بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الخميس، 18 أغسطس 2016

نقد-في الشمولية. أدب أورويل نموذجا-جاسم المطير



نقد


في الشمولية. أدب أورويل نموذجا







جاسم المطير


كثر الحديث والتحذير في عراق ما بعد عام 2003 عن العلاقة بين الديمقراطية والاستبداد ، بين الديمقراطية واحتمال نشوء شكل من أشكال الدكتاتورية الفردية أو الطائفية أو الحزبية أو غيرها من أشكال الاستبداد في النظام السياسي القائم في بلادنا بالوقت الحاضر . هذا الحديث - التحذير صدر وما زال يصدر عن كثير من الأحزاب الديمقراطية العراقية ومن عدد غير قليل من القادة والمثقفين والأكاديميين العراقيين المالكين لأصول الديمقراطية وثقافتها. الأخطاء السياسية كثيرة في أعمال أجهزة الدولة والحكومة في الزمن العراقي الحاضر، وهي تدوس بأقدام ٍ حديدية على حقوق المواطنين . يستبد عدد غير قليل من رجال الدولة وعدد من قادة أحزاب الإسلام السياسي بالإساءة المتعمدة إلى الجماهير الفقيرة من خلال القسوة عليهم بإهمال ابسط مطالبهم الإنسانية المشروعة، التي تهز الصحافة اليومية وشاشات القنوات الفضائية بأصواتٍ تكشف بوضوح معاناة اغلب أبناء الشمس والنخيل والنفط في بلاد الرافدين وهم مكبلين بالخوف من الموت اليومي في شوارع الإرهاب والمفخخات وكاتم الأصوات.
يذكـّرني الواقع السياسي العراقي الحالي بالروائي البريطاني جورج أورويل صاحب الرواية السياسية الشهيرة عالمياً المعنونة (1984 ) التي أنجز كتابتها عام (1948 ) ولم يجد عنوانا مستقبليا مناسبا لها غير تغيير رقم عام انجازها من (48) إلى عام (84) . صدرت الرواية مطبوعة بالانكليزية عام 1949 لكن لم يكن صداها واسعا وقت صدورها الأول رغم أن كاتبها فضح نوعاً من الحكام الذين يدعون الديمقراطية والاشتراكية بينما هم ارتضوا لأنفسهم ولشعبهم عبودية منصبهم العالي على كرسي السلطة، متمتعين بالجاه والامتيازات والثراء والانتصار الشخصي. لكن الرواية فتحت أمامها كل الحدود في بلدان مختلفة من أنحاء العالم لا لتتكلم عن نفسها أو عن كاتبها أو عن إدانة الظلم بفن الرواية ، بل لتتحدث عن عنجهية النظام الشمولي – التوليتاري وكشف تفاصيل مضامين أعمال مشاهد الرعب في بلدان تغطيها الزينة الإعلامية، التي تـُصوّر، سينمائياً ومسرحياً وتشكيلياً، حصان (روميو) يحمل (جوليت) في قرية فقيرة كأن ذلك نهاية المطاف الإنساني ..! كما تتحدث الرواية عن عجرفة الحكام، الذين لا يجول في عقولهم غير هواجس الخوف من شعوبهم .
في عام 1983 تغيـّرتْ قيمة رواية (1984) وتغيـّر تقييمها فقد صارت قيمتها هي الأولى عالميا في التوزيع والنشر كما صار تقييمها النقدي على صفحات المجلات المتخصصة ، حيث كانت توقعاتها واستنتاجات كاتبها المستقبلية في ذلك العام تقترب من التحقق الفعلي ، بعد أن أصبحت وشيكة الحدوث أغلبية الصور السياسية المرسومة روائياً في عينيّ جورج أورويل لخاتمة الأنظمة الشمولية، حيث كانت بلدان المعسكر الاشتراكي متدحرجة - تدريجيا في بعضها وبسرعة في بعضها الآخر - نحو انحراف مبادئها باتجاه فقدان تجارب (الديمقراطية الاشتراكية) ونشوء (دكتاتوريات متنوعة) داخل بلدان الشرق الأوربي انتهت فعلياً بانهيار الاتحاد السوفييتي ثم المنظومة الاشتراكية كلها. أعيد طبع الرواية من جديد عام 1984 وتوزيعها في أنحاء مختلفة من العالم ، بلغات مختلفة ، وصل رقم مبيعاتها، آنذاك، إلى أكثر من 36 مليون نسخة، وهو رقم قياسي لمطبوع روائي .
كتاب جورج اورويل تنبأ بأن (صمت الشعب) لا يستمر إلى الأبد إذ لا بد أن يتحول ، ذات يوم ، بعد صبر طويل ، إلى (ضجيج ثوري) بصوتٍ عالٍ وبصخبٍ في الشوارع والساحات العامة. مثلما جرى عملياً بعد 30 سنة تحرك الكتل البشرية المتراصة في ميناء جدانسك البولوني احتجاجا على سلوك قادة الدولة البولونية وعنادهم بعدم الاستجابة لمطالب عمال نقابة منظمة «التضامن» الشهيرة عام 1980، وهو الإضراب الذي شكّل أكبر تحد للنظام الاشتراكي وحكوماته أرغمها على تقديم تنازلات غير مسبوقة للعمال المضربين، بينما لم يأبه الحكام الشيوعيون في كل البلدان الاشتراكية لتلك الإضرابات والمظاهرات، التي اتسعت بسطوع ٍ تحت الشمس ولم يدرسوا أسبابها ونتائجها. بهتت أنظار الحكام الشيوعيين في أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي لهذا المرأى النضالي الجديد لكنها أغمضت عيونها عنه وسترت وجهها بأياديها ، كما أهملت آذانها سماع أصوات ليست متقطعة الأنفاس وهي تنادي: ( الشعب يريد الحرية...) فانطلق بعد ذلك الرتل الطويل الزاحف في كل ساحات البلدان الاشتراكية صارخا بلغته وبلغة لاتينية واحدة: الحرية .
كانت هذه اللغة مسنودة بوسائل إعلامية وغيرها من أساليب التحريض من جانب دول وقوى الرأسمالية العالمية وجميع القوى المعادية للشيوعية. بينما ظلت قوى الشيوعية السوفييتية وأنظمة الدول الاشتراكية عاجزة عن فهم قوانين تطور أزماتها مما قد يؤدي إلى تحول وتغيير النظام السياسي الاشتراكي إلى نظام سياسي آخر، كما أنها لم تدرك أن (تغيير) النظام السياسي يتم عند تصاعد (الإحساس) في صفوف الجماهير الشعبية بأن النظام السياسي القائم لم يعد قادرا على حل مشاكل الجماهير أو تلبية حاجاتها .
تحطم بعد ذلك (جدار برلين) ليكون نقطة انطلاق الزحف نحو الشرق الأوربي ، كله ، و(تغيير) أنظمته، كلها ، بتأييد مباشر من البابوية في الفاتيكان ومن أجهزة الإعلام الغربية التي تميزت وتفوقت على أجهزة الإعلام الاشتراكية .
لم يكن ثمة من يعرف أن طريق النضال ضد الأنظمة الشمولية سوف لن يتوقف المسير فيه وصولا إلى شرق وغرب بلدان الذهب الأسود، في الشرق الأوسط أيضا، حتى تمكن مثلا شبان مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن في عام 2011 من إطلاق صوت الحرية:( الشعب يريد..) بلسان ٍ غير متلعثم للتخلص السريع من عجزهم عن اللحاق بالحركة الثورية فأطاحوا في لظى المظاهرات السلمية بعدد من الرؤوس الدكتاتورية العربية.
كانت رواية عنوانها (1984 ) أهم كتاب أدبي – سياسي ينفخ في صفحاته أبواق النضال ضد التوليتارية. قراء هذا الكتاب يفرحون ويبكون ويضحكون من فرط سعادتهم بما يقرءون لأنهم يشعرون بمشاركة الكاتب أفكاره، وبما يضمرون للدكتاتور ، في بلدهم أو في بلد مجاور، من عداء سري أو علني، معترفين بالنهاية بعبقرية جورج اورويل الروائية. هذا الكتاب لم يترجم في البلدان العربية غير مرة واحدة في مصر عام 1957 ثم منع بعد بضعة أشهر وسحب من الأسواق المكتبية في حينه. وقد صادف أن قرأتُ الرواية بالعربية عام 1958 حين أهداني إياها الصديق الشهيد فيصل الحجاج الذي كان يدرس الطب في القاهرة وبعد عودته إلى بغداد للالتحاق بجامعتها لإكمال دراسته الطبية بعد قيام ثورة 14 تموز . حين قرأتُ الرواية، في ذلك الوقت، وقرأها غيري من الأصدقاء والرفاق الشيوعيين بالبصرة ، بما فيهم الرفيق الشهيد حمزة سلمان، اعتبرنا الرواية ومؤلفها من أعداء الشيوعية والديمقراطية ..!
اعتقدنا ،آنذاك، أن وقوفنا ضد رواية 1984 وضد خالقها جورج اورويل ومحاولة إسقاط سمعته الشخصية وإسقاط روايته بحماسة الكلمات المضادة للحرية، من دون شعور بأي مسئولية و بضرورة احترام (حرية الآخر) قمنا باتهام جورج اورويل بالعمالة للرأسمالية وأجهزتها التجسسية وقد اعتقدنا أن هذه (الحماسة) أمر يحمينا بصرامة وشدة من تسرب أفكار الرأسمالية إلى صفوفنا نحن اليساريين ..!
بعد عودتي من لندن إلى بغداد عام 1984 حاملا نسخة من الرواية باللغة الانكليزية كنت قد أكملت قراءتها أثناء وجودي هناك وقد خططتُ لتكليف شخص عراقي لترجمة الرواية وطبعها في دار النشر التي املكها ببغداد ( الدار العالمية للنشر والتوزيع) وقد صادف أن التقيتُ بأحد مدرسي اللغة الانكليزية في السماوة بواسطة صديق مشترك من نفس المدينة حيث أعلن هذا المدرس عن استعداده لترجمة الرواية. فاشتريت منه ، بموجب عقد تفصيلي، حقوق طبعها وتوزيعها من دون أية معرفة بشخصيته الكريمة ولا باتجاهاته السياسية. وقد أنجزت طباعتها بسرعة بعد حصولي على رخصة طبعها من وزارة الإعلام. منذ أول يوم توزيعها وجدتُ لها صدى واسعا بين المثقفين العراقيين. كما جرى توزيعها بكثرة في بلدان العالم العربي حيث صدّرتُ المئات منها إلى القاهرة وتونس والأردن. كما حظيت بإقبال القراء عليها في معارض الكتب الدولية في معظم البلدان العربية لأنها كانت الترجمة العربية الوحيدة المطبوعة بالعالم العربي حسب ظني حتى الآن . ثم تبين لي بعد حوالي ربع قرن أن مترجمها السماوي كان يساريا وربما شيوعيا أخفى في حينه اسمه الصريح تحت اسم مستعار ( احمد عجيل) وأن اسمه الصريح هو الدكتور احمد موسى الربيعي (طبيب جراح مقيم حاليا في استراليا). حين سألته مؤخراً عن سبب إخفاء اسمه الصريح عني في ذلك الوقت ، قال :( أما السبب فهو الحال الذي انتقل إليه من أفلت من الهجمة الشرسة ضد الديمقراطيين بعد 1978 ولم يغادر العراق حينها. كما في ذلك سبب آخر هو إكباري لوقفتك حينها في تبني الرواية..). لا بد أن أشير هنا أن جورج اورويل هو أيضا اسم مستعار للكاتب البريطاني (ايريك بلير) المولود في البنغال.



في نفس الاتجاه نشرتُ في الدار العالمية – بغداد رواية أخرى لجورج اورويل هي (مزرعة الحيوان ) التي كان قد كتبها عام 1945 وهي رواية هجائية وظـّف فيها «الفنتازيا» أداة للنقد السياسي والاجتماعي كما تقول الباحثة ندى زين الدين ( متخذا من الفكر الماركسي منطلقاً لها لدراسة العلاقة بين الطبقة المستغـِلة والطبقة المستغـَلة، وعلى حث الأخيرة على الثورة للحصول على فائض القيمة. ويحكي أورويل أن نواة الرواية بدأت في مخيلته حين رأى صبياً يقود حصاناً ورأى في الحيوان تمثيلاً للقوى البروليتارية وفي الإنسان تمثيلاً للرأسمالية فراح ينسج روايته من منظور الحيوان. وفي الرواية، تنجح الحيوانات في مزرعة في محاولة انقلاب على سادتها البشر المتسلطين وتُنصَّب الخنازير حكاماً على المزرعة وتُرفع شعارات الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة لكن سرعان ما تفسدها السلطة فتشرع في ممارسة الديكتاتورية عينها التي سببت الثورة في المقام الأول..) . في ذلك الحين كان الاتفاق قد تم بيني وبين المخرج المسرحي سعدون العبيدي في بداية التسعينات على عمل مشترك لتعريق الرواية مسرحيا يقوم بإخراجها للمسرح العراقي. عقدنا عدة جلسات تداولية لوضع خطوط التعريق والمسرحة لكن مغادرتي العراق واستقراري في هولندا حال دون ذلك.
أريد القول ، بعد هذا ، أن أشكال التوليتاريا ما زالت قائمة في هذا العصر بتضاريس سياسية مختلفة وان هذه التضاريس غير بعيدة عن معارك الشعب العراقي من اجل نيل الحرية الحقيقية وتطبيق المبادئ الديمقراطية الحقيقية فما زالت الحرية والديمقراطية في بلادنا يعلوها هرم قد يبدو صغيرا من عناصر التوليتاريا لكن هذا الهرم يوفر للحكام سهلا فسيحا للتحول من ممرات الديمقراطية الظاهرية إلى ممرات تعسكر فيها قوى التوليتارية – الشمولية الباطنية. ولا بد هنا من الاعتراف أن غالبية أبناء جيل الحرب الباردة بين المعسكرين العالميين، الاشتراكية والرأسمالية، لم ندرك في حينه - حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي – حقيقة الجواب على سؤال: إلى ماذا كانت تهدف روايات جورج اورويل وكلها روايات سياسية ..؟
لم تستطع قوى ثقافة اليسار قراءة جورج اورويل، قراءة ًمستقلة ً دقيقة ً، فقد تصورناه رجلا مغرورا، فارغ الرأس إلا من معاداة الاتحاد السوفيتي والشيوعية، بل كنا نعتبره مكلفا بنشر أفكار العداء للأحزاب الشيوعية فأجهزنا على رواياته بحملات تسقيطية باتهامه بالعمل من اجل مصالح المخابرات الغربية المعادية للشيوعية. الظاهر أن جورج اورويل لم يكن يريد في ذلك الوقت أن يكون مدافعا عن نفسه إزاء الحملات العالمية التي جرت ضده، بل ظل أمينا مع نفسه ومع منهجه في كتابة الرواية السياسية. فقد اعتمد في غالب أعماله على رفض الفوضوية والطغيان مؤكدا أن (السلطة) أمر من ضرورات إحقاق العدل والحق . إلا أن رواياته ، كلها ، قد حذرت من مخاطر تقديس شخصانية الحكام، الذين يخدعون، باسم الحرية، تنصيب الحكام على رأس الدولة ليس من اجل الكدح لتحرير الفقراء والأرقاء، بل من اجل تحقيق المنفعة الذهبية للحكام أنفسهم . كانت الرؤية الروائية – السياسية التي يتمتع بها اورويل تحدّق في مدى واسع وتمتلك صوابها بانطوائها على تحذير دائم بتأثير الحكام المستبدين على حرف (السلطة) عن غاياتها الأساسية ، خدمة الشعب، إذا ما أصبحت ( السلطة) نفسها ( غاية ) بذاتها متلاصقة بعقلية شمولية لا تؤمن إلا بقدسية الشخص (الحاكم) واعتقاده بأنه ممثل إله السماوات على الأرض..!.
من خلال هذه النظرة السياسية الواعية كان أورويل جريئا ، أيضا، في توجيه النقد الشديد لأيديولوجية وممارسات الفترة الستالينية في الاتحاد السوفييتي . كان في روايته يصرّ ، جيئة وذهابا في صفحاتها وأحداثها وحوارها ، على ضرورة تقويم الجوهر الأساسي الحقيقي للاشتراكية . هذا الموقف بالذات كان سبباً من أسباب الهجوم عليه من قبل كتاب ونقاد عديدين من السوفييت، ومن الكتاب اليساريين في الغرب ، ممن كانوا يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الفكرة السياسية الصائبة. لذلك فأننا نجدهم ليسوا رافضين انتقادات روايات اورويل، بل أنهم جلدوه بسياط الخيانة المبدئية ، والعمالة لشبكة المخابرات البريطانية ، مما حرض ملايين القراء في الغرب والشرق على قطع روابطهم مع الفكرة الروائية – السياسية الاورويلية المزمجرة في عقول القراء بالرفض والتمرد .
في هذه الفترة من التاريخ العراقي المحتدم بالصراعات السياسية الطائفية وبفعاليات القوى والمنظمات الإرهابية الإسلامية المتشددة، التي يحرسها بعض من القوى البعثية الخافرة من أتباع النظام الصدامي ، نجد أن خطر هذه الفترة لا يتحدد بإفراغ حمولتها السياسية الثقيلة على متن الإرهاب والصراع الطائفي حسب، بل ربما يجد هذا الحاكم أو ذاك من المسيطرين على الدولة العراقية نفسه يتجه ، في الحاضر والمستقبل، نحو الركوب بمركب الاستبداد ، جالسا على كرسي الدكتاتورية المتذرعة بـ(الديمقراطية الانتخابية) وبغيرها من الشكليات المأخوذة عن قشور الديمقراطية البورجوازية المتجددة في ذهنيات وبرامج محددة بأحزاب الإسلام السياسي وليس ببرامج ومبادئ الديمقراطية المأخوذة من جذوع أشجارها الحقيقية وتطبيقاتها الناجحة . كان الأدب السياسي متجسدا بروايات ثاقبة في رؤيتها للمشهد السياسي – الأيديولوجي في مرحلة سابقة أنتجها جورج اورويل غير أن العصر الراهن في العراق والعالم العربي كله يحتم على جميع الكتاب وعلماء الاجتماع والنقاد والمناضلين من اجل التقدم جميعا أن يواكبوا روح العصر ، وأن يهتموا بالقضايا الشعبية و أن يناصروا المضطهدين و أن يصرّوا على السير في طريق التقدم وبناء المجتمع المدني على أسس بعيدة تماما عن كل شكل من أشكال الاستبداد، الديني والسياسي، وضرورة مناصرة حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
إذا أراد المثقفون العراقيون وإذا أرادت الأحزاب العراقية ذات البنية الديمقراطية الخروج من الوضع السياسي المعلول حالياً فأن عليهم أن يقتلعوا من ظاهر المجتمع وباطنه، أولا ، جذوراً سياسية سامة من الساحة العراقية قد تؤدي إلى نشوء قاعدة الاستبداد ، وأن عليهم أن يؤمنوا بفكرة وحقيقة أن الرؤى العلمية والرؤى النقدية المتحركة ، هي القادرة على تخليص السياسة العراقية من نظامها الثابت المتكبر الواجد نفسه فوق المرونة والتسامح وفوق التكيف مع متطلبات العصر وضروراته . بمعنى من المعاني الصريحة المباشرة أقول أن على رجال الدولة والحكم والنواب وكل المسئولين أن يتقبلوا النقد باعتباره وسيلة أساسية من وسائل الوصول إلى عمق الأشياء وظواهرها في آن واحد . كما أقول، بصراحة، لرجال السياسة والدولة أنه لا توجد وسيلة يمكنها كشف العيوب المختفية في مجاهل الدولة مثل وسيلة النقد الأدبي، والرواية، والمقالة السياسية. هذا هو الدرس الأساسي الذي قدمه أدب الروائي العالمي جورج اورويل، الذي كانت رواياته مصابيح تنويرية لمعرفة الحقيقة التي تخفيها أنظمة الاستبداد. كان ناقدا أدبيا – سياسيا يحمل في كتاباته رؤية هجائية لكل ما هو ضار بالثقافة والمجتمع والحضارة . كان كاتبا يساريا لامعاً قادراً على التقاط نقاط الضعف والخلل في الطبقة الحاكمة وفي النظام الاستغلالي كوسيلة إنسانية للبحث عن المجتمع الأفضل
إن إحدى مهمات الكاتب العراقي في الوقت الحاضر تتلخص في ضرورة شحذ وعي الجماهير وكشف ما يجري خارج دائرة حياتها الضيقة، أعني تسليط الضوء النقدي على دائرة الحكام، تلك الدائرة التي تظل موّلدة نشيطة للموقف الاستبدادي لدى الطبقة الحاكمة والطبقة الداعمة لها إن ابتعدت عن ضياء النقد السياسي ، الصريح والمباشر





ليست هناك تعليقات: