الجمعة، 12 أغسطس 2016

إله المواشي وقصص أخرى-عادل كامل

إله المواشي وقصص أخرى





عادل كامل
[1] آله المواشي
   أدركت الغزالة  إنها طوقت من الجهات الأربع؛ ذئاب تسد عليها الطريق، ونمور تتربص بها من الخلف، إلى اليسار اصطفت زمرة فهود، وعلى اليمين استعدت الكلاب البرية للهجوم...، ولأنها لم تجد من تخاطبه، بجوارها فوق الأرض، رفعت رأسها إلى السماء:
ـ إذا كنت، يا الهي، لا تقدر على حمايتي، ومنعهم من الهجوم علي ّ، وافتراسي....، فأنا سأسلم نفسي، من غير مقاومة، لهم!
  ابتسم آله المواشي:
ـ ولكن لِم َ تعجلت ِ الشكوى، والتذمر...، حتى أني أحسست انك ِ توشكين على ...، الكفر، وارتكاب المعاصي؟!
ـ وهل باستطاعتي، يا الهي، أن افعل ذلك، وقد سلبت مني حتى الهواء؟
ـ آ ...، الآن لن أخلصك من غير ثمن!
فقالت الغزالة باستسلام:
ـ بعد أن أمضيت حياتي كلها مذعورة، فزعة، خائفة، اهرب من عدو كي أقع في براثن عدو أكثر شراسة، وأخس، وأكثر نذالة...، تطلب مني رشوة!
ـ لِم َ هذا الغباء...، وأنا منحتك قدرة الطيران!
ابتسمت بأسى عميق:
ـ آ...، وأنا لا أجنحة لدي ّ...، حتى لو كانت وهمية، وتطلب مني الطيران، كما تفعل العصافير والبلابل والغربان؟
ـ اقتربي مني...
ـ تقصد ..، اصعد إلى السماء، حيث مجدك العظيم، وأنت تراهم يحيطون بي، ويسدون علي ّ الطرق، والممرات، كأنهم آلات فولاذية برمجت للبرهنة باستحالة العثور على فجوة للخلاص منهم...!
ـ اكرر، أيتها الغزالة: اقتربي مني...
ـ أنا لا اقدر أن اقترب منك...، يا الهي، لأنك تراهم سيرسلونني إليك، ممزقة الأوصال..، وآنذاك، أرجوك، امنحني جناحا ً للطيران!

[2] الموت
رفع صوته قليلا ً يخاطب الموت:
ـ لا يعنيني أن أموت غدا ً..، أو بعد غد ٍ، ولا يعنيني إنني ربما كنت مت يوم أمس، أو قبل يوم أمس...، سأموت بعد ألف عام، أو إنني مت قبل ملايين السنين، لأنك ـ يا سيدي ـ لم تعد تعنيني مادام وجودك قد سبق وجودي، ومادام وجودك، سيدي، سيبقى بعدي أيضا ً!
ضحك الموت:
ـ ها أنا أصبحت لا أثير فزعك، ولا خوفك، حتى كأنك صرت تتندر علي ّ، بل وتتفلسف؟
ـ لا.. يا سيدي، فبعد أن لم تترك لنا منفذا ً للهرب منك، ولا للخلاص...، ولا للمصالحة،  صار حضورك شبيها ً بغيابك،  وصار غيابك، سيدي، تام الحضور، فعلى من أتندر...، وأتفلسف، ألا ترى إن المعضلة لم تعد تعنيني، وربما لا تعنيك أنت أيضا ً...، لأنك لا تقوم إلا بواجبك، أما أنا فلم أكن حرا ً إلا عندما أكون بين يديك!
ـ وداعا ً...!
ـ أيها العزيز...، لا تكن قاسيا ً معي، وتتركني في محنة السؤال: هل أنا عائد من الموت، أم أنا ذاهب إليه؟

[3] الموت جوعا ً
   وهو في حفرته، سمع الأرنب من يناديه:
ـ أكاد أموت من الجوع...
ـ إذا كنت لم تستطع، في هذه الحديقة، أن تعثر على لقمة تسد بها جوعك...، فهل يتحتم علي ّ أن أتبرع بحياتي لك كي لا تموت ..؟
ـ لا ...، ليس هذا هو السبب، فلا يصح أن تتهمني بالكسل، والخمول، ولكن رائحتك هي التي أثارت شهيتي للطعام!
ـ أغرب عني أيها الذئب اللعين...
ـ ها ..، وأين اذهب، وأنا قررت أن أبقى عند باب حفرتك، حتى تموتين من الجوع، وحيدة..!
ـ هذا أفضل...، أن أعود إلى التراب، مثلما أنا عليه، بدل أن ترسلني ممزقا ً إلى السماء!

[4] غفران
ـ أتعرف انني أمضيت حياتي الطويلة من غير أن ارتكب ذنبا ً واحدا ً...؟
   ضحك الآخر بتندر:
ـ على العكس مني تماما ً...، فانا ارتويت من الذنوب حتى كأنني لم ارتكب ذنبا ً واحدا ً!
فقال الأول يخاطب الثاني بشرود:
ـ لابد انك كنت مضطرا ً لارتكابها..، كي تجد مبررا ً للغفران ..؟
رد الآخر بصوت هادئ:
ـ يبدو لي انك لم تكن مضطرا ً لارتكابها، ولكن هل حقا ً لم تتذوق لذّة الخطيئة، ونشوة الآثام؟!
ـ آ ...، حقا ً إن الإثم الوحيد الذي لم ارتكبه، يا صديقي، في هذه الدنيا، هو انني لم اركب إثما ً...، ولهذا  حرمت من تذوق نعيم الغفران!

[5] داعية
   تجمدا تماما ًوهما يصغيان إلى مقابلة كانت تبثها شاشة الحديقة الكبرى:
سأل الصحفي واحدا ً من وعاظ السلاطين، بوصفه داعية:
ـ كيف رأيت الدنيا..؟
أجاب الداعية مسرورا ً بابتسامة رقيقة:
ـ رأيتها حلوة... عذبة... بالغة النعومة... والجمال!
وأضاف الداعية:
ـ حتى انك، عندما تكون معي في الفردوس، ستتذكر كلماتي، في هذا اللقاء، وفي قناتكم الكريمة هذه!
فقالت الحمامة لجارتها:
ـ يبدو إن هذا الداعية، الشديد الورع، فقد بصره، وبصيرته،  ولم يعد يسمع، وليس له قلب، وبلا عقل...، وإلا كيف لم ير حديقتنا، وما جاورها، ولم يشاهد ما حدث للدواب، والبهائم، والأشجار، والحجر، والبشر...، وقد أصبحوا رمادا ً..، وتحولوا إلى نفايات، والى ذرات دخان اختلطت بالغبار!

[6] ممرات
ـ  انظر...، بعد أن سرقوا أموال اليتامى، وبعد أن اغتصبوا حقوق الثكالى، والأرامل..، وبعد أن نهبوا ثروات الضعفاء، وأسرفوا في سفك الدماء، وبعد انتهاك الحرمات، والمحرمات، وشردوا السكان، وهجروا البهائم والطيور والناس...، ها أنت تراهم يبحثون عن ممرات أمنة لهم للدخول إلى الفردوس، وكأنهم أبرياء كما ولدتهم أمهاتهم، وكأن الفردوس اعد للأشرار أيضا ً؟
  رد الآخر وهو مازال يراقب المشهد نفسه:
ـ ولكن الغريب انك لا تسمع إلا استغاثات الضحايا وهم يفتشون ويبحثون عن الممرات ذاتها...، لعلهم يحصلون على موضع قدم لهم!
ـ هذه هي المفارقة، بل هذه هي المحنة..!
ـ لم افهم؟
ـ إن الضحايا لا يستنجدون إلا بطغاتهم وقتلتهم ومن سرق مصائرهم لعلهم يحصلون على ممرات جانبية، حتى لو كانت بسعة ثقب في خرم إبرة؟
ـ لكني أرى غير ذلك!
ـ ماذا ترى؟
ـ لولا هؤلاء الضحايا، لكانت الطرق إلى الفردوس، تسمح لمن هب ودبّ!
6/8/2016


ليست هناك تعليقات: