الخميس، 9 يونيو 2016

"دار الغاوون" تُصدر رواية "الممثل" للجزائرية شريفة فداج :





"دار الغاوون" تُصدر رواية "الممثل" للجزائرية شريفة فداج


 : "الممثّل" هي باكورة الروائية الجزائرية الشابة شريفة فداج (مواليد مدينة سيق بالجزائر العام 1979) صدرت حديثاً لدى "دار الغاوون".
الرواية التي تهديها شريفة فداج إلى عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي، وهما فنانان جزائريان كبيران اغتالتهما جماعات مسلحة (الأول عام  1994والثاني عام 1995)، تخوض في تعقيدات المجتمع الجزائري من خلال قصة ممثل جزائري يُدعى فريد بن يحيا، مُصاب بمرض غريب (يُشبه ربما المرض الذي يعاني منه مجتمعه) جعله في نهاية الأمر يهجر التمثيل دون أن يعرف أحد من فرقته إلى أين ذهب.
على مدار سبعة فصول تأخذنا الروائية إلى عالم المسرح مازجةً إياه بمسرح الحياة الحقيقي، لنتعرّف على الإنسان في لحظات ضعفه وقوته، نجاحه وسقوطه، من خلال سرد متأنٍّ بلا إبطاء، ذكي المخارج، يُبشِّر بروائية بارعة تُعلن عن نفسها في هذا العمل الأول.
من مطلع الرواية نقتطف الآتي:
"غرفة النوم عالية السقف، متحف عصري، مساحة واسعة وتلفزيون كبير مُثبَّت على الحائط المقابل لسرير مزدوج مخملي اللون. أنار الأباجورة القابعة فوق منضدة صغيرة، وشاهد مجموعة الصور الموضوعة بعناية على التسريحة، ولفت انتباهه تمثال بعلو نصف متر لامراة تحمل طفلاً على الجانب الآخر من السرير، تساءل: ألا تخاف أن يسقط عليها هذا الشيء وهي نائمة؟ إنها تحيط نفسها بالكثير من الوجوه والصور، ما المتعة في ذلك؟ لا أدري إن كانت تملك الوقت لتتكلّم أو تسترجع ذكرياتها معهم؟ إنهم في أماكنهم يشاهدون يومياتها، ولعلها أفضل طريقة لتقول لهم شاهدوني وتباً لرأيكم.
تقدَّم بضع خطوات نحو الحمّام، كان الباب مفتوحاً: "كل شيء مرتّب ونظيف كأنها لا تستعمله أبداً وحوض الاستحمام كبير بما يكفي لأتمدَّد داخله".
ثبَّت نظراته على المرآة، لكنه لم يرَ وجهه، كان شخصاً آخر يحدِّق فيه، لم يستطيع أن يصرخ أو يركض بعيداً، أحس بأن ثمة من يمسك به بقوّة ويضع يده على فمه، لحظات والتفت نحو الباب: "ثمة من دخل الشقّة"!
حرَّك رأسه في كل الاتجاهات محاولاً إيجاد مخرج، استعدَّ للجري نحو النافذة لكنه تعثّر وسقط أمام السرير. أسند جسمه بيدَيه ورفع عينَيه فرآها واقفة عند باب الغرفة تنظر إليه مصدومة خائفة تسأله: "من أنت"؟!
اختفت من أمامه فقام مسرعاً ولحق بها، كان صوتها قد بدأ يعلو مستغيثاً فأمسك ذراعها ورجاها أن تسكت قائلاً: "أرجوك. أنا عامل الصيانة الذي بعثته إدارة البناية أنا آسف لأنني أخفتك سيّدتي".
لكنها ظلّت ترتجف، وعندما وقف أمامها رأى وجهها الشاحب فاعتذر مرّة أخرى: "لقد كنت أحاول صيانة سخّان الحمّام، وعندما سمعت صوت الباب خرجت لأرى من القادم، لكنني سقطت كما ترين".
ترك ذراعها متراجعاً إلى الوراء.
سألته والخوف ما يزال يغلّف ملامحها: "كيف دخلت إلى هنا، لم يخبرني أحداً بأنك هنا... من أعطاك المفتاح"؟
ردَّ: "الإدارة يا سيّدتي".
أدخل يده في جيب قميصة وأخرج مفتاحاً قدّمه لها قائلاً: "هذا هو المفتاح".
أمسكته وبدأت تسترجع هدوءها، ثم قالت وهي تضع يدها على جبهتها: "ظننتك لصاً".
ضحك ضحكة متقطّعة معبّراً عن اعتراضه وهو يقول: "لو كنت لصاً لسرقت شيئاً على الأقل".
بدأ في معاينتها عن قرب بعدما اطمأن إلى أنها لن تصرخ في وجهه. إنها تلبس تنّورة قصيرة وقميصاً وردية فتحت أزرارها العلوية الثلاثة مع قلادة رقيقة تحمل وروداً صغيرة متناسقة تتدلّى من رقبة طويلة، وسُمرتها واضحة، لكنَّ عينَيها بلون حقول الجبال.
إنك امرأة عصرية جداً، تعودين من عملك وترمين حقيبتك على الأريكة وحذاءك عالي الكعب عند مدخل الباب، لكنك اشتريت شيئاً اليوم... نظر إلى كيس أبيض ورقي كان على الأرض. ماذا يوجد داخل هذا الكيس؟ تبدو كمزهرية.
قالت بكلمات سريعة: "ليس من عادتهم أن يستجيبوا بهذه السرعة ولم يتصل بي أحد لإخباري".
ردّ عليها: "سيّدتي، لقد طلبوا منّي أن أقوم بعملي وتوقّعت أنهم قد أعلموك بذلك".
قالت بعصبيّة: “كيف تسمح لنفسك بالدخول وأنا غير موجودة”؟
قال محاولاً السيطرة على توتّره: "إنه تماماً مثل النظام المعمول به في الفنادق يا سيّدتي، عندما تخرجين يأتي من ينظّف المكان".
"لكنني لا أعيش في فندق".
سكتت للحظات ثم قالت دون أن تنظر إليه: "سأتصل بالإدارة لأفهم الموضوع".
تسمَّر في مكانه، وأحسَّ أنه قد تحوَّل إلى تمثال. عيناه فقط من تتابعان يدها تمتدّ إلى حقيبتها وتخرج هاتفاً محمولاً، إنها تتصل برقم ما، تنتظر ثم تتصل مرّة أخرى. رآها تستجمع قوّتها وتكشّر عن أنيابها لتمتصّ دمه، وتمزّقه بسكين المطبخ... تنهّدت بيأس وقالت: "لا مجيب".
ظلَّت صامتة للحظات، أما هو فقد كان يكرّر شكره لله.
سألته بصوت أكثر ثقة: "أين عدّتك"؟
"فوق الطاولة هناك".
نظرت إلى طاولة المدخل ثم سألته: "والسخّان"؟
قال مشيراً بيده إلى غرفتها: "كنت أعاينه ثم أتيتِ فجأة، يمكنني أن أتابع عملي إذا سمحت لي".
رفعت حاجبَيها وهي تنظر إلى هاتفها ثم قالت: "سأخبر الإدارة متى يمكنك العودة، لكن قبل ذلك لا أريدك أن تدخل إلى بيتي إذا لم تدقّ الجرس وأفتح لك حتى ولو كان معك مفتاح".
أحسّ بغضبها وفهم قصدها فاتجه نحو الباب، لكنها استوقفته قائلة: "ماذا عن علبتك"؟
عاد وحمل علبة المعدّات، ثم شكرها وخرج.
وقف أمام باب شقّتها وتخيّلها وراء الحائط تلعنه وتقول لنفسها إنه كاذب مخادع فقال: "عليك اللعنة أنت أيضاً! لماذا غادرت عملك مبكراً؟ أليس من عادتك إنهاء دوامك قبل الخامسة"؟ ثم فكَّر أنها الآن لا بد تتفقَّد أغراضها وتحاول الاتصال مرّة أخرى بالإدارة: "عليَّ الابتعاد".
استعدَّ لنزول السلّم، لكن ثمة من أمسك به ودفعه داخل رواق طويل مضيء: "امشِ أسرع، من هنا من هنا".

ليست هناك تعليقات: