الجمعة، 3 يونيو 2016

قصة وتعليق-اسماعيل غزالي




قصة وتعليق
هذيان المثلّثات

اسماعيل غزالي
(1)

نجمة زمردية عزلاء في سماء النهار المصطخد .
بجعة أضلت طريق السرب .
امرأة تتأمل وجهها في غدير فاسد على قنطرة آيلة للسقوط .

(2)
في سماء النهار دائما غيمةٌ مرقّطة شبيهة ببقرة
كأنما يحلب ضرعها لقلاق شريد
فيما ضفادع الغدير الزرقاء تترقب بحماس أفول جمرة الشمس .

(3)
الرجل الذي رصد كل هذا من مرآة سيارته الجانبية
لفته دخان سيجارته التي قفزت منه في لحظة غامضة
بعد أن ابتسم لذرق غراب لطخ زجاج النافذة على شماله

(4)
لم يكن يتوقع ما حدث بعدها لأن فراشة دامغة الألوان
دخلت من النافذة على يمينه رفرفت طويلا قريبا من عينيه
رست على أنفه قليلا وخرجت من النافذة على شماله

(5)
كان بانتظار لحظة صغيرة لاغير
هي اطلالة فتاة من شرفة البيت المنعزل
في تلك الضاحية القرمزية
(6)
صفير غريب في شجرة الصفصاف
شد انتباهه
فيما السراب يرقرق كماء تفتقده الجداول اليابسة

(7)
تمنى لو كان زرزورا
يقف على قرميد شرفتها
حتما ليرصد كل يومها عن كثب

(8)
شيء ليس عاديا تماما
ألاّ تطل الفتاة الخمرية من شرفتها
حتى البهائم الشاردة في الظهيرة لاحظت ذلك

(9)
أجل وقفت جفلة تلك البهائم
فالقطار مر في وقته الأكيد
والفتاة أخلفت الموعد للمرة الأولى

(10)
فجأة خبت نجمة الزمرد في سماء النهار الصاهد
البجعة سقطت جثة هامدة في غدير الجسر
المرأة على الجسر ركضت فزعة صوب الهضبة

(11)
الغيمة المرقطة الشبيهة ببقرة أجهشت بالرذاذ
اللقلاق الشريد عاد إلى عشه فوق البيت المنعزل
الضفادع ترقص مرحا على طحالب الغدير الفاسد

(12)
الرجل في السيارة يخرج رأسه من النافذة مستعذبا زخات الغيمة
عقب سيجارته مايزال مشتعلا في بعر كلب
ذرق الغراب على الزجاج يذكره بخارطة البلد الذي أتى منه .

(13)
تتبع تحليق الفراشة وهي تأخذ وجهة الصفصافة
فكر في أن الأيام المتبقية له في هذه البلاد
رهينة بحياة الفراشة و تمنى لها عمرا أطول .

(14)
استغرب حين نظر مرة أخرى
إلى البيت المنعزل
لم تكن هناك أي شرفة !

(15)
الصفير في الصفصافة
تحول إلى طنين دبابير
السراب لملم لعابه وغادر منتصف النهار

(16)
تمنى لو كان زرزورا
فيتسرب من مدخنة البيت
كي يطمئن على وجود الفتاة الخمرية

(17)
أجل ، شيء ليس عاديا تماما
ما من شرفة أصلا في البيت حتى تطل منها الفتاة الخمرية
والبهائم تغط في نوم قيلولة

(18)
أمر لايصدق
حتى القطار الذي مر قبل قليل
كان بلاصوت يذكر .

(19)
أمر أشد غرابة حقا
فما من وجود حتى للبيت المنعزل
وشجرة الصفصاف أيضا

(20)
مؤكد
لم يحدث أي شيء من كل هذا
والرجل لم يكن سكرانا أو يحلم أو يتخيل

(21)

كل ما في الأمر
أن الرجل كان يلفظ أنفاسه الأخيرة
داخل سيارته المقلوبة على جانب الطريق بسبب حادثة مميتة .


***

قراءة معينة في قصة ( هذيان المثلثات ) لإسماعيل غزالي




 




عدنان المبارك

قد تكون هذه القصة شغلا سرديا فلميا. فالكاميرا تطوف في شتى الإتجاهات : السماء ، الأرض بنجمتها تلك والبجعة والمرأة. ثمة بضع لقطات ليس بالضرورة أن تتعاقب كما الزمن البطيء / المتباطيء ، بل هناك تزامن من النوع الصعب لكن ظاهريا حسب ، فللكاميرا الحق / الحرية ، في أن تتمازج ، بفضلها ، الغيمة الشبيهة بالبقرة ، واللقلق المفترض وتلك الضفادع التي لقامت بإختصار الإنتظار ولركسّت الشمس تحت الأفق...
بعدها تروح الكاميرا الى الرجل الذي ( سرق ) ما كان مرصودا قبل قليل ، لكن ها قد عثرت على أكثر من إكسسوار واحد ل( حكايتها ) : السيجارة والنظرة الى الذرق مما يعني أن ( الحكاية الأولى ) على وشك أن ُتختم بفعلة فراشة ( نزقة ).

بدءا ً ب( 5 ) أخذت الكاميرا تنسج حكاية ثانية : فتاة الشرفة التي طال إنتظار رجلنا لإطلالتها ، لكن لايهم ، فها أن صفير صفصافة يرسم له صورة أخرى للإنتظار ملؤها ذاك السراب الرقراق ، وفيها تنداح أمنية الوقوف على قرميد الشرفة كي يغفر له عشقه أفعال البصّاص ! الرجل محظوظ ، والكاميرا أيضا : مشاغل جديدة للإثنين : تيار وعي تجسّده البهائم الشاردة ، قطار مارق ، حقيقة مؤسية عن الفتاة التي أخلفت الموعد للمرة الأولى. الكاميرا ترصد الآن إحباطا معيّنا : خبو نجمة الزمرد ، جثة البجعة ، فزع المرأة الهاربة ، رذاذ البقرة المرقطة ، اللقلق الذي رحل عن المشهد الى عشّه ، الضفادع الراقصة إحتفالا بإختفاء الشمس.

(12 ) : الكاميرا تعود الى الرجل الذي دخن سيجارته. شاغله الآن الذرق – الخارطة ( لتقم الكاميرا هنا بمونتاج ، بمزج سريع / بطيء للذرق والجغرافيا ). تيار الوعي يجرف الفراشة كي يرهن حياة بأخرى ( ولتقترب الكاميرا من فم الرجل عندما يطلق التمنيات بعمر أطول )...

( 14 ) : الكاميرا تعد لنا المفاجأة : لا شرفة هناك ! ( وقد تجسّدها الكاميرا بنظرة الرجل الخائب صوب شرفة شيّدها خيال المحب ) الصفير إنمسخ الى طنين ، السراب ولى الأدبار. الكاميرا ترصد الآن المخيلة من جديد : زرزور - ( حمار ذهبي ) يحشر نفسه في المدخنة كي يعرف ، كي يطمئن ، غير أن الكاميرا تحذر من أن لا وجود للشرفة ، وأن البهائم في قيلولة ، وحتى القطار الذي كان قد مر قبل قليل فقد ( صوته ) و أصبح إكسسوارا ل( الفلم الصامت )...

( 19 ) الكاميرا تعمق الخيبة : لا بيت هناك ولا صفصافة ! لم يحدث أي شيء سوى أن الرجل كان يحتضر في سيارته المقلوبة. هكذا صارت الكاميرا الشاهد الوحيد لرحيله …

ليست هناك تعليقات: