أنّ حاجة العرب تتخطّى مجرّد تغيير «رجال الحكم».
العرب في حاجة إلى تغيير «النُّظُم» و «المؤسّسات» و «القوانين»
و «البُنى» ـ لكي يمكن التغيير، حضاريّاً، وبناء المجتمع العادل الحديث والمتقدِّم.

ـ 3 ـ
السماء، عندنا نحن العرب، مَثَلٌ شعبيّ.
كيف يمكن أن تهبط سماءٌ على مثل هذه الأرض؟
كيف يمكن أن تعلوَ أرضٌ إلى مثل هذه السماء؟
ـ 4 ـ
عندما يرى وجه الواقع
يُغريه الوقتُ
لكي يضع على وجهه حجاباً اسمُه اليأس.
ـ 5 ـ
ماذا تعني ثورة «الجماعة»،
إذا لم يكن كلُّ فردٍ فيها قد «ثار» أوّلاً
على نفسه ضدّ التخلُّف الذي «يختزنه»؟
الجماعات المتخلّفة لا تُنتِج إلاّ «ثوراتٍ» متخلّفة.

ـ 6 ـ
كلُّ شيءٍ يولد شِبهَ ميت
في البلدان التي لا تملك حواضِن
معرفيّةً خلاّقة.

ـ 7 ـ
رأى المطرَ كيف
يستسلم لجسم الغبار.
وبدا له هذا الجسم كأنّما ليس فيه غيرُ الشِّفاه،
كمثل جسم آرتميس:
ليس فيه غير الأثداء.

ـ 8 ـ
لم يعُد جسمُه قادراً
على استقبال الحبّ،
إلاّ مغموراً بأشعّة الموت.

ـ 9 ـ
عندما أخذَت تبكي أحسَّت أنّ قلبه يوشوشها سائلاً:
«هل تريدين إذاً،
أن أموت غرقاً في الدمع؟»

ـ 10 ـ
هوذا، أسمع نشيجاً للشطآن العربيّة، نشيجاً عميقاً أليماً، تتلاطم فيه أيّامُ العرب كأنّها جبالٌ عائمة من الثلج.

ـ 11 ـ
منذ سقوط بغداد وقيام السلطنة العثمانيّة،
تحوّل الدين إلى مجرّد أداة عنفيّة لخدمة السلطة.
لا نجد، على سبيل المثل، في تاريخ السلطنة العثمانيّة كلّها، على مدى أكثر من أربعة قرون، مفكّراً عربيّاً واحداً، أو فنّاناً واحداً، أو موسيقيّاً واحداً، أو شاعراً واحداً، أو عالماً واحداً.
هكذا كان لا بدّ من مجيء أتاتورك للأتراك،
ومن أن تبدأ حركة النهوض العربيّ.

ـ 12 ـ
متى تُقيم الرياح حفلاً راقصاً
لكي تحتفي بغبار ما يأتي؟

ـ 13 ـ
اسألي ثمارك أيتها الهموم:
متى يحين موسم القطاف؟
وأنتِ أيتها الجبال إلى متى تصمتين؟
ألَن تقولي أخيراً كيف تخونك الغيوم،
لحظة تنام معك في سرير واحد؟

ـ 14 ـ
يبدو أحياناً أنّ العقل في العالم
يسقط كمثل تفّاحةٍ
بلا جاذبية.
ـ 15 ـ
في الأشلاء الآلاتِ
وفي الشمسِ العربيّةِ التي تنهض كلّ يومٍ أشدّ اصفراراً وأكثرَ ذبولاً،
في الأسلحةِ التي تَتَصَحّرُ الأرضُ فيها وتحت أقدام حامليها،
في الخطابات التي تخجل منها اللغة،
في هذا كلّه،
يبدأ تاريخٌ آخر ممّا قبل التاريخ.
*
رأسُ غزالةٍ سورياليّة
لو أُتيح لك أن ترى بطّيخةً تهبط في شكل بيضة من يَدَيْ عادل عبدالصّمَد لكَيْ تستقرّ عند قدَمَيْ سلمى حايك، لرأيتَ صورةً للعالم لا تقدرُ أن تعكسَها الكاميراتُ المُعاصرة، خصوصاً في لحظةِ انشقاقِها عندما تلامسُها القدمُ اليمنى، وتتبعثرُ أحشاؤها الحُمْر، منقّطةً ببزرها الأسود، في حضنٍ دافىءٍ لقناة سان مارتان.
حدَثٌ يسألُك: ما الفرقُ بين اللهو والجدّ، العبثِ والمعنى، الدّمِ والماء. وتكون قد استيقظتَ مُرهَقاً من قراءة الدّمِ البشريّ البائس الذي يسيل يوميّاً على وجهِ الكَوْن، ودون انقطاع.
أو ربّما يسألك: هل خطر لك، يوماً، أن تعالجَ البكاءَ بالضحك؟ وفي أيّة حالةٍ شعرتَ أنّ الضحكَ شكلٌ آخر للبكاء؟
أو لعلّه سيوشوِشكَ: المَرئيُّ مُلْتَبِسٌ، واللامرئيُّ جرحٌ غائرٌ، عميقاً، تحت جِلْدَة الكَوْن.
وعندما تتأمّلُ جسدَ البطّيخة كيف يتشقّق أحمرَ شهيّاً، وكيف تنزلقُ منه قطعةٌ بين شفتيْ سلمى، يتأكّد لك أنّ الحدَثَ في هذا العالم يفصلُك عنه، فيما يُقيمُ رابطاً وثيقاً بينك وبينه. وتقولُ: إنّ واقعَ العالم ليس واقعيّاً.
كانت قناةُ سان مارتان تكاد، فرَحاً، أن تفرّ من مائها كمثل سمكةٍ طائرةٍ بلون البطّيخة. وكان رصيفُ القناة يعانق سماءً نصفُها شمسٌ ونصفُها غيم. وكانت الأشياء كلّها، حول القناة، تحتفي بهذا الحدَث ـ بالرائحة التي تفوحُ من البطّيخة، بالقشرة الخضراءِ المرقّطة، وباللُبِّ الأحمر. وأظنّ أنّ أندريه بروتون كان حاضراً، وسمعتُه يصف البطّيخة قائلاً: إنّها رأسُ غزالةٍ سورياليّة.
____
*الحياة

الأربعاء، 28 مايو 2014

يوم القيامة المُصَغَّر-كاظم فنجان الحمامي

يوم القيامة المُصَغَّر

كاظم فنجان الحمامي

ربما لم تسمعوا بعد بيوم القيامة المُصَغَّر, أو بيوم القيامة التمهيدي, الذي يسبق القيامة النهائية, إلا إذا كنتم تعيشون في العراق, وإلا إذا بلغتم السن القانونية, وأحالتكم الأعمار إلى التقاعد, فيومئذِ تقفون وجهاً لوجه في طوابير طويلة خلف مصدات دائرة التقاعد, وتُحشرون في قاعات ضيقة. مزدحمة بأجساد بشرية أرهقتها سنوات الخدمة الطويلة المضنية. تتكدسون هناك بالمئات مع ما تحملونه من أمراض الشيخوخة, فتخنقكم رطوبة الجدران الملطخة ببصمات أصابع الموتى الذين سبقوكم إلى التقاعد, وشهدوا قبلكم يوم الحشر التقاعدي بصيغته المُذلة التي لا تعرف الرحمة، وبإجراءاته البطيئة القاتلة، فالتعامل السيئ هو العلامة الفارقة للمؤسسات المعنية بترويج معاملات التقاعد.  
في هذا المكان المكتظ بالمراجعين والمراجعات ينصهر استحقاقك, فيصب في أنهار الاستجداء، وتتفكك عظامك الخاوية فوق المقاعد الممزقة، فتتبعثر آمالك بين دهاليز التعامل السيئ والمواعيد المؤجلة، ثم تتبخر أنت والأوراق التي تتأبطها في زحمة التدافع بين الجموع البشرية المضغوطة في الممرات الضيقة، فتضيق أنفاسك، وينزلق جسدك المنهار في نفق المراجعات اليومية غير المجدية، حتى تصاب بالذهول والخذلان وتفقد أعصابك، ثم يختفي صوتك تماماً وسط بركان الضجيج المتفجر بالصيحات الاستنكارية الحائرة.
في مثل هذا اليوم تعيش في عزلتك الأولى, فتنقطع علاقتك مع رفاقك في الوظيفة، وتتفاقم همومك، وينكمش راتبك الشهري إلى الحد الأدنى بعدما تُحذف منه الحوافز الإضافية والمخصصات المهنية، فيتحول إلى مبلغ شحيح، لا يسمن ولا يغني من جوع في مواجهة ضراوة التضخم المتزايد، وارتفاع الأسعار والخدمات والسكن الطردي، في حين تبقى أسرتك على حالها، فتتدهور صحتك، وتسوء أحوالك، يوم لا ينفعك رصيدك، ولا يؤازرك صديقك. ولا مجال للمقارنة هنا بين ثبات مرتبك التقاعدي ومتغيرات الزيادة السنوية في الرسوم والأسعار.
ختاماً نقول: ما الذي يمنع البرلمانيون من الاهتمام بالمتقاعدين, وما الذي يحول دون توفير سبل الحياة الكريمة لهم بعد التقاعد، وما الضير من منحهم تعديلاً منصفاً في رواتبهم، وتأمينا صحياً عادلاً ؟. وما الضير من تشريع مواد قانونية شاملة للذين أفنوا أعمارهم في المؤسسات الحكومية وفي القطاع الخاص ؟. وإلى متى يبقى المتقاعدون يتقلبون بين مطرقة الروتين القاتل وسندان المعاملة السيئة ؟. وما الذي يمنع دوائر التقاعد المركزية والفرعية من تحسين تعاملها مع الناس ؟. ألم يعلم موظفو هيئة التقاعد أن خير الناس من نفع الناس ؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

الأحد، 25 مايو 2014

غالب المسعودي - العشق الممنوع

كورونا تداعيات بين الفايروس والخوف من العدوى-

 Today at 10:59 AM
كورونا تداعيات بين الفايروس والخوف من العدوى
ان تطور الفهم الانساني للامراض ومسبباتها مع تطور العلوم الطبية والتشخيصية والتقنيات المختبرية الحديثة جعلت للانسان  المعاصر وعي صحي في ايجاد سبل الوقاية اللازمة والناجعة من الامراض مكللة بجهود دولية وتوصيات وارشادات احترازية تعيق بعض الاحيان السفر والتجارة او تزيد من الكلفة الحقيقية للاعمال ويعطي الهاجس الاعلامي الجاهل والمرعب صورة قاتمة عن التحدي الانساني للامراض ولو تسألنا لماذا دوما التصعيد الاعلامي التحذيري للامراض الانتقالية يزداد اتساعا مع اقتراب موسم شعيرة الحج للمسلمين لهذا الاختلاط البشري القادم من كل اركان المعمورة في بقعة محددة طاهرة هي بيت الله الحرام, هذا الهاجس المخيف والمرعب يعطي حافزا تجاريا للمختبرات البحثية العالمية وشركات الدواء للتسابق لاعلانها عن اكتشاف لقاح او دواء للمرض المعني.
هذه المقدمة التي اوردتها ليست تدخل في نظرية الهاجس الذي يلازم العربي من المؤامرة من القوى الكبرى ولكن مجرد تسأول روادني وانا احاول ان ادرس ظاهرة فايروس الكورونا.........
ان اسم الكورونا يمكن ان يختلط في اذهان الاخرين مع السيارات اليابانية التي غزت الاسواق العراقية في ثمانينات القرن الماضي والتي كانت ثمن لشهادة الجندي العراقي للتمتمع بها عائلته بعد استشهاده عن ارض الوطن ضد عدو وهمي صنعته السلطة والعداء التاريخي والقوى الكبرى ومصالح المنطقة.
ان الكورونا في اللغة العربية تعني التاج وهي الاسم الذي اطلقته الصحافة والاعلام على الفايروس المستشري في السعودية والعالم اختصارا ولسهولة التعامل معه اعلاميا وهو باللغة العلمية العربية الفصحى (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) جميل ان تكون للشروق الاوسط متلازمة مرضية اخرى غير القضية الفلسطينة والافتقار الى انظمة الحكم الرشيد ليخرج علينا فايروسيا تاجيا سلطويا يحصد موتنا عبر انفسانا المختنقة من الوضع العربي المدمى بالخريف الدائم لهذه الامة المستلبة ارادتها.
ان (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)(Middle east respiratory syndrome (MERS)  ,والمعروف عالميا (MERS-CoV) هو مرض له مسبب فايروسي يسمى فيروس كورونا الشرق الأوسط أو فيروس كورونا الجديد- أو كورونا نوفل او الفيروس المكللة وهو فايروس تم عزله لاول مرة من مريض سعودي توفي في جدة كان يعاني من التهاب تنفسي حاد وعجز كلوي حاد ادى لوفاته لسريعة بدون معرفة الاسباب او التشخيص لهذاالمرض في 24 ايلول 2012ولكن كان هنالك طبيب مصري بارع عالم متخصص بعلم الفايروسات يدعى محمد علي زكريا
 اخذ عينة من دم المريض وارسلها الى احدى المختبرات المتطورة في المانيا وكان الاكتشاف المذهل الفيروس السادس من فصيلة الفيروسات التاجية أطلق عليه في البداية عدد من الأسماء المختلفة مثل شبيه السارس او سارس السعودية في الصحافة السعودية والاجنبية وقد كفؤ هذا الدكتور المصري بانهاء عقده وتسفيره خارج السعودية هذا هو حال العرب في التعامل من يريد كشف الحقيقة لهم او كشف عوارتهم المرضية وبعد انكشاف الحقيقة واكتمالها قام الملك السعودي الملك  عبد الله بعزل وزير الصحة لعدم اتخاذه الاجراءات السليمة والعلمية والكفيلة بمتابعة الحالات المرضية واكتشاف مسبباتها رغم كفائته العلمية كجراح بارع في فصل الاجنة واعتقد ان قرار الملك سليم جدا لتعليم وزرائه مسولياتهم الاخلاقية تجاه اخوته
السعوديين كما يحلو للملك تسميتهم دوما.
وهكذا بعد ان تم عزل الفايروس ومعرفة طبيعتة الوراثية والمرضية واتفق مؤخراً على تسميته فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي ويرمز له اختصاراً MERS-CoV.
وات فايروس المكلل او التاجي او كورونا او فيروس كورونا الشرق الأوسط ينتمي إلى إحدى العوائل الفيروسية الكبيرة المعروفة بتأثيرها على الإنسان والحيوان وتسمى باسم كورونا فيريدي(coronaviridia,coronvirus)وانه تم اكتشاف أول فيروس من هذه العائلة في عام 1960م. وتمتاز المادة الوراثية لهذا الفيروس بأنها عبارة عن خيط مفرد موجب القطبية يسمىالحامض النووي الريبي (RNA)واما كلمة كورونا اطلقت عليه من كلمة تاج crown حيث أن شكل الفيروس يأخذ شكل التاج عند العرض بالمجهر الإلكتروني. ويتراوح طول قطر الفيروس بين 120-150 نانو ميتر، وحجم المادة الوراثية يتراوح بين 27-32 ألف قاعدة نيتروجينية.
تتميز هذه العائلة الفيروسية أثناء تكاثرها بأنها عند وصول مادتها الوراثية إلى سيتوبلازم الخلية المصابة تعامل كمرسال للحامض النووي وبهذ انها لاتحتاج الى استنتساخ الحامض من اجل التكاثر هذه الميزة اعطت ميزة للفايروس التكاثر بسرعة والبقاء حيا خارج جسم الإنسان لمدة ستة أيام في بيئة سائلة وثلاث ساعات على الأسطح الجافة,وان فترة حضانة فيروس كورونا الشرق الأوسط يعتقد أنها في الغالب ١٢ يوماً.
ان الجهل الاعلامي المطبق والاعتقاد الخاطىء ان فايروس كورونا هو تطور او طفرة لسلالة جديدة من فايروس الانفلونزا يستحيل ذلك من الناحية العلمية، وهذا الكلام لايمت للحقيقة بصلةلان فايروس الانفلونزا من عائلة اخرى او عشيرة اخرى ولكن يمكن التشابه في الاعراض السريرية للحالة المرضية المسببة من الفايروسين.
 حتى بدايات الألفية الثانية كان علماء الفيروسات مدركين وجود فيروسين فقط من هذه العائلة تصيب الإنسان هي (HCoV-229E and HCoV-OC43). في عام 2003 ظهر فيروس  سارس المسبب  ر مرض سارس او متلازمة التفسية الحادةفي هونغ كونغ وسجل الوباء 8422 حالة إصابة، منها 916 وفيات حول العالم بنسبة وفيات تقترب من ١٠٪ للمصابين. في عام 2004 م تم اكتشاف سلالة جديدة سميت باسم NL63. وفي عام 2005 م سجلت مجموعة بحثية في جامعة Hong Kong اكتشاف سلالة خامسة سميت باسم HKU1.
وكما قلنا سابقا في بداية المقال في حزيران ٢٠١٢ توفي أول مريض بسبب الإصابة بفيروس كورونا مختلف عن الأنواع المعروفة سابقاً وكانت الإصابة في السعوديةوبعد ان تم عزل الفايروس من عينة المتوفي في مختبرات المانيا اطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرها العالمي ظهور نوع جديد من فيروسات كورونا في كل من السعودية وقطر حيث سجلت حالة مرضية  ثانية ,دلت النتائج الأولية في عدة مختبرات عالمية على أن فيروس كورونا الجديد يشبه إلى حد ما فيروس سارس ولكنه مع وجود عدد من الاختلافات من أبرزها انخفاض نسبة انتشاره بين الناس ولكن إرتفاع نسبة الوفيات التي تصل إلى حوالي ٥٠٪ خصوصا عند كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وان اعراضة السريرية لاتقتصر على اصابة الرئه والجهاز التنغسي العلوي ولكنها في حالة الكورنا كانت اصابة الكلى والجهاز البولي المسببة لعجز كلوي حاد موديا الى الوفاة السريعة  في البداية اطلق على الفيروس العديد من الأسماء واتفق مؤخراً على تسميته بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي ,وان اخر احصائية للمنظمة الصحة العالميةفي نيسان  2014 تم تشخيص 254 حالة مؤكدة في العالم توفي منهم 93,تعتبر السعودية الأكثر إصابة بالفيروس والدول الأخرى التي ثبت وجود حالات فيها هي بريطانيا، قطر، الأردن، فرنسا، الإمارات وتونس وامريكا واليونان وايطاليا.
من الملاحظ ان لجميع الحالات المرضية التي وقعت في أوروبا وتونس صلة ما بالشرق الأوسط (بصفة مباشرة أو غير مباشرة). في السعودية، اكثر الدول إصابة بالفيروس، ورُصد المرض في عدد مختلف من المدن والمناطق إلى أن أكثر الإصابات تركزت في منطقة الأحساء,
أيضاً لوحظ أن ٨٠٪ من الحالات في السعودية كانت في الذكور، ولكن قد يصعب استخلاص أن الفيروس أقل تأثيراً على النساء حيث قد يكون النقاب , الزي الإسلامي للنساء في السعودية دور في تقليل معدل الإصابة لأنه يحمي الفم والأنف من انتقال الفيروسات وهذا ما جعل خطباء منابر السعودية لترسيخ الجهل لدى الناس انه لعنة الهية عاجلة  تصيب العاصين والمارقين دون معرفة او دراية بالتاريخ الاجتماعي للمصابين واعمالهم الدنيوية.
 في الجانب المشرق  الاخر ان البحث العلمي الطبي السعودي جعل ظاهرة تطور فايروس كورنا تحت التمحيص العلمي والاستقصائي الدقيق للفايروس وتاريخه وتطوره الامراضي والانتشاري بالتعاون مع مختبرات عالمية وحددوا جدليتين لتطور الفايروس  أحد فيروسات كورونا التي تصيب الإنسان سابقة الذكر حدث له تطفير، وبالتالي أصبحت السلالة الجديدة المطفرة قادرة على إصابة الكلى وهي الخاصية غير الموجودة في فيروسات كورونا الأخرى و والجدلية الاخرى فيروسات كورونا التي تصيب الحيوان في الأصل ونتيجة لإصابة الإنسان به أصبح الفيروس تحت ضغط مما أدى إلى تكيفه وأصبح الفيروس قادراً على إصابة الإنسان وبالتالي قدراته الإضافية تمثلت في القدرة على إصابة خلايا الكلى بدلاً من إصابة الجهاز التنفسي فقط، يعتقد أن الخفافيش هي مصدر الفيروس الأساسي ولكن لم يثبت بشكل قطعي. وقد اجرى السعوديين تجارب رائدة في الاستقصاءات البحثية  لاثبات هذه الجدلية مع جامعة كولومبيا الأميركية ومختبرات "إيكو لاب" الصحية الأميركية من عزل فيروس "كورونا الشرق الأوسط" المسبب للالتهاب الرئوي الحاد من إحدى العينات من الخفافيش بالمملكة. وذكرت الدراسة أن فحص "البلمرة" الجزيئية الخاص بالفيروس قد أجري على عينات جرى جمعها من 96 خفاشاً حياً تمثل سبع فصائل مختلفة، وأيضاً على 732 عينة من مخلفات الخفافيش في المناطق التي سجلت فيها حالات مؤكدة للمرض في السعودية. وأضافت أن عينة واحدة من خفاش حي آكل للحشرات أظهرت وجود تركيبة جينية مطابقة 100% لفيروس "كورونا الشرق الأوسط". كما أظهرت الدراسة أيضاً وجود فيروسات متعددة أخرى من فصيلة كورونا في 28% من العينات التي تم فحصها  وان البحث مازال بحاجة الى جدليات اخرى على ان الجمال هي المصدر الرئيسي للطفرة الوراثية للفايروسي التاجي كورونا  وكانت النتائج التي أظهرتها دراسة أخرى أعدها فريق هولندي نُشرت في دورية "لانست" للأمراض المعدية، أن الإبل وحيدة السنام قد تكون مصدر فيروس كورونا الشرق الأوسط التي تستخدم في المنطقة من أجل اللحوم والحليب والنقل والسباقات. وجمع فريق البحث الهولندي 349 عينة دم من مجموعة متنوعة من الماشية بما في ذلك الإبل والأبقار والأغنام والماعز من عمان وهولندا وإسبانيا وتشيلي، وأظهرت الفحوصات وجود أجسام مضادة لفيروس كورونا الشرق الأوسط في جميع العينات الخمسين المأخوذة من الإبل في عمان بينما لم يتم العثور على الأجسام المضادة في باقي الحيوانات وهذا بحاجة الى وقفة تامل يمكن من خلالها الاستفادة من الجهاز المناعي للجمال من اجل ايجاد مستضادات احيائية تساهم في التعجيل في شفاء هذا المرض.
ان اعراض متلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي(كورونا) هي مشابه في بدايتها للامراض الفايروسية التنفسية الاخرى وهي  مثل العطاس، والكحة، وانسداد الجيوب الأنفية، وإفرازات مخاطية من الأنف مع ارتفاع درجة الحرارة لتصل إلى حوالي 39 درجة خلال 24 ساعة من بدء الاعراض ، وأيضاً قد يؤدي إلى إصابة حادة في الجهاز التنفسي السفلي، والالتهاب الرئوي. بالإضافة إلى التأثير على الجهاز التنفسي فأن فيروس كورونا الشرق الأوسط قد يؤدي إلى الفشل الكلوي مما يؤدي للوفاة للمسنين والاطفال والمصابين بامراض مزمنة مثل السكري وعجز القلب.
كمعظم الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي ينتقل المرض عن طريق تلوث الأيدي، والرذاذ والمخالطة المباشرة مع سوائل وإفرازات المريض وجزئيات الهواء الصغيرة حيث يدخل الفيروس عبر أغشية الأنف والحنجرة. و يعتبر العطاس أحد طرق نقل الفيروس ,نتيجة استنشاق الرذاذ التنفسي من المريض، أو عن طريق الأسطح الملوثة، مثل المخدات (الوسائد) والألحفة (الشراشف) وغيرها.
وقد ثبتت قدرة الفيروس على الانتقال بين الناس كما ثبتت إصابة عدد من العاملين في المجال الصحي به عن طريق العدوى من المرضى، وتوصي منظمة الصحة العالمية العاملين في مجال الرعاية الصحية باستخدام الإجراءات الوقائية من الأمراض التنفسية عند الكشف على المصابين بالفيروس ,وقد سجل وفيات واصابات مؤكدة للمرضين والعاملين في الجانب الصحي.
يمكن الكشف عن المرض عبر ملاحظة الحالة السريرية للمريض وتاكيده من خلال عزل العينات من الدم والافرازات  التنفسية وفحصها عبر المجهر الاليكتروني والاختبارات المصلية وتقنيةPCR.
لايوجد علاج ناجع وشافي مؤكد للفايروس وانما من خلال المعالجة التلطيفية وتعد الأدوية المستخدمة مساندة فقط وتهدف في الغالب إلى خفض درجة حرارة المريض مع استخدام الوسائل المدعمة للتنفس لحين تمكين جهاز المناعة للمريض من استئصال المرض والقضاء على الفايروس.
كما قيل سابقا ان الوقاية خير من العلاج يمكن الوقاية من الإصابة بهذا الفيروس عبر الوسائل الآتية:
تجنب رذاذ المريض أثناء العطاس .
عدم ملامسة الأسطح الملوثة.
عدم استخدام الأغراض الشخصية للمريض، مثل الوسادات والألحفة.
غسل اليدين جيداً باستخدام الصابون.
ارتداء الكمامات الواقية في الأماكن المزدحمة.
تجنُّب مخالطة الشخص المصاب عن قُرب.
إذا كان الشخصُ مصاباً بفيروس كورونا الجديد، يجب عليه ما يلي:
أن يُغطِّي فمَه بمنديل ورقي عند العطاس أو السعال، ثم يتخلَّص من المنديل في سلَّة المهملات.
تجنُّب التواصل مع الأشخاص  الآخرين للوقاية من العدوى.
 وهكذا قبل كل موسم حج واكتشاف فايروس جديد تتسارع الشركات العالمية الكبرى للادوية في الاعلان عن اكتشاف لقاح للمرض لان هنالك مشترين جاهزين وهم مواطني السعودية وحجاج بيت الله الحرام وهم بشرائهم العدد الكافي من اللقاح باسعار عالية احتكارية يحققون ارباح كثيرة تغطي مجال البحث وكما ان الوقت المتاح غير كافي لكشف مصداقية اللقاح ومضاعفاته. وهكذا سارعت شركتين للاعلان انه تم التوصل مبدئياً إلى لقاح أولي واقي من الفيروس من شركة نوفا فكس (NOVAVAX) وشركة غريفكس (GREFFEX) ولكن لا زال في مرحلة الاختبارات الأولية.
وهكذا تستمر المعركة مع فايروسات متطورة من سلالات جديدة في سباق مع البحث العلمي والانساني ومع المتغيرات في طبيعة السلوك الانساني والبيئي و نتيجة إلى قدرة الفيروسات وخصوصاً التي مادتها الوراثية هي RNA على التطفير المستمر، ونتيجة لزيادة احتمالية حدوث ظاهرة معاودة الارتباط في المادة الوراثية الفيروسية وتحت الضغوط البيئية الطبيعية، ونتيجة لنشاطات الإنسان المختلفة أصبح ظهور سلالات فيروسية جديدة أكثر احتمالاً وأمراً متوقعاً.
ان ظاهرة نشؤ الامراض والفايروسات بحاجة الى استقصاء علمي وتجاري وتسويقي وامني لمعرفة الدوافع والاسباب.
 ولكن المضحك ان سيارات الكورونا التي وزعت الى شهداء القادسية وعوائلهم دفعت مبالغها الحكومة السعودية وقتها وانها دخلت  عن ميناءينبع السعودي وان الله كافئهم بارسال فايروس كورونا وهي كلها كورونا ومعارك التاج القادمة.


الدكتور الاستشاري
رافد علاء الخزاعي
مستشفى الجادرية الاهلي
بغداد- الكرادة خارج- عرصات الهندية
009647713333002-009647901944328
-- 

السبت، 24 مايو 2014

ملف عن الابداع السردي لعادل كامل-



ملف عن الابداع السردي لعادل كامل













مؤشرات نقدية :
ـ رزاق إبراهيم حسن
ـ د.سهام جبار
ـ يوسف نمر ذياب
ـ زهير الجبوري
ـ علوان السلمان
ـ سلمان التكريتي




[أخر الفصول] بين المعلن والإيحاء


رزاق إبراهيم حسن


في القصص التي قدمها عادل كامل في مجموعته (( أخر الفصول )) يمارس المعنى المخفي وغير المكشوف الدور الأساس في بناء وتحريك العلاقات بين الأحداث والشخصيات ، فالمعلن في هذه القصص لا يدل الى حد التطابق على مقاصد الكاتب من كتابتها وإنما توجد في كل قصة فكرة معينة ، وهذه الفكرة لا تطرح نفسها من خلال عنصر معين في القصة وإنما هي تشع نفسها في مجمل عناصر البناء القصص وبكل ما تطرحه القصة من تعبيرات خارجية .
ويقود التعامل الخارجي مع قصص عادل كامل في هذه المجموعة الى احتمال عدها قصصاً مغرقة في الكوابيس والتخيلات الوهمية غير المعقولة ، ولكن معرفة المخفي وغير المعلن فيها يساعد على إعطاء هذه الكوابيس والتخيلات دلالاتها الفكرية والواقعية ، والإمساك بمقاصد الكاتب وما يريد تحقيقه في كل قصة .
وفي أغلب هذه القصص لا يبوح الحوار ، أو الوصف ، أو حديث الشخصيات مع ذواتها بقصد الكاتب وما يحاول التعبير عنه من أفكار وإنما تقدم المقاصد والأفكار نفسها من خلال الإيحاء الذي تتضافر كل عناصر البناء القصصي في تقديمه وتعميق تأثيره والتفكير به عند المتلقي .
ذلك ان عادل كامل في هذه القصص يعمد الى إعطاء التناقضات الداخلية تعبيراتها الحسية بحيث تنبثق من داخل الشخصية شخصية مختلفة عنها ومناقضة لها في بعض الأحيان كما أنه في بعض القصص يستخدم شخصيات من الأطفال والحيوانات ضمن أجواء من اللا معقول والمتخيلة ليعبر من خلالها عن هواجس وأفكار الشخصيات الأساسية بحيث تكون العلاقات بين الشخصيات وما تمارسه من علاقات وتصرفات وما تواجهه من أحداث موحية بالأفكار والمقاصد ودالة عليها في إطار مجمل السياق القصصي .
ففي (( قصة ليلة عيد ميلاد )) تواجه الشخصية في عيد ميلادها رجلاً غريباً في البيت الذي تسكن فيه وهو يروم قتلها ومع الاختلاف بين الشخصيتين ألا إنهما يعبران عن شخصية واحدة فالقصة تطرح العلاقة بين الموت والحياة وحضور الموت في لحظة الميلاد وهذه الأفكار لا تقدم نفسها بشكل مباشر ولا يمكن الوصول أليها دون قراءة القصة كاملة وإعادة ترتيب التفاصيل على أساس ما انتهت أليه وليس من خلال اقتطاع جمل ومقاطع معينة .
وفي قصة (( أصابع وأصابع )) تقرأ الشخصية خبر وفاتها في أكبر الصحف ، ويترتب على ذلك طردها من الدائرة والبيت لأنها لم تعد على قيد الحياة ، وعندما أرادت تصديق الخبر والانتحار عرقا في النهر تحس بالأصابع تمسك بها من الجهات كلها ، والقصة تطرح من خلال ذلك العلاقة بين الإنسان والمجتمع وهذه العلاقة والاختيارات الفردية ودور المجتمع في تحديد هذه الاختيارات .
وتتناول قصة (( حضانة أطفال )) قيام مجموعة من الفصائل العسكرية المساحة بمحاصرة حضانة أطفال لإعلانها الإضراب وعندما تنم مهاجمة الحضانة واحتلالها لهم يكن هناك أي طفل يمكن إلقاء القبض عليه فالأطفال في هذه القصة يرمزون إلى مخاوف الآباء والأمهات من انفصال أبنائهم عنهم ويرمزون أيضاً الى مخاوفهم مما يخالجهم من أفكار جديدة كما ان القصص تتناول أيضاً انقطاع الحوار بين الأجيال واللجوء الى القوة بدلا من الحوار .
وكما هو الحال في هذه القصة فأن أغلب قصص (( أخر الفصول )) تتناول قضية الموت في علاقة الفرد بذاته أو علاقته بالمجتمع وبما يعاني اغتراباً ذاتياً أو اجتماعياً وبما يواجه من إشكالات للتعبير عن نفسه وعن علاقته بغيره .
وإذا كانت القصص في المستوى الخارجي تعبر عن الشخصيات والأحداث في علاقتها بالحياة فأن قضية الموت هي الفكرة التي توحي بها أغلب هذه القصص وهي الفكرة الخفية وغير المعلنة فيها كما أنها تواجه الشخصيات في أكثر في أكثر اللحظات تواصلا مع الحياة كما هو الحال في قصص (( قاب )) و (( بنك الأعضاء)) و (( ألآثاري )) .
ولعل عنوان المجموعة (( أخر الفصول )) يرمز إلى الموت أيضاً كونه خاتمة الأشياء وأنفصل الأخير في حياة الإنسان .


5/7/1996 جريدة الثورة



[آخر الفصول]


د.سهام جبار

تندرج مجموعة (آخر الفصول) للقاص عادل كامل ضمن إطار القصة الوجودية التي أجدها انشغالا ً من انشغالات الستينيين في الأدب العراقي. هذا الانشغال الذي ظهر طابعه بهذه القوة لدى عادل كامل بفعل استغراقه بالوجودية فكرا ً وهما ً، وان كان الآن منصرفا ً إلى فضاء صوفي تأملي أكثر اتساعا ً وحرية. الا ان الحرية اصلا ً كانت هي الدافع في البحث الوجودي الأولى في حياة الفنان المعاصر.. الفنان الذي كانت له حصة تاثير في فعل القاص، إذ ْ انه كان مشتركا ً معه في انشغالاته وهمومه. هذا ما لابد لنا من التنبه اليه عند التعامل من نتاج عادل كامل. ومما يدعم كلامي من أدلة في القصص الخمسة عشر في المجموعة ما اراه من انبثاقات الحدث في كل قصة، متاتية من معاناة فردية وجودية مصطدمة مع واقع انساني مؤلم، او من بحث خائف عن خلاص غير متوقع، او من ارتباط بسعادة غير ممكنة.
هذا الطابع الخاص الذي أشرت اليه خلق وحدة موضوعية معينة أدت إلى اشتراك أكثر من قصة بثيمة واحدة او بما يقترب من المحرك الأساسي لكتابة القصة وقد يختلف في النهاية المترتبة عليها. اجد ذلك واضحا ً مثلا ً في أكثر من قصتين تتاليان واحدة اثر الأخرى، لنقل مثلا ً: قصة (إضراب رمزي وعام) ـ ولا ادري لماذا حددنا القاص في توجيهنا وجهة معينة بتأثير الإهداء ومكان النشر وما إلى ذلك في هذه القصة ـ وقصة (حضانة الأطفال) التي أتت بعدها مباشرة وربما افسر اهتمام القاص بجمع القصتين على هذا النحو بعدم اكتفائه من أداء الثيمة التي شغلته فآثر ان يملأ الفراغ الذي تخلف بسبب هذا بكاتبة قصة ثانية تتجه الى الاتجاه نفسه. وذلك ينطبق أيضا ً على قصة (بنك الأعضاء) وقصة (قلب) اللتين تشتركان مع القصتين السالفتين بالامر نفسه كما المؤرختين بتاريخ متقارب وهذا يؤكد فكرة عدم الاكتفاء هذه وكان من الممكن استبعاد احدى القصتين او الغائها. ولكن هذا لا يعني الغاء جانب القدرة الفائقة التي استحث بها القاص الوجود المقاوم في كلا القصتين والإيحاء إلى دلالات مؤثرة، وجمالية اداء القصتين الا ان التشابه والتكرار غير مطلوب الا لدعم اثر لم يثق القاص في قدرته على تحقيقه في قصة واحدة بحيث لا يحتاج الى سواها.
ومن مظاهر الوحدة الموضوعية التي صبغت المجموعة بصبغتها الملامح الواحدة تقريبا ً للبطل في القصص، انه بطل مأزوم ضائق بحياته، المنشدة بخبر وفاته كما في (اصابع وأصابع)، الذي يجد شخصا ً يود قتله في ليلة عيد ميلاده كما في (ليلة عيد الميلاد)، المكتشف لغة اخرى لا يتكلم بها احد كما في (حدائق النار)، المصدوم باضراب كما في(اضراب رمزي عام) وفي (حضانة الاطفال). الفاقد أعضاءه بعد موته كما في (بنك الاعضاء) و (قلب)، المشغول بفكرة الموت كما في (أغصان)، الفاقد عمره في عمل مكرر كما في (رماد)، المواجه بعشق كما في (عاشقان)، الخائفة على زوجها من الموت في (ليس هذا بالضبط)، والاثاري المفقود في (الاثاري)، والصحفي الخائف في (فيل في بيتي)، والصحفي ايضا ً الخائف في (الحصان والصحفي)، .. وكما نرى نجد ان ملامح الخوف او الفقدان او الضياع هي التي ترسم لنا وجوه الأبطال في القصص، انها وجوه تتجه الى نهايات محددة لابد من بلوغها بوقائع شعورية من النوع الذي تكابده هذه الوجوه، انها مدفوعة من الداخل الى هذه النهايات، حيث لا فائدة من سلوك طرق اخرى. فالطريق محددة سلفا ً باصطباغ هذه الشخصيات بكل هذه القتامة والعذاب القدري الذي لامناص منه هكذا تترسم الحرية املا ً لا وصول اليه في هذه المكابدة المستميتة وهكذا تتجه الشخوص بحواراتها الى لا احد تقريبا ً، فكل شخصية تظهر ما لديها لا للاخر، اذ ْ لا جدوى من ذلك، إنما هكذا للاشيء، للعدم، للنهاية المقدرة.. نجد ذلك واضحا ً جدا ً في القصة الاولى (اخر الفصول) التي جعل القاص فيها شخصين يتكلمان لكن كل على حدة تقريبا ً، يخبر كل منهما عن الاخر الا ان ذلك لا يتم مباشرة، بل خلف ستار من انصراف كل واحد الى مصيره. هكذا يتخذ الشخوص تاريخهم جزءا ً من صورهم الخاصة، من ملامحهم المترسبة بعد كل ما مضى. وهذا يكتشف بالتالي عن وحده مريعة، وحدة فردية طاغية رغم مظهر الصلات التي تجمع الشخوص الى بعضها الا انها صلات منقطعة في النهاية..
وددت ان اشير الى الطابع الرومانسي ايضا ً. ونستشفه ايضا ً من عناوين القصص اضافة الى انشغالاتها..
وهكذا تأتي مجموعة عادل كامل (اخر الفصول) لتبدي اخر اهتماماته القصصية خلال الثمانينيات التي كتب خلالها قصص المجموعة، بينما اظن ان انشغالاته القصصية الحديثة مختلفة عنها نوعا ً ما، الاختلاف الذي ربما يمنع هذا الطابع المرتسم هنا كما اشرت اليه.

[جريدة العراق ـ بغداد 26 اذار 1996]






أخر الفصول







يوسف نمر ذياب

عرفت عادل كامل زميلاً صحفياً ناجحاً في مجلة ( ألف باء ) مطلع السبعينات ، عرفته مهتماً بلعبة ( الشطرنج ) التي كان يحررها في زاويته في المجلة الزميل الكريم زهير أحمد القيسي وكانت تحتل في وسط المجلة عموداً يجاوره العمود الذي كنت أعده تحت عنوان ( هذا الكتاب ) ، لكن عادل كامل متعدد الطاقات ، فالسنوات التي جاوزت ربع قرن من الزمن الصعب أكدت لي أنه ناقد تشكيلي ندر ان تجد فنانا تشكيليا في الرسم أو السيراميك ليس لعادل كامل فضل عليه بالكتابة عن فنه ، وحسبك أن تعلم أنه قد أصدر حتى الآن ستة كتب في النقد الفني التشكيلي ولعادل كامل أسلوب خاص في أجراء الحوارات الأدبية بأسئلته الاستفزازية ، ومن مزايا عادل كامل كونه رئيس قسم ثقافي في مجلة ( ألف باء ) فهو ، وان بدأ مستعجلاً في أعداد الصفحة ، ألا أنه ذكي يعرف ما ينشر وما لا ينشر .
وأتساءل مع نفسي بما ذكرت أريد ان أدفع عم نفسي تهمة التقصير نحو الصديق عادل كامل ؟ .. أليس تقصيراً مني ان يصدر صديق عزيز ستة كتب قصصية منها روايتان ولم أتم قراءة قصة قصيرة واحدة له ؟
ومهما يكن من أمر ، فأني بعد قراءة مجموعته القصصية هذه ( أخر الفصول ) قد تأكدت أنني قد ظلمت القاص عادل كامل وان كنت لا أستطيع لجهلي مسيرته القصصية ان أحيط بما كان عليه ، فهو في هذه المجموعة قاصاً متميزاً بفنتازيته العبثية التي أحسب أنه يقصدها قصداً .
تبدأ مجموعة عادل كامل القصصية بقصة تحمل عنوان المجموعة ( أخر الفصول ) وهي كأغلب قصص المجموعة أحلام يقظة متصلة لزوجة وزوجة ، الزوج يراقب ما حلوه في الحديقة الفراشات ضوء الشمس الهواء الذي يداعب أغصان الأشجار أما زوجته فهي تراقب زوجها تتساءل مع من يتكلم فأنا بماذا تخرج ، بعد قراءة هذه القصة بلا شيء أم بالتباس الأشياء تداخل الفصول .. تداخل المشاعر أننا لسنا بالتعساء ولا السعداء .
أما قصة ( أصابع وأصابع ) فهي طريقة في عقدتها رجل يقرأ خبر وفاته في أكبر الصحف ويصدق الجميع الخبر ، لأن الصحف لا تكذب زملاؤه في العمل زوجته حتى هو صدق الخبر ، لكنه يعتقد أنه مات قبل ربع قرن ولم يجد ألا ان يقرر رمي جسده في الماء وكاد يفعل ألا ان التي قذفته في الماء أصابع أخرى أصابع هذا العالم القاسي .
ولا تختلف بقية القصص المجموعة عما ذكرت أنها أحلام يقظة القاص المحيط الذي يجد في هذه الأحلام متنفس البحث عن النقاء لكني أريد ان أنوه بقصتي ، (إضراب رمزي وعام ) و ( حضانة الأطفال ) والقصة الأولى أهداها القاص الى أطفال الحجارة ، وبعد لعادل كامل تحية إعجاب قاصاً وناقداً تشكيلياً ، وصحفياً ناجحاً وإنساناً .

الأحد 7/تموز/ 1996

جريدة العراق







في النقد القصصي / المراحل الزمنية في ( آخر الفصول )








زهير الجبوري

عند قراتنا المجموعة القصصية ( آخر الفصول ) للقاص والناقد المبدع عادل كامل ، نلاحظ ثمة علامات بارزة يمكن قرائتها بيسر وهي تدور عن الحركة الانفعالية التي يقف بطلهاالإنسان الموجوع وكيف يكون التصاعد ( التراجيدي ) نحو هذا المفهوم ، وكيف تزداد المأساة التي يكشفها في قصصه وبأسلوب متفاوت ومنفصل بعض الشيء .
إذا كان المؤلف هنا في هذه المجموعة قد وضع تقسيم الحياة وما تؤطره من لمحات فنية لأبطاله وفقاً للتصورات الفكرية التي وصل أليها والمرحلة التاريخية التي دونها في نهاية كل قصة من قصصه ، فأنه قد أبدى إيضاحاً كاملاً وسردياً متناسقاً في ترابطه القصصي وكيف كانت الواقعية التي تجردت من العواطف والنزوات الرومانسية .. ليدرس المبدع . عادل كامل ) هنا المراحل أل / مأساوية التي وقعت ضمن الحيز الذي عاشه فأبطاله كانوا يتراوحون بين أطفاله الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام إيثاراً بأطفال أهل الأرض المحتلة . فلسطين وبين شخوصه الذين يحملون الأبعاد ( الانطباعية ) في ذلك .. فهذا يعني أنه قد نجح في تحريك شخوصه فوق مسرح أعماله في مجموعته هذه .
في قصة ( إضراب رمزي وعام ) تلك القصة التي تمضي بهمومها الشخصية وتوفيقها العام ، والنفوس ملطخة بالألم تجري في أعماق خفية ذو تأثير نفسي مباشر ومؤثر .. إذ ان الحدث ينفجر في الأولاد الثلاثة الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام رغم ان . المؤلف الذي نصب نفسه . الأب ) هنا كان يعطي دخله المادي الى عياله .. وبعد البحث عن السبب وجد ان أطفاله متأثرين بأطفال أهل الأرض المحتلة . فلسطين ) ..
لذلك كان الإطار العام للشخوص يستقر بنهايات تحمل أبعاد غير منتهية ، إذ كان من الطبيعي جداً ان تكون فكرة ( القاص ( تحمل هكذا أبعاد ، ومن الطبيعي جداً ان تجيء تجربته القصصية وهي تحمل هذا السياق الفكري المعكوس عن واقع حال حقيق .. وأحياناً نلمسه حتى في أنفسناً – إذ أنه استطاع ان يحول من مشكلة الصراع الاجتماعي الى ( عمل قصصي ) مستخدماً العبارات الاسمية والرمزية للتعبير عن إثبات فكرته القصصية .
ولعلنا نشهد بأن طريقة سرد ( الحدث القصصي ) يزداد حدة أكثر فأكثر بين الأحداث الملتهبة وبين المواجهة الذاتية التي استخدمها القاص في مواجهته الظروف الضنكة إذ قدر له ان يكون ضحية الموت ، أو المحكوم عليه بالموت المتجدد وباستمرار كما في قصة ( أصابع وأصابع ) .. إذ يقول : أمس قرأت خبر وفاتي في أكبر الصحف ) وبعد سلسلة من التعقيبات يقول : ( التقيت بالسيد مسؤول تلك الصفحة ، أكد صواب الخبر ) ..
نلاحظ التصاعد . التراجيدي للسقوط الذاتي الخاضع الى الموت ، رغم ان حكم الموت بمفهومه العام لم يتحقق ، ولكن .. ؟ النتيجة الحاصلة هنا هو ( غير الموت الجسدي .. المادي ) المقصود أليه . القاص الذي يعيش الحالة المؤطرة في الوحشة والقسوة والأغراب – ولا يمتلك كثافته الأحساسية المنقولة عن الموقف الذي احتواه ( رفع رأسه .. حدق في أعلى رأسي .. كان يعرف ما كنت أقوله .. سراً) ص26.
ان محاولة . التحدق ) هنا والتي سردها ( القاص ) موظفاً الجملة الاسمية للحدث ، أعطت الجوانب التي يكشف فيها التحليل الواقعي والنفسي معاً ، والآن العبارة ( كان يعرف ما كنت أقول .. سراً ) تحمل أبعاد ذات جذور غير ملموسة ، ألا أننا يمكننا ان نسميها هنا ( مخاطبة الأنا المفقودة ) ..
لأن كشف السر لا يعرفه ألا صاحبه ، فكيف لمخلوق بشري أخر يعرف أسرار كامنة في مخلوق بشري من صنفه . كيف ؟
ان نظرتنا الى ( أخر الفصول ) يمكن ان نلخصها بمراحل زمنية عدة :
• المرحلة الأولى : يمر بها القاص ) وهو متخذ قرارات تثير كوامنه العميقة التي تحمل صراعات . المواقف ) المذكورة وكيف خلق من لحظاته ونزواته ( عملاً قصصياً ) ..
• أما ( المرحلة الثانية ) .. فهي الانتقالة المباشرة اتجاه الإشارات المباحة وبشكل مباشر الى ما نسميه ( الإلقاء الانفعالي ) اتجاه موضوعاته التي ترابطت مع الفكرة المكانية والزمانية ومنها مثلاً قضية إخواننا في الأرض المحتلة فلسطين – ليكون مثلاً من هذا القبيل وبشكل بارع ، أما ( المرحلة الثالثة ) .. فأنها تبين الإشارات والاستدراكات والتوضيحات ( القصصية ) ، وكيف أثار المخيلة التي تلاعبت فيه لتضعه في زاوية الإحراج الفكري وكيف ترجم إنسانه الموجوع عملاً قصصياً على كافة الأساليب السردية .. الخاصة .

من هنا فأننا لا حظنا الأبعاد التي أشتغل عليها ( عادل كامل ) في هذه المجموعة ، كيف استطاع ان ينقل الصورة الحقيقية والواقعية للجمهور القارئ والمتابع .. وكيف ربط بين العقود التي مضت وهي تحمل أوجاعاً وهموماً فرضت عليه ، وبين نتائجها التي كانت بمثابة – شاهد عيان – على ذلك .

جريدة القادسية
16/2/2002





التصّور والتنبؤ في آخر الفصول




علوان السلمان


السرد القصصي فن متميز بقدرته على تصوير الواقع واستلهام تناقضاته من خلال دائرة هندسية أكثر اتساعا ً تفرش روحها على الزمكانية الحديثة.. كونه يتمتع بشمولية لخارطة الحياة وقدرته على رصد العلاقات في دائرة الظرفية الوجودية المعاشة من خلال قدرة القاص في التقاط صورة الواقع الاجتماعي والكشف عن دواخل الشخصية في تفاعلها مع الخارج.. بلغة حوارية تستخدم الحوار الداخلي الذي هو حوار طرف واحد أو هو (حوار بين النفس وذاتها..) كما تقول الدكتورة سهير القلماوي..
فالقص فن يتطلب حضور الذهنية مستلهمة واقعها، وقاص يمتلك القدرة على استبطان الواقع والخروج به من دائرته، والحدث من الضيق والمحدودية صوب الشمولية.
والقاص عادل كامل في مجموعته القصصية (آخر الفصول) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية/1995 والتي احتصنت بين دفتيها خمس عشرة قصة تحكي واقعا ً ببراعة في التقاط حدثه الاجتماعي بشكل خاص عبر لغة حوارية متميزة باستخدامها المنولوج الداخلي للكشف عن دواخل الشخصية المتفاعلة مع الخارج، مع قدرة على تجاوز محتواها، اذ انها تحاول ان تتصور، تتنبأ، تمزج الحقيقة بالحلم.
حدقت في ّ كأنها خارجة من عالم سحيق مجهول بنظرات حادة ارتسمت فيها مخاوفي الخفية دفعة واحدة ، وتمتمت بصعوبة ملحوظة:
ـ أطفالك أضربوا عن الطعام..
ابتسمت، ولم تكن هي ابتسامة السخرية التي طالما ارتسمت لدي ّ، وإنما ابتسامة الذهول الممزوج بقدر من الغموضالقدري ..) ص41ـ ص42. فالقصة في حركة واقعها نبؤة عن ثورة مستقبلية تقودها الطفولة الحالمة، إذ ْ تفتح كوة آمل من خلال الطفولة التي تنوي تواصل المسيرة النضالية بالاستعاضة عن قتامة الواقع الذي تعيشه الشخصية، وهي تبدأ في مستوى الوعي ومن ثم الغوص في عوالم اللاوعي لتكشف عن الوهم الذي يتحرك مع الواقع المتفجر.. لذا فقصص المجموعة هذه تعبير عن الواقع المتداخل بالخيال للوصول الى هدف مخطط ومبرمج له بدقة في ذهن القاص، وبذلك تصبح وظيفة السرد ايحائية، قصدية، إضافة الى تحقيقه وظيفة جمالية منشطة للخلايا الفكرية من خلال بنيته السردية القابلة لتعدد الدلات..
(كنا في حرب سرية مشحونة بالالغاز والارار، أنا نفسي أعترف ان ما من امرأة أحببت وكان في قلبها الحب الذي اريد، المرأة أو الحياة، فقلت لنفسي: لا أريد ان يتذكرني العالم، فما أسعى إليه الآن، وانا في سن الشروع بالبلادة لا يتعدى حب الف صنف من النباتات والاشجار وبضعة انواع من الطيور ..) ص 8. فالقصة عنده مركبة من لقطات تسجيلية يجمعها خيط الواقع الذي يكشف عن رؤية الكاتب لواقعه، إذ ْ يتحول الى مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية لتعطي بعض التفسيرات المتسلطة على ذهن الكاتب بتركيزها حول همها وهاجسها الانساني المنبثق من واقع متجسد في الحياة اليومية، مع محاولة القاص متابعة الحدث من خلال استخدامه اسلوب الاسترجاع وتيار الوعي، إذ ْ يلعبان دورهما في تفجير الرؤيا واضاءة السرد (قبل نصف قرن، وفي قرية جبلية تقع على تخوم الصحراء، ولأسباب مازالت مبهمة، اكتشفت اني من بين سكان قريتي الوحيد الذي يمتلك فيلا ً...)ص105. انه دمية صغيرة ترمز لفوضى الواقع، وهنا الرمز يلعب فعله في السرد، إذ ْ جعل القصة تنحى منحى اجتماعيا ً في قالب ساخر يعتمد حس المفارقة ليفرغ الكاتب انتقاداته ويبلور رؤيته باعتماده التقطيع الاسلوبي داخل النص لخلق جو غرائبي يتقابل والواقع، وضمن هذه البنية السردية يستحضر القاص الهم الشعبي بلغة محكية تتوظف في وصف طبيعة العلاقات وطبيعة الصراع القائم داخل المجتمع فيبرز الكاتب قدرته وبراعته في التقاط الواقع الاجتماعي بلغة بسيطة للكشف عن دواخل الشخصية والوعي الذي تمتلكه، فكان وصف الواقع والشخوص مجموعة من التداخلات والتناقضات استطاع السارد ان يأخذ مادة سرده منها ويشكلها ويركبها بطريقته الخاصة محافظا ً بقدرته على نقد الواقع ومحاولة تجاوزه، فكانت قصصه تعبيرا ً عن رؤيا وتجربة واقعية مع ترجمة البعد النفسي والاجتماعي الذي يكمن سره داخل نفسية القاص الذي تمكن من تأسيس عالم دلالي باستعارته عناصر الطبيعة (كان يجلس في الحديقة، فوق العشب، تحت ظلال شجرة السدر وحيدا ًيتأمل الوان الفراشات وحركاتها المتراقصة بين الازهار، فيما كانت زوجته تجلس في الصالة، فوق اريكة كان قد اشتراها قبل نصف قرن. تهز رأسها بحركة آلية وتحدق في لاشيء. انتصف النهار وهما يجلسان هكذا، لا يعرف من ذا الذي همس في اذته همسا ً غامضا ً تسلل الى خفاياه الداخلية، فاجاب خفيض:
ـ لا انتظر شيئا ً محددا ً.. هناك فراشات بيض ورماديات، صفر وحمر..
ـ وماذا تفعل بالضبط؟
ـ أراقب ضوء الشمس، وأشعة الهواء المغبر، ربما الهواء الصافي، الملوث قليلا ً، لا اعرف بالضبط هل كنت اتكلم مع نفسي، منذ متى لم أتكلم..) ص 5. فالقاص يجيد تصوير الحالات النفسية، كونها وسيلته التي من خلالها يتصرف بحرية في خلق رؤى تثير التأمل والتساؤل عبر وظيفتها ضمن الحدث العام، مع اعتماد اسلوب الضربة المفاجأة والاختزال المكثف للمشهد، لكي يخلق المتعة والدهشة والاثارة التي يمكن اعتبارها وسيلة من الوسائل التكنيكية في البناء السردي، وذلك لمحاكاة التوتر النفسي من خلال الاستفادة من قدرة الانفعال على تجسيد عنصر الحركة ومعايشة الحدث.. (لكني عندما استيقظت صباحا ً، اكتشفت أني كنت قد أجريت الحوار، وبخط واضح دون ان اشطب كلمة فيه، وثمة صورة مرسومة بإتقان عجيب للحصان الأبيض.. بيد ان الحصان كان لا يكف عن الحركة منها ابدا ً..) ص117. فهو يركز على التفصيل الحركي الحكائي الذي يتجلى عن طريق تتابع الافعال وتحديد المكان وابراز معالمه مما يعي النص دفقا ً نحو واقعية الحدث، دون شعور بزمانها كونه لا يستخدمه بصورة مباشرة وادواته في كتابة نصوصه، إذ ْ ان اغلب قصصه تميزت بدفقها الدرامي من خلال بروز عنصر الحوار الذي يشكل وسيلة من وسائل التوصيل داخل النص، كونه يعبر عن ابعاد فكرية وشعورية، أو أعتماده حوار الموجودات لخلق معادل اجتماعي وإخراج الاشياء من صمتها وسكونها..( الف صنف من النبات الذي يشحن دمي بالنسيان، وبذكرى مليارات السنين الاولى، وبطيور تمتعنا باصوات لا اعتراض عليها، طيور مثل الفراشات لا عمر لها، قلت ذلك وانا اكتم لوعة طفولة استحالت الى رماد..) ص8 ـ ص9. فالقاص يستخدم اللغة الشاعرة (للتعبير عن الموحى المؤثر) كما يقول الدكتور عز الدين اسماعيل، اضافة الى لجوئه الى اسلوب المنولوج الداخلي وظهور الشخصية المتجاوزة لواقعها باحلام بقظتها، كما في قصة (اصابع واصابع) التي اعتمدته من بدايتها حتى النهاية..(أمس قرأت خبر وفاتي في اكبر الصحف، وعن مرض عضال، وتم تشيعي الى مثواي الاخير، فصعقت في باديء الامر، لكني هدأت نفسي وحسبت نشر الخبر مجرد مزحة او خطأ من الاخطاء التي تحصل ..)ص 94. فهنا يشترك الحسي والنتخيل في البناء السردي مع عناية بالجوانب الشعورية، فيكشف القاص عن انفعالاته الداخلية ويخلق بينه والمتلقي علاقة تبادل الاحاسيسوالمشاركة في بناء نص محرك للفكر كونه قريب من الوعي الموضوعي الذي يصّوره.

[جريدة المشرق/ بغداد الاربعاء 7/4/2010 العدد 1768 ـ السنة السابعة]




عادل كامل..فنان يتسلق سفوح الأدب


سلمان التكريتي


أديب فنان وفنان أديب.. يشارف عمره الآن على الستين ... وما يزال ضحوك الوجه والقلب ، حيثما يتذكر ويذكر قصصه التي يتحدث للسامع عنها ، وكأنما هو يقرأها لمن يصغي أليه . ولما قرأت القصة التي يعتز برمزيتها الفائقة وجدت أن هذا الرجل الأديب ،

أو الأديب الرجل ، هو أديب حقا ، لكنه يحمل هموم الرجل الإنسان الموهوب ، بهوايته المزدوجة في الأدب والفن . أنا ما كنت أعرفه قبل أن التقيته ، وما قرأت له أيام العهد الأسود ، فقد انشغلت باغترابي المتقطع ، وهو ، أي الاغتراب تسع سنوات خارج وطننا . وما كانت ألا مصادفة عارضة وعابرة ، أن عرفته ، وتمنيت وأن كنت أسنّ منه بخمسة عشر عاماً أن أتعرف به وعليه قبل هذا الآن ، وحينما هويت الأدب وكتابته ، كان ما يزال بعمر الورود ، وهو يلعب مع أترابه الصبيان . وتمنيت وإياه ، أن ثنائي ليرمنتوف ودستيوفسكي بفارق العمر نفسه . أن هذا الأديب الرجل ، فنان بالكتابة وكتابّ في الفن بالرغم من انتمائه في رمزية الفن الحديث التي تخلب الباب المتلقي . فإذا بالمتلقي يقرأ الصورة ولا يقرأها ، ويفهم الصورة ولا يفهمها . وهذا هو جوهر الفن ، أن يقرأ تماماً ، وليس لا يقرأ تماماً . مثل الزهرة التي يفرح عطرها تدري أو لا تدري من سيشم عطرها . وأن هذا الأديب الرجل نسيج وحده مثل (وحدِه) التي لا تجئ مكسورة (مجرورة) ألا مع النسيج (وحدَه) دائماً مفتوحة (منصوبة) . فأن قصصه إلهامية لا أنا أدري ولا هو يدري من أين تأتي له هذه الانسيابية التي لم يذللها كتاب ، أو كاتب ، ألا هو على قدر ما قرأت طوال ستين عاماً ، وأنا أستلهم ما قرأ لكي أكتب ولا أكتب . ولو أوتي مثل هذا الفنان الأديب ، أو الأديب الفنان ، الوقت الكافي والقوت الكافي والحرية الكافية ، لكتب أكثر مما كتب ، وأعمق مما كتب . لكنه أيضاً كتب بدون الوقت الكافي وبدون الوقت الكافي وبدون الحرية الكافية . لكنه مع ذلك كتب الألمعيات والذهبيات . وبقي لديه ما يريد أن يكتب ، أكثر مما كتب ، مع كل هذا الحرمان ، وكل الاختناق باللاحرية وكل أملاق الوقت . وأنا بالرغم من إعجابي بالعديد من الأدباء العراقيين أو القصاصين العراقيين ومعهم العرب أيضاً ، فما قرأت مما كتب أعمق مما قرأت فهو ما قلد وما حاكى ، أنما يمكن أن يكون قد أستوحى موقفاً أو عبارة أو جملة أو حتى مفردة واحدة ، فإذا بها تقوده بسرحانه الفني بما في الفلسفة ، وما فوق الفلسفة ، ربما في الطبيعة وما وراء الطبيعة . وأول ما قرأت له ، وكان في لقائي له ، كان غائم الوجه ، ضاحك القلب حينما قابلته ، فناولني كتابه لأقرأه ، فكان كتاباً لم يكن أكبر من وريقات فرانسوازساكان (ساغان) هو (مرحباً أيها الحزن) . فقد قرأت له ذلك الكتب (آخر الفصول) المطبوع عام 1995 ونحن في أصعب موقف سياسي وعسكري ، و(آخر الفصول) هو مجموعة قصص قبل آخر مجاميعه ، ولست أدري كيف كتب هذه المجموعة مع المجموعة الأخيرة الصادرة عام 2003 عهد الإرهاب ، على خلاف (رفائيل ساباتيني) المعادي لعهد ثورة 14 تموز الفرنسية 1789 . لكن هذا الأديب المجبول على التمرد الصامت ، كتب أيضاً ما يعادي عهد الانقلاب الأسود عام 1963 وعام 1968. وكيف تمكن من دسها بين مطبوعات وزارة الثقافة تخرجها متكلمة ضد ذلك العهد ، تلك المطابع الحديد الخُرس ، بل وتفلت أيضاً من تحت عيون الرقباء المتعددين من شراذم النقاد أو شراذم الرقباء الذين يفهمون ولا يفهمون ما كان قد كتب ، وما تعثرت في حنجرة أو مرئ هذه المطابع الخرس بين ما كانت تقرئ ما يكتب الشراذم من النقاد أو شراذم الرقباء . أن القصص التي قرأتها بين دفتي (آخر الفصول) الذي تنبأ بهذا الفصل من الزمان الذي سماه آخر الفصول أنما قصد زواله قبل زواله طبعاً ، ابتداء من قصة العنوان وانتهاء بـ(الحصان والصحفي) عبر خمس عشرة قصة ، عناوينها تنبيء ما تجود به من أحداث مثل أصابع وأصابع وإضراب رمزي وعاشقان ورما ولآثاري ، فإذا لا تختلف عن حديقة ملآى بالزهور الملونة ، الفاغمة بالعطور . بل ربما لا تختلف عن كتاب ملون بالرسوم ، التي لا يمكن أن تميز ، أو لا يمكن أن يفاضل القارئ بين هذا الرسم ، أو ذاك ، مما بين الرومانسية أو الكلاسية أو الواقعية المتلفعة بالرموزية أو التجريدية ، ثم بعد هذه القصص هناك رسومه التي أقام لها المعارض العديدة سواء في الوطن العراقي أم خارج الوطن ، حيث كان آخر مطاف معروضاته في (برلين) . ولست أدري أن كان قد سافر مع تلك المعروضات إلى برلين ، ورأى زاوية من زوايا العالم التي لم يرها . فأن كان قد سافر إلى برلين ، فأنه قد رأى ما لم يره كلكامش أو صديقه أنكيدو أو حتى أوديسيوس ؟! أنه عادل كامل ، الأديب الفنان أو الفنان الأديب ، أو الرجل الذي عاش متاهات الزمان ومتاهات اللا حرية ومتاهات الأخلاق! ومن هذا الذي سماه (العادل الكامل) ؟! فهو أسم على مسمىً . فقد أعدل وكمل وأكمل ، حتى هنئ بالنوم في ظلال الأمل القادم ، المفعم بالعطاء الذي أوتي له مما بين اليمين والشمال دون أن يتعب أو يكل وأن ينف على الستين من عمره الخصب المعطاء . ما كان عادل كامل الأديب الفنان قد نحا نحو أديب أو فنان ، وما كان يستلهم من أديب أو فنان ولم يخض مثل خوض من يركبون موجه صرعة من صرعات الأدب أو الفن العصري ، أو كما فعل بعض أدبائنا العرب الرواد ، إذ كانوا يتشبثون بما تفرزه إبداعات الغربيين بتلقائيتهم ، بينما هذا البعض يريد أثبات شخصيته الأدبية فكداً وأسلوباً بتقليده قدرات الآخرين ، على العطاء مثلهم ، لكنه لا يدري أنه صار مثل الغراب الذي فقد مشيته بعد أن قلد الحمامة مرة والعصفور أخرى . وما كان إبداع ذلك البعض الرائد ، ألا تزييفاً لمعاناته ومعاناة مجتمعه ، بينما أدباؤنا المصروعون بهذه الصرعات قد خابوا ، أما عادل كامل ، فما هو إلا صرعة لا يطولها الذوبان أو الزوال ، لأنه يتجدد بفطرته وأصالته العراقية فأنا لا أغبطه وحده ، أنما أغبط نفسي على أن قرأت له وأعجبت بما قدم ويقدم من هذا النتاج الخصب الذي تلفعه الدهشة وانسيابية الانغلاق الذي حرمنا منه سنوات بانتظار الآتي الجميل الذي سيطول إتيانه بعدما تبرعمت الطحالب والأشتات السامة في أحواض النفوس المتدرنة المجبولة على الأنانية والأحقاد الدفينة تعويضاً فانفجرت لتنذر بالهلاك . لكن عادل كامل لا يختلف عن رائد الواقعية العظيم أميل زولا في كل ما كتب وما لم يكتب . وعادل كامل ، خليفته بدون توريث أو وراث ، فأن المستقبل له ولنا.
الزمان


سيد القمني - التأملات الثانية في الفلسفة الأولى -4-.. هو الأول وهو الآخر

الجمعة، 23 مايو 2014

قصص قصيرة جدا ً-عادل كامل




قصص قصيرة جدا ً






عادل كامل
[1] الحفيد
     لم يعد لديه، وقد تجاوز الثمانين، إلا ان يراقب حفيده، الذي مازال في عامه الثاني. كان الجد يراقب الجهد الكبير الذي يبذله الطفل في سحب كرسيه، ويضعه فوق الآخر، الذي كان قد اشتراه لوالدته، قبل نصف قرن، لكن الطفل لم يكتف بذلك، فقد استولى على كرسي آخر، يعود لشقيقته، وجرجره، بجهد شاق، ووضعه فوق الكرسيين السابقين، ثم ...، تأملها، لبرهة، كي يصعد ويتربع فوقها جميعا ً! لم يفتح الجد فمه، بل دار بخلده: الآن لا امتلك إلا ان اجلس فوق الأرض!

[2] قمر
     بعد ان وضع في الزنزانة، سأله السجّان:
ـ أين نحتجزك كي تغلق فمك؟
ـ انتم لم تتركوا لي سوى نافذة صغيرة، في أعلى الجدار، ولكنها سمحت لي ان أرى القمر، في أول الشهر، فأتذكر إنني، في ذات يوم، كنت أهرول في الحقول، وأتذكر   الأطفال وهم يذهبون إلى المدارس، وفي كل يوم، استنشق رائحة الحقل، مثلما أرى الأطفال يكبرون، وما ان يبلغ القمر منتصف الشهر، حتى أرى إنني كبرت، وكبر الصبية، أنا أصبحت مشاكسا ً، والأطفال أصبحوا أشداء...، وما ان يغيب القمر حتى لا أرى شيئا ً. فانتظر الفجر...، كي أجد سببا ً لبراءتكم، لأنكم، في يوم ما، كنتم تهرولون في البساتين، وتلعبون في الحدائق، وفي يوم ما كنتم تحلمون الذهاب إلى القمر!

[3] الحصيلة
سأل التلميذ معلمه العجوز:
ـ أستاذي، ما هي الحصيلة التي تعتز انك حصلت عليها خاتمة لحياتك الطويلة في المعرفة، والبحث، والدرس..؟
ـ لم أكن اصدق، يا ولدي، أنني سأتعرف على كل هذا العدد الكبير من الأنذال! ولم أكن اصدق أنني سأرى هذا العدد الأكبر من الذين يستخدمون الأقنعة، وبها يتسترون عليها، ولا على هذا الفظيع من الفاسدين، والمزورين، والجشعين، والقتلة!
ـ وأنا؟
ـ آمل ان لا تدعني أتعرف على صفة أغفلتها، وغابت عني! فانا انشغلت طوال حياتي ان لا أؤذي أحدا ً...، وها أنت تراني أصبحت، يا ولدي، موغلا ً في الأذى! فاغفر لي أنني لم أجد صفة ـ في ّ ـ خالية من النذالة! وأنا الآن أخشى ان يأتي الزمن الذي تتحول فيه هذه الصفات إلى فضائل، وحسنات!
[4] غفران
     وجد نفسه مطوقا ً، والأسئلة توجه له:
ـ أما تعبت من الاعتراض، هل تأسف، وهل تطلب الغفران...؟
ـ وهل لدي ّ قدرة على الاعتراض حقا ً، وهل لدي ّ قدرة على الآسف، أو رغبة بالغفران..؟
ـ الم ْ تجد إجابة أخرى اشد إيذاء ً من الاعتراض، ومن عدم الآسف، ومن عدم طلب الرحمة..؟
ـ من يمتلك قدراتكم...، أتراه ترك لنا قدرة الاعتراض، أو جدوى الأسف، أو الرغبة بالغفران ...؟
[5] مجسمات
    لم يكن، دار بخلده، فقد ذاكرته، بل استعادها، وهو يلهو بالطين، وقد صنع مجموعة كبيرة من الدمى، والمجسمات: حيوانات لها رؤوس آدمية، مكعبات مشققة، نساء نحيلات وأخريات مفرطات في البدانة، طيور ذات أجنحة معدنية، دوائر مشطورة، أعمدة تنتهي بأصابع، أجسد متناثرة، مثلثات وعيون وقواعد متلاصقة....، فراغات وكتل سائبة....
ـ ما هذا اللهو ...، والحرب في أشدها؟
    لم يرفع رأسه، ولم ينطق، فقد ترك أصابعه مشغولة بجمع ما أنجزه وحملها ودفنها في حفرة، وأغلقها بإحكام، مرددا ً مع نفسه بصوت خفيض: هم يعبثون بنا، بأولادنا، بفتياننا، بنسائنا، بشيوخنا....، بمدننا، بمواردنا، بممتلكاتنا، وبمصائرنا، ولا احد يقول لهم: ماذا تفعلون؟
قيل، انه، منذ ذلك اليوم، لم ينطق بكلمة، وما رفع رأسه عن الأرض!
[6] الصيادون
     عندما وقع الذئب الذي كان قد افترسني قبل قرون، في قبضة الصيادين الجدد، شعرت بالحرج، ليس لأن الذئب لم يجد إجابات مناسبة للآثام التي ارتكبها، وفي مقدمتها، افتراسي، كما أسلفت، بل لأنه بدأ يتضرع، ويستنجد، ويطلب الرحمة، حتى حسبته تحول إلى حمل، أو إلى حيوان وضيع.
  كانت قبضة الصيادين الجدد شرسة، لا تعرف المرونة، ومحكمة، بعد أو وضعوه داخل قفص حديدي، بغية نقله إلى حديقة الحيوان، أو قتله، أو وضعه في السجن، او عرضه في احد المتاحف،  عندما قررت المغادرة.
صاح كبير الصيادين في وجه الذئب:
ـ أيها الصنم، أيها الطاغية، هذا هو أول ضحاياك!
وكاد يطلق النار عليه، أو يبتر رقبته، فصرخت:
ـ لحظة، أيها الصياد، من قال لك انه هو الذي افترسني؟
   ساد الصمت لحظات، ليسألني الصياد الأكبر:
ـ ماذا تقول، ونحن عملنا هذا من اجل إنقاذك..؟
ـ أقول...، واعترف إنني أنا هو من دخل في جوف الذئب، فهو لم يفترسني، بل أنا وجد ملاذه هناك، ودخلت، بإرادتي...وها انتم شاهدتم أنني خرجت بإرادتي أيضا ً! 
   ولم اخبرهم بالباقي، فقد كنت وجدت بابا ً فدخلته واحتميت بجدرانه، وفي البيت، عثرت على حفرة، كانت هي ملاذي السعيد.
    
[7] الصياد
      انتظر الصياد طويلا ً، أمام البحر، حتى كاد يرجع من غير ان يصطاد حتى سمكة واحدة، عندما سمع من يسأله:
ـ من سمح لك ان تصطاد، هنا، عند سواحلي...؟
ـ من أنت كي تسألني هذا السؤال؟
ـ أنا اله البحر!
ـ آ .....، لكنك لم تعرف من أكون أنا...؟
ـ من تكون؟
ـ أنا عبدك، الفقير، المسكين، الذي يكاد يموت، مع أولاده، جوعا ً!
ـ حسنا ً...، لقد أحزنتني، فانا سأسمح لك ان تصطاد، شرط...
ـ وهال سأعترض!
ـ إذا ً ....، لك سمكة، ولي تسع سمكات، مما تصطاد.
ـ وهل سأعترض! ولكن....،قل لي، يا كبير آلهة البحار، من ذا سيصدق هذه الرواية! فإذا كان البحر كله بحوزتك، مع السواحل، والمصبات، والينابيع، والأنهار، فهل يليق بمقامك ان تترك لي سمكة واحدة وأنا لم ابدأ حتى بالصيد؟!
ـ ماذا تقصد؟
ـ اقصد....، أنني سأحتفل بأنك تركني أعود إلى بيتي، حتى من غير هذه السمكة الوحيدة التي لم اصطدها بعد!

[8] رحمة
    وأخيرا ًسألت نفسي من غير تردد، أو خوف: من ذا الذي قادني إلى ارتكاب كل هذه الشطحات: حواسي أم عقلي، عاطفتي أم إرادتي، غبائي أم عقلي، عفويتي أم مقاصدي، عبثي أم مكري...؟
   لم اعثر على إجابة شافية، بل عثرت على أسئلة لم تخطر ببالي أبدا ً، وأنا أصغي إلى صوت مجهول يخاطبني: ما الذي باستطاعتك ان تفعله...، وقرار الحكم كان قد صدر عليك قبل ان يكون هناك زمن، وفضاءات، وسواحل، وقرى، ومدن، وعولمة، وقبل ان تكون هناك أسواق حرة، وشركات عابرة للمحيطات، والقارات، وقبل عصر الشفافية، والحريات، والديمقراطيات، وقبل تهرب من الضواري، ثم بعد ان أصبحت تطاردها، حتى تم وضعك داخل هذه الجدران.
ـ كيف، انجدني، مع أنني لم أتضرع من قبل، ولم اطلب العون...؟
ـ   اعد السلسلة منذ بدأت، بالثواني، والأيام، والشهور، والقرون، وضاعف العدد إلى الملايين، والمليارات، والترليونات، ومضاعفاتها، واحدة واحدة، ستجد انك ستصل إلى ذلك الذي ليس له ابتداء، أو حركة، نور أو ظل، جسم أو اسم، اثر أو علامة، وجود أو لا وجود، ولكن الذي ليس باستطاعتك ان تقول له: وهل كنت امتلك إرادة تمنع إرادتي من التوغل في هذه الممرات: أليس النور القليل الذي رايته هو وحده الذي أضاء لي هذه الدروب، وهو وحده الذي سمح لي ان امتد في لا حافات هذه المديات، وفي ما هو أكثر امتدادا ً من هذه المسافات، كي أدرك، أخيرا ً، أنني أصبحت لا امتلك حتى الفرار من هذا الضيق! يا أيتها الرحمة ما أوسعك!!









نشتري طعامنا من بره-كاظم فنجان الحمامي

نشتري طعامنا من بره


كاظم فنجان الحمامي

لو استعرضنا الأطعمة التي نتناولها في الوجبات الثلاث على موائد الإفطار والغداء والعشاء لاكتشفنا أنها كلها مستوردة من خارج العراق, ولوجدنا أن ظاهرة المواد المستوردة شملت الأواني والأقداح والمعدات والأدوات والأوعية والأجهزة المنزلية المستعملة في إعداد الطعام، أو المستعملة في تناوله. كلها مستوردة. ليس فيها مادة غذائية واحدة تحمل الهوية العراقية، باستثناء بعض المواد النادرة وعلى  نطاق ضيق وفي مواعيد موسمية محددة.
فالسكين التي نقطع بها الخضار مستوردة، والوعاء الذي نضع فيه الطرشي مستورد، والمائدة التي نوزع فوقها الأطباق مستوردة، والقدور والصحون والملاعق والشوكات والمحارم الورقية وأجهزة الطبخ بالغاز أو بالميكروويف كلها مستوردة.
يتألف طعامنا هذه الأيام من مشتقات الألبان الإيرانية والسعودية والكويتية والتركية، والبطاطا والطماطة (الطماطم) والخيار والبطيخ الإيراني والكويتي والأردني, والقمح المستورد من استراليا، والرز الفيتنامي والباكستاني, والسكر التايلندي، والشاي السيلاني، والتوابل الهندية، والبقوليات الصينية, والأملاح الإماراتية، والمياه المعدنية الخليجية، والفاكهة المتعددة الجنسيات, واللحوم الصومالية، والأسماك البورمية المجمدة، ناهيك عن الدجاج الطائفي بمسمياته الإيمانية المتشعبة الجذور. حتى التمور صرنا نستوردها من دول الجوار.
الشعوب الأخرى تملك المصانع الإنتاجية الجبارة, والحقول الزراعية الواسعة، ونحن لا نملك شيئاً. هي تنتج ونحن نستهلك. هي تزرع ونحن نأكل. زودونا بكل ما نلزم وما لا نلزم. وفروا لنا كل شيء حتى قبل أن نطلبه منهم. نعيش لنأكل، ونتناسل فيزداد تعدادنا. فأصبحنا شعباً كسولاً مترهلاً، يشتري طعامه من بره.
لقد غدونا أمة مستهلكة، نأكل أكثر مما ننتج، بل أصبحنا لا ننتج شيئاً تقريباً، ثم أدى بنا الاستهلاك إلى الإسراف، والإسراف إلى الضياع، وكأننا لا نعلم أن الأمة التي لا تأكل مما تزرع، وتلبس مما لا تصنع، أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء.
لقد انحدر عندنا المؤشر الإنتاجي، وأصبح العلامة الأسوأ في مجتمعنا، وبات حقيقة دامغة لا ينكرها إلا جاهل. كنا في مراحل سابقة أمة متبوعة فصرنا أمة تابعة، وكنا أمة مصدرة للعلوم والفنون والآداب فصرنا أمة مستوردة لشتى صنوف الأفكار الهدامة، وكنا في موقع الصدارة فصرنا في ذيل القائمة، وكنا أمة منتجة فأصبحنا من أشهر الأمم المُستهلكة والمستوردة. نستورد كل شيء من المأكل إلى المشرب.
أن هذا التباين الكبير بين حالنا اليوم وحالنا في خمسينيات القرن الماضي يدفع كل باحث عن أسباب الخلل إلى دراسة مقارنة بين الحالين، ولا شك أن أي منصف متجرد لن يملك إنكار حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي أن ما حاق بنا من تراجع وتقهقر يرجع في المقام الأول إلى تفشي الفساد والإهمال, وسوء التخطيط، وغياب الروح الوطنية المخلصة.

والله يستر من الجايات

الخميس، 22 مايو 2014

حافات الحلم !!دوائر وطقوس ومدن في رسوم كامل حسين- د.شوقي الموسوي

حافات الحلم !!
دوائر وطقوس ومدن
في رسوم كامل حسين



  د.شوقي الموسوي




      ثمة تمظهرات لعمليات التربيع والتدوير في نتاجات التشكيل المعاصر في العراق وجدناها حاضرة في الحقل البصري يتم من خلالها تشييد عالم خاص يقترب من الحلم ، متخيّل ومتحرر من لواحق أصنام البعد المكاني يُجسد أفكارنا المتمفصلة بالمثالي محققاً التوازن بين العالم والإنسان لإعادة انتاج المعنى من اللامعنى .  




فالفنان التشكيلي في العراق كغيره من اقرانه مازال يبحث في الوجود عن ينابيع الاسرار فيما وراء الاقنعة لمحاكاة الجوهر وبمساعدة التلقائية وشيء من البدائية أدائياً وجمالياً وسحرياً وبالتالي وجدناه يقترح تكوينات ومشاهد تصويرية ذات الطابع البانورامي ، تتخذ فكرة التجنيس والتجميع مبداً لانتاج الاشكال المربعة او ربما الدائرية المحتفلة بالتدوير على حساب التشبيه ... وما مشاهد الفنان كامل حسين التصويرية الاخيرة إلا تأكيداً لما تقدم ، لبلورة مفهوم الكلية (الكونية) بفعل عمليات التحديث والتعبير والتجريد والتي تسمح بانتاج تكوينات محورية تخرج على الانساق المستقرة  ؛على اعتبار ان الفنان قد  راهن بالتعددية الصوتية المحتفلة بالتلقائية الواعية لانتاج افق جديد للمعنى المشترك ذي النزعة الانسانية ليصبح الفنان بمثابة منقب في الوجود عن اللامرئيات التي تمنح الاعماق اشكالا جديدة .
      حيث تمسك الفنان التشكيلي كامل حسين بفكرة التدوير والتربيع في أغلب مشاهده التصويرية والتي منحها طاقات رمزية وجمالية وتمظهرات بينية جديدة .. فالمربع نجده يقترب برمزه من مرجعيات الفكر الميثيولوجي القديم المتمثل بالحقيقة الروحية بينما الدائرة تأتي تعبيراً رمزياً عن فكرة اللانهائية ؛ كونها تعتبر رمزاً للنفس بوصف ان الفيلسوف افلاطون وجد ان النفس بمثابة دائرة . فنلاحظ مثلاً ان اغلب مفرداته التشكيلية (الجسد العاري – الحرف – الدائرة- النقطة- السمكة – الطبيعة – الشمس – القمر – الهلال ...) المستوحاة من ذاكرة مدينته القديمة (البصرة) تحتفل بالتسطيح والتجريد ضمن ايقاع لوني حُر (الاحمر – الاخضر – البني – الرصاصي ..) وايقاع خطي محوري (الحلزونيات) ضمن حوارية الحركة والسكون فالفنان يبتدأ بالتربيع ذي الطابع السكوني المستقر في تأسيس تكويناته الفنية ومن ثم يتمرحل بالاشكال من الطبيعي باتجاه الثقافي فينتهي بالتدريج بفعل عمليات التعبير والتجريد والتحطيم الى التدوير ، ليصبح هذا الفعل تمرحلاً دراماتيكي من السكون الى الحركة فالنقطة المربعة أصبحت بمثابة انطلاقة من السكون (المركز) الى الحركة ؛ بمعنى آخر هنالك تمرحل بتكوينات الفنان من الوجود بالقوة (المركز) الى الوجود بالفعل (الحركة) .




    وبجانب حديثنا عن السكون والحركة ايضاَ تجاورت موضوعة الجسد العاري (الرجل والامرأة) الحاضرة بقوة في التشكيل المعاصر في العراق ؛ بعد ان تواجدت في الفنون الرافدينية القديمة منذ الالاف السنين والتي جعلت من الدائرة أو الهلال رمزاً لمعنى الامومة أو الانوثة المقدسة .فالجسد في التشكيل يستطيع استيعاب المرئيات كونه يضفي المعنى عليها .. هنا استذكر مقولة لميرلوبونتي تنص :(انني أشاهد أشياء العالم الخارجية بجسدي ، ألمسها أطوف بها ، أتعرف عليها ، لكن عندما يتعلق الامر بجسدي فأنا لا أراه هو نفسه ...ربما أنا داخل جسدي!!) بهذه المقولة أجد الفنان كامل حسين حاضراً في الفن كوجود من خلال جسده الذهني ؛ على اعتبار ان اغلب تكويناته الجسدية قد تخلت عن التصورات المادية للجسد والتمسك بالحلم كي يعي العالم المحيط به لاجل تغييره بحثاً عن الحرية .. هذه النزعة الانسانية في موضوعة الجسد لدى الفنان نجدها تبحث عن المعاني الكامنة في الحلم ، للتواصل مع الآخر بقصد استشعار الوجود والكون .فالتكوينات البصرية المتمسكة بالديمومة لدى الفنان كامل حسين وجدتها تشبه حافات الحلم تماماً الذي يحوي طاقات الرمز والمرموز المفعمة بالتدويل والتدوير وجماليات التجريد التي تنتج الاسئلة لحظة فعل القراءة وبالتالي تسيح بذهن الآخر (المتلقي) الى فضاءات بلا حافات تقبل التأويل .. فتكسب المفردات التشكيلية أبعاداً كونية دائرية ذات تعددية دلالية تمتص جميع الاجناس التعبيرية ليستوعب المرئيات (الانسان – النبات – الحيوان – النجوم – الاكوان ..) باختلاف أنواعها وأجناسها وأدواتها وأساليبها الفنية والتقنية ، بحثا عن الخلاص في الجمال .
 

دور القيم الثقافية في اقتحام الواقع وتثوير الذات الإنسانية-وليد خالد أحمد حسن

دور القيم الثقافية في اقتحام الواقع وتثوير الذات الإنسانية

وليد خالد أحمد حسن

          تخلق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكذلك البنى الثقافية السائدة في فترة تاريخية معينة نمطاً معيناً من الحياة ، بقيمه الخلقية والروحية، يدفع الإنسان مهما كان انحداره الطبقي إلى ربط أحلامه وطموحاته بالنمط والمثل الحياتي السائد . وفي مجتمع كمجتمعنا نرى نمط الحياة السائد يدفع مصائر العديد من أفراد المجتمع ولاسيما أولئك المنحدرين من طبقات اجتماعية وسطى ودنيا ، إلى التشبث إلى نمط الحياة المدني / المتحضر السائد مما يبعدهم عن التفكير الموضوعي في واقع حياتهم نفسها وعن تطويرها ومن ثم تغييرها .
          وبما أنهم لايختارون الظروف ولا العصر الذي يعيشون فيه ، فان إعادة خلق الإنسان وغرس القيم الروحية الثقافية الأصيلة فيه ، وإعادة تربيته تولد لديه الوعي الكامل بتلك الظروف ، ويمكنه بذلك استنباط طرائق التغيير في تنامي قدراته وإغناء ذاته .
          ولكن الغالبية العظمى من فئات مجتمعنا محرومة من غائية عملها ، ولاتملك سوى قوة العمل الوسيلة الوحيدة للوجود مما يخلق نمطاً اجتماعياً متخلفاً للسلوك ومعايشة الواقع تغيب فيه كل رابطة أساسية بين الإنسان وذاته ويتقوقع داخل نفسه في عزلة تامة عن محيطه ، ويزيد من غربته ذلك السيل العارم من الأعلام الثقافي الذي يشيع البلبلة والغثاثة والسطحية والجهل المركب ، مقدماً حصيلة من المعاني والوسائل الاحتيالية ، تصرف الفرد عن الإتيان بأية فعالية إنسانية حقيقية تساهم بدورها في خلق القيم الثقافية الأصيلة والتي تعمل على تغيير أسلوب ومستوى حياة هذه الفئات وبخاصة الشعبية منها تغييراً عميقاً .
          إن القيم الثقافية الأصيلة التي نعنيها هنا ، هي الحضور الشامل للقيم الإنسانية التي تحتضن في جوهرها إنجازات الإنسانية على مر العصور . أنها تختصر ثمرات جهود الإنسانية بصراعاتها ونجاحاتها وإخفاقاتها ، وتقدمها من ثم خبرة ثرة للفرد وللمجتمع من اجل المستقبل .
          فليست هناك ثقافة تخص هذا المجتمع أو ذاك فقط ، وليست هناك ثقافة دخيلة أو ثقافة مستوردة ، إنما تتواصل الثقافات في حركتها فيما بينها مؤثرة ومتأثرة ، حاملة إنجازات وبصمات هذه الثقافة القومية أو تلك . وتتفاعل الثقافات القومية وتسند العناصر التحديثية / التقدمية في كل منها ، العناصر التحديثية / التقدمية في الأخرى ، وتتضافر في صراعها ضد عناصر التخلف ، ولا يتبقى في عملية التطور الاجتماعية بشكل عام سوى ما يستجيب لحاجة المجتمع في حركته الدائمة إلى إمام وما ينسجم وتطلعاته ضمن خصائصه القومية العامة والمتأثرة بخصائص القوميات المختلفة المتآخية في البلد الواحد ، وفي إطار تراث الأمة الحضاري ولغتها وتاريخها وظروفها الموضوعية .
 وبما أن الثقافة وجميع ميادين البناء الفوقي عملية تاريخية معقدة تخلقها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية ، فإنها تعمل بدورها على خلق القوانين العامة للتطور مؤثرة في أحدى تلك المراحل على تطور العملية الاجتماعية / الاقتصادية نفسها ، والتي تتأخر في بعض الظروف التاريخية الخاصة لأسباب خارجية وداخلية معينة عن العملية الثقافية ، والتي تتأثر بدورها إذا وجدت نفسها عرضة لتحديدات اجتماعية وتاريخية خاصة .. ولذلك فأن الطابع التحرري التحديثي التقدمي لحالة ما والتقليدي الرجعي مثلاً يبقى شيئاً موضوعياً لايتوقف عن وعيه أو الوعي به .
          والقضية هي دائماً معرفة ما إذا كان هذا الاندفاع إلى إمام أو التخلف أو الجمود أمر يجري على أساسه قبوله أو رفضه . كما أن الإجابة على تساؤل كهذا تقرره المواقع الطبقية للمتلقى وللمعطى على حد سواء ، وكذلك فأن ما يعتبره المثقف الواعي المسؤول متجاوزاً في نظره لايمكن أن يكون بالضرورة متجاوزاً في نظر المتلقى أو في نظر أوسع قطاعات المجتمع . وبعبارة أخرى فأن المثقف الواعي يجب أن يعي أن ما يبدو بدهياً بالنسبة له ، ليس بالضرورة بدهياً لقطاعات كبيرة من المجتمع . ومن هنا تنبع مسؤولية المثقفين التاريخية في نوعية المجتمع بنشر الفكر التحرري التحديثي التقدمي والخبرات العالمية الراقية إلى جانب التعرض النقدي للظاهرات المتخلفة وللجمود المعرفي ، والكشف المتواتر لعمليات التشويه المتواصلة للقيم الثقافية والخلقية ، ولعمليات التفريغ المدروسه لمحتوى الثقافة عامة والتي تكون فكر الإنسان وعالمه الداخلي . أما طبيعة الثقافة ودورها في تطوير المجتمع واغناء عالم الفرد الداخلي ، فيقررها نمو القوى المنتجة واتساع الصراعات الطبقية والسياسية والقومية ، كذلك يحددها عمقها ومداها الحقيقي وانحيازها التام لمصالح أوسع فئات المجتمع ، بل وانحيازها التام للعقل . فالعقل وهو يرفض حالة اللاتوازن والتخلف إنما يبحث عن قيم جديدة يخلفها المجتمع بكفاحه ونضاله في سبيل ثقافة شعبية قومية حقيقية تقف عائقاً وسداً أمام جميع إشكال الثقافة المصنعة والتي تحاول حرفها عن أهدافها الحقيقية .
          ونرى المثقفين عموماً وفي مختلف البلدان ، وهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة الوظيفية أو العاملة يجدون أنفسهم – إلى جانب وعيهم التام بالتناقضات – يشكلون أطارا للنظم القائمة والتي لا مجال لمناقشة غاياتها ومعناها ، ومن هنا تبرز أهمية تلك اللحظة في حياة المثقف عندما يعي مسؤوليته التاريخية تجاه مجتمعه ، وعندما يعرف انه يجب أن يساهم في بناء مجتمع جديد خالقاً بإنجازاته العديدة في مجالات الأدب والفن والسياسة وجميع ميادين البناء الفوقي ، علاقات جديدة بين المجتمع والعلم والثقافة والفن ، يعمل آنذاك بوعي على نشر ثقافة عامة تساعد على تطوير الفكر النقدي لدى المجتمع ، لأنه يعي تماماً تلك الظروف الحياتية الصعبة التي تلف حياة الأوساط الكادحة وغالبية قطاعات المجتمع العامل والتي تعيق بدورها مسيرة التطور وأتساع مديات الثقافة ، ومن ثم تعمل على إسقاط الأثر الفكري الناضج لأية دراسات أو قرارات أو معلومات عامة أو أية ثقافات تقدم إليه في اطر التطور الهائل لوسائل الأعلام ، أي تطور ( حوامل ) الثقافة العصرية .
          ولما كانت ( حوامل ) الثقافة العصرية من إذاعة وتلفزيون وفضائيات .. لها ذلك التأثير الواسع الانتشار بإملاء كل ما يراد قوله على السامع أو المشاهد وهو في عقر داره ، ولما كانت تذيع السيء والرديء إلى جانب الجيد ، وتنشر مآثر الثقافة الكلاسيكية إلى جانب الهزل الرخيص ، فأن المردود الثقافي يكون سلبياً وتختلط فيه القيم في فوضى عجيبة . ومن ثم يصبح كل ما يقدم خدعه لاتعمل على تطوير الذات الإنسانية بل بالعكس ، تعمل على ضياعها وتدفع المتلقى إلى الهروب من الواقع إلى عالم من الأوهام إلى جانب تشتيت وعيه . تضاف إلى ذلك آلية الحياة الجافة التي يعيشها فيزداد ضياعاً وتنهار قيمة ومأثوراته .
          لقد أصبح الفرد في مجتمعنا العراقي عموماً مزدوج الذات ومخلوقاً أنانياً في وجوده غير المباشر وفي وجوده كمواطن بل وأصبح فرداً لاحضور له . فقد أصبح بعض المثقفين يتصرفون بلباقة أكثر وأصبحوا يصفقون لكل شيء ويمدحون كل مايحيطهم في استماتة للحفاظ على وجودهم ، وأصبح كل واحد منهم يحاول أن يحتل مكانه في الحياة دون أن يتغلب عليها وليأت بعده الطوفان .
          ومواجهة مثل هذا الواقع تتطلب تربية وعي ثقافي يعمل على تغييره ويتداخل في وجدان أفراد مجتمعنا الطيبين الذين عاشوا قروناً في ظلام التخلف وما زالوا يرزحون تحت عبء عمليات التجهيل المستترة والواضحة تحت جميع الشعارات . وفي سبيل خلق ذلك الوعي الثقافي ونشر الثقافة الحقيقية الأصيلة بينهم ، من الضروري المشاركة الفعالة من قبل جميع المثقفين والأدباء والفنانين والعلماء إلى جانب السلطة في صنع الوضع الثقافي الجديد مبتعدين عن الارتجالية والعشوائية والتخبط حتى نتمكن جميعاً من اقتحام الواقع وامتلاك القدرة على تغييره .
          إن القدرة على تشخيص ومواجهة ذلك الانفصام الحاد بين الثقافة والمجتمع لن تجد لها طريقاً إلا في جو من الديمقراطية . ففي ظل الديمقراطية ينتعش الفكر الذي يعمل في خدمة تقدم المجتمع ، وفي غيابها ينتعش الفكر الرجعي المتخلف الذي يعمل على تكبيل المعرفة والوعي والعمل على الإبقاء على التخلف والجهل والأمية – الأبجدية والمعرفية – لدى اغلب أفراد مجتمعنا فيسهل كبح جماحها وترويضها والاستفادة منها للدفاع عن مصالح فئوية وطبقية معروفة . وفي غياب الديمقراطية تتكرس أفكار وثقافات مشوهة تعمل على تحطيم البناء الاجتماعي والثقافي العام مما يعمل على انتشار التحلل في القيم الثقافية وظهور المصلحية والنفعية .. ولسنا في حاجة إلى ضرب العديد من الأمثلة . وهكذا يتراجع الفكر ويتراجع معه الخوف المقيم والرعب الدائم على المستقبل .. وسيظل الفرد مكبل الفكر مغلول النشاط خوفاً من فقدان الربح وفقدان الآمان الحياتي . فالأمان الحياتي في عراقنا اليوم يأتي في مقدمة الأهداف أو يكون الشعار لدى المواطن – إذا مت ضمآناً فلانزل القطر . فالشجاعة والبطولة والجرأة والحماس الثقافي والفني والإبداعي تهرب جميعاً أمام الرعب الدائم من المجهول . من مجهول استطاع النظام البعثي أن يزرعه داخل النفس العراقية ذاتها .
          ففي غياب الحوار الديمقراطي الحر :-
          - تتحلل القيم الثقافية ويتم الإجهاز الفوقي على المبدأ والشكل .. والخاسر الوحيد هنا هو الذي ظل محروماً قروناً حتى من حق اختيار الحياة .
- ترن أصداء الصوت الواحد في جنبات الحياة الثقافية ، ينحسر الفكر العراقي ويصبح عاجزاً عن احتلاب الإنجازات الثقافية ويؤدي بنا إلى الوصول إلى مرحلة وجود من يفكر عنا ولنا . وتصبح القرارات العلوية هي دستور الفكر والثقافة .
- تتحول الثقافة إلى بوق دعاية وأشباه المثقفين إلى مبررين وشراح ...
          وفي ظل الحوار الديمقراطي الحر يمكن القيام بعمل تربوي وتثقيفي أصيل يساعد على سحب الإنسان من مواقع مصالحه الأنانية الخاصة ليساهم بدوره في إنماء وإثراء الحياة العامة وفي العمل على تغيير ظروفه الموضوعية التي لم يكن له يد في إيجادها .
          وأدوات العمل التربوي والتثقيفي تبدأ من المدرسة والجامعة ومكان العمل بعد ذلك ، ثم يأتي دور وسائل الأعلام المسموعة والمرئية والمقروءة . وللأدب والفن دور نبيل في تكوين عقيدة الإنسان ومفاهيمه الأخلاقية وثقافته الروحية ومن اجل عودته الكاملة وبوعي تام إلى ذاته وإنسانيته مستوعباً كل ثروة التطور الذي تم الوصول إليه على مسار التاريخ الإنساني كله .
          فكيف إذن نخلق أولئك الذين يمكنهم أن يعوضوا كل ما فاتهم من تطور في قرون طويلة ؟ وكيف نهيئ الظروف الموضوعية لذلك ؟
          من بديهيات المعرفة ، أن الظروف التاريخية لاتوجد خارج الممارسة الاجتماعية .. وتغيير النفس في النشاط الاجتماعي والممارسة الإبداعية .. فذلك النشاط يتفق وتحويل الظروف .. ونتيجة لتغيير الظروف تأتي عملية تغيير الذات المنغلقة الأنانية اللاأبالية .
          وكل ذلك يأتي نتيجة لتطوير نمو وتائر المستوى الثقافي العام للمجتمع خالقاً المناخ الصحي والتربة الصالحة لتطوير الفن والعلم والأدب ومساعداً على شحذ يقظه المجتمع وتوجيهه نحو الثقافة والوعي بتحديات التخلف والقهر والقدرة على تجاوزهما .
          وكيف يتم لنا ذلك ؟ بتسريع عمليات صراع الثقافتين في الثقافة القومية الواحدة لصالح الثقافة التحديثية التقدمية التي تستجيب لطموحات أوسع فئات المجتمع ولاسيما الشعبية منها .
          من المعلوم انه توجد ثقافات في كل ثقافة قومية واحدة . ثقافة تحررية تحديثية تقدمية نقدية تبدو عناصرها في النتاج الفني والأدبي والإبداعي الذي يعبر عن طموحات اغلب فئات المجتمع والنقيض لها الثقافة السائدة المتوارثة – التقليدية الرجعية – من عصور التخلف والتي تبدو عناصرها في صراع ضار مع عناصر الثقافة التحديثية التقدمية مدافعة ومحافظة عن مصالح الفئات الحاكمة السائدة في المجتمعات المتخلفة ذات المصلحة في إيقاف كل تطور .
          وتتصارع عناصر هاتين الثقافتين على مر العصور وتساعد الظروف الموضوعية والتاريخية على تغليب عناصر هذه الثقافة أو تلك في هذا المجتمع أو ذاك . ويلعب الأدب والفن الطليعيان دورهما في المساهمة الموضوعية في مسار الصراع الاجتماعي بالدخول في الإيقاع العام للتغييرات الاجتماعية حتى في حدود المجتمع البرجوازي حيث يقدران على الاندماج بحرية وبوعي مع حركة اغلب أفراد المجتمع المتقدمة بالفعل ...
          إن وتائر التغير السريع وتعقد وتشابك الظرف التاريخي تقف عائقاً كبيراً في وجه صراع الثقافتين مرجحة كفة التخلف والجمود الثقافي العام حيث أن الإرهاب الفكري المقنع وفكر الفئات السائدة في المجتمعات المتخلفة المسندة بالإمكانيات الهائلة والحماية التامة يعمل على حرمان الثقافة العامة من دورها التثقيفي والتربوي وتتحول إلى بوق دعاية ، مؤدية إلى انفصام مريع بين المجتمع والثقافة ، الأمر الذي يسقط الواجهة الثقافية الرسمية في دائرة الوهم مهيئة بذلك المناخ الملائم لتكريس أفكار وثقافات تحطم البناء الثقافي وتضرب المنجزات القليلة التي استطاع الفكر الثقافي الديمقراطي أن يغني بها تراثنا على تعاقب الأزمنة .. وفي ظل هكذا مناخ تكف الثقافة عن التعبير الحقيقي عن الواقع ويغلف الزيف أحلامنا ويحيطنا بأوهام عريضة براقة عن نجاحات لاوجود لها وعن إبداعات ليست إلا فقاعات ما تلبث أن تجرفها الحقيقة البشعة عن التخلف الحضاري المقيم والفرق الشاسع بين الحلم والحقيقة والواقع .
          إن حسم صراع الثقافتين لصالح الفكر المتخلف التقليدي الرجعي يحدد الثقافة بكونها مجرد ثقافة الأعلام ويحول الكثير من المثقفين إلى آلات دعائية تبيع نتاجها كسلعة تجارية ، كما يحول شريحة كبيرة من المتلقين إلى مجرد جهاز سلبي .
          فما أسوأ الزمن الرديء القادر فقط على التغني بمآثر الأزمنة الماضية فقط. وتباً للتشويه المتواتر الذي يحرمنا من خلق المقاييس الخلقية والثقافية التي نسلح بها مجتمعنا في مواجهة ذلك الزيف المقنع وذلك التخلف الذي يشوه حياته وحاضره .
          وما أسوأ الغرس السيئ من بعض نتاج الأدب والفن في مجتمعنا عن أساطير عن السعادة والنجاح ، وعن أصنام تعيش في دعة ولذة ونجاح .. وما أكثر ما يعرض لنا من أمثلة زائفة كاذبة عن التمجيد المنهجي للعنف واستغلال الغرائز .. وحتى إذا ما أثيرت بعض الآثار الثقافية من ماضينا العريق وبالشكل الذي تعرض فيه ليست سوى بريق تنحصر فائدته في شل التفكير الصحيح وإبعاد الناس عن استلهام دروسها وتأثرها وتجاربها الحقيقية ولاتساعدهم في مسيرة التقدم بل إنها تقف مناهضة للثقافة الحقيقية ...
          إن صراع الثقافتين هذا لم يصب الرجعية وأقطاب التخلف والتحجر بسوء بل بالعكس كانت الخسارة من نصيب المجتمع والجيل الحاضر ، الذي لم يعد يسمع إلا أصداء الصوت الواحد في غلالة من الإرهاب الفكري المقنع ، وزيادة مفردات المحرمات في الأدب والفن والثقافة والسياسة ... والحصاد المر بالنتيجة هو ذلك الخواء الثقافي الذي نزع عنا شخصيتنا وعوض خواء حياتنا وخلوها من المضمون بأوهام وخيالات وشعارات براقة ... ونتساءل بعد ذلك ، لماذا لاتزدهر الثقافة العراقية ؟ ولماذا قصور الفكر العراقي المعاصر ؟
          إن الثقافة وجميع ميادين البناء الفوقي عملية تاريخية تظهر وتتطور بتوفر الظروف الموضوعية الكفيلة بتسريع وتائر نموها وتطورها . وكلنا جميعاً وبدون استثناء مهما اختلفت مواقعنا ومسؤولياتنا مدعوون جميعاً لمجابهة الخلل بجرأة والمشاركة في وضع منهاج للثقافة يأتي رداً على جميع الانكسارات والاحباطات التي أماتت حماسنا وأفقدتنا الثقة في نفوسنا وجعلت من سلوكنا رفضاً قاطعاً مطلقاً للحقائق قبل الأوهام .
          إن مؤسساتنا الإعلامية والثقافية واتحاداتنا الأدبية والفنية مدعوة إلى إعادة النظر جذرياً في جميع صيغ عملها مهتدية بتخطيط ديمقراطي سليم ينبع من الاحتياجات الفعلية لمجتمعنا العراقي العريض .