عراقيون تواقون لعودة الباص الأحمر الى شوارع بغداد
هل يعود الباص الأحمر وتعود أيامه الجميلة في تأمين النقل وتوفير الأمان والوصول إلى مناطق المدينة كافة بزمن معقول ومبلغ لا يرهق جيب المواطن؟.. أمنية أو هو حلم طال انتظاره، تسعى الشركة العامة للنقل البري اليوم إلى تحقيقه عبر توجهاتها الجادة والجديدة للإسهام في حل المشكلة المرورية في البلاد وتأمين خدمات أفضل، هذا على الأقل ما أعلن بعدما تعاقدت وزارة النقل مع شركات كورية لتزويد العراق بالحافلات الحُمر ذات الطابقين وعلى وجبات.. وبانتظار وصولها ومعاودتها دورها، إذ تبقى حافلات النقل العام جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الشعبية والثقافية لعراق القرن العشرين.
الباصات أيام زمان
أبو احمد (كاسب) رجل تجاوز السبعين يتذكر أيام الباص الأحمر ذي الطابق الواحد قائلا: "باص المصلحة تحرك في شوارع بغداد أول مرة من باب المعظم شمالا والباب الشرقي جنوبا عبر شارع الرشيد الذي يعد الشارع الأهم في العاصمة بغداد"، بينما يقول المفتش المتقاعد حسن جبر "تشكلت مصلحة نقل الركاب سنة 1938 شهر حزيران وأُلفت أول لجنة لإدارتها ولكنها لم تعقد أي اجتماع لها حتى 4 حزيران 1940 وتقرر في تشرين الأول عقد اتفاقية مع إحدى الشركات الانكليزية لشراء مئة باص لكن نتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية ألغيت الاتفاقية في عام 1942 وبذلك جمدت أعمال المصلحة وتأخر المشروع"، وأضاف جبر، "وبعد تجميدها نقلت أعمالها إلى أمانة العاصمة وتأسست شعبة تتولى مهمة نقل الركاب في العاصمة وقد اشترت الشعبة هذه بعض مخلفات الجيش البريطاني في العراق من اللوريات وركبت لها أبدان خشبية واستعملتها لنقل الركاب"، وأشار إلى انه "منذ نلك الحين والناس يدعون باصات المصلحة (الأمانة) بسبب تبعيتها لأمانة العاصمة وما زال الناس يدعونها الأمانة إلى يومنا هذا". وفي مطالعتنا لتاريخ مصلحة نقل الركاب نجد أن عام 1943 شهد تسيير 21 باصا خشبيا في شارع الرشيد وأعطي الرقم اثنين وتدريجيا توسع عمل مصلحة نقل الركاب وتعددت دوائرها واستمرت شعبة النقليات في أمانة العاصمة بشراء سيارات وشاحنات الجيش البريطاني حتى العام 1945 من (كومر) والتي ساعدت على فتح خطوط وفي 1946 تم توقيع أول عقد لشراء باصات جديدة (27) باصا وفي العام 1947 بلغ عدد الباصات 113 باصا مستعملا وسبعة عاطلا وتجمع بين السيارات التي أبدانها من خشب وكذلك الجديدة مما دعا إلى تشكيل مديرية مصلحة نقل الركاب مرة ثانية ولكنها بقيت مرتبطة بأمانة العاصمة ويرأسها أمين العاصمة وبما ان أمين العاصمة لا يستطيع التفرغ لأعمال هذه المصلحة لم تتمكن من التقدم بحيث تؤمن الحاجة المطلوبة لذلك كثرت الشكاوى حول عجزها". وأردف "ففكر المسؤولون بإعادة النظر فيها وفك ارتباطها من أمانة العاصمة.. وارتبطت بوزارة الداخلية، ثم فك ارتباطها من أمانة العاصمة، ولكنها هذه المرة ارتبطت بوزارة الداخلية على شكل مديرية عامة، أما الناس فقد بقوا يدعون الباصات (الأمانة) ولم يسموها (داخلية)"!!.
تطور إمكانات المصلحة
وفي العودة إلى أرشيف مصلحة نقل الركاب نجد تطورها وفق التسلسل الزمني كما يأتي:
أواخر العام 1951 وصلت صفقة مكونة من (100) باص ذات طابق واحد وأخذت تعمل في شوارع بغداد، وفي 18/2/1953 فتحت الدورة الأولى للتدريب على السواقة، وفي العام نفسه وصلت صفقة أيضا مكونة من 100 باص آخر ذي طابق واحد.. وفي العام 1954 أضيف باص واحد فقط كان قد عرض في المعرض التجاري البريطاني وتم شراؤه من المعرض. وبوصول الوجبة الثالثة من الباصات والمكونة من 20 باصا من ذات الطابقين في العام 1953، قررت المصلحة اعتبار باصات "كومر"المشتراة في العام 1946 – 1947 بحكم المنقرضة وتم سحبها من العمل.
وقد وصلت بغداد في العام 1956، مئة باص جديد، مما دعا المصلحة إلى فتح مدرسة لتعليم السياقة تخرج منها في السنة نفسها 25 سائقا.
بقيت المصلحة تابعة لوزارة الداخلية حتى عام 1959 اذ تم فك ارتباطها من الداخلية، وتم تحويلها إلى وزارة البلديات.
في العام 1960 استطاع مهندسو وعمال المصلحة من إنتاج باصين أطلق عليهما اسم "بغداد".
ثم تسلمت المصلحة 100 باص آخر حتى العام 1962 إذ وصل 80 باصا بطابقين، ثم دخلت باصات نصر من جمهورية مصر العربية وعمل في شوارع بغداد 67 باصا من هذا النوع.
مدراء المصلحة
ويتذكر العديد من السواق والجباة والعاملين في الشركة العامة لنقل الركاب بالاعتزاز بأولئك الرجال الذين نهضوا واشرفوا على عمل "باصات المصلحة"وفي المقدمة منهم المدير العام سيد جعفر الذي حمل شرف التطوير في الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي وتلاه الأستاذ يحيى عبد الباقي مديرا عاما في الستينات والسبعينات ثم الملا حويش في الثمانينات وبعده يحيى العاني.
(الأمانة) ودقة التنظيم
والمصلحة التي حملت اللون الأحمر وتميزت بأنواعها ذات الطابق والطابقين كانت في غاية التنظيم والدقة في آلية عملها فالباص أساسا يعتمد على ثلاث شخصيات في نظام سيره وهم السائق والجابي والمفتش وهؤلاء لكل منهم لباسه الرصاصي المميز ورقمه والجابي هو قاطع التذاكر للركاب وثمن التذكرة في الدرجة الأولى (15) فلسا والدرجة الثانية ذات المقاعد الخشبية (10) فلوس، وعادة يصعد المفتش ليدقق في تذاكر الركاب ويؤشرها فإذا ما وجد خللاً في عدم قطع التذاكر تتم محاسبة الجابي، وعموما السائق لا يتحرك من خط سيره إذا لم يسمع جرس الجابي إشارة للانطلاق، "والجابي"في قطع التذاكر يعرف أن هناك قانونا ملزما له في استيفاء أجور التذاكر بيد أن هنالك إعفاءات من عدم دفع الأجور لمنتسبي مصلحة نقل الركاب بعد إبراز هوياتهم وكذلك إعفاء شرطي المرور وفاقدي البصر والمعوقين والمتخلف عقليا، كما أن هناك تخفيضا للطلبة وهناك بطاقات ركوب شهرية.
محطات الوقوف وأرقام الخطوط
والباصات التي تنوعت وتكاثرت أصبحت تغطي مناطق بغداد وأطرافها كافة وخطوط سير المركبات "المصلحة"عادة لها نقاط إطلاق خط بداية وخط نهاية وما بينهما محطات ركوب للمواطنين معلقة على أعمدة بين مسافة وأخرى ضمن خط سير الباص يقف عندها الركاب او من يروم النزول وأماكن الانتظار هذه بعضها غير مسقف وبعضها الآخر اعتمدت فيه مظلات ومساطب للجلوس ولحمايتهم من حر الصيف وبرد الشتاء، أما أرقام الخطوط فنذكر منها الرشيد رقم 2 والقصر الأبيض أو ساحة الأندلس رقم 4 والكرميات 5 وخط راغبة خاتون، والوزيرية رقم 7 والكفاح ـ الباب الشرقي 8 وباب المعظم ـ شيخ عمر 9 ومعسكر الرشيد رقم 10 والميدان ـ المسبح 11 وكرادة مريم 12 ومدينة الحرية ـ ساحة الشهداء 25 والمنصور 30 والميدان ـ الضباط 36 والثورة داخل 39 والثورة 63 والبواضية 22 والعامرية ـ باب المعظم 66 والدورة ـ ابو دشير 126 والباصات الحُمر تجوب شوارع المدينة بخطوط منتظمة ومواعيد انطلاق ثابتة ومواعيد انطلاق ثابتة ومواقف محدده لها أرقام سير معروفة للأهالي كما ذكرنا بل ونجد هناك حافلة خافرة توصل السائقين والجباة بعد انتهاء واجباتهم الساعة 12 ليلا إلى بيوتهم فيما يتم إيواء الحافلات في كراجات مخصصة حسب خطوط السير وهذه (الكراجات) الكبيرة المساحة تتوفر فيها ورش للإدامة والتصليح والتجهيز بالوقود ويوجد فيها العشرات والمئات من أفضل الفنيين.
الباص الأحمر والجولات الشبابية
وللباص الأحمر ذي الطابقين الذي كان يخترق شوارع بغداد طولا وعرضاً ويغطي كل مناطقها في خط سيره بخط معقول، علامة فارقة للمدينة مثلما كان عنوانا للمعرفة والتسلية البريئة للشباب، الذين الذي يفضلون الطابق العلوي على الطابق الآخر، ففي الطابق الثاني يمكنك أن تراقب معالم المدينة بدورها وأسواقها وجوامعها وجسورها، وأحيانا يمكنك أن تدخن سيكارة بعيدا عن رقابة (الجابي) لأن التدخين في المصلحة ممنوع أساساً، حيث تجد أمامك عبارة (التدخين ممنوع رجاءً) وفوقها عبارة (ساعد الجابي بأصغر نقد كاف)، والشباب عموما وطلبة المدارس خصوصا كانوا يجدون فيه الوسيلة الأمثل للنقل والوصول الى المدرسة والعودة إلى البيت عبر اقتناء تذاكر شهرية مخفضة مكتوب عليها (للطلبة).
والتنقل في الباص حالة مثلت عند المواطنين ارتياحا كبيرا لأمنها وأمانها في النقل، وعموما هذه الحافلات كثيرا ما تحولت إلى ميدان تعارف بين الناس وخاصة النسوة، وتجد فيها غالبا نقاشات تتناول مواضيع اجتماعية وسياسية أحيانا وكثيرا ما يحتدم النقاش حول مسألة أو قضية ما مثل زيادة الرواتب أو فقدان (البيض) من الأسواق أو الزحام على التبضع وغيرها من المسائل.
نادي المصلحة وفريقها الكروي
ولنقل الركاب أيضا نادٍ اجتماعي عريق كان مقره في الباب المعظم ومثل ولزمن طويل ملتقى للطلبة والأدباء والمثقفين، وكثيرا ما كانت تقام فيه أمسيات وحفلات اجتماعية، وكذلك كان لمصلحة تنقل الركاب فريق كردي شهير يشارك في الدوري عاده وكثيرا ما حصد الجوائز ومن لاعبيه المشهورين من النجوم آنذاك حارس المرمى محمد ثامر واللاعب جبار رشك وقيس حميد وخوشابا وغيرهم العديد.
الشركة ونظامها
الشركة العامة لنقل الركاب كانت تعمل بنظام التمويل المركزي لكنها تحولت إلى الشركة العامة لنقل الركاب بموجب قانون الشركة رقم 22 لسنة 2000 والذي يهدف إلى نقل الأشخاص بواسطة حافلاتها داخل بغداد وبين المحافظات وبين العراق ودول الجوار.
ولنا كلمة
اليوم أغلب حافلات (الأمانة) أو (المصلحة) لا وجود لها في الميدان بل أن ما تبقى منها قليل جدا (الصينية) وهي التي تنفث سمومها من الغازات فيما تبدو (عطلاتها)، وحلت محلها باصات صفر في الشوارع قليلة العدد تحمل اسم مجلس محافظة بغداد تقدم خدماتها للطلبة وساهمت في خدمة النقل ولكنها لم تكن ولن تكون بديلا عن تلك الباصات ذات الطابقين وسعتها وجماليتها ومتانتها ونظامها وخطوط سيرها التي غطت عموم بغداد الحبيبة لذلك حينما تزف لنا الشركة العامة للنقل البري أنباء توقيعها عقدا لـ350 باصا آخر من ذي الطابقين لتعود الى شوارع العاصمة فأن الأمل يحدونا بعودة العافية للنقل وخدمة المواطن.
أرقام خطوط السير في الموصل
كان لمصلحة نقل الركاب دور حيوي ومهم في تأمين النقل في اغلب مناطق العراق وليس مدينة بغداد فقط مع ان لها حصة الأسد بيد ان ذلك لا يعني إهمال المحافظات العراقية وإنما توزع الجهد بشكل ايجابي لخدمة المواطن عبر باصات النقل العام ذات اللون الأحمر وفبما يلي أرقام خطوط السير لتلك الباصات في محافظة الموصل.
الربيع (1) المحطة، مستشفى (2) المطار، باب الطوب (3) الغزلاني، باب الطوب (4) حي الثورة، المستشفى (5) النبي، باب الطوب (6) المنصور، باب الطوب (7) موصل الجديدة، باب الطوب (8) الزهور، باب الطوب (9) المجموعة الثقافية، مستشفى (10) القاضية، باب الطوب (11) حمام العليل، باب الطوب (12) اليرموك، باب الطوب (13) المالية، وادي حجر (13/6) المنصور، باب الطوب (14) الرشيدية، باب الطوب (15) الزنجيلي، باب الطوب (16) حي المحاربين، باب الطوب (17) التلفزيون، باب الطوب (18) حي الثورة، باب الطوب (19) وادي العين، باب الطوب (20) الشيخان، باب الطوب (21) مدرسة المشاة، (22) الحدباء، باب الطوب (23) البوسيف، باب الطوب (24) حي المصارف، باب الطوب (25) بادوش، باب الطوب (26) يارمجة، باب الطوب (27) حي العريبي.
طرائف عن سير الباصات
مدينة بغداد استخدمت في وسائط نقلها ايام العشرينات من القرن الماضي "القفه "و "الزوارق "للتنقل بين صوبي الكرخ والرصافة ثم استخدمت "الكاريات "على خط سكة وبعدها اعتمدت عربات الخيل او ما يسمى بـ الربل "ما عدا بعض السيارات الخصوصية بداية الثلاثينات وكانت ابدان هذه الباصات مصنوعة محليا من الخشب وقد اخذت الاعداد تتزايد يوما بعد يوم مع تطور حركة العمران التي شملت بعض الضواحي المحيطة ببغداد . ومن الطريف ان احدهم قام بصناعة باص خشبي ذي طابقين فسيره في شوارع بغداد فجأة مما أثار دهشة الناس واستغرابهم الا ان هذه الباصات جميعا لم تنجح وذلك لخطورتها وحشر المسافرون فيها يفوق استيعابها والغاية من ذلك تحقيق الربح فقط .
وعندما سير اول باص بين باصات مصلحة نقل الركاب "الأمانة" فمن الطرائف التي تذكر عند تسييرها بين باب المعظم والجعيفر ان اصحاب القوارب البلامة الذين كانوا يعبرون الاهالي يكادون يفقدون رزقهم مما جعلهم يعتدون على السواق ولكن ذلك لم يجد نقصا ولهذا ابتكروا طريقة أخرى لتأخير "الباص "وهي انهم عندما يرون الناس يركبون الباص يقدمون السمك المشوي للسائق والجابي مما يسبب تأخيرهم فيضجر الناس ويتجهون الى القوارب.
أما طلبة دار المعلمين العالية فكانوا لا يدفعون اجور النقل فيقومون بالاستيلاء على "سدارة "الجابي ويرمونها من الامام الى الخلف وبالعكس وهكذا تعم الفوضى الى ان يصلوا الدار "كلية التربية "حاليا بدون اجور النقل .
هناك تعليق واحد:
وفقكم الله تعالى على هذا التاريخ ، وبودي ان اضيف شيء لم يذكره الكاتب العزيز ، كانوا البعض ممن يشعر بالملل ولاسيما كبار السن وانا ممن كان يمارسها نركب الباص في الطابق العلوي رقم15 كرادة فيمر على القصر الجمهوري ويصل الى نهاية الخط فنعود معه وبالاخص عصراً في ايام الصيف نستمتع بمناظر الحدائق الجميلة والرائحة الطيبة ، ذكريات جميلة .
واود ان اقول المراقبة على الحافلات في الوقت الحاضر قلية او معدومة لاني عدة مرات استقل الباص والجابي يأخذ المبلغ ولا يقطع تذكرة ، مما اضطر ان اترك الباص لسوء اخلاق البعض من الجباة ، فياريت ان يرتدوا البدلة الرسمية ، وان يعيدوا قدسية الامانة ، كانت سابقاً لها وقت محدد وتقف في الاماكن المخصصة بدون صدور اصوات ، أما الان يقف الجابي والسائق في الشارع وينادي بأعلى صوته (باب المعظم)، كأنما في سوق هرج .. ان شاء الله ستعيد المصلحة رونقها وبهائها بجهود الخيرين من هذا البلد المعطاء .. اكرر شكري وامتناني للكاتب ومن اضاف من ذاكرته شيء ؛ ولا تنسى اهم رقم كان (18) كاظمية-باب المعظم ... ومن الله التوفيق ....
اخوكم ابو احمد العيساوي
نسألكم الدعـــاء
إرسال تعليق