حكايات ولدي الشاطر
عادل كامل
[ بعد عشرين سنة ]
بعد انتصاف الليل، وأنا استعد للنوم، رأيت ولدي يقف أمام النافذة، يتأمل النجوم في السماء .. سألته :
ـ ماذا تفعل .. وماذا اكتشفت ؟
أجاب، وهو مازال يحدق في الفضاء:
ـ أتذكر انك حدثتني، ذات يوم، عن جسيمات الضوء.. وكيف.. كلما اتسعت المسافات، بينها، تبقى الجسيمات تبحث عن ظلام تبدده .. حتى لم اعد أر ظلاما ً في هذه المساحات الشاسعة ..
ـ وآلان ..؟
ـ ها أنا بدأت أرى حبيبات الزمن..أمامي..
تساءلت مندهشاً :
ـ ماذا ؟
أجاب بصوت خفيض:
ـ الزمن، كالضوء، كلاهما يخفي أسراره ولا يعلن عنها. إنهما ،معا ً، إن مرا ولم نمسك بهما، كأننا كنا بلا وجود !
كأنني كنت لا امتلك إجابة، ولا أسئلة.. وأنا أعيد تحليل عبارته.. ولكنه قال لي بهدوء:
ـ مازلت اكرر كلمتك القديمة: ليس السر هو الذي نجهل ما فيه.. وإنما ـ هو ـ الذي يبقى يجذبنا إليه ..!!
آنذاك كنت اكرر في نفسي: لا اعرف من يدوّن كلمات الآخر. لكنه قال، وكأنه سمعني:
ـ كلانا، يا والدي العزيز، نصنع الكلام، لكي يتكامل حضورنا.. فالكلام، مثل الضوء والزمن: حلاقات تتجانس فيها الإقامة : انه عمرنا الجميل!
1980ــ 2005
[51]
أحلام
كنا نتجول في الغابة، المجاورة لقريتنا، وكان ولدي يغني بصوت خفيض، عندما سألته :
ــ لم أسمعك تغني قبل هذا اليوم ؟
فقال مبتسما ً:
ــ تعلمت ذلك من الأشجار وليس من البلابل !
قلت بتعجب :
ــ ماذا تقول ؟
ــ لقد تعلمت الغناء من الإصغاء إلى أحلام الأشجار النائمة!
[52]
حوار
وأنا أحدثه عن كوكب بعيد تم اكتشافه مؤخرا ً، سألني :
ــ هل توجد في هذا الكوكب الجديد ، كما في الأرض، غابات، وبحارا، وبشرا ؟
ــ لا أحد يعرف .
فسألني :
ــ لماذا لا نذهب إليه ونعرف الحقيقة ؟
قلت :
ــ هو الذي سيأتي إلينا..!
فقال :
ــ لا اعتقد أن هذا هو السبب.. بل لأنك قلت لي : ألا تكفينا غابات وبحار الأرض..!
[53]
مشاركة
قبل أن يذهب إلى النوم، رآني ارسم مجموعة من الطيور .. فطلب مني أن لا أطفأ المصباح، فقلت له ــ لماذا؟
قال :
ــ كي تراني الطيور وتشاركني أحلامي ..!
[54]
هل يتكلم الماء؟
ــ هل يتكلم الماء ؟
سألني ولدي وهو يداعب أمواج النهر.. فقلت :
ــ لا .
فقال :
ــ بل يتكلم عندما يجد من يصغي إليه ..!
إشارة
في العام 2005، وأنا أراجع بعض النصوص التي كتبتها، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، إلى ( الأطفال) وجدت هذا النص المنشور في عدد من المجلات، ومنها مجلتي والمزمار الصادرة عن دار ثقافة الأطفال ببغداد، النص الذي كتب في سياق رصد العلاقة بين عالم ( الكبار) والعالم الذي مازال يتشكل بدوافع الحلم ومساحات الخيال المتحركة .. وجدت ، باستثناء الحكاية الأخيرة، التي كتبت بعد تحول ( الولد الشاطر) إلى عالم الكبارــ أي بعد عشرين سنة ــ إن أسئلة البراءة لا تمتلك ديناميتها وصدقها، أو دهشتها فحسب، وإنما جمالياتها في الارتقاء بوظائف الموجودات في وجودنا .. فهل استطعت، بصفتي أشتغل في حقل الفنون الجميلة، والكتابة الأدبية والنقدية، أن أعالج تلك الفجوة بين أسئلة ( البراءة) وما بعدها.. الفجوة التي انجذبت إليها، لا لاستعادتها، أو تأملها فقط ، وإنما لإقامة فيها : فكم ( نحن ــ أنا ) بحاجة إلى البراءة كي تبقى أحلامنا تمتلك طراوتها، ونبضها الذي لا يتعرض للإرباك أو التوقف. !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق