السبت، 9 يناير 2016

8 ومضات قصصية عن الجنون-عدنان المبارك(1,2)


8 ومضات قصصية عن الجنون


عدنان المبارك


1 - الاتفاق مع النفس من نعم الجنون

- السبب في أني أتكلم مع النفس هو أني الوحيد الذي يتفق مع أجوبتي . جورج كارلن(
george Carlin ( 1937- 2008

وجدت أن وتيرة خيباتي في هذه الحياة قد تصاعدت في الأونة الأخيرة. لكن ليس هو موضوعي اليوم بل هو انخراطي في عصبة من الرفاق تعرفت على أحد أفرادها صدفة قبل شهرين. كنت متوجها الى أبي الخصيب في باص قديم يتقافز مع كل حفرة في الطريق ومهما كانت صغيرة. أوشكت على التقيؤ الا أن جاري انتبه الى حالي و قدّم لي قنينة ماء وصرخ بالسائق كي يخفف من سرعة الباص. بعدها استعدت حالتي الطبيعية. شكرت الجار وبدأ بيننا حديث غير مألوف. كان كلامه في غاية البساطة وقد تلقيته في البدء ككلام غريب لكني سرعان ما انتبهت الى صحة كل ما قاله تقريبا. مثلا : لماذا أنا في مثل هذا الزمكان ، ولماذا كل هذه القوانين التي تسجن الانسان بل ولماذا الانسان ولماذا المادة ولماذا الكون ؟ قال بأننا اعتدنا على كل هذه السجون. بعدها طفق يتكلم عن المجانين. ذكر أن الكثيرين منهم هم على حق حين أخذوا يتمردون على قوانين المجتمع أولا ثم قوانين المكان والزمان. أخبرني بأنه عمل لسنتين كممرض في دار المرضى عقليا ، و( هناك فطنت الى حقائق أخرى ) . ذكر بعضها. خنق مجنون آخر لايمانه بأن هذا لا يستحق الحياة ، فهو لم يسيطر على أعصابه ونزواته ، ولم يتعظ ( بما فعله الغضب وهوس العقاب لدن رب العالمين الذي قد تنصرف عنه جماهيره في حالةعدم انزال العقاب ). فهمت من كلامه أنه ليس بممرّض محترف بل بحث هناك عن حقائق معيّنة. وهنا فاجأني بأنه أنهى عدة دراسات بينها علم النفس والأحياء والفلسفة ( قال بأنه لم يكمل دراسة علم الاجتماع ). تكلم بعدها عن أصدقائه الذين ( أداروا ظهورهم للواقع بكل اثقاله من عقائد وتأريخ غير معقول بنسبة تتجاوز التسعة والتسعين بالمائة ). قال انهم من بعثه الى دار المجانين كي يعرفوا أكثر عن ( هذه الظاهرة المسماة بالحياة ). وذكر أن زياراتهم للدار كانت يومية و( صديقنا احسان قرر البقاء هناك ، والغريب أننا جميعا وافقنا بل شجعناه على المضي في هذا الدرب الجديد . والآن بعد مضي أكثر من سبعة أشهرعلى حياته الجديدة وجدنا أن من باب خلق التوازن عليه الرجوع الى دار الجنون الكبرى. بالفعل رجع رجلا آخر الى حد واضح. ذكر بأنه أثناء معاشرة مجانين الدار صار مثلهم: متفق تماما مع نفسه وأفكاره ويجد العيب في أناس خارج الدار. فهم مشغولون بأعمال لاطائلة من ورائها ....).
الشيء الجديد فيّ أني على اتفاق تام مع محّدثي وصحبه.

*
2 - صراعي اليومي مع الجنون والعقل

- صرت مجنونا، مع فترات طويلة من التعقل الرهيب. أدغار ألان بو
Edgar Allan Poe ( 1809 – 1849 )

وجدت في الأخير أن عليّ الأخذ بنوع جيّد من التنظيم ، تنظيم حياتي خاصة أن هناك أجراس انذار تفصل بين جنوني و استرجاعي العقل. انتبهت الى أن حالي هي مثل حال ادغار ألان بو لكن بالعكس ، فالجنون يلتهم ثلاثة أجزأء من وقتي. لحسن الحظ يوافق الجزء الرابع الخاص بالعقل وقت الهجوع الى الفراش. ثمان ساعات أكون فيها عاقلا ليس بالوقت القليل. ما انتبهت اليه أن فترة الانتقال من العقل الى الجنون تستمر وقتا يكفي كي أعتاد على الجنون ، والحال نفسها عند الانتقال منه الى العقل. لابد من القول ان جنوني ليس من النوع الدموي بل المسالم و كله هدوء ، وفي أحيان ليست بالقليلة أمنح وجهي ابتسامات ناعمة ، وفي أثنائها أحاول أن أنسى كل المتاعب التي تسببها هيمنة العقل.اذا رجعتم الى مذكراتي التي كتبتها قبل عشر سنوات ، بالطبع لم أنشرها لا ورقيا ولا ألكترونيا كما لم أوزعها كمنشورات غير خاضعة للرقابة ، في الشوارع ، لوجدتم أن الجنون والعقل قد وزعا بالعدل في حياتي لكن كل ما حصل بعدها كان الإنذار الأول والأخير بأن لا فائدة من العقل الذي فعل حسنا واختار منذ العام الماضي ساعات الليل كي يعلن عن حضوره في حياتي لكن الليلية. اذن ، جنوني من النوع الهاديء مما يعني تسهيلات كثيرة في الحياة اليومية. فكل شيء لا يفضح جنوني الذي بدا وكانه أنزوى في ركن مظلم في رأسي. وخلال كل هذه السنين لم تحصل سوى استثناءات قليلة جدا فيما يخص جنوني الهاديء. اذكر منها أني وقفت بوجه شرطي انهالت صفعاته على صبي صغير. لم أحتمل هذا الاعتداء البربري ومنعت ذلك النياندرتالي من مواصلة الصفع ، وبعد أن فقدت هدوئي المعتاد قلت للشرطي بصوت عال : ليش تضرب بنت عمتي وهي ما سوّت شي ؟ شتمت رئيس الوزراء الأحول بس, وشنو يعني ؟ مو احنا عايشين بزمن الديمقراطية والحرية و ... الصلوات على آل البيت من صغيرهم الى كبيرهم ، مو تمام ؟ اذكرأن الشرطي اغتاظ كثيرا ، وعلى أكبر احتمال بسبب حول عينيه أيضا ، واقتادني الى المركز. وهناك ضحكوا عاليا وأطلقوا سراحي. رغم جنوني اخذت بحكمة ضبط النفس خاصة أن عقلي الداخلي و ليس هذا الذي سيطر عليه الجنون همس لي بأن لا فائدة من الوقوف بوجه هذا التيار الهادر من جنون آخر. وهل تعرفون ما هو محرّكه ؟ جنون من صنف آخر تماما : يتظاهر وليس مثلي بالتعقل والحكمة. في الحقيقة اقنعتني تلك الضحكات العالية في مركز الشرطة بأنه عليّ الأخذ بجنون شبيه بالجنون السائد الان...

ليست هناك تعليقات: