قصص قصيرة جدا ً
عادل كامل
[1] هدية
ليس لأن صاحب الجريدة، التي
عمل فيها سنوات غير قليلة، لم يسدد له أجوره، لأشهر عديدة، وقرر ان يترك العمل
فيها، بل لأنه شعر بما لا يوصف من المهانة، والإذلال، انه اختار المهنة الوحيدة
التي كان عليه أن لا يختارها...
فكتب إلى صاحب الجريدة، رسالة،
جاء فيها: كنت أفضل ان أولد من غير أصابع، كي لا اعمل في جريدتك، بل كي لا ارتكب
إثم الكتابة....، ولكن....، عندما لا يكون للآسف قيمة، ومعنى، وأهمية، فانا لم أجد
أفضل هدية أقدمها إلى جريدتكم الغراء، إلا أصابعي، مرفقة مع هذه الكلمات، كي لا
أعود إلى ارتكاب الآثام!
[2] ممرات
عندما وصل إلى المدينة، وتلمس
جسده، من الرأس إلى باقي الأجزاء، لم يصدق انه اجتاز العقبات كافة، ولم يفقد جزءا
ً من أجزاء جسده! فعندما نجا من المجموعة
الأولى، ظن ان الثانية ـ كما شاهد ما كانت تفعله ـ ستحسم أمر حياته، لكنه، بعد ان
اجتاز المجموعة الثالثة، لم يعد يكترث ان عاش أو مات. إنما وجد نفسه شارد الذهن،
يتمتم، وهو يفكر في طريق الرجوع إلى البيت: هل سيحصل الأمر نفسه ....، ويسمح له
بالعودة من غير خسائر، أم ان حياته لا تساوي شيئا ً، حتى إنها بدت لهم فائضة ـ فكر
مع نفسه ـ أم إنها لا تساوي شيئا ً؟
[3] غرابة
غريب...، سأل العجوز المحتضر نفسه، لو لم يكن
هناك ظلام فمن ذا يستطيع ان يعرف ان هناك نورا ً......، ولو لم يكن ثمة تراب وصخور
ومستنقعات كيف كان باستطاعتي ان اعرف ان هناك رياحا ً، وغيوما ً، ونجوما ً....،
ولو لم يكن هناك أشرار فمن ذا يميزهم عن الناس الطيبين....، ورغم تلعثمه أضاف: ولو
لم يكن هناك غياب فمن ذا كان يستطيع ان يلفت نظرنا إلى هذا الحضور...؟ لم يغلق فمه، بل وجد انه يتمتم: بل الأكثر غرابة
....، لو لم يكن هناك نور...، ولو لم تكن هناك وحول وحجارة ومياه آسنة...، ولو لم
تكن هناك نسمات، وعطور، وناس بسطاء، شرفاء...، ولو لم أكن أمضيت حياتي ابحث عن هذا
الذي لا وجود له ....، من ذا كان باستطاعته ان يعرف انه امضي العمر كله متنقلا ً
بينهما، وانه سيرحل، وكأنه لم ير النور، وكأن الظلمات لا وجود لها!
[4] كتب
ليس لأنه أصبح واهن البصر،
ووحيدا ً، أو بعدم جدوى القراءة أو الاستمتاع بها، قرر ان يتخلى عن الكتب التي
اقتناها، وجمعها، طوال حياته....، بل حزن حد الشرود ان يكون مصيرها ـ بعد موته ـ الذهاب إلى مكان مجهول....، عند جامعي
المستهلكات، أو ان يتم إتلافها، أو تركها للأرضة، والغبار، أو توضع في حاويات
النفايات.
ولكنه حزن أكثر، بذهول، انه لم
يجد أحدا ً يرغب بها، هدية منه، وهي الكتب التي اقتناها، بعناية، خلال عقود، وانفق
عليها الكثير من موارده، رغم شحتها....، لا كتب الأدب، ولا كتب التاريخ، ولا كتب
الفلسفة، ولا كتب العلوم ........، فقد كان يستمع إلى كلماتهم:
ـ ماذا نفعل بها، وبيوتنا ضيقة...
وقال آخر:
ـ ربما تكون من الكتب المفسدة، أو الممنوعة، أو ....
وقال آخر:
ـ لا احد لدينا لديه وقت للقراءة...
وسمع الآخر يقول:
ـ حرام ...، ان نضّيع زمننا في القراءة، وهل لدينا وقت نهدره، ولكن وااسفاه
كم أنفقت من المال عليها!
وسمع آخر يقول له:
ـ وهل لدينا مجانين يهدرون وقتهم في قراءتها....
وهو يتلمسها، بأصابع مرتجفة،
الكتاب بعد الآخر، مستعيدا ً لحظات الاقتناء، وزمن القراءة الأولى، تاريخها،
والقراءات الثانية، الكتب التي اعتنى بتجليدها، وحفظها، حتى انه راح يستنشق عطر كل
كتاب، يميزه عن الكتاب الآخر، وهو يستعيد بعض الصفحات، وتأشيراته، بقلم الرصاص،
تحت بعض السطور، أو في مواضع متفرقة....، فقال لنفسه:
ـ هل حقا ً لا احد بحاجة لها، وإنني لم استطع ان اضمن لها مصير لائق! لكن من
ذا سيمحوها من روحي، حتى فقدت الذاكرة..؟
14/8/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق