مسرح
مسرحية مواطن اسمه ... التوه في المحنة.
مؤيد داود البصام
عرضت مسرحية المواطن(ه)، تأليف الكاتب حسين نشوان، في أكثر من عرض على المسارح الأردنية، وقدمت أخيرا في مهرجان( عشيات طقوس المسرحية الثالثة، دورة مؤاب)، من أخراج محمد الضمور، وبنفس الكادر من الممثلين الذين قدموا عروضها السابقة، إلا أن المخرج طور الإبعاد التقنية في مسرحيته في الديكور والسينوغرافيا، مما يعني استفادته من الدراسات النقدية التي ظهرت في الصحف أو إثناء مناقشة العمل في الندوة التي أقيمت على هامش مهرجان المسرح الأردني السابع عشر، وهذه نقطة تسجل له، في اهتمامه بالنقد وما يعني الاهتمام بالرأي الآخر، الذي يعني التطلع للتطور والرقي، والتخلص من الأنا والنرجسية، التي تؤدي بالمبدع إلى الفراغ الفكري والإبداعي.
التأليف والإخراج....
المسرحية لم تنشر كمطبوع، مما يعني أننا إزاء عمل لا نعرف فيما أذا قام المخرج بوضع رؤاه في النص أو التزم بما جاء في النص، لكن ما أكده المخرج في النقاش، الذي دار في ندوة مهرجان (عشيات طقوس المسرحية الثالثة)، بان بعض التغييرات في المشاهد فرضت نفسها إثناء العمل، أي أنه ألتزم بالهيكل وتلاعب في الجدران، ووضع رؤيته الى جانب رؤية الكاتب، أو حسب فهمه للنص، مما يجعلنا نناقش العمل دون إن نعطي رأيا، في البنائية التي اختارها المؤلف، لان المسرحية بشكلها التي عرضت كانت عبارة عن مجموعة مشاهد أو محطات يجمع بينها وحدة الموضوع، ولكنها تصنف بصورة عامة ضمن مسرح الفرجة العربية الساخرة، أقام النص رؤاه على مجموعة حيثيات تخص حياة وواقع المواطن العربي عموما،ولم يخصص، لأنه لم يحدد مكانا لما يحدث وتركه مفتوحا ً ، ولكنه حدد الزمن بان جعله واقعنا اليومي الذي نعيش الآن .
تستند مسرحية مواطن أسمه ( ه). إلى كشف حال المواطن العربي وبالذات المواطنين من الطبقات الفقيرة، وهم الذين يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا العربية، وتستل حياة مواطن منذ لحظة الولادة إلى صيرورته، عندما يدرك إبعاد وجوده الكوني، وكيف ينشأ على أسس تربوية خاطئة في البيت والمدرسة والشارع، وكيف يتعرض للاضطهاد والتهميش عندما يكبر وينضج، عندها تبدأ الأسئلة تأخذ طريقها في مجمل تفكيره، واستطاع الكاتب حسين نشوان من جمع معظم القضايا التي تهم المواطن والجماهير العربية وتساؤلاتها التي ليس لها مجيب، من خلال تساؤلات المواطن ( ها ) في حديثه عن حقوقه كمواطن، في حق إبداء الرأي في مصيره، وحقه في انتخاب ممثليه، وعن حقوق الإنسان والشرائع الدولية، وكيف ينظر الجيل الجديد للهزائم التي منيت بها الأمة والمهزومين من هذه الأمة، وعلى رأس هذه الهزائم ما حدث في القضية الفلسطينية، ويسخر من الكذب الذي تمارسه القوى الاستعمارية قي دعواتها، بكذبة الديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان، التي تضعها في أفواه البعض لترويج بضاعتها، وهي التي أنشئت وجودها على القتل والدمار والاستغلال والاحتكار، واستعمار الشعوب، وأسست لحكومات تتبنى تكميم الأفواه، وتربية المواطن بعدم التدخل في الشؤون التي تهم شؤونه الحياتية وحريته، ولكن الكاتب أراد إن يغير الطابع السوداوي الذي ناقشه النص، بان غير تجاه المسرحية بحلم جعل الجيل الجديد يحمل لواء التغيير والحرية، عندما أنطلق مواطنه والفرقة المسرحية يرددون في نهاية المسرحية، قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش ( أيها المارون بين الكلمات العابرة / أحملوا أسمائكم وانصرفوا / واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا.. الخ)، وهو ما يتوافق مع ما أتخذه المخرج بانتهاج اسلوب الفرجة، وسنأتي على ذلك لاحقا ً .
المعالجة الإخراجية...
وظف المخرج الرؤيا الإخراجية بروح معاصرة، ولكنه اتخذ من أسلوب الحك واتي التي جاءت من الفرجة المسرحية العربية القديمة، وكما يعرفها د. أبو الحسن سلام، في دراسته سيميولوجية العرض، ( مفهوم الفرجة: الفرجة من الانفراج، وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم، والفرجة هي الخلوص من الشدة )، وهو ما اشتغل عليه المخرج لنص يحمل كل أنواع الأزمات والكبت، فحرك العمل لنقل المشاهدين ( من حالة شعورية إلى حالة شعورية أخرى )، لنقل الفكرة التي خاطب بها المؤلف عبر نصه المتلقي، بنفس عناصر الواقع التي تتماشى وعقلية ورغبات المشاهد، ابتدأت المسرحية لفرقة مسرحية تريد تقديم عملا، فتتفق على اختيار موضوعها حياة مواطن رمزت له بحرف (ها)، رمزا ً لعمومية الفكرة لتتحدث عن حياة عمومية لأي مواطن، ممكن أن يكون في أي مكان، ملغيا بهذا تحديد المكان، وانطلق تمثيل الفرقة بما يشبه حلقات المدائح الصوفية، لكل مشهد حقائقه، وأغانيه ورقصاته، وهي إحدى عناصر الفرجة، في عملية تتابع للحكايات لتترابط الحلقات المنفصلة على أسلوب التضمين في قصص إلف ليلة وليلة، حكاية تتبع حكاية، وحتى يظهر المخرج مدى الخنوع والإذلال الذي يعيشه المواطن بشكل عام، وظف الطفلة، التي مثلتها ( بتول الضمور) وقدمت عرضا ً بعفوية وقدرة إبداعية، وكأنها مدركة لخطورة دورها، الذي رمز للتلاعب بالإنسان بأيدي الجهلة، وجعل الكنترول علامة على اللعبة الشطرنجية في التحكم بمصائر العباد، يتحركون كدمى بحركة الرمودكونترول، واشغل الحيز الخلفي لما بعد الستارة بحركة الدمى المصاحبة لرقص وغناء الفرقة، وذلك باستحداثه الجدار الرابع الذي أوجدته الستارة الخلفية، وسمح للممثلين باستخدام الحركات والإيماءات والرموز بالكلمة والحركة، ضمن إيقاع الحس الشعبي الذي يشكل بنائية الفرجة الشعبية، وقد حافظ المخرج في العروض التي قدمها على المسرح الدائري أو على المسرح الرئيسي ذو المساحة الواسعة، على طقس الفرجة أو ما يشبه حلقات الذكر الصوفية، مما جعل بؤرة العمل في الحركة المركزية لوسط المسرح، ولم يشتت حركة ممثليه بالدخول والخروج، ولكونه اشتغل على فكرة الفرجة الشعبية، حافظ على المنظور المكاني للفرجة، بالرغم من عرضه ضمن مسرح العلبة الايطالية، فقد حاول بحركة الممثلين الدائرية من إيجاد هذا التوازن، الذي يلغي إلى حدا ما، الموقعين بين العرض والمشاهد، من حيث جغرافية المكان، ووصل بعرضه إلى حد ما في المسرح الرئيسي إلى إسقاط الحاجز المكاني، بخلاف عرضه على المسرح الدائري، كان أكثر توافقا ً مع السياق بإحاطة الجمهور للفرقة، مما يحقق احد العناصر المهمة في الفرجة، هو الرؤية البصرية التي يفرضها موقع المتلقي، وهو ما يفرض على الفرقة الحركة الدائرية، لتكون الرؤية البصرية لكافة الإطراف والاتجاهات بنفس الابعاد، وهذا ما جعله يحرك المجاميع في نهاية المسرحية، لإيجاد التلاحم وإيصال الخطاب بين المرسل والرسالة والمرسل له، عندما جعل الممثلون يدخلون القاعة بين الجمهور وهم ينشدون قصيدة محمود درويش، وحقق المواجهة التفاعلية بين المشهد المعروض وجمهوره، وكثف من اللوحات الراقصة والممزوجة بالغناء على إيقاعات تتواشج مع كل فكرة طرحها النص، وظل مسيطرا ً على التوازن العام للكتلة في حركة الممثلين وتقديم المشاهد الراقصة والغنائية، لإيجاد المناخ المشابه للفرجة التي تقام عادة في فضاء مفتوح، ساحة عامة أو باحة بيت واسعة أو حديقة عامة، ومن اجل إبراز فكرة النص بانعدام حقوق المواطن في ظل الحكومات التي تحكمه، كان وجود الطفلة وهي تدير المجاميع في حركتهم وتوقفهم عبر جهاز الكنترول، أثره الواضح في فهم المخرج لإبعاد النص وفهمه للواقع السياسي.
السينوغرافيا وبقية المكملات للعرض المسرحي ..
من أهم عناصر الفرجة، وجود الفرقة الموسيقية الحية مع المغنين والراقصين، وياتي بعد ذلك بقية العناصر المكملة للفرجة المسرحية، من شموع وبخور وأصوات مصاحبة، وقد حققت معظمها تقريبا ومن أجل استكمال إيصال الخطاب، رسمت خريطة الوطن العربي وفلسطين في وسط خشبة المسرح، وجعل الممثل الرئيسي المواطن ها ، الذي مثله الفنان زيد خليل، يتفاعل مع المعروض، عندما أخذ وضع الانبطاح حاضنا الخريطة، وهكذا جاءت الملابس والاكسسوارات مع الديكور ببساطتهم ما يمثل عروض الفرجة، كما أن الاصوات الغنائية التي قدمها يوسف كيوان وعبد الله كيوان اضفت لمسة أبداعية، افرجت عن حالة الاحتقان للمتلقين وهم امام مآسيهم ، وحلت روح الفرجة من حالة الاحباط الى حالة التفريغ عبر الغناء واللمحه، والنقطة المهمة التي عالجها المخرج في تكييف السينوغرافيا بوجود الجدار الوسطي الذي عزل الدمى وهي ترقص مع الراقصين، في لقطة تعبيرية ، لاشك ان علاقة الفهم والتفاهم بين المخرج والكادر المسرحي وبالاخص ، منفذ الديكور والاكسسوار خليل ابو حلتم، أصل الكثير من الخطاب الذي اشتغل عليه الاخراج لاظهار النص بما قدم عليه،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق