الأحد، 13 أبريل 2014

قصص قصيرة جداً-عادل كامل

قصص قصيرة جداً


عادل كامل


مقدمة:
قال الجنيد:
     " فقد حكي عن الجنيد انه رأى رجلا ً مصلوبا ً وقد قطعت يداه ورجلاه ولسانه. وعندما استفسر عن سبب ذلك قيل له كان ديدنه السرقة فقطعت يده في السرقة الأولى والأخرى في الثانية، فثابر على السرقة برجليه فقطعتا على التوالي، فاخذ يسرق بلسانه فقطع لسانه، واستمر بالسرقة إلى ان آل به القضاء إلى القتل! آنذاك اقترب منه وقّبله، فقيل له:
ـ تقبل جسد لص مصلوب؟ّ!
ـ إنما أفعل ذلك لثباته!"
وقال الجنيد أيضا ً: " الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة!"
وقال ألنفرّي: " كل جزيئة في الكون موقف"
وقال محي الدين بن عربي: "لا يؤاخذ الجاهل بجهل، فإن جهله له وجه في العلم" وقال أيضا ً:" لا يصح الترادف في العالم، لأن الترادف تكرار وليس في الوجود تكرار"
وقال أبو علي الدقاق: " الإرادة لوعة في الفؤاد، ولدغة في القلب، وغرام في الضمير، وانزعاج في الباطن، ونيران تتأجج في القلوب"


22] مراقبة
ـ هل قرأت ما كتبه احدهم عنك وقال انك كنت تراقبه كي توشي به ..؟
ـ لو كان هذا بلا ذنوب لفعلت ذلك، أأراقب من ذهب ابعد من الإثم..؟
ـ لكنك كنت تستطيع محوه..؟
ـ أأمحو ممحوا ً، وأنا لم افعل ذلك إلا مع نفسي!
[23] المنفى
ـ ما الذي جئت تفعله في بلادنا..؟
ـ مع ان الأرض، كالسماء، والهواء، ليست لأحد، لكن هل حقا ً غادرت بلادي؟
[24] حلم
   تلمس جسده من الأعلى حتى أصابع قدميه، وتأكد انه لم يذهب إلى سريره، وانه لا يحلم. فهو، منذ أيام، لم يسمع صوت رصاصة، ولا دوي انفجار، ولا استغاثة، أو عياط ثكالى ...، إنما، دار بخلده، انه لا يمتلك قدرة إثبات انه على قيد الحياة، مما جعله يكتم استغاثة كادت تفسد عليه الحلم.
[25] ممرات
    "من الوهم إلى الحقيقة، أم من الحقيقة إلى الوهم، سيان، فانا قطعت المسافة التي كان عليها ان تضعني أمام .......، هذا البحر.
   مد أصابعه في الهواء، فرآها تمتد، وأبصر، فرأى بصره لا يرتد، وعندما تنفس عميقا ً، اكتشف انه فقد جسده، آنذاك لم يعد يتكلم، دار بخلده، لا معنى للمسافات مهما امتدت بين نهاياتها والمقدمات، ولا بين المطلق وهذا الصفر.
[26] عقد قران
ـ هل تعرف انك تجلس فوق الأرض التي جرت فوقها أقسى المعارك وأعنفها، وان الأرض ارتوت حتى أزهرت هذه الغابات، وهذه الورود...؟
ـ وهل هناك بلاد لم تسفك فوق أرضها الدماء..؟
ـ هناك، هناك، يا سيدي، البلاد التي مازالت الدماء تسفك فوق أرضها..!
ـ يحصل ذلك كي يخرج زرعها أقوى ..!
ـ آ .....، الآن فهمت لماذا المدن البيضاء، لا تموت، وكأن القدر لم يجد سواها لعقد قرانه معها!
     وكف عن الكلام، منشغلا ً بمراقبة حفل عقد قران ولده مع البنت التي تزينت بثمار الغابة، وبزنبقها. آنذاك آفاق، غير مكترث ان كان قد خرج من الأرض، أو انه في الطريق إليها.
[27] حرية
ـ أذهب فأنت طليق!
    فلم يجد أمامه إلا مساحة كلما تقدم فيها اتسعت، وامتدت. أسرع، وأسرع، وكلما أسرع وجدها تمتد، وتغويه بالإسراع، حتى لم يعد يمتلك قدرة إلا ان يسأل نفسه: هل حقا ً أنا طليق ..؟
   لم يعثر على إجابة. فقال مع نفسه: عندما كنت لا استطيع ان أتفوه بكلمة، لم أكن احلم بفضاء كهذا كلما تقدمت فيه اتسع، فقط كنت احلم ألا ادفن بمعزل عن أحلامي، إنما، هذه هي المحنة: إن تخليت عنها لم تتخل عنك، وإن تركتك، تجد نفسك تبحث عنها.
[28] رفيف
ـ اخبرني: كم هدمتم، قتلتم، كم اغتصبتم، سرقتم، وكم أفسدتم، كي تقولوا لنا إنكم فعلتم ذلك من اجلنا..؟
ـ قل لنا ماذا نفعل؟
ـ افعلوا ما شئتم
ـ لكن لا تقولوا أنكم فعلتم ذلك من اجل حريتنا.
ـ هل تتذكر ماذا فعلوا بنا..؟
ـ هم قتلوا، هدموا، افسدوا، فهل جئتم كي تكملوا ....؟
ـ ماذا تريد ان تقول؟
ـ أقول ....، أنا لست أكثر من بذرة دفنت، دفنت عميقا ً، كي تخرج، كي تخرج كما يخرج الزرع، آنذاك يكون لروحي أجنحة كالتي تراها تحّوم فوقنا، أنت لا تراها، وأنا لا انتظر منها إلا هذا الرفيف.
[29] حوار
  وأنا في الطريق، سمعت إحدى الجدات تسأل حفيدها: أتعرف متى يذهب الناس إلى العمل، وهم لا يذهبون إلا عندما تشرق الشمس، لماذا ..؟
  أجاب حفيدها مبتسما ً:
ـ وهل لدي ّ إجابة، فالشمس عندما تشرق، ولا تجد من يذهب إلى العمل، تحزن!
ـ جميل، والناس..؟
ـ والناس، عندما لا يذهبون إلى العمل، رغم وجود الشمس، فهم ليسوا إلا موتى!
ـ أحسنت، ولكن ماذا فهمت؟
ـ فهمت، فهمت، لم افهم شيئا ً!
ـ أحسنت!
فقال وهو يبتسم أيضا:
ـ لم اجب، وحصلت على الثناء، فماذا لو قلت ان الشمس لا تشرق إلا لتجد من يعمل، ومن لا يعمل فكأن الشمس لم تشرق قط!
[29] اللوح
       وهو يعالج بقايا ألواح طينية متصلبة، سأله زميله:
ـ هل وضعت يدك على السر..؟
   لو كان ثمة سر حقا ً لتحتم علي ّ الذهاب إلى مخفياته، من ثم إلى ما يريد الإفصاح عنه، والى عناصره، وما يتوارى فيها، كي أدرك، في نهاية المطاف، ان الأسرار هي الانشغال بها، وإعادة البحث في السؤال: ما الذي لم يدوّن، وما الذي كان عصيا ً على التدوّين.
قال لمساعده:
ـ بلغت الحرب ذروتها، ولم يبق منها سوى هذا الأثر. كائنات شبيهة بنا كان شعارها أيضا ً: النصر أو الموت!
   فقال مساعده بتندرك:
ـ والحرب بلغت ذروتها ...
ـ اللوح يحكي هذا تماما ً، فهل أخبركم بالسر؟
[30] سر
    وهو يمسك ببقايا عضوية تحجرت:
ـ الكائنات الأشد ضراوة، وقسوة، وصلابة، تغلبت على الكائنات الرخوة، فقضت عليها، ولم تخلف إلا هذه المتحجرات التي بين يدي ّ، هذه القواقع، وهذه الهياكل، لتبرهن كم كانت المواجهة شرسة، والتي لم تخلف إلا هذا الذي تراه..
ـ تُرى ما الذي سنتركه بعد رحيلنا ..؟
ـ ليس سوى إضافة مخلفات لا تروي شيئا ً يستحق الذكر. فقد كان الاشتباك عقيما ً، وجرى من غير رحمة، ليحول اصلب الكائنات إلى: غبار، والى رماد.
ـ لم تبق لنا، يا صديقي، أملا ً نتعكز عليه!
ـ هنا تحديدا ًتكمن الغواية؛ تخسر الكائنات حياتها كي تأتي أخرى تسلك الدرب نفسه، لأنها جميعا ً لم تذهب ابعد من ان تترك هذا المحو.
ـ وهذه الغابة التي ننقب فيها، ونجري بحوثنا فيها..؟
ـ هي وحدها تكتم السر الذي يحافظ على ديمومته.
[31] غواية
   خاطب النحات:
ـ كأنك تعيش في الماضي السحيق، حتى أصبحت مولعا ً بصناعة مجسمات صغيرة، وكأنك استخرجتها توا ً من أعماق الأرض: بقايا كائنات، شقوق، وتصدعات، وندب، و ..
ـ وهل باستطاعة الإنسان ان يترك سوى هذه المخلفات، التي بدورها، لا تمتلك إلا ان تتوارى، مندمجة بعضها بالبعض الآخر، مع العناصر، ومع مكوناته النائية..
ـ لكن عالمنا اليوم منشغل بالحفاظ على مصائرنا!
ـ ومن قال لك ان أسلافنا كانوا لا يمتلكون هذه الغواية؟
[32] إكليل
  بعد عقد قرانهما، طوق رأسيهما بإكليل من الورد، هامسا ً:
ـ افرحا. ولم يقل: وحده يذهب كأنه لم يأت ْ.
فقالت البنت:
ـ تعال شاركنا فرحنا، فأنت الأصل ..
ـ أنا ذهب زمن فرحي.
فقال الزوج الذي يقف بجوار زوجته:
ـ وهل للفرح زمن...؟
نظر العجوز إلى شريكة حياته، وقال لها.
ـ إذا ً لدينا القليل الذي علينا ألا نفقده.


 

ليست هناك تعليقات: