الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011
ماذا تعنون بالليبرالية الديمقراطية؟ - راغب الركابي
راغب الركابي
يوجه إلينا في العادة هذا السؤال التراتُبي: ماذا تعنون بالليبرالية الديمقراطية؟ وبماذا تتميز؟ وماهي أهم خصائصها؟، يأتينا هذا السؤال من أصدقاء ومن مخالفين،
ونحن دوماً نجيب عن ذلك بجواب بسيط يرتبط بما هو متبادر وبما هو متعلق وبما تمثله الليبرالية من قيم في الحياة وللحياة، ونحن على الدوام نربط بين هذه القيم وبما يُمكن تحقيقه للفرد وللجماعة منها، ولأننا في العراق وفي المنطقة العربية والإسلامية نعاني من جملة مشاكل وإشكاليات لا نرى في واقع الحال ما يُمكنه إنقاذنا وترميم جراحنا من غير الليبرالية وقيمها في العدل وفي الحرية وفي السلام، لذلك نربط الإزدهار والتقدم بها، كما نربط بها كل حالة تفكيكية وتحليلية للواقع وفيماهو نافع وغير نافع في حياتنا بها، ولا نبالغ إذا ما قلنا بان المستقبل المنشود والمزدهر مرتبط بها، ولهذا صارت هي الهدف وهي الغاية من الوجود ومن الحياة .
وفي ذلك إنما نجعل من الليبرالية الديمقراطية الشيء المتحرك فينا وفي حياتنا، وكذا المتصل بكل قيم الخير التي نسعى لها، فقيمها ليست إفتراضية أو ذهنية ولا هي نافعة للمستقبل ولا يجوز أن نؤجل فعلها وحركيتها لما بعد التأسيس في كل دولة من دولنا الجديدة، بلى هي حاضرة في ذهن الجميع حتى في ذهن وعقل المناوئين لها أو الظانين بها ظن السوء، لذلك ينتحلون صفات وأسماء من أجل تقريب وجهات نظرهم، بعدما عرفوا إن الشعوب ترفض كل فكر شمولي أو أحادي، وعرفوا إن الشعوب ميالة للمشاركة في صُنع قراراتها، هنا نقول إن الليبرالية الديمقراطية حاضرة في فكرها وفي طريقة تفكيرها التي تطغى على أو في ألسن الجميع، من خلال مفرداتها التكوينية في الحوار وفي الجدل بالحسنى وفي الإيمان بالآخر المُختلف وفي كفالة ذلك وفي تعميمه .
من هنا أقول : إن الإقبال من العراقيين والعرب عليها هو إقبال يرتبط بمصيرهم وحاضرهم كما إنه يرتبط بقيمهم، فليس هناك من حلّ لمشكلاتهم الجمه غير تبني الليبرالية الديمقراطية ليس في العلاج وحسب بل وفي الوقاية، لهذا كان نزوع الناس إليها نزوعاً مندكاً في ومع الطريقة التي يمكنهم فيها ومن خلالها التقدم والتطور، طبعاً قد يقول قائل : لماذا هذا الإيمان بها وبمستقبلها ؟، وأنت ترى إختيارات الناس التي بانت في إتجاه آخر، أقول : نعم هذا صحيح فالطبقات المسحوقة من شعوبنا عانت من الدكتاتورية والإستبداد والظلم، ولم يكن في تخيلها الخلاص من هذا الظلم كما لم يكن في تخيلهم هذا الإنقلاب وهذا التغير، فالجميع كان يؤمن بالمعجزة وبالتدخل الغيبي، ولهذا ربط هذا البعض ما يحدث من تغيير ككونه إستجابة من الغيب لما كان يعانيه الناس، هذا الإيمان ولد نزوعاً عاطفياً مرتبطاً بطبيعة كل إنقلاب أو كل مرحلة إنتقالية من قبل ان تستتب الأمور وتتضح .
فحاجات الناس وهمومهم مرتبطة بالفعل اليومي وطبيعي إن الحكم يكون بناءاً على النتائج، ولأن حال المجتمعات العربية عموماً ستبقى تعيش الألم وتعيش الحرمان، ولأن ما في الواجهة هم أولئك الذين كانوا ولا زالوا يمنون الناس بالحلول السحرية، ولأن ذلك قد أنكشف وثبت إن من هم والساعين إنما هم طُلاب مناصب وكراسي ليس إلاّ، لهذا تبين للكثير أن لا مناص من غير العودة إلى الحلول الواقعية المنسجمة من طبيعة الإنسان ونفسه، تلك الحلول المرتبطة بواقعه وطموحه وأحلامه .
أقول هذا وأنا أرى وأسمع كيف تم لدى الكثير هذا التبدل وكيف تم لهم هذا النضوج وكيف تمت لديهم أسباب كل هذه المعرفة، فالعراقيون وهم رواد هذا الإنقلاب التاريخي في الواقع العربي تلمسوا عن قرب ومن بعد طول معانات وجهد، ماذا يعني لديهم وماذا يعنيهم الوعي والإيمان والإرتباط بالوطن، كما إنهم عرفوا معنى العمل ومعنى التضحية ومعنى ان يكونوا معاً وجميعاً موحدين غير مفرقين، ونقول بإفتخار إننا في - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي - قد بينا منذ سنيين معنى الإنتماء ومعنى الهوية وكيف يكون التفكير الصحيح الجريء الحر القادر على تسمية الأشياء بمسمياتها، وفي ذلك كنا دعاة للوحدة ولتنظيم الصفوف وإحترام القانون وسيادته في مواجهة الإرهاب والغوغاء وأولئك السفسطائيين وأهل الكلام، فعندنا الإنسان هدف وغاية ومن أجله لابد من العمل الحر النزيه العمل المبدع الذي يؤمن بالتطور سلوكاً وغاية، وعندنا تتميز الألوان وتتوضح الصورة فحاضرنا الذي يبدو غير واضح المعالم عند البعض هو عندنا واضح جلي، لأننا نؤمن بقدرة شعبنا على تخطي كل العقبات والمعضلات لذلك لن يستسلم ولن يخبو ولن يحيد .
أقول : إن القيم الليبرالية التي نفتخر بها ونفاخر تُجسدها تجارب أمم وشعوب تمسكت بها وأنتفعت وتقدمت وطال عودها وأستقام، ولهذا لن نألوا جهداً في أن نجعل منها طريقاً لحياة شعوبنا ومجتمعاتنا، وهذا هو إيماننا الذي نتمثله في الواقع، والذي هو عندنا يعني الحياة الحرة المستقلة المفكرة التي تعتني بالروح وبالجسد، ولأننا نركز على القيم فإننا نركز في الواقع على الأخلاق الليبرالية التي تنبذ الكذب وتحض على الصدق وتعاقب على الجريمة و الظلم، وتدفع لشمائل الأخلاق الكامنة في فطرة الإنسان الغير ملوث والغير محزب في السلوك وفي الإعتقاد .
ونحن في هذا المقال بالذات لا نعرف الليبرالية الديمقراطية تعريفاً معجمياً وكما لا يجب ذلك علينا، لكن الواجب هو التركيز على ما توفره الليبرالية للإنسان في حياته في حاضره وفي مستقبله، و في هذا إنما نبشر بيوم الخلاص من كل عقد الماضي وتخاذله وبؤسه ونكباته، فالعراقيون والعرب اليوم أمام تحد كبير ومواجهة مع النفس ومع الواقع، في أن يكونوا أو أن لا يكونوا، فتحقيق الوجود والإيمان به لن يتم لهم من دون تبنيهم وسيرهم في طريق الليبرالية الديمقراطية، وفي ذلك نكون قد بينا معنى الليبرالية الديمقراطية في وجودها وفي عدمها بالنسبة للعراقيين والعرب في حياتهم وفي وجودهم، وعندما يتم هذا التمازج نستطيع أن نثق بأنهم يسيرون في الإتجاه الصحيح، وأنهم سيحملون نتائج باهرة وأكيدة ستكون لهم ولمستقبلهم، إذ بها ومعها تتم نهضتهم وتقدمهم ورقيهم .
راغب الركابي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق