الخميس، 25 سبتمبر 2014

سهيل المطوري: نجم من نجوم التشريعات البحرية-كاظم فنجان الحمامي



سهيل المطوري: نجم من نجوم التشريعات البحرية

كاظم فنجان الحمامي
بات من الصعب التحدث عن الرواد الذين شيدوا أركان القسم القانوني في الموانئ العراقية، أو التحدث عن الرجال الذين أسهموا في تطوير هذا القسم وتحديثه في مراحله الأولى التي سبقت عقد الخمسينيات، بسبب ضياع أرشيفنا البحري وتعرضه لحملات التمزيق والسرقة إبان الأحداث الفوضوية المتعاقبة، التي عصفت بالبصرة وقلبت عاليها سافلها. وربما تعرضت معظم ملفات القسم القانوني للتلف بسبب الإهمال والتقادم وسوء الحفظ والتخزين، حتى بات من الصعب تغطية الحقبة التي واكبت مسيرة الأستاذ نجم الدين بيك النقيب باعتباره المشاور القانوني الأول لمدير مصلحة الموانئ العراقية، أو باعتباره أول مشاور قانوني في الموانئ العراقية، وهو الذي أسس القسم المذكور. وبات من الصعب التعرف على الخطوات التي أنجزها الأستاذ قاسم الزهير باعتباره من أعلام القسم القانوني. وربما تتمدد خطوط جهلنا لتلتف حول مآثر الأستاذ عبد الحليم جواد، الذي كان يحمل شهادة الماجستير في القانون البحري، والدبلوم في القانون الجوي، ويُعد من الكفاءات القانونية المعروفة.
أحياناً أجد ضالتي في التحاور مع المشاور القانوني الأستاذ صادق جعفر حبش، أو في التحاور مع المشاور القانوني الأستاذ عمار مهدي العطية، أو مع الأستاذ فائق كزار، لكنني أجد صعوبة في الحصول على التغطية الكاملة للسجل التاريخية  المرتبط بالمحطات التي مر بها القسم القانوني في الموانئ العراقية.
وربما سيحالفني الحظ هذه المرة في تسليط بعض الأضواء على خلاصة خدمة الأستاذ سهيل المطوري، باعتباره من أشهر نجوم التشريعات البحرية في الموانئ العراقية. على أمل مواصلة الحديث عن بقية النجوم في فرصة أخرى.
ولد الأستاذ سهيل عبد الله المطوري في اليوم الأول من كانون الأول من عام 1946، وعلى وجه التحديد في منطقة السكك بالمعقل، حيث كان يقيم والده الذي كان يعمل مديراً عاماً لسكك حديد المنطقة الجنوبية.
كانت مدينة المعقل عبارة عن واحة اجتماعية وإنتاجية وثقافية. توفرت لها عوامل النمو والازدهار بفضل قربها من أرصفة ميناء البصرة، فأنشأت فيها المدارس التعليمية لكافة المراحل، وكانت منطقة السكك إحدى الواحات التي ضمت مدرسة مختلطة مخصصة للبنين والبنات بسبب انخفاض كثافتها السكانية، فكانت مدرسة (محطة المعقل المختلطة) هي الخطوة التعليمية الأولى التي خطاها (سهيل) في مشواره العلمي الطويل.
كان الأستاذ (داود شكر) هو الذي يدير المدرسة، بينما كان الأستاذ ميخائيل معلماً لمادة اللغة العربية، والأستاذ فداء الدين معلماً لمادة الإسلامية، والأستاذ يحيى عبد علي لمادة الرياضة.
كانت مدارس الخمسينات تنهض بواجباتها التربوية والتعليمية وكأنها من المعاهد الوطنية الكبرى المعنية بتنشئة الأجيال على الأسس التي قامت عليها حضارات وادي الرافدين، فأعدت سفرة مدرسية لزيارة زقورة (أور) والتعرف على حضارتنا السومرية العريقة، وكان برفقتهم عدد من رجال الشرطة لحمايتهم والسهر على سلامتهم، وكان معلم التأريخ يتحفهم بمعلوماته الغنية عن تاريخ حضارة أجدادنا الأوائل في هذه البقعة الأثرية الخالدة، فتعلق قلب التلميذ الصغير (سهيل) بالتشريعات الإنسانية المحفورة بالخط المسماري على مسلة حمورابي، التي أرست المبادئ الأولى للعدل والإنصاف، وربما كانت هي الدافع الرئيس للالتحاق بقلعة كلية القانون في جامعة البصرة.
أنهى (سهيل) دراسته الابتدائية عام 1958 وانتقلت أسرته للسكن في مدينة العشار، فالتحق بمتوسطة العشار في محلة (الساعي)، وكان يديرها الأستاذ (سليم البلداوي)، وهو من مدرسي مادة الرياضيات المشهود لهم بالكفاءة، ثم حل محله الأستاذ (عبد الجبار صابر)، وكان مدرساً لمادة الجغرافيا، وهو من التدريسيين الأكفاء ومعروف عنه الحزم والمتابعة، وكان الأستاذ خليل التميمي مدرساً لمادة الكيمياء، والأستاذ جورج مدرساً لمادة اللغة الانكليزية، والأستاذ فؤاد كمال الدين مدرساً لمادة التاريخ، والأستاذ نجم الجاسم مدرساً لمادة التربية الرياضية، والأستاذ سلمان مدرساً لمادة الرسم، والأستاذ محمد علي المظفر مدرساً لمادة الرياضيات.
أنهى (سهيل) دراسته المتوسط عام 1962، ثم التحق بالدراسة الثانوية للفرع الأدبي في الإعدادية المركزية بالعشار، والتي كان يدرها أيضاً الأستاذ (عبد الجبار صابر)، ويعمل فيها الأساتذة: كاظم العمّار، وخالد صابر، وكاظم بحر، وعبد اللطيف الدليشي، ويعرب السعيدي، وجعفر يسر صيوان، وسليم سمعان.
وما أن أنهى دراسته الثانوية حتى التحق بكلية القانون بدفعتها الأولى ضمن كليات جامعة البصرة في بداية تأسيسها، فوجد (حمورابي) ينتظره على مقاعد الدراسة، وهو يحمل أولى المسلات التشريعية في تاريخ كوكب الأرض.
كانت جامعة البصرة وقتذاك ترتبط أداريا بجامعة بغداد، وكان يترأسها الأستاذ الدكتور (عبد الهادي محبوبة)، أما عميد كلية القانون فكان الدكتور (غالب الداوودي)، وهو الذي يدرس مادة القانون الدولي الخاص للمرحلة الرابعة. ولكون جامعة البصرة في بداياتها الفتية فقد شكل الأساتذة المصريين العنصر الأساس في الفريق التدريسي، فكان الأستاذ الدكتور (عبد الودود يحيى) أستاذاً للقانون المدني، والأستاذ الدكتور (علي محمد بدير) أستاذاً للقانون الإداري، ومعهم الأستاذ الدكتور (غني حسون) أستاذاً لمادة العقود، والأستاذ الدكتور (سعيد مبارك) أستاذاً لمادة قانون التنفيذ، والأستاذ الدكتور (إبراهيم الغازي) أستاذاً لمادة التشريع المالي، والأستاذ الدكتور (صبيح بشير مسكوني) أستاذاً لمادة القانون الدستوري، والأستاذ الدكتور (منير الوتري) أستاذاً لمادة المدخل لدراسة القانون، والأستاذ ( يعقوب البا حسين) أستاذاً لمادتي المواريث وأصول الفقه.
تخرج (سهيل) في جامعة البصرة، وحصل على البكالوريوس في القانون عام 1968، وهو العام الذي انتمى فيه لنقابة المحامين في بغداد، والتي لم يكن لها فرع في البصرة آنذاك، فمارس المحاماة في محاكم البصرة لفترة وجيزة، ثم حصل على فرصة للعمل في جامعة البصرة وكان ذلك في شهر شباط 1969. لكنه كان يمني نفسه بالعمل في الموانئ العراقية التي كانت تضم كوكبة من المرشدين البحريين الأكفاء من أشقائه وأبناء عمومته.
كان رئيس جامعة البصرة وقتذاك الأستاذ الدكتور (خليل الطالب) من المعترضين على انتقال (سهيل) من الجامعة إلى الموانئ، لكنه وافق في نهاية المطاف على ترحيله وظيفياً، مصحوباً بكتاب (شكر وتقدير) تثميناً لخدمته المثمرة في الجامعة. وهكذا انتقل للعمل في الموانئ بموافقة مديرها العام الأستاذ (عدنان القصاب)، فباشر عمله في رئاسة النقليات، التي كان يرأسها الأستاذ (فالح الموسى)، وكان ذلك في 1/7/1970.
في عام 1975 أعلنت إدارة الشؤون الثقافية بالموانئ عن عدد من البعثات لاختصاصات مختلفة، ومنها درجتي ماجستير في القانون البحري، فوجد الفرصة سانحة لتحقيق طموحه في مواصلة الدراسة العليا، فكان من الطلبة المقبولين في الجامعات البريطانية. غادر العراق في العام نفسه ليلتحق بجامعة (ويلز)، التي حصل منها على درجة الماجستير عام 1977 في القانون البحري، وشهادة الدبلوم في القانون الجوي.
عاد إلى العراق ليصبح هو المدير التنفيذي لقسم شؤون الموظفين في الموانئ، ثم انتدبته وزارة النقل والمواصلات في شهر حزيران من عام 1980 للعمل خارج العراق في شركة الملاحة العربية المتحدة بالكويت لمدة سنتين، عاد بعدها في حزيران من عام 1982 ليعمل في القسم القانوني الذي يديره الأستاذ عبد الحليم جواد، وما أن أحيل إلى التقاعد حتى تناوب نخبة من زملائه على إدارة القسم ، ثم آلت إليه الإدارة بعد مضي عدة سنوات، فأصبح هو المدير الفعلي للقسم القانوني، وهو المشاور القانوني في الموانئ، فسنحت له الفرصة للمشاركة ضمن الوفد العراقي الوزاري في المؤتمر الدبلوماسي الخاص بمناقشة مشروع ضمان سلامة الأرواح في أعالي البحار، الذي انعقد في روما عام 1988، وشارك في اجتماعات الدورة (14) للجنة النقل البحري التابعة للمنظمة البحرية الدولية الآيمو في جنيف عام 1990، وشارك في اجتماعات فريق العمل المعني بامتيازات الرهون البحرية الذي نظمته المنظمة البحرية الدولية الآيمو في لندن عام 1989، وشارك في اجتماعات الدورة الخاصة لمجلس الخبراء المشترك بين المنظمة البحرية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في جنيف 1987، وشارك في اجتماعات اللجنة الدولية القانونية والفنية الذي نظمته المنظمة البحرية الدولية الآيمو في لندن عامي 1986 و 1988. ثم كلفته الوزارة بمسؤولية الأمانة العامة لاتحاد الموانئ البحرية العربية وكالة في عام 1989، وذلك بعد انتهاء فترة انتداب الأمين العام السابق وهو من تونس، وشارك مع المدير العام الأسبق الأستاذ عبد الرزاق عبد الوهاب في اجتماعات اللجنة الاقتصادية للجامعة العربية بصفته أميناً عاماً لاتحاد الموانئ البحرية العربية بالوكالة في حزيران من عام 1990، وشارك باجتماعات وزراء النقل العرب في بغداد بصفة مراقب كأمين عام الاتحاد والموانئ البحرية العربية وكالة.
أحيل الأستاذ (سهيل) إلى التقاعد عام 1991 بناءً على طلبه، فعاد لمزاولة المحاماة في كافة محاكم استئناف البصرة، ثم أصبح معاوناً لعميد كلية شط العرب الجامعة في بداية تأسيسها، ورئيساً لقسم القانون ومدرساً لمادة المدخل لدراسة القانون لطلبة المرحلة الأولى، ثم تولى تدريس مادة المنظمات الدولية والقانون الدولي العام لطلبة المرحلتين الثانية والثالثة لغاية استقالته من العمل في الكلية في حزيران عام 2000 ومغادرته العراق للعمل في الخليج العربي بوظيفة مستشار قانوني في شركة الملاحة القطرية، ثم سكرتيراً لمجلس إدارتها. شارك أثناء عمله في شركة الملاحة القطرية بعدد من دورات التحكيم التجاري في دبي والبحرين، وكان هو ممثلها في إحدى قضايا التحكيم التجاري أمام مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم.
سوف ينتهي عقده مع الشركة القطرية، وهو الآن تجاوز عتبة الخامسة والستين من العمر، ويتلهف للعمل في المؤسسات البحرية العراقية، التي يفترض أن تستفيد من تجاربه وخبراته الميدانية الطويلة في العمل البحري المرهق، فهل سيكون مصيره مصير الذين سبقوه من أصحاب الكفاءات العليا ؟.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

بمزيد من الحزن والاسى ننعى فقيدنا وحبيبنا ونسيبنا واخونا الغالي سهيل المطوري ابا عمار... الذي وافته المنيه في البصره الاسبوع الماضي بعد صراع مع المرض.... تغمده الله برحمته الواسعه واسكنه فسيح جناته اعاننا الله وعائلته على هذا المصاب الجلل ومنحهم وايانا الصبر والسلوان.... اولا اشكر الاستاذ العزيز الكابتن كاظم فنجان على هذه الالتفاته الرائعه لتدوين سيرة حياة فقيدنا الغالي وثانيا اقول ... اذا كانت انجازات ابو عمار الرائعه في المجال العملي .. فاقول فان انجازاته في الحياة الخاصه كانت رائعه ايضا.. فقد كان ابا حنونا بذل قصارى جهده
ويشاركه في ذلك زوجته ام عمار في تربية عائلته واحفاده فكان الناتج ذريه صالحة متعلمه بشهادات جامعيه. ولم يكتف بذلك وانما امتد اهتمامه بالاقارب والاصدقاء ليشملهم برعايته وحنانه.... رحمك الله ياابا عمار واسكنك فسيح جنانه.... الفاتحه

سلاح احمد حسين المختار