الثلاثاء، 30 يونيو 2015

كرافيك-عادل كامل











غيمة تجدل شعرها بعيدا عن الرأس-نجاح المصري زهران

غيمة تجدل شعرها بعيدا عن الرأس
نجاح المصري زهران

في الطبقة الاولى من التاريخ وضع قدمه على مفاصل الكهرباء، ويد تدلك الجسد من حرارة التمرد
 الريح بأسماءها  المنصوبة على حرارة الصيف 
حَرّ يعاود حراسة البيت ،غيمة محلاة  تزرع النهار وأشجار الزيزفون على باب الريان ، والنافذة المفتوحة على الكوثر 
في أول العيد يطاردك  حلم مفتوح على سرير حديدي وظل يلسع الجسد  ، كنت أخبئ أقاليم محشوة بالشمس على الحلوى والعنب
هو ذا يلقي أصابعه على الدرك الاسفل من جسد الحورية  ،شجرة الخوخ تزهو بفقاعة العري وبيد امتدت لكأس مزاجه سلسبيلا ، رحت ألهو بسمعي لأغنية الكترونية الذهن  ، كانت ترسم أطفال من بخار  من قدّ ناري لا تغسله الماء ولا يطعمها سوى الضوء  وكانت الشمس تغيب بين حلمات النجوم  تكاد ترى استسلامها على السرر
 فاجأ  حرارة جسده أن  الحلم لم يستطع أن يعصر السراب من ملحه ولم يقدر أن يسرق بريق شريانه السباتي من خبز الأرض ولا غماس الطمأنة
تنفس بعيدا عن قفار الظهيرة فوق أوعية السواكن من جدار بيته والأنقاض المرثية للبقاء ولم يعلم أن دخان الأرواح تتصاعد عند اللغة والنحو
لأستبدل ما شاء الطير من الريان  ونفحات من الحنين للوحدة الثورية
ولكن الكأس حافية السير

وأقرأ اذ يحلو لك عن فتات بيت بجيب الطفل من زاوية السؤال ونافذة بلا عيد أو وطن تجر الينابيع وجيوش الفضاء للأماني السلمية وغيمة تجدل شعرها بعيدا عن الرأس

الجمعة، 26 يونيو 2015

قصة قصيرة- غبار وكلمات: عادل كامل

قصة قصيرة



غبار وكلمات



عادل كامل


ـ هل تتذكر الديناصور الذي كان يختار أجمل طيورنا، وأجمل غزلاننا، وأغلى ما نمتلك من فتياتنا، وفتياننا،، ويلقي بهم إلى فم التنين، سيد السماء، والصحراء، والبحر، سيد الظلمات والأغوار السحيقة، للحفاظ على عرشه في هذه الحديقة، من الزوال...؟
سكت الجد برهة، ثم أضاف يخاطب حفيده الذي طلب منه أن يوصيه بوصيه يتخذها نبراسا ً له: 
ـ ثم اجتمع سكان حديقتنا، بعد أن بلغ الجور ذروته، في ظلام ليلة عاصفة، شديدة البرودة، وامسكوا بالديناصور، والقوا به إلى فم التنين...؟
  رد الحفيد:
ـ سمعت بالحكاية، وقرأتها، منقولة عن أسلافنا، وأجدادنا، وحكمائنا، ولكنني، يا جدي، كنت آمل أن توصيني، وترشدني...، كي اتخذ من وصاياك، هدى للمشي من غير عثرات...، فأنت تعلم كم الدرب موحش، ومقفر، حتى إنني أكاد لا أراه... إلا حفرة مسورة من يدخلها لا يخرج منها! وأنت ترى كم أصبحت حديقتنا لا تحتمل، زاخرة بالضوضاء، والصخب، والبغضاء...، حتى كأن مهمة مديرنا أصبحت معنية ببناء نظام يرسخ الكراهية بيننا، ويعزز أمجاد سلفه الديناصور سيء الصيت...!
تنهد الجد، مستكملا ً باقي القصة:
ـ ثم اجتمع سكان حديقتنا، ووضعوا خطة للقضاء على التنين....
صاح الحفيد:
ـ يا لها من شجاعة...، لكن هل حقا ً أوقعوا التنين في الكمين، وتم القضاء عليه...؟
ـ لا تتعجل....، كأنك بلا رقبة، وبلا بصيرة! فلم يكن التنين حقيقة...، بل كان وهما ً من الأوهام! كان ذريعة، لخداعنا، وتعزيز مجد من لا مجد له!
ـ ماذا تريد أن تقول....؟
ـ أردت أن أقول إن التنين، والديناصور، ونحن الأبرياء الضحايا، على مر القرون، والزمن...، لسنا إلا لعبة لا أول لها ولا خاتمة! فهي مثل الليل الذي يتعقب النهار، فلا هو امسك به، ولا النهار نجا من ليله! بل قل هو مثل الموت الذي قرر أن لا يدع أحدا ً ينجوا منه ليكتشف انه ـ مهما عمل ـ لا يكف عن رؤية من فلت منه...، بل وهو شبيه بمن صرخ: وجدتها، وجدتها...، ليكتشف انه فقدها، ليعاود البحث عنها، من غير كلل، أو إعياء!
قال الحفيد بصوت حزين:
ـ وهذه ـ هي ـ وصيتك لي، وهي خلاصة عملك، وفكرك، وحكمتك؟
ضحك البوم، وتكلم من غير حذر:
ـ لا تتحدث وكأنك أمسكت بالحلم! بل تحدث وكأننا مازالتا نعيش في عصر الديناصور والتنين!
فسأله حفيده بشرود:
ـ لكن زمن الديناصورات ولى، واندثر... ولم يترك حتى أثرا ً لخطاه؟
ـ اجل، ولى...، زمن الديناصورات ...، كي يأتي الزمن الآخر، البديل... ، ليستكمل ما يفعله الزمن القديم..!
صاح ببهجة وتعجب:
ـ انه زمن الأكثر ذكاء ً...؟
ـ تقصد....، الأكثر مكرا ً...، وجورا ً...، وتمويها ً...، منا جميعا ً...؟
ضحك الحفيد:
ـ تقصد انه الزمن الذي يقودنا إلى الحضيض!
ـ انه زمنهم، وهو زمننا ما دما أسراه، لأنهم هم سادته، فهم من يشرف على أقفاصنا، وحظائرنا، وحفرنا، وزرائبنا، ويتحكمون بمصائرنا.
ـ ولكن ماذا افهم بهذه الكلمات....، هل هذه هي وصيتك لي...، وكأنك تقول: إن فتحت فمك قطعوا رأسك، وإن أغلقته فسأموت كمدا ً، أو اهلك مكظوما ً ..؟
ـ لهذا تراني، يا حفيدي، اقبع في عشي...، لا اخرج منه، ولا ادع أحدا ً يدخله!
ـ وما ـ هو ـ مصيري أنا...؟
ـ أنت ـ هو ـ الاستثناء الغريب! بل أنت القوة الوحيدة التي لا تدعني ارحل، التي سمحت لي بالبقاء على قيد الحياة، فأنت لا تدع أحدا ً يدخل علي ّ، ولا تسمح لي بمغادرة هذا العش، من داخل هذا القفص!
ـ أنا ...؟ أنا الخائف، المذعور، المطارد، المشبوه، المنبوذ،  هو ... أصبح سر قوتك؟
ـ قبل أن تأتي إلى هذه الدنيا، في هذه الحديقة، بزمن بعيد...، أوصاني جدي وصية حفظتها بحذافيرها، فقد أوصاني  بحماية حياتي من الأعداء...، قال إن الجميع هم أعداء الجميع...، فان لم تجد الدفاع عن وجودك، غلبوك، وما أن تغلب، حتى تصير عبدا ً مثل باقي العبيد، تأكل وتنام وتموت، لتموت وتولد وتأكل وتنام وتموت، تأتي وتذهب كأنك لم تأت ولم ترحل، ترحل كأنك ستأتي لكنك ترحل وكأنك أتيت وأنت لم ترحل ولم تأت!
ـ وقال لك: لا تدع أحدا ً يغلبك، وأنت فعلت ذلك؟
ـ  كان الأعداء بعدد سكان الدنيا، بل وبعدد كواكبها ونجومها ومجراتها، فالكل اعداء قبل ولادتهم، والكل أعداء بعد فنائهم، فأنت قد ترى بعضهم فتتجنبهم، تتحايل عليهم، تستدرجهم للرضا عنك...،
ـ كان الأعداء بعدد الكواكب والنجوم والمجرات، وبعدد سكان الدنيا، من اسود وتماسيح وخنازير، إلى بعوض وذباب وبرغوث، فالكل عدو للكل، قبل ولادته، وبعد فنائه، فهو يحمل العداء لك، بالبديهة، حتى لو وضعته في موضع الصديق، لأن الأخير ما هو إلا العدو المضمون، بما يمتلكه من عداء بالفطرة، والغايات، فأنت قد ترى البعض منهم، فتتجنبهم، أو تساومهم، أو تتصالح معهم، أو ترضخ لهم، وقد لا ترى البعض الذي يتخذ منك مأوى، وذريعة، وأداة،  فهم يحاصروك من الجهات كلها، من الخارج ومن الداخل، حتى تدرك انك أصبحت عدو نفسك اللدود!  بعد أن تدرك انك عدو الجميع، من المجرات إلى الفيروسات والجراثيم، فعلى من تنتصر، والهزيمة هي تاج النصر! 
ـ آ ...، يا لها من لعبة، غير مرحة، وغير سارة! لأنك لا تقدر أن تفلت منها، حتى لو تجنبتها...؟
ـ أصغ: قال جدي لي، في وصيته: انظر إلى السماء فانك ستجد هناك من يحلق أعلى من الغيوم، وهناك من اتخذ منها سكننا، وهناك من يعيش أسفلها...، وقال لي: انظر إلى الأشجار فانك ستجد من يعيش في الأعالي، وفي الوسط،  وستجد هناك من يمضي حياته في الأسفل...، وقال لي: انظر إلى الأرض، فانك ستجد من يهرول، ويقفز، ويزحف، ويدب، وهناك من تصالح معها، والباقي يمضي عمره في الأنفاق، والحفر، وما تحتهما!
ـ آ ...، يا جدي، أوجز...، فالإيجاز ضرورة!
ـ أنت أيضا ً لا تريد الإصغاء، ولا تريد أن تعرف هذا الذي أنا بصدد معرفته.
ـ ما هو ..؟
ـ قلت الذي أريد معرفته، وليس الذي لا يمكن معرفته. لأن الأخير بحكم الوجود نفسه!
ـ أوجز، أرجوك، فانا أراك لا تريد أن تقول كلمة نافعة...؟
ـ آ ....، سألخص لك الخاتمة وكأنها فقدت بدايتها، بل وكلأنها من غير مقدمات: فلقد قال لي جدي لي: احم وجودك من ... نفسك، فالعدو الذي لا يمكن اجتثاثه يقبع في ظلمات النفس، وليس الخارج إلا حقيقة تؤكد استحالة القضاء على هذا العدو!
هز الحفيد رأسه بذهن شارد:
ـ إذا ً ففي كل منا ديناصورات، وتنانين، وضحايا أيضا ً؟
ـ اجل، اجل، اجل، لكن السؤال هو: مع من أنت، بل السؤال: ضد من أنت...؟
ـ حسنا، آن لي أن أسألك: مع من كنت...؟
ـ اخترت أن لا أكون مع احد! فمادامت نفسي تحمل جرثومة أسلافها، فقد تخليت عنها قبل أن أتخلى عن الأعداء.
ـ وعرفت حقيقة نفسك، أي: سعادتك، ورضاك، ومسرتك...؟
ـ الذي عرفته إنني كنت لا أريد أن اعرف شيئا ً...، لا القليل عن كل شيء، ولا كل شيء عن القليل...، فقد وضعوني في القفص، وقالوا لي: تمتع! فأنت طليق، وحر، وعش شفافا ً!
ـ آ ....، يا له من قفص  لا يتسع إلا لواحد منا...! فهل سأمضي حياتي فيه، بعد أن تتركني، يا جدي، للأعداء؟
ـ  إذا ً...، هل عرفت لماذا كنت لا أغادر عشي الصغير، في داخل هذا القفص، داخل أسوار هذه الحديقة؟
ـ لا...، لا لم اعرف!
ـ لأنك ورثت عنا جرثومة ديمومة هذا الذي لا يدوم، لأن الخلود هو انك مهما غبت فأنت لن تغادره! بالأحرى هو من لا  يدعك تغادره!
صاح الحفيد بصوت مضطرب:
ـ لماذا  اقتل نفسي إذا كنت ولدت كي أعيش...؟
ـ أخبرتك بما كنت أود كتمانه، وها أنت نبشت، فعثرت على الذي كنت أتستر عليهّ.
ـ جدي..، لم يعد هناك ديناصورا ً يلقي بالطيور، والغزلان، والفتيان، والفتيات، إلى التنين، فهو أصبح من الماضي، ونحن اليوم نتمتع بحماية هذه الأقفاص، وهذه الأسوار، من الأشرار ومن الأعداء...؟
ـ هذا هو السؤال الذي لم أجد إجابة عليه! فالأعداء هم الأعداء...، فوجودهم يسبقهم في الحضور ووجودهم لا يزول بزوالهم، فحتى لو لم يكن هناك أعداء فهذا يؤكد استحالة عدم وجودهم! فالكل أعداء للكل برضاهم أو بعدمه، بعلمهم أو رغما ً عنهم، لأن عدم وجودهم يتقاطع مع وجودنا! إن كانوا خارجك أو إن كانوا سكنوا أقاصي روحك! فأنت ولدت لتتذوق صنوف المرارات، بمختلف مصادرها، وأنواعها، وغرائبها...، ثم عليك أن تغلق فمك وتقول لنفسك: لا معنى للشكوى...، ولا معنى للغفران، ولا معنى لأي معنى من معاني الغوايات، والتمويه، والخداع....
ـ كأنك، يا جدي، توصيني بالتصالح مع الأشرار الأعداء الأنذال ...؟
لم يجب. فقال الحفيد بشعور المنتصر:
ـ أو تطلب مني إعلان التمرد، والعصيان، والحرب...؟
ـ آ    ....!
تأوه الجد بألم، وسأل حفيده بصوت مرتبك:
ـ ماذا تريد مني...، بعد أن تخليت عن الجميع، وبعد أن تخلى الجميع عني...؟
ـ لا أريد إلا أن أتعلم منك....
ـ أووووه....
صمت وامتد الصمت فترة غير قصيرة:
ـ يا حفيدي...، تعلم كيف لا تتعلم! وفكر كيف لا تفكر! وأخيرا ً: أحلم أن لا تدع أحدا ً يراك تحلم!
ـ كأنك بلغت درجة الكفر..، فانا أشم رائحة المعاصي في كلماتك...، بل واستنشق ما هو أقسى منها..
ـ ماذا تقول...؟
ـ انك تعلمني الرحمة؟
ضحك الجد:
ـ اجل...، الأقسى من الموت هو انتظاره، وهو انك لا تعرف متى يأتي..، والأقسى من ذلك هو الرحمة! فالأخيرة تسمح لك أن ترى ما يجري بوضوح أدق، بل وترى الذي لا يراه احد سواك!
تساءل الحفيد بخوف:
ـ الرحمة..؟
ـ هو أن تمحو ما تعلمته، ولا تعمل كي تتقدم في العمل، ففي كل ثانية يحدث ما لا تراه العين، وما لا يدركه العقل...، وما لا تدركه البصيرة، بعد ذهاب البصر!
ـ آ ...، فهمت.
ـ لم تفهم...، أنا ظننت إنني فهمت أن الديناصور كان يرتكب جرائمه من اجل الحفاظ على سلطته...، ولكنني سألت نفسي: ما الذي يحدث لو لم يرم الأبرياء إلى فم التنين...، هل ستزول سلطته، ولا تدوم، بعد أن ورثها عن أسلافه ...؟
ـ وماذا استنتجت...؟
ـ إن أحدا ً لم يفهم هذا الذي كانوا يعتقدون انه هو الحقيقة....
ـ كان عليهم التقدم...، وتخطي عثراتها..
ـ وهنا تحديدا ً يكمن لغز التصدع الأعظم...، فالقوة التي عملت على صناعة ثوابتها، كانت تعمل، في الوقت نفسه، على إفنائها.
ـ لهذا اخترت أن تتجنب الاختيار...؟
ـ بل اخترت الذي سمح لي بعدم رؤية ما كان يحدث، لا رؤية الديناصور، ولا رؤية التنين، ولا رؤية الضحايا!
ـ كأنك لم تعش، بالأحرى كأنك كنت تقول: هذا هو العدم تماما ً!
ـ هذا ما شغلني ...، وجعلني أدرك لا جدوى هذا الانشغال، هو إنني أعيش في حديقة نائية، معزولة يظن سكانها إنهم سادة السماء، والبحار، بعد الأرض...؟
ـ آ ...، أظن انك لم تكن مع التنين...، ولا مع الديناصور، ولا مع الأبرياء من الضحايا ...؟
ـ مع إنني انشغلت بمراقبة ما كان يحدث...، فانا لم أر الذي كنت أريد أن أراه...
ـ ها أنت توصيني برؤية هذا الذي لم تره...؟
   كف الجد عن النطق، فقال الحفيد:
ـ أنا لن أكون مع التنين، ولا مع المدير، ولا مع الغزلان، ولا مع الضفادع، ولا مع الطيور....، بل سأكون مع نفسي...
صاح الجد:
ـ لا احد يسمح لك أن تكون مع ..... نفسك..، فهل تستطيع أن تتصور وجودك بمعزل عن هذا الوجود في هذه الحديقة...؟
ـ كوجودك بعد أن اخترت عزلتك...؟
ـ أنا لم اختر عزلتي...، بل وجدت إنها اقل الأضرار ضررا ً...، واقل الإضرار، في الغالب، لا تلغي ما فيها من نفع!
ـ وأنا لن أحيد عن هذا الدرب...؟
ـ لن يدعوك....، فلن تقدر أن تقف سالما ً بين الطريدة والصياد، ولا بين الظلمات والنور، ولا بين التقدم والارتداد....، فأما أن تكون مفترسا ً وأما أن تتجنب الافتراس....؟
ضحك الحفيد، وقال للجد بمرح:
ـ سأدعك تهلك وحيدا ً منسيا ً....، في هذا العش، داخل هذا القفص، محاصرا ً بالأسوار، في هذه الحديقة...، أما أنا فسأصدر امرأ ً كل من لم ينفذه سيرسل إلى المحرقة!
ـ ماذا ستفعل..؟
ـ كل من يعترض علينا فهو ضدنا!
ـ ها أنت تعود إلى وصايا أسلافك: ما الحياة سوى حرب لا يكسبها احد!
ـ انك ـ يا جدي ـ تفقدني عقلي؟
ـ يا ولد...، وهل لديك عقل كي تفقده...، فانا أمضيت حياتي أتأمل المشهد: فلا القرد تحول إلى زرافة، ولا البلبل صار نسرا ً، ولا الضبع تخلى عن الجيف...
ـ ها أنت تناقض نفسك...؟
ـ اعرف...، لأنني لو لم افعل ذلك، فستظن إنني أمسكت باللغز...، وأنا ـ في الواقع ـ لم أجد لغزا ً أوهى من هذا الذي أراه: نولد في الليل بانتظار الفجر، ثم يأتي الفجر، كي نرى الظلمات ذهبت ابعد من حافاتها!
ـ هل نكف عن الانتظار...؟
ـ أنا لم اقل ذلك...، ولكن ليس لدي ّ ما أخبرك به، فالكل على صواب، مثلما الكل على باطل، الأقوى إن لم يفترس الأضعف، فسيهلك، والأضعف إن لم يهرب ويتستر ويتوارى فسيهلك أيضا ً. فهل لديك سوى أن تموه...، وتمكر، وتلعب...؟
ـ اسمع...، سأروي لك الحكاية التي ظننت إنني دفنتها، كي تعرف استحالة حسمها، أو تسويتها. فقبل سنوات بعيدة، وأنا بعمرك،  كدت اشترك في قتل الديناصور، ولم يدر بذهني إن من كان يدعوا إلى التمرد والقتل غايته إرساء مجد الديناصور، ونظامه...، لكن متى أفقت، صحوت، ودار المفتاح في القفل...؟ آ ...، بعد أن كان علي ّ أن امجد التنين!
ـ تمجد من كان يلتهم ضحايانا ...؟
هز الجد رأسه:
ـ لا تتعجب! فأكثر الأسرار سرية، هي التي تخلو من السر! ففي عهدنا كان الجميع يموت من اجل التنين...، أنا قلت: آن لنا أن نقلب الشعار....! ليهلك التنين كي نعيش من اجل الديناصور ولنصبح جميعا ً فداء ً للمجد الحديقة!
ـ بهذا الوضوح...؟
ـ لا...، قطعا ً، بل قلت لفخامة الديناصور: ما دام التنين هو القدر الذي لا يمكن للذاكرة أن تتخلى عنه، فليتم استحداث  القدر البديل...، قلب الذاكرة وتركها تدشن قدرها!
ـ جدي...؟
ـ نعم...
ـ فعلت ذلك...؟
ـ في تلك اللحظات التي تحول فيها الديناصور إلى قدر، لم يعد لوجودي ما يبرره...، فالبطولة التي حسبتها ستدوم، اختفت، والتسوية التي حسبتها عادلة، توارت، ومن غير تعويض!
ـ لم افهم...
ـ أنا لم أصبح مرشدا ً، ولا واعظا ً، ولا وضيعا ً...، فأنت تعرف إن سلوكا ً كهذا لا يخفي خاتمته...، لهذا قفزت...، خارج اللعبة، كي ادخل في مسار لا تعنيني نهايته إن جاءت مبكرة، أو امتدت ابعد من زمنها ...
ـ لكنك لم تصبح نجما ً...؟
هز البوم رأسه، وجرجر حفيده إلى العش:
ـ  الجميع ـ هنا ـ حكموا علينا بأننا نحن من صنع الظلمات، على خلاف أسلافك ـ في الحدائق الأخرى ـ جعلوا منا علامة للحكمة، والعقل، والشفاء! 
وأضاف بعد لحظة صمت:
ـ دعك من هذا ...، لأن الأمور كلها جرت على خلاف قدرها، ذلك لأن القدر الجديد أصبح غاية! وهو السماح بتحويل التراب إلى ذهب، والخراب إلى فردوس، والقتل إلى خلاص!
ـ لكنك لم تحصل إلا على الغبار، والكثير من اللامبالاة...؟
ـ كنت أريد رؤية المشهد كاملا ً...
ـ ورأيته ...، أم مازلت تراقبه عن بعد...؟
ـ لأن الأغبياء ـ قل الأقل مكرا ً ـ يصدقون بان المسرة ستأتي، حتى لو كان لها وجود غائب!
ضحك الحفيد:
ـ مع إن اسمك اقترن بأسماء الديناصور...، إلا انم مازلت تواظب على محو وجوده...؟
همس:
ـ اقترب...، فانا لا أريد أن اسمع صوتي أبدا ً، فانا لا امثل إلا دور البوم...، المجاور لكهوف الخفافيش،  فانا لا أعيش في المجاري، ولا أتغذى على الجيف...، ولكنني لا أريد أن  اصدق أن هذا الذي وقع، وقع حقا ً، رغم انه وقع، وصار من الماضي، بانتظار أن يصبح مستقبلا ً!
ـ أكاد اجن!
ـ هذا يعني انك لم تستأصل جرثومة التنين...، التي مازالت تعمل في رأسك...؟
ـ أي تنين...؟
ـ هذا الذي إن لم تقدم له النذور، والعطايا، والهبات...، ولقم فمه بالضحايا ...، فانه لن يدعك  تذهب إلى النوم إلا وأنت تتحسس رأسك هل غاب أم لا...؟
ـ قبل قليل قلت لي: تخّل عنه..؟
ـ والآن أقول لك: كي لا تدع القدر يسحقك، سر معه، كي تتركه يتهاوى عندما يبلغ ذروته. فأنت، يا صغيري، ولدت للحكمة!
ـ ها أنت تتقمص دور الحكماء...؟
ـ لا...، أنا آخر من يفعل ذلك...، ولكني للأسف انشغلت بسرد الأحداث التي وخزت ضمائرنا، بعد أن سحقتها، ذلك لأنك أنت من طلب مني أن ادع صمتي ينطق! فأخبرتك بما اعرف... مع إنني آخر من يصدق أن هناك معرفة كنا حصلنا عليها!
ضحك الحفيد:
ـ  لكنك تحايلت، وموهت، وراوغت، وقلت شيئا ً آخر!
فزع الجد:
ـ هل تنوي فضحي، والوشاية بما قلت...؟
متابعا ً أضاف بغضب:
ـ أم تنوي القضاء علي ّ...؟
ـ لا... لا انوي الوشاية بك، ولا انوي القضاء عليك...، فانا هو مستقبلك...!
ابتسم الجد:
ـ إذا لن تدعني انشغل بتذوق المرارات...؟
ـ أنا لم اقصد إيذاؤك ...، بل كنت اطلب العون منك.
ـ لكنك لن تقدر على إيذائي!
ـ جميل!
ـ لماذا ....، آه...، إذا ً علي ّ أن أعيد سرد الحكاية بإيجاز شديد: بعد أن استولى امكر الماكرين على الحديقة، بكامل مرافقها، وهيمن عليها..، وصار الجميع يعملون بإمرته...،حتى أدرك أن قواه بلغت ذروتها، وانه لا يمتلك إلا أن يدفع ثمن ذلك، حتى راح يرى وجوده يتشذب، يتقلص، فصار يستنجد بماضيه، فلم يجد إلا التنين عونا ً له، فاخترعه، حتى وجد انه أصبح أول ضحاياه!
ـ كأنك تتحدث عن مديرنا...؟
ـ لا، أنا لا أتحدث عن زعيمنا، ولا عن مديرنا، ولا عن قائدنا....، بل أنا أتحدث عن نفسي! فلقد كنت أظن ان الاشتغال بالحكمة يفضي إلى السلام، والمودة، والمسرات...، لكنني اكتشفت، كما ترى...، العكس، فماذا افعل، غير الاحتماء بهذا العش، داخل هذا القفص...؟
اقترب الحفيد من جده، وهمس بصوت ناعم:
ـ قل وصيتك واختف، فلن أربك عزلتك بعد هذا اليوم.
ـ لن أصدّع رأسك، بأي كلام، لأن الماضي لم يترك شيئا ً إلا وأخذه معه، وما سيأتي، فهو لكم، ليستكمل هذا المسار العنيد، بعدي، وبعدك.
ـ ها أنت أكملت وصيتك، كأنك ولدت بعد موتك! حتى كأنني أنا الذي رحل قبل ولادته!
ـ تنينا ً، أم ديناصورا ً، أم ضحية لا اسم لها بعد...؟
ـ ليس لدي ّ قدرة اختيار احدهم، ولكنني أبدو غير قادر إلا على اختيار هذا الذي اجهله.
ـ آ ....، أنا كنت أتصوّر إنني ولدت كي اخلص حديقتنا من الديناصور وان لا ننشغل بتقديم الضحايا، للتنين، فظهر لي إن الأخير هو الذي اخترع الديناصور، وانه هو وحده أدرك إن عرشه لن يدوم بالحكمة! فراح يعبد دربه بالضحايا، ويستنجد بتقديم النذور وبالقرابين، وعندما لم أجد أحدا ً معي، تساءلت: مع من أكون...، بعد أن وضعوني في هذا العش، داخل هذا القفص، محاطا ً بالحديد، ومحصنا ً بالأسوار....،  فلم أجد ما يشغلني لولا انك استنطقت صمتي، حتى أكاد اصدق انك ـ منذ الآن ـ لا تفكر إلا بما ستوصي به، ذات يوم، حفيدك، بما وقع علينا، من غبار، وأنت ترى إن الماضي لم يغادرنا، بعد أن بارك مستقبله بنا، وبك، لاستكمال كل ما لم يره البصر، ولكل ما  سيذهب ابعد من هذه المصائر.
24/6/2015


معماريون عراقيون في المنافي-د.احسان فتحي




معماريون عراقيون في المنافي



الأعزاء المعماريون العراقيون والأصدقاء في كل مكان
تحيات وسلامات
د.احسان فتحي
    من الطبيعي جدا أن يتحسر كل عراقي غيور على كل هذا الشتات المذهل من أهم الكفاءات الوطنية في كافة المجالات والمتواجدة في جميع أنحاء العالم. إن العراق، ومنذ فترة طويلة ترجع إلى السبعينات من القرن الماضي، تميز ببراعته في طرد كفاءاته وأصبح بسرعة احد أهم المصدرين للعقول الخبيرة والمبدعة دون ندم. بل على العكس من ذلك أحيانا، حيث تعالت أصوات غير قليلة تصنف العراقيين حسب فئتين: عراقيو الداخل وهم الوطنيون الصابرون، وعراقيو الخارج وهم الذين خذلوا وطنهم وتركوه يغرق في محنته!
طبعا، إن هذا التصنيف "العنصري" هو مجحف بحق الملايين من العراقيين الوطنيين الذين اضطرتهم الظروف القاسية، وأحيانا القاتلة، لترك بيوتهم الجميلة وأعزائهم وأصدقائهم سعيا وراء لقمة العيش، وأحيانا سعيا وراء قدر من التعامل الإنساني، أو البحث عن شيء منسي اسمه الكرامة. سمعنا قبل فترة قصيرة من وزارة الصحة العراقية بأن عدد الأطباء العراقيين الذين تركوا العراق منذ 2003 قد ناهز الـ 10000 طبيب! ولم تقدم الوزارات الأخرى إحصائيات مماثلة عن هجرة منتسبيها. ومن غير المستغرب بان عدد العراقيين الذين تركوا الوطن منذ 2003 قد يبلغ من 4-5 ملايين، هذا عدا الملايين المهجرة داخل وطنها الكريم!
    أنا هنا لست بصدد لوم جهة محددة لان الأمر معقد وشائك جدا. أنا هنا أود أن أركز لا على العدد بل النوعية. أنا اقصد الفئة المتميزة جدا في حقل اختصاصها التي اضطرت لترك الوطن وهو أمر لافت إلى ابعد الحدود. إن نظرة خاطفة إلى الكفاءات العراقية المبدعة في جميع الاختصاصات ستلاحظ فورا هذا الشتات المذهل كله خارج العراق وهي خسارة مدمرة : أفضل الأطباء والعلماء والمهندسين والمخططين والفنيين والشعراء والفنانين والأدباء والمسرحيين والموسيقيين والأساتذة الأكاديميين في جميع التخصصات وغيرها.
     ولتوضيح أكثر لما أقول فأنني وجهت اهتمامي في هذا "البوست" على ابرز الكفاءات الهندسية المعمارية العراقية العاملة فقط في الإمارات العربية المتحدة. إن التجربة المعمارية العراقية في الإمارات ترجع إلى بداية الستينيات من القرن الماضي حيث كان البادئ هو المعماري المتميز مدحت مظلوم ثم تلاه رفعة الجادرجي ومحمد مكية وآخرون. أما الآن فان هناك حقا نخبة مميزة جدا من ابرز المعماريين العراقيين من ذوي المكاتب الهندسية الكبيرة استطاعت أن تنافس أقوى المكاتب العالمية وتتغلب عليها في العديد من الأحيان، أو أن تتعاون مع ابرز المكاتب المعمارية العالمية بشكل فاعل ومؤثر. هناك المعماريون المبدعون بكل معنى الكلمة مثل: عباد الراضي، محمد الاعسم، هيثم عجينة، مثنى البياتي، مهند الاعسم، شيركو الباشا، عمانوئيل حنا، أياد النعوم، جنان خمو، أسوان الزبيدي، منهل الحبوبي، محسن آل ياسين، ومئات غيرهم من المعماريين الشباب الذين يعملون معهم ولا يتسع المجال مع الأسف لذكرهم هنا. إن هذه "الكتلة" المذهلة من الطاقة والخبرة التعميرية تسهم بشكل فاعل في النهضة العمرانية الخليجية بينما هي تكاد أن تكون مهملة في وطنها، ما عدا استثناءات قليلة.

تحياتنا الحارة وتمنيتنا الطيبة لهم.

نعم، إنهم معماريو العراق في الخارج!

*معماري عراقي من "الخارج"
ليس بعيدا....في الاردن!


إدانة جريمة الاعتداء على اتحاد الأدباء والكتاب- د. تيسير عبد الجبار الآلوسي

إدانة جريمة الاعتداء على اتحاد الأدباء والكتاب—


د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
في مشهد بات مكررا عادت قوى ميليشياوية مسلحة لتمارس عادتها التي تعكس طابع وجودها الوحشي ألظلامي حيث التجاوزات والاعتداءات.. واختارت هذه المرة مقر اتحاد الأدباء والكتاب. وبعد أن جردت حرس وزارة الداخلية من أسلحته داهمت المقر خارقة القوانين معتدية على قيم الأمن والسلام المجتمعي مرتكبة جريمة اعتداء همجية بشعة.
إننا إذ ندين هذا العمل الإجرامي الدنئ نطالب وزارة الداخلية بتسليم الجناة للقضاء العراقي لتقرير العقاب الحازم مثلما ندعو السلطات لحسم موضوع القوى المسلحة الخارجة على النظام تلك التي تمارس مختلف الجرائم بلا أي وازع من ضمير أو احترام لقانون.. ولعل مطلبنا هذا يستند بجوهره إلى واجبات تفعيل أدوار السلطات الرسمية للدولة ووقف تهاونها مع الجهات الخارجة على القانون وسلطة الدولة ومؤسساتها المدنية الرسمية…
إن الاعتداء على اتحاد الكتاب هو اعتداء على نخبة المجتمع وعقله الجمعي ودفع باتجاه إشاعة الظلام الذي يريدون به ستر فسادهم بل إجرامهم الأبشع.
فلتدوي صرخة الاحتجاج وصوت الحزم والحسم عاليا… كفى جرائم تهدبد وابتزاز ومحاولة استعباد للوطن والناس بالبلطجة المنفلتة من كل ضبط ونظام. ولتعلو أصوات الكتاب والمبدعين حرة مدوية كي لا تتكرر تلك الجرائم المستهترة بكل القيم..
وبئس جرائم قوى الظلام…
تيسير عبدالجبار الآلوسي
المرصد السومري لحقوق الإنسان
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

الأربعاء، 24 يونيو 2015

الجينالوجيا وثقافة الأستبداد-د. غالب المسعودي

الجينالوجيا وثقافة الأستبداد
(اللوحة الجميلة لا تمنع الوحش من إفتراس ضحيته)
د. غالب المسعودي
 ببساطة الجينولوجيا هو علم دراسة الجين, والجين هو الوحدة المجهرية البرمجية للخلية , هي التي تهيكل وتنظم وتمنهج الفعاليات الأساسية للخلية ,وبالتالي هي التي تمنح الصفات الرئيسية للموجود ,ويشترك الانسان والحيوان في القولبة والبناء والفعالية والوظائف على مستوى الجين, ويؤثر الزمكان في صبغة ألتمظهر للخلية , عندما تكون الذات في وضع مقلق تراوح بين عدة إنزياحات, عندها تتخثر الفلسفة, وتتحول أركيولوجيا فوكو الى بيع وشراء سيارات مستعملة, تتفوق وظائف الطبيعة على وظائف الفلسفة , ينهار تاريخ الافكار,

من أهم محركات الفعل هو العقل, الإرادة, والخيال, كان نيتشة و قد حفر بمطرقة الجينالوجيا صخرة المعرفة, ليكشف أن الذات وإن تمحورت تحت زيف السطح العلوي, فإن  الأستبداد قد لايختفى مثل الأجنة القديمة داخل عقلنة ألواقع,ألتي تبحث عن ذاتها في وثائق الجنس السري والشاذ. وراء الجسد اللحمي المعرى في كل منا, هناك بقايا رصاصات العقل القديمة, تثقب جسد الخطاب ألحالي كشرارة تهدم كل مفاهيم البنيوية وتشكلها وفق خريطة ظواهرية تحتضن اللاوعي وتشرب من ماءه, إن انتكاسات اللاوعي لا تدفعه الى النسيان , قد يتفجر الى شظايا تنطلق الى المجهول بمبرر ذاتي أو موضوعي,نحن في قمة الغرور إن  كنا نعلم ما يدور في الكون قاطبة , هذا تقدير متهافت ممن يحيطون بنا, الاستبداد جينولوجيا أنانية متأصلة  في وجدان البشر ,حتى وإن كانوا خداما او طباخين في مطعم ألعولمة, فعالية التباهي, كانت نكوصا معرفيا ,وهي ليست مبتغى الفلاسفة ,لأنها فخر, والفخر عندهم فيما يكتبون لا في تصوراتهم, ولا في فعالية لمن نكتب, هذه نزعة ذاتية ,لأنها تتجاوز المنجز المعرفي, وبالتالي سيكون إمتيازها الصدى, وتوصم بالإبهام, أغلب الانتاج الثقافي العربي ينزع الى مجاورة الماضي في حركة إرتدادية كأنه يستكشف بداية  الكون دون  أسلحة معرفية, يتكيء على ضلع أعوج إنحدر من إسطورة ألخلق الى الحضيض, فيما ينعكس الراهن الحاضر في الفلسفة الغربية, حيث يقارب الفلاسفة رهاناتهم ويحايثونها, لا زلنا عالة عليهم من حيث إنتاج المعرفة  والتطبيق , تشخيص الراهن هو نزعة بنيوية , الراهن هو فعل تجريب ونشاط على مستوى الذات والموضوع ,وهو إحدى مقاربات الحداثة أو ما بعدها , هو تجاوز التابو وقدرة الذات على مواكبة المصداقية , إن كانت الحياة لغزا فهذا يعني إن الفرضية التي تقول أن الطباع المتوارثة جينيا يتعذر تعديلها, كانت خاطئة, فلسنا مجبرين على الامتثال لها طول الوقت ,لذا علينا الابتكار والتعديل, وهذا  لا يؤدي بالضرورة الى التغيير, إذ أن هناك صفات مشتركة كالغيرية والاستحواذ, إن أردنا إفساد مخططاتها علينا أن نخرج بعبرة في هذا الوجود المبهم ,لكن يلازمنا الشعور بالذنب والبحث في المتاهة, والجينالوجيا تقربنا أحيانا من حدود من حدود اللذة ,وعقلنة الحشمة تحلينا الى الروايات الاولى, هي اما تدنيس أو تقديس وللتلاعب حاجاته, إذ يتحول التابو الى خراب والعلاقات الشاذة الى تسلط وتفرد والنشوة الى تبعيات, هي أكثر شبها بنظام تعدد الزوجات ففي مثل هذه الانظمة الفقير غير قادر على الاستفادة والثري قادر على ألتبرير وادارة منظومة الطلاق ,وبالتالي تنمو الاوامر المقدسة ويعاد انتاج جميع الانظمة الاجتماعية المبنية على التسلط والاستبداد جينيا , كأنها اوامر دينية في إطار من البهرجة الثورية, على أيدي مبتكري الدين الأول ,مستغلين المفعول التعويضي للكبت.

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

رَبابيل-د.غالب المسعودي

رَبابيل
د.غالب المسعودي
قرأت
ماقبل التاريخ
تأريخ اللاهوت
وتأريخ الأديان
من تأتأة الطرد الأولى
الى أنسيات .........!
رأيت الناس عراة
تعرفت على كل الخصيان
خصيان التأريخ
خصيان المجد
وخصيان العرف
في بيت السلطان
كلهم كفروا بوصايا خالقهم
يعرسون كالهجن
تتبعهم
كل الغربان
اليس الله من قال....
إنا خلقنا آدم عمياً وعلمناه البيان)...........!)
فبأي آلاء ربكما تكذبان)......؟)
قال الكذب حرام
القتل حرام
قال للأنسان.....
الجنة هي حلك وترحالك
هي حلمك وإقبالك
إسرح في غابات الدمسق والحرير
لؤلؤ وسرير
........ نافورات سدير
إنتق حورية ليس لها ذيل العقرب
ولا تمشي كالضربان
لانت عافية أحزمتي
قال لي الآن.............
أنا وأنت سيان
أمتشعُ الضرع
ذئب مشوعٌ
أمصُ الريق
رجلٌ مصّان
أرقني ضرب الزمان
في أرض غريبة
لا أخٌ للمقتر
وأخو القنا يتقارضان
وما بالأرض لياقٌ
والليل أليلُ
أقبُ طريداً بنزه الفلاة
وخصمي بالجحر

يتطارحان

السبت، 20 يونيو 2015

الفيلم المصري "ميكروفون":-إيريت نايدهاردت

الفيلم المصري "ميكروفون":
"ميكروفون"....... صوت الشباب ومرآة الواقع



إيريت نايدهاردت
ترجمة: عماد مبارك غانم


حصد الفيلم المصري "ميكروفون" الذي يركز على الشباب وهمومهم وإهمال الجانب الرسمي لهم عددا كبيرا من الجوائز السينمائية. كما نجح الفيلم في نقل صورة مجتمع ينبض بالحياة عبر الشاشة، مشكلا علامة فارقة في السينما المصرية، كما يرى عدد من النقاد. إيريت نايدهاردت تستعرض قصة هذا الفيلم وخلفيات الإشكاليات التي يتناولها.


Bild vergrössern"أردت أن أنتج فيلماً درامياً، يقوم على رحلة عبر الأزقة والشوارع الكبيرة وأسطح بنايات المدينة" في الأرض الرخوة تمتد الجذور القوية، ويخرج منها ميكروفون فوق العشب الأخضر. وتحت السماء الزرقاء ينتصب هذا الميكروفون ويدعو للحديث من خلاله. ولا يحتاج المرء سوى أن ينحني قليلاً، لكن السماء لا تظهر حتى الآن بعداً، فالأرضية تأخذ أغلب المكان في الصورة. بهذا يمكن وصف الملصق الذي أعده أحمد عبد الله لفيلمه الجديد "ميكروفون"، الذي عُرض في مصر عام 2010.

ولاقى جمهور مهرجان القاهرة الدولي للسينما، الذي جرى في كانون الأول/ ديسمبر 2010 العرض الأول لهذا الفيلم باهتمام كبير، بعد أن كان عُرض الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية، ونال الكثير من الإعجاب فيها. ونال الفيلم الجائزة الرئيسية في مهرجان تونس، وفي القاهرة نال جائزة أفضل فيلم عربي، ولم يستطع الحصول على تكريم أكبر في ضوء الضوابط الدولية للمهرجان.

ديناميكية جديدة

وينتمي الفيلم إلى مجموعة من النتاجات المصرية الجديدة، التي قدمت مصر من جديد بصورة أقوى على أنها بلد إنتاج سينمائي، والتي توثق ميدانياً ديناميكية جديدة في الوقت ذاته. يروي فيلم "ميكروفون" قصة خالد (خالد أبو النجا)، الذي يعود إلى موطنه في الإسكندرية بعد بعض السنوات التي قضاها مغترباً في الخارج. وبعد وقت قصير يلاحظ أنه لا يستطيع استئناف حياته السابقة في هذه المدينة بسهولة.

صديقته السابقة هدير (أدت دورها منة شلبي)، التي طالما رغب في أن يكسبها من جديد، على وشك أن تترك البلد، كما أن علاقته بأبيه (قام بدوره محمود اللوزي) باتت في وضع لا يمكن إصلاحه. وهكذا يهيم خالد على وجهه في شوارع المدينة ويكتشف تدريجياً ثقافة فرعية غير مستقرة، فيقرر مساعدة الفانيين والفنانات الشباب من خلال علاقاته القديمة وإمكانياته المحدودة، وبإتاحة الفرص للظهور وتوفير غرف للتدريب. وفي هذه الأثناء يتعرف على سلمى (تقوم بدورها يسرى اللوزي) ومجدي (يؤدي الدور أحمد مجدي)، وهما طالبان يقومان بتصوير مشروع تخرجهما، وهو فيلم عن الحياة السرية في الإسكندرية. ويظهر المخرج المصري يسري نصر الله نفسه (الذي أخرج فيلم المدينة) بدور استاذ يدرس مادة أخلاقيات الفيلم الوثائقي.

من زاوية فنية

Bild vergrössernيركز الفيلم على هموم الشباب والصراع بين فكرة البقاء في الوطن أو الرحيل عنه. كان ينبغي أن يكون فيلم "ميكروفون" نفسه فيلماً وثائقياً في الأصل: فخلال إحدى الإجازات الصيفية في الإسكندرية انتبه أحمد عبد الله إلى الكثير من الكتابات المنتشرة على جدران الأماكن العامة، وبالأخص رسومات وكتابات فنانة شابة تبلغ من العمر 18 عاماً، يلتقيها في النهاية عن طريق بعض الأصدقاء. وتقوه هذه الفنانة الشابة بتعريفه مجدداً ببعض الفرق وعلى متزلجي الشوارع على الألواح البلاستيكية وعلى الكثير من الناشطين الذين ينتمون جميعاً إلى الكواليس البديلة لمدينة الإسكندرية.

انفتح أمام المخرج عبد الله فضاء، كان مجهولاً بالنسبة إليه حتى ذلك الوقت، فأراد توثيقه. وناقش الفكرة مع الممثلين الذين يمكن أن يقوموا بدور في هذا الفيلم، وقرر في نهاية المطاف أن يقوم إضفاء لمسة من الخيال على مادة الفيلم. وعن هذا يقول المخرج المصري: "أردت أن أنتج فيلماً درامياً، يقوم على رحلة عبر الأزقة والشوارع الكبيرة وأسطح بنايات المدينة، والذي تقوم فيه الشخصية الرئيسية خالد باصطحاب المشاهدين عبر مختلف المحطات، التي تتكون من أشخاص وثقافات فرعية ونتاج فني خلاق. وكل هذه العناصر موجودة في المدينة، لكنها عادة ما تكون مخفية بالنسبة إلينا. وتقوم هذه الرحلة على قصص حقيقية لهؤلاء الفنانين، وهذه القصص تُروى من وجهة نظرهم".

ثقافات الإسكندرية الفرعية

Bild vergrössernالفيلم يعبر عن طموحات طبقة متوسطة جديدة غير متوافقة مع سياسة الدولة ولا كذلك مع الرؤية الدينية المتصاعدة. وكل شخصيات هذه الثقافة الفرعية تقوم بنفسها بأداء دورها في الفيلم، كما أنها عمقت من أدوارها بالتعاون مع مخرج الفيلم أحمد عبد الله. وحتى إن كان الخيار قد وقع على تقديم مجموعة صغيرة نسبياً من شخصيات هذه الكواليس، من بينها فرقة الهيب هوب Y-Crew وفرقة الهيفي ميتل النسائية Mascara، وثنائي الغرافيتي آية ورجب والمتزلج ياسين،فإن تقديم "الكواليس الخفية" يطيل من الثلث الأخير من الفيلم بشكل متزايد.

لكن على الرغم من ذلك فإن فيلم "ميكروفون" يكشف النقاب على نوع من السحر: فخالد أبو النجا، الذي يؤدي دور الشخصية المتخيلة خالد، يعتبر في مصر نجماً من نجوم الأفلام البوليسية المهيمنة على دور العرض. إن خالد ويسرى اللوزي ومنة شلبي يجسدون جميعاً أحلاماً. الحلم، الذي يقود فيه خالد الجمهور في فيلم "ميكروفون"، يمثل واقعاً: حفلة موسيقية في الشارع أُقيمت خصيصاً للفيلم، أستوديو تسجيل متنقل في سيارة فولكسفاغن "خنفساء" مركونة عند الشاطئ، شباب يتزلجون على ألواحهم عبر الشوارع والساحات العامة أو على الجدران الأسمنتية بشجاعة ومرح، كل هذه تقدم العون نحو مزيد من الحياة.

عن هذا يقول عبد الله: "قررت أن أقدم فيلماً مستقلاً بميزانية منخفضة وبطاقم لا يتعدى الثمانية أشخاص. اخترت كاميرا، لم تُستخدم في تصوير مثل هذا النوع من الأفلام من قبل مطلقاً، كاميرا تصوير فوتوغرافي يمكنها أن تصوير مقاطع فيديو، ما منحنا مزية التصوير في الشارع من دون أن يلحظ أحد ذلك، وبذلك تمكنا من تصوير الحياة اليومية في المدينة في تلك الأماكن التي لا يتاح لنا ذلك فيها إن كنا مجهزين بتجهيزات كبيرة".

"ميكروفون للجميع!"

وليست طريقة العمل هذه وحدها، والتي لم تكن لأزمة من الناحية المادية، كما قال المخرج في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، بل وكذلك طاقم الفيلم كانا ذا طبيعة احتجاجية: فالكثير من صانعي الأفلام سئموا النزعة التجارية والتهرب من الواقع، وأخذوا يحثون على تناول الواقع في مصر وعلى كسر حالة الجمود والإحباط المنتشر منذ سنوات طويلة في الطبقة الوسطى الآخذة بالتلاشي. وبشكل متزايد بدأت تُصنع أفلام، لم تعد مبيعات شبكات التذاكر تسد نفقات إنتاجها، والتي لا يوجد لها دعم حكومي، على النقيض من أوروبا.

كما أن العديد من صانعي الأفلام الذين ليس لهم شهرة كبيرة أخذوا ينتجون أفلاماً مستقلة. المصور الحربي السابق إبراهيم البطوط نجح بعد صراعات محتدمة في تقديم عمل فني، في إيجاد سينما تعرض فيلمه الشمس عام 2008 وأن يثبت في مدينة جل دور العرض فيها تعرض أفلاماً تجارية فحسب، أن يوجد جمهور أيضاً يحب مشاهدة أفلاماً تجريبية. في حديث إلى جمهور فيلم "ميكروفون" أشار المنتج محمد حفظي إلى هؤلاء الزملاء و"عملهم المهم"، ما يظهر اهتماماً جاداً بإجراء نقاش حول هامش من الطرق الحركية الجديدة. وحتى الشعار "ميكروفون للجميع!" الذي أطلقه فريق العمل في الفيلم كان معقولاً بشكل يبعث على الارتياح والذي قوبل بتصفيق الجمهور الحار، وبشكل خاص بعد تزوير الانتخابات البرلمانية الماضية في مصر بشكل كبير.