الخميس، 21 يناير 2016

الأبيض إكسسوار الروح... والرقص انتشاؤها-مؤيد داود البصام










الأبيض إكسسوار الروح... والرقص انتشاؤها

                                                -  مؤيد داود البصام

  أسماء مصطفى.الممثلة والمخرجة .

       تعتبر الفنانة أسماء مصطفى، من الفنانين الذين لهم حضور على خشبة المسرح الأردني، وحازت على عدة جوائز لأدوارها، كان آخرها مسرحية ( صبح ومسا) للمخرج غنام، وهي وان عملت مع الفنان المخرج غنام غنام في أهم مسرحياته ، إلا أن لها شخصيتها المستقلة على صعيد الأداء، وإن أختلط الحلم بينهما فناً وحياتاً، وكانت أولى تجاربها لارتقاء خشبة المسرح مع الفنان العراقي المخرج سليم الجزائري،  في مسرحية ساحر أور، ثم قدمت أعمالاً إلى جانب تمثيلها في مسرحيات متعددة ومتميزة،  ففي عام 2009 أخرجت أول عمل مسرحي للأطفال،  وأخرجت عام 2010 أول مسرحية للكبار، وهي مسرحية (سلَيمى ) ، ولم يقتصر عملها على الإخراج،  بل قامت ببطولة المسرحية، وكتبت نصه الذي ولفته من ثلاثة نصوص،  وهي مسرحية (انتيجونا) لسوفكليس الإغريقي، وكتاب (نسيم الروح) للحلاج، ومن ديوان محمود درويش (حضر الغياب)، وخاصة قصيدة ( لاعب النرد )،  لتخرج بنص مسرحية (سليمى )، وهي موضوعنا .
  النص بتحولاته الثلاثة
       الخ.مسرحية انتيجونا لسوفكليس، مساحة واسعة في عروضها العالمية، وأعاد كتابتها الكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت، لتعبر عن وجهة نظره، وقدمت برؤى متعددة، ومثلت في سياق تأويل رؤية المخرج الذي يقدمها، ففي الأرجنتين عرضت لتعبر عن الآلام التي تعانيها الأمهات وثورتهن في ميدان ( دي مايو ) وهن يحملن صور أبنائهن الذين اختفوا على يد الحكومة الأرجنتينية المرتبطة بالمخابرات الأمريكية، وما قامت به من تعذيب وقتل واختفاء لأولادهن،  وبرزَ العمل نضال النساء الثائرات ضد الظلم والقوانين المتعسفة لقهر الشعب، فالمسرحية بما تحويه من أفكار تحمل الصرخات الإنسانية ضد الظلم بصوت انتيجونا،( ولدت لأحب لا لأبغض )، وهي قابلة لان تقدم هذا التفسير في حالة الثورة والتمرد على القوانين الجائرة، والحاكم الظالم في إي وقت وعصر،  فانتيجونا تحدت السلطات ورفضت إن تذعن لها بعدم دفن جثة أخيها، وضحت وذهبت مختارة للموت لإنقاذ روح أخيها، وقدمت المسرحية على خشبة اغلب المسارح العربية برؤى مختلفة، ومنهم من أخرجها كما هي حسب كلاسيكيات المسرح دون إضافة أو تأويل ومنهم من قدمها بتأويل وإخراج حدا ثوي، أما شهيد التصوف الإسلامي الحلاج، (كما سمته وخلدته الأدبيات)، الذي أكتسب شهرة واسعة لأنه حوكم جوراً ونفذ فيه حكم الموت بصورة بشعة، لموقفه من السلطة الحاكمة بصورتيها المدنية والدينية، فقد عبر في أشعاره أو أقواله، عن الوله في العشق الآلهي، والذوبان  شوقًاً للقاء المطلق، ومجد في أشعاره الحب والتوق لحياة الآخرة، مفضلا إياها على حياة الدنيا الفانية،  واقتبست أقواله من كتاب ( نسيم الريح ) ، وإذا جاء التوليف الثالث من أشعار محمود درويش الشاعر الذي شكل مراحل ومتغيرات متعددة في شعره على مدى عدة عقود من حياته الزاخرة بالعطاء، وروح التمرد التي حكمت شعره على كل ظلم، كان آخرها بما أتسمت أشعاره بالرؤية الفلسفية الوجودية للحياة، ومقارباته المبنية على الالتزام الإنساني للمصير البشري، وتجد في إشعاره إلى جانب الرؤية الفلسفية، لفكرة الحياة والموت والنصر والهزيمة، الإيحاءات والإدخالات  للموروث والتراث الشعبي والأساطير، وحسب رأي كاتبة النص والمخرجة فإنها وضعت رؤاها على أساس وحدة المصير الذي ارتبطت به نظرة الشخصيات الثلاث إلى  قضية الحياة والموت فتقول ( من هنا جاءت التوليفة بين تلك الشخصيات وما يربطها من قواسم في فلسفة الحب والحياة وعشق الموت، والثلاث ذهبوا باختيارهم لقدرهم )، وقد اختارت شخصية (سليمى) لتكون بديلا عن انتيجونا، وتنطق بما قاله الحلاج ودرويش، في ثنائيات إنسانية متعددة، الحياة والموت،  الحب والكره، العدل والظلم...الخ .
       الإخراج      
       اتكأت المخرجة في بناء فضاء العمل على التجريد، في محاولة لإعطاء إبعاد الرؤية الفكرية، لرؤى وفلسفة النصوص التي أخذت منها، وجرها على الواقع الذي نعيشه، ضمن مفهوم ( حياة المرء منذ خروجه من رحم الموت حتى رجوعه إليه مرة أخرى )، تبدأ المسرحية بمشهد بصري، يصور خروج الإنسان من الرحم،  (قبره الابتدائي)، وتنتهي بعودته إلى القبر بعد حياة حافلة بالعذابات والتساؤلات من جدوى الرحلة، تبدأ الحياة بصرخة الطفل خارجا من سجنه وتنتهي بصرخة الوداع، " من الموت إلى الموت " ، وبما أن النص يستند أساساً على نص للمرأة  قوة الحضور، اهتمت المخرجة بمنح المرأة هذا البعد الدلالي، الذي هو ثمرة الثقافة الحداثوية، فعالم المرأة عالم الخيال والسحر والأحاسيس الخفية، عالم تتوق فيه المرأة للتمرد على القيود التي تكبلها، فجاء متوازيا مع توق البشرية للتمرد على قيود الجسد للانطلاق نحو المطلق، فأخذت جسد الممثل التمثيلي لتدمجه بالحركة المليئة بالطاقة، كما تأخذ بها الطرق الصوفية وبالذات الطريقة الملوية، التي تجعل الراقص مركز العالم وكل شيء يدور من حوله، وليس كما نتصوره في دورانه، وكأنه هو الذي يدور حول الأشياء، ففي حركته يعزل الجسد، وتتحرك الروح للاتحاد  مع الكون فلا يعود للجاذبية حكم عليه، وفي هذه الرقصة التي تمثل ألتوق للانعتاق وتحقيق النشوة للوصول إلى المطلق، يمثل الرقص الدينامكية المحركة لهذا الشوق، وقد اعتمدت المخرجة هذا البناء في مسرحيتها، وجعلت الكلمة منفصلة تأتي من البعد المادي للمؤدين، وكأنها تأتي من عالم الروح الخارج عن سلطة الجسد، في محاولة لاستكمال العناصر الرمزية التي حاولت خلقها، فكان لحركة الجسد الفيزيائية أهمية كبيرة في خلق هذه الأجواء، كما أنها استخدمت الديكور المعبر عن الرحلة التجريدية للحياة، بان جعلت كل شيئا بسيطا، وأخذت اللون الأبيض لون الروح بشفافيتها ونقائها، لينسجم مع نشوة  الرقص، استطاعت المخرجة أن تقدم عملا ، تحرك فيه روح التساؤل والفعالية الجمالية، وظلت الأسئلة التي تؤرق الإنسان، هي المحور في العرض . أشترك معها في تقديم العمل، (تأليف موسيقي) مراد وجوزيف دمرجيان، موسيقى عبرت عن الفهم للروح الصوفية لحراك المسرحية، كما نجح محمد الرواشده في التواشك بين إشاعة روح النقاء بالبياض والإضاءة البسيطة ولم يغرق السنوغرافيا في ألوان السبوت لايت، وكان  الغناء بصوت مي حجارة، ومحمد طه إيقاعات مع سليمان الزواهرة، إضافة لمشاركة الفنان ياسر المصري الذي سجل إشعار درويش بصوته، حضور واضح في البناء التعبيري الذي عمل عليه الجهد الإخراجي، مع عموم السنوغرافيا .

وجهة النظر في النص والإخراج
       إذا أخذنا النص بتوليفته بشكل عام، فهو محاولة للربط بين عصور مختلفة ولمجتمعات مختلفة، ولكنهم يشتركون في البحث بنظرة واحدة إلى قضية وجود الإنسان، في مسألة الحياة والموت التي أرقت البشرية ولم يصلوا بها  إلى حل، ولكننا إزاء اختلاف وجهات النظر في توظيف هذه الحقيقة بين كاتب وآخر، فإذا كان سوفكليس وظفها لأجل التضحية والإخلاص والتحدي، والوقوف ضد الظلم، مع صرخة انتيجونا "( ولدت لأحب لا لأبغض )، فان الحلاج نظر لها من زاوية مختلفة، هي انعتاق الروح من الجسد للوصول إلى المطلق، لأنه يرى الدنيا زائلة والآخرة باقية، لهذا فان أفعال الروح محكومة بإمكانية قوة الإرادة والإيمان وإلا وقعنا بالخطيئة إن لم نحسن التصرف، والحب الآلهي والتوحد معه هو الذي يجنبنا الانزلاق، وهذا التوحد يغمر الإنسان بفيض، لا يعود للأشياء المادية مكانا لها قي وجوده، حيث يقول " يانسيم الريح قل للرشا \ لم يزدني الورد إلا عطشا \ لي حبيب حبه وسط الحشا \ لو يشاء يمشي على خدي مشى ". في الوقت الذي تتمثل الرؤية الدرويشية المستقاة من وجهة النظر الفلسفية الوجودية للحياة، الفلسفة التي تمجد وجودية الإنسان الفرد، كونه المكون لمعنى وجوهر حياته، ويملك حريته الفردية في تقرير مصيره، وأكدت على قابلية الإنسان على الثورة، لأنه يعيش أزمة عصره، لوجوده في عالم القهر والاستلاب، ولعدم أمكانية أن يخرج من هذا الانغلاق الذي وضع فيه،  فان الثورة ولدت للرد على هذا القهر، ولتوكيد قدرة الإنسان على مقاومة العدم، وهو ما يوضحه الاستشهاد الذي أخذته من الجدارية لدرويش، " هذا البحر لي \ هذه الهواء لي \ لي جسدي المؤقت \ حاضرا أم غائبا \ متران من التراب يكفياني ألان \ التاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطاله \ يلقي عليهم نظرة ويمر" ،  إذن لدينا ثلاث وجهات نظر لمسالة واحدة، وأن كتب المفكر الراحل عبد الرحمن يدوي، بحثا في البرهان لإثبات إن الوجودية هي شكل من إشكال التصوف، بأنساقها التي ظهرت فيها على أكثر من صعيد ومنطق ومكان، وهو ما حاولت كاتبة النص توليفه ليعطي معناً واحداً، ولكن الرؤية المضببة في هذا التطابق،  لم يتحقق على صعيد النص، ولم يستطع النص أن يوصل لنا ما أرادته كاتبته، في قولها، " الحقيقة الوحيدة هي الموت " ، وهي مسلمة لا يختلف عليها اثنان، ولكن ما تعني في منظورها الآني، هل هي دعوة لاستمرار الثورة ضد الظلم، أم أطروحات الرأسماليين وقادة ما بعد الحداثة، بقلب الأمور وجعل نضال الشعوب والأمم إرهاب، وما تقدمه الدول الإرهابية وقادتها القتلة، هو الديمقراطية والحب والسلام تحت مظلة الرأسمالية، فجاءت العبارات متداخلة متباعدة المنطلق، ولم توضح الاتجاه الذي تصب فيه، وهو ما جعل العرض لا يمنحنا الغ الشكل، وهو ما حاولت المخرجة من سد هذه الثغرة بتكثيف حركة الجسد على العبارة المنطوقة وجعلت العبارة، تحاور الفكرة من خلال الأغنية والصوت الخارجي، ولكن البعد الدلالي للحركة الجسدية، حكمته انطلاقتان رؤية الحلاج الانعتاقية الروحانية، وفكرة الثورة ضد الوقائع الحسية لانتيجونا ودرويش، وعلى الرغم مما بذله الراقصين، حنين العوالي، أسامه المصري ,حنين طوالبه، ريما دعيبس، علاء السمان وعبد الله العلان، ألا إن هناك ضعفا في الانسجام في وحدة الحركة بين المجموعة، التي حاولت المخرجة أن تبرزها كنص يمثل وحدة الحال، أو كحركة لتثبت المعنى التعبيري الذي اشتغلت عليه، فعندما بدأت أغنية سُليمى في الدقيقة تقريبا الثلاثين، عادت الفرقة الراقصة إلى نقطة البداية في حركاتها ولم يتغير إلا حركة الممثلة الرئيسية، فما المعنى التعبيري الذي أراده الإخراج، إن لم يلخص لنا ما توصل إليه في نهاية الثلث الأخير للعمل، لفهم الرموز وتطابق المعاني للنصوص، فما هو المعنى الرمزي إذا عادت بالتعبير إلى نقطة البدء ؟ كما أن الممثلة الرئيسية استحوذت على المسرح وأضعفت الممثل المقابل لها (بلال الرنتيسي ) على الرغم مما بذله من جهد ليجاري الممثلة الرئيسية، فهي قدمت جهدا رائعا، ولكنها أخذت من مساحة زميلها .
الخلاصة
      أن وجهة نظرنا في النص والإخراج، لا تحل محل الجهد الرائع الذي بذل في العمل من قبل الفنانة أسماء مصطفى وجميع العاملين في المسرحية، على صعيد النص أو الإخراج أو التمثيل أو الراقصين وبقية مكملات المسرحية، فالعمل جدير بالملاحظة والاهتمام، لان الفنانة أسماء مصطفى طرقت بابا ليس من السهل الولوج إلى داخله ، فالثلاثة الذين أخذت منهم،  يشكلون رؤى إشكالية على صعيد المعنى والرمز، على مدار قرون وعقود كفلسفة حياة، أو معاني رمزية، لوجود الإنسان وصيرورته، وهي النقطة التي يمكن أن تعطي أكثر من معنى ورمز، ومن الصعب حشرها في أفق ضيق، لان فيها أتساع لا محدود .



أسماء مصطفى.الممثلة والمخرجة .

ليست هناك تعليقات: