بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأحد، 17 يناير 2016

أختام*-عادل كامل

















أختام*


عادل كامل
[1] سحر المثلث: التفتت والتجمع
    ليس الفن نزعة فردية، ذاتية، موصدة الباب والنوافذ، أو تعمل بالية لا يمكن عزل الاجتماعي فيها عن البيئي، والكوني، ولا عزل الوظيفي عن اللغز الذي يكمن في ما لا يحصى من علامات الفن أو الشبيهة بالفن، فيه.
   ها أنا أتخلى  عن حساسية الألوان، للهندسة، واجد إني تحولت، تلقائيا ً، إلى: رأس رمح، إلى هرم، والى مثلث. فالإشكال العضوية، غير المنتظمة، المختلفة أو المتوازنة في عشوائيتها، غابت لصالح الهرم/ المثلث.
   أتراني استعيد ـ واستعير، المسمار القديم، لأصنع منه علامة محاصرة بحرية العلامات، ليس للتمييز، بل للاختزال، لكن الهرم قد سبقني بخمسة آلاف سنة: رمزيته ـ وقانونه معا ً. بل هناك من يرى إن شكل الكون، ليس بيضويا ً، أو دائريا ً، أو محددا ً، وهناك من يراه بلا حافات، إنما مثلثا ً.
   ها هو (أنا) ـ أنا تحديدا ً ـ أجد حياتي لا تمتلك ابعد من اختيارها لقيودها: مثلثات متعددة المسافة، بمعنى ما: حرية أن استبعد أي تعريف لللامعقول ـ أو  اللا متوقع ـ فانا انتظم، في كل خطوة، بمثل هذا الاختيار. وعندما قلت: ليس الفن نزعة ذاتية، فقد قصدت  التحدث عن خطوات تواكب اثر القدم فوق الأرض: وجودي بين الموجودات.
   وقد اعترض ـ حالا ً أو بعد حين ـ على هذا التأويل، فالنوع، ومنذ تشكل الوعي (الدماغ) كان الخطاب الهندسي قد غادر اللا احتمال، والعشوائية، وأسس: قراه، طرقه، وأدواته، منها المجسمات/ الرسومات/ الفخاريات. وليس باستطاعتي أن أوعز هذا كله إلى: الوهم. فالأشكال لم تكن سابقة على تشكلها ضمن علاقاتها بالمرئيات، والدوافع، مع إن هناك كويكبا ً هيأته على شكل مثلث، يرجع وجوده إلى بضعة مليارات عام قبل وجودنا البشري. ولكن الأشكال الهندسية لم تصبح عنصرا ً طاغيا ً، بل جزءا ً من الكل. وهنا اكتشف حتمية (اللا ـ شكل)، أي هذا الذي تنقصه الحافة/ الحد. ولا استعين إلا بالنسبية، في إعادة قراءة الأشكال. فالمثلث غدا جزء ً ـ من كل، ضمن الذي لا حدود له، وخارج نطاق الوعي الهندسي، واللغوي، أو أية وسيلة للتبادل، حيث يفقد (لغزه) ويغدو لا فرديا ً، من غير موضوع، ومن غير ذات. فالمثلث رأس بشري، مثلما هو فبر يحتمي الجسد به، انه الطريق إلى الهدف الذي ترك أثره فيما يصبح الهدف محفزا ً لاواعيا ً للقبول بهذا النظام، حتى في حالة العمل على دحضه.
   ليس الموت عدما ً، أو دائريا ً، أو انفصالا ً بين الوعي وما هو ابعد منه، وليس هو خاتمة أو مقدمة، ليس مستطيلا ً كقبر، أو رمادا ً، أو أثيرا ً ...الخ، انه احد أشكال: اللا ـ شكل، بمعنى انه غير القابل للتحديد، وما تم رسمه، ليس إلا مرور (الذات/ الجماعة) بالاتجاه الذي يصعب تحديد مساره، أو غايته.
    ها أنا أبدو إني لم أغادر نسق المركز البكر: ذلك الصياد ـ كما هو لدى النبات ولدى الحيوان ـ وقد شكل نظامه. فأقدم أداة للقتل اتخذت شكل السهم: أيسر أداة للاختراق، اختراق الهواء أو القلب، إنما، وأنا أعيد تأمل مثلثاتي، اكتشف صمتا ً تاما ً غير قابل للاستنطاق، أو التأويل. فحتمية اللا ـ شكل، وبمعنى ما حتمية الزوال، والتحولات، ليست إلا ما لا يدرك، وقد استحال إلى ممر، وعلي ّ، بعد تشذيب الهوس بالرموز أو التصوّرات، رؤية الكل ـ على صعيد المجتمع ـ كجسد تكونه الأعضاء، بوظائفها، وان أكون توازني، وضمنا ً ـ عدم فهمي إلا بحدود الأشكال ـ في اللا ـ شكل، لكن هذا يؤكد نفيه: إن المثلث ليس إلا علامة تتضمن دوافعها، مما يصفها، مرة بعد مرة، في الخطاب بتعددية تأويلاته، وليس بتأويل أخير.
    فالجسد ليس ـ هو ـ مجموع أعضاءه، كي يكوّن المركز (الصياد أو زعيم الجماعة أو القائد) شكله الأبدي. ليس لأن كل عضو يمتلك استقلاله، وأيضا ً: تمرده، كي يعرض المركز للتفتت، والزوال، بل هو اللا ـ شكل، عبر هذا (الظل) كوسيط بين المصدر وبين الأطراف. هو ذا المثلث، بجلاء، كحرف في كلمة، داخل عبارة، في كتاب لا نهاية لصفحاته، مثله مثل الموروثات الهندسية، تؤدي عملها كما تدافع الشجرة عن وجودها بفرز مادة تبعد العدو ـ بالسم أو بالروائح، كي تكمل دورها، من غير ذاتية خالصة، إلا بحدود كونها خضراء، أو لها أشواك، ولها تاريخها في التطور.
     فانا اصنع مادة ما لها هذه الوظيفة، بعد أن غدا الوعي إستراتيجية تستجيب للديمومة، من غير نكوص، وإلا  لتوارى مصدر (الومضات)، وانتفى دور (الختم)، مما يجعل وجود (الأشكال) بحكم العدم. فالمثلث ـ حاضر بين حضورين، وليس خارج أداة الحكم، أو بمنأى عن أدوات الاكتشاف.
   فإذا كانت المجرة (مجرتنا) لها شكلها، كما للشمس، وللأرض، فان الشكل الحقيقي، للكل يصبح يجري بيننا، من أنظمة اتصال، لغة، أو أصواتا ً أو رموزا ً أيضا ً. فالمثلث أخيرا ً حقا ً شرعيا ً لمكونات: الجسد/ الهرم، ولأي نظام آخر من أنظمة الحكم.
   فها أنا استجيب لصناعة شكل محدد تحت مؤثرات عالم تتشكل متغيراته ـ وتحولاته فوق بركان. فليس ثمة، أخلاقيا ً، ما يدعوني اذهب إلى السرير، وأنا على الحياد، فانا كظيم. وفي اليوم التالي ساجد يدي ّ، مثل رأسي، كلاهما يتوخيان تنفيذ هذا: الاحتجاج. فالمثلث، ضمنا ً، كالعضو في اللا جسد: قراءة رماد توارى تاريخه فيه. فهو أداة اعتراض، ولكن ليس للسيطرة، بل للتحرر منها.
* تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.

ليست هناك تعليقات: