بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 فبراير 2015

في عيد ميلاده الخامس والسبعين جينكيز أيتماتوف كاتب أجمل قصة حب في العالم-بقلم أولي روتفوس الترجمة عن الألمانية علي مصباح


في عيد ميلاده الخامس والسبعين

جينكيز أيتماتوف كاتب أجمل قصة حب في العالم
بقلم أولي روتفوس
الترجمة عن الألمانية علي مصباح



جينكيز أيتماتوف هكذا وصفه لويس أراغون الذي ترجم رواية "جميلة" إلى الفرنسية. كتب أيتماتوف باللغتين الروسيّة والقرْغيزيّة وهو من أكبر ممثلي الأدب المعاصر لآسيا الوسطى. أولي روتفوس يعرّف بالكاتب والإنسان.

الآن وبعد أربعين سنة من ذلك النّجاح الباهر الذي عرفته جميلة يتواجد في سوق الكتاب ما يزيد عن الأربعين عنوانًا من أعماله المترجمة إلى اللغة الألمانيّة، وخمسة عناوين بالعربيّة، كما أنّ جنكيز أيتماتوف الذي شغل لسنوات عديدة منصب سفير للجمهوريّة القرغيزيّة ببروكسل عاصمة مجموعة دول البينيلوكس قد لقي أصداء غير معهودة بالنسبة لكاتب من عصرنا الحالي خلال قراءاته العموميّة التي كانت دومًا مناسبة يحيا المستمعون فيها علاقة فريدة من نوعها بين الأدب والتاريخ المعاش.

في كتابه المعروف "القارئ لأوّل" الذي ظهر إلى الوجود في بداية الستّينات والذي يستمدّ أهمّيته بدرجة أولى من كونه يعكس الكيفيّة الدّقيقة البارعة التي يجسّد بها كاتب سوفياتي بوسائل أدبيّة إعراضَه عن النظام الستاليني ويسجّل شهادته بضرورة إجرء إصلاحات سياسيّة، في هذا الكتاب كما في "توديع غولساري" و "طريق الحصَّاد" أو "يوم أطول من حياة بأكملها" وحتّى كتابه الأخير "طفولة في قرغيزيا" يجد القارئ نفسه أمام كفاءة قِيَميّة-أخلاقيّة تتجاوز مجرّد شهادة شخصيّة فرديّة لتعرض عليه توجيهًا ومسلكًا في بحثه الخاصّ عن قِيم.

وعلى الدّوام تظلّ كتب جنكيز أيتماتوف قابلة للقراءة كأمثلة نموذجيّة لإجابات عن الأسئلة الحياتيّة الخاصّة التي يطرحها القارئ على نفسه والقرارات التي يسعى إلى اتّخاذها، وذلك بصرف النظر كلّيًّا عن المحيط والأجواء التي تدور فيها أحداث هذه الرّوايات أو تلك التي تٌقرأ في إطارها.

مسرح الأحداث

تدور أحداث روايات جنكيز أيتماتوف بكلّيتها تقريبًا داخل قرغيزيا موطن طفولته وسنيّي شبابه. هناك عاش تلك الأشياء التي سيتّخذ منها رموزًا لمجمل العالم في ما بعد. وستغدو تلك الرموز مدرَكةً من قبل قرّاءٍ من محيطات ثقافيّة موزّعة على كامل الكرة الأرضيّة؛ وأعمال أيتماتوف منتشرة في وقتنا الحاضر عبر ما يزيد عن التسعين لغة في العالم.

ولد جنكيز أيتماتوف في شهر ديسمبر من سنة 1928 في زمن تمّت فيه للتوّ المجْمعة القسريّة لنمط حياة التّرحال وتحويل الرحّل إلى مستقرّين من طرف سلطة الحكم السوفياتيّ. وعاش أيتماتوف تجربة النمط التقليديّ لحياة القرغيزيّين القائمة على التّرحال، كما سمع الكثير من الحكايات عن تلك الحياة من بعد.

كانت جدّته، حسب ما يرويه، واحدة من أهمّ معلّميه في مجال المعرفة بتاريخ شعبه وكذلك في فنّ الحكْي. أمّا أبوه الذي كان شيوعيًّا وثيق القناعة، فبعد ارتقاء بالغ السرعة في سلّم النظام الشيوعي سرعان ما وقع ضحيّة لسياسة الرّعب الستاليني ثمّ أُعدم وهو في منتصف الثلاثينات من العمر. على إثرها عاد جنكيز أيتماتوف مع أمّه من موسكو إلى قرغيزيا حاملاّ وصمة ابن أحد ضحايا القمع.

وبالرغم من ذلك استطاعت عائلته، وهو بدوره أيضًا، انتزاع القسط الأساسيّ لتكوينه التعليميّ. وفي خضمّ الحرب العالميّة الثانية سنة 1942، ولكونه الوحيد الذي كان يجيد القراءة والكتابة بينما الكهول جميعهم يؤدّون الخدمة العسكريّة في الجبهة، أوكلت له خطّة سكرتير الحزب في قريته، وكان من بين مهمّاته آنذاك نقل أخبار الموت إلى المترمّلات وعائلات الذين وقعوا في المعارك.

وفي سنّ الرابعة عشرة كان أيتماتوف قد عاش الكثير ممّا تجرّه الحياة معها من مصاعب وقساوات. من بعدها اشتغل كجابي ضرائب وحصلت له أثناءها علاوة على التعرّف على المدى الشاسع لموطنه، معرفة بأحوال المزارعين القرغيزيّين وظروف معيشتهم. ثمّ درس علم تربية المواشي وأنهى دراسته بشهادة "فنّي
وكان في تلك الأثناء يشتغل بالكتابة أيضًا ونشر نصوصه في المجلاّت. ثمّ تمّ قبوله طالبًا في معهد غوركي ذي الشهرة والمكانة المرموقة، و بكتابة "جميلة" تسنّى له أن يغدو كاتب رواية ذاعت شهرتها في العالم كلّه. وقد نجح في الربط بين مواضيع محليّة لها صلة بآسيا الوسطى والتقاليد الأدبيّة الرّوسيّة، وغدا بذلك كاتبًا شهيرًا.

رمز الأمل المستقبلي

تطوّر جنكيز أيتماتوف من "لينيني متفائل من الرّعين الأخير"، كما يورد ذلك كاتب سيرته بوريس شليبنيكوف، مرورًا بالشيوعيّ الإصلاحيّ ومستشار لغورباتشوف إلى منزلة المحافظ القِيَميّ. وكاتب كان يُنظر إليه في الاتّحاد السوفياتي بكلّيته كرمز للأمل المستقبليّ –فَرجة مضيئة داخل عتمة سنوات عصر بريجنيف – وكواحد من القلائل الذين يفسحون للعقل مجالا لتخطّي الأسيجة والحدود.

كانت لأيتماتوف مقدرة على التحرّك ببراعة داخل الحيّز الضيّق الذي كانت تسمح به الرقابة السوفياتيّة المضروبة على الأدب. و بالنسبة لقرّائه من القوميّات المتعدّدة التي يتكوّن منها الاتّحاد السّوفياتي كان يمثّل ككاتب رمزًا للمبادئ الإنسانيّة والعفّة السياسيّة. أمّا في الخارج فقد ظلّ أيتماتوف يزداد مع كلّ كتاب جديد شهرة، وكانت كتبه كلّها تُتقبّل في أوروبا، وبقطع النظر عن الفوارق الثقافيّة، بنفس القدر من الإعجاب الذي تحظى به في آسيا الوسطى.

لم يكن أيتماتوف ليخشى المواجهات مع كبار العقول من عصره: تشهد بذلك كتبه التي نشأت عن محادثاته مع فلاسفة وزعماء روحانيّين ودينيّين من أمثال الفيلسوف الياباني والمصلح البوذيّ دايزاكو إيديكا، أو ممثّل الديانة البهائيّة فيض لله نامادار. تمثّل تلك الكتب شهادات على جرأة أيتماتوف على الدخول في مواجهات عميقة مع أصوله المتّصلة بالتقاليد الإسلاميّة، ومع الفراغ الديني للعهد السوفياتي ومع ثقافات وحضارات أخرى.

"أنا لا أعدّ نفسي من الملحدين" يقول أيتماتوف، ثمّ يوضّح الغاية النهائيّة التي يقوده إليها هذا التطوّر الذّهني: " إنّ الجذر المشترك لكلّ إيمان في نظري هو احترام الحياة والإنسان، وبالتالي أنا أحترم كلّ ديانة إذ تساعد الإنسان على الحياة." وكتاباته هي الدليل المتفرّد على كونه، سواء في مجادلاته الفكريّة أو في رواياته مهما كانت بسيطة التركيب ومصاغة بلغة أكثر بساطة، إنّما يرى دومًا إلى العالم ككليّة.

التحول إلى معلم إخلاقي

ثمّ هاهو الاشتراكي السابق، الوفيّ كليًّا لمبادئ الواقعيّة الاشتراكيّة، وعضو الحزب الشيوعي السوفياتي، وحامل أكبر جائزة يمكن أن تُمنح في الاتحاد السوفياتي –جائزة لينين- وذلك في سنة 1963، وعضو السوفيات الأعلى منذ سنة1966، و حامل جائزة الدولة السوفياتيّة لسنتي 1966 و1983، و بطل العمل الاشتراكي لسنة 1978، هاهو يتحوّل الآن إلى معلّم أخلاقي ذي حساسيّة بالمسؤوليّة البيئويّة.

"أردت أن أجعل القارئ يفكّر في ما هو أهمّ من هذه الحياة الملموسة، ما هو أهمّ من كلّ شيء، ما هو أهمّ من الجنس البشريّ "، يقول أيتماتوف بمناسبة صدور رواية " الصبيّ والبحر"، "أي أنّنا بشر وجديرون بالصراع من أجل أن تتواصل الحياة فوق هذه الأرض". وهكذا فإنّ الطريق التي اتّخذها لمغادرة الحزب قد قادته إلى البحث عن قيم أخلاقيّة أكثر تماسكًا؛ إلى "الأسئلة الجوهريّة للانسانيّة ".

كان أيماتوف أحد المستشارين القريبين من غورباتشوف خلال مسرة لبرسترويكا والغلادنوست.
وقبل انتخاب غورباتشوف سكرتيرًا عاماًّ للحزب بشهر نشر أيتماتوف رسالة في "البرافدا" الصحيفة المركزيّة للحزب مقالا بعنوان "الحكمة في محاصرة الأسلحة النوويّة" يطالب فيه بالتخلّي الكلّيّ عن الأسلحة النوويّة ويناشد فيه بـ"ميلاد روح إنسانيّة جديدة وسلّم قيم وأخلاقيّات جديدة، وقيم إنسانيّة جديدة عبر مجمل العالم يكون مبدؤها هو الآتي: ليس هناك فقط مقولة "لا ينبغي عليك أن تقتل"، بل لا ينبغي عليك أيضًا أن تفكّر في الحرص على حفظ الأمن العامّ والحفاظ على بقاء الأجيال ضمن نطاق مقولات القتل."

لقد أعرب أيتماتوف دومًا عن التزامه بحقوق الإنسان، بما في ذلك وبصفة خاصّة حقوق الأقلّيات، وكذلك بالقضايا البيئيّة. ولم يكن يمارس ذلك عبر أعماله الأدبيّة فقط، بل في مجال الممارسة السياسيّة العمليّة حيث غالبًا ما رفع صوته محذّرًا ومنبّهًا. إنّها إحدى الوجوه المتمّمة للصورة العامّة التي يظهر من خلالها إنسانًا ملتزمًا ورجل سياسة وكذلك فيلسوفًا عميقًا وكاتبًا متعدّد الأوجه والمناحي الروائيّة.

وكان في تلك الأثناء يشتغل بالكتابة أيضًا ونشر نصوصه في المجلاّت. ثمّ تمّ قبوله طالبًا في معهد غوركي ذي الشهرة والمكانة المرموقة، و بكتابة "جميلة" تسنّى له أن يغدو كاتب رواية ذاعت شهرتها في العالم كلّه. وقد نجح في الربط بين مواضيع محليّة لها صلة بآسيا الوسطى والتقاليد الأدبيّة الرّوسيّة، وغدا بذلك كاتبًا شهيرًا.

رمز الأمل المستقبلي

تطوّر جنكيز أيتماتوف من "لينيني متفائل من الرّعين الأخير"، كما يورد ذلك كاتب سيرته بوريس شليبنيكوف، مرورًا بالشيوعيّ الإصلاحيّ ومستشار لغورباتشوف إلى منزلة المحافظ القِيَميّ. وكاتب كان يُنظر إليه في الاتّحاد السوفيتي بكلّيته كرمز للأمل المستقبليّ –فَرجة مضيئة داخل عتمة سنوات عصر بريجنيف – وكواحد من القلائل الذين يفسحون للعقل مجالا لتخطّي الأسيجة والحدود.

كانت لأيتماتوف مقدرة على التحرّك ببراعة داخل الحيّز الضيّق الذي كانت تسمح به الرقابة السوفياتيّة المضروبة على الأدب. و بالنسبة لقرّائه من القوميّات المتعدّدة التي يتكوّن منها الاتّحاد السّوفياتي كان يمثّل ككاتب رمزًا للمبادئ الإنسانيّة والعفّة السياسيّة. أمّا في الخارج فقد ظلّ أيتماتوف يزداد مع كلّ كتاب جديد شهرة، وكانت كتبه كلّها تُتقبّل في أوروبا، وبقطع النظر عن الفوارق الثقافيّة، بنفس القدر من الإعجاب الذي تحظى به في آسيا الوسطى.

لم يكن أيتماتوف ليخشى المواجهات مع كبار العقول من عصره: تشهد بذلك كتبه التي نشأت عن محادثاته مع فلاسفة وزعماء روحانيّين ودينيّين من أمثال الفيلسوف الياباني والمصلح البوذيّ دايزاكو إيديكا، أو ممثّل الديانة البهائيّة فيض لله نامادار. تمثّل تلك الكتب شهادات على جرأة أيتماتوف على الدخول في مواجهات عميقة مع أصوله المتّصلة بالتقاليد الإسلاميّة، ومع الفراغ الديني للعهد السوفياتي ومع ثقافات وحضارات أخرى.

"أنا لا أعدّ نفسي من الملحدين" يقول أيتماتوف، ثمّ يوضّح الغاية النهائيّة التي يقوده إليها هذا التطوّر الذّهني: " إنّ الجذر المشترك لكلّ إيمان في نظري هو احترام الحياة والإنسان، وبالتالي أنا أحترم كلّ ديانة إذ تساعد الإنسان على الحياة." وكتاباته هي الدليل المتفرّد على كونه، سواء في مجادلاته الفكريّة أو في رواياته مهما كانت بسيطة التركيب ومصاغة بلغة أكثر بساطة، إنّما يرى دومًا إلى العالم ككليّة.

التحول إلى معلم إخلاقي

ثمّ هاهو الاشتراكي السابق، الوفيّ كليًّا لمبادئ الواقعيّة الاشتراكيّة، وعضو الحزب الشيوعي السوفياتي، وحامل أكبر جائزة يمكن أن تُمنح في الاتحاد السوفياتي –جائزة لينين- وذلك في سنة 1963، وعضو السوفيات الأعلى منذ سنة1966، و حامل جائزة الدولة السوفياتيّة لسنتي 1966 و1983، و بطل العمل الاشتراكي لسنة 1978، هاهو يتحوّل الآن إلى معلّم أخلاقي ذي حساسيّة بالمسؤوليّة البيئويّة.

"أردت أن أجعل القارئ يفكّر في ما هو أهمّ من هذه الحياة الملموسة، ما هو أهمّ من كلّ شيء، ما هو أهمّ من الجنس البشريّ "، يقول أيتماتوف بمناسبة صدور رواية " الصبيّ والبحر"، "أي أنّنا بشر وجديرون بالصراع من أجل أن تتواصل الحياة فوق هذه الأرض". وهكذا فإنّ الطريق التي اتّخذها لمغادرة الحزب قد قادته إلى البحث عن قيم أخلاقيّة أكثر تماسكًا؛ إلى "الأسئلة الجوهريّة للانسانيّة ".

كان أيماتوف أحد المستشارين القريبين من غورباتشوف خلال مسرة لبرسترويكا والغلادنوست.
وقبل انتخاب غورباتشوف سكرتيرًا عاماًّ للحزب بشهر نشر أيتماتوف رسالة في "البرافدا" الصحيفة المركزيّة للحزب مقالا بعنوان "الحكمة في محاصرة الأسلحة النوويّة" يطالب فيه بالتخلّي الكلّيّ عن الأسلحة النوويّة ويناشد فيه بـ"ميلاد روح إنسانيّة جديدة وسلّم قيم وأخلاقيّات جديدة، وقيم إنسانيّة جديدة عبر مجمل العالم يكون مبدؤها هو الآتي: ليس هناك فقط مقولة "لا ينبغي عليك أن تقتل"، بل لا ينبغي عليك أيضًا أن تفكّر في الحرص على حفظ الأمن العامّ والحفاظ على بقاء الأجيال ضمن نطاق مقولات القتل."

لقد أعرب أيتماتوف دومًا عن التزامه بحقوق الإنسان، بما في ذلك وبصفة خاصّة حقوق الأقلّيات، وكذلك بالقضايا البيئيّة. ولم يكن يمارس ذلك عبر أعماله الأدبيّة فقط، بل في مجال الممارسة السياسيّة العمليّة حيث غالبًا ما رفع صوته محذّرًا ومنبّهًا. إنّها إحدى الوجوه المتمّمة للصورة العامّة التي يظهر من خلالها إنسانًا ملتزمًا ورجل سياسة وكذلك فيلسوفًا عميقًا وكاتبًا متعدّد الأوجه والمناحي الروائيّة.

ليست هناك تعليقات: