في ذكراه/ فصول من كتاب
نصب الحرية لجواد سليم
ملحمة شعب وذاكرة حضارة*
عادل كامل
القسم الأخير
[9]المرأة: دينامية التواصل
إذا كان ديلاكروا قد رمز للحرية بالمرأة حاملة الراية، فان جواد سليم، وللمرة الأولى ـ حتى بعد أعظم المسلات والجداريات والرليفات البابلية، والأشورية ـ لم يغفل ان دينامية الحياة هي وليدة مفهوم التناقض/ التصادم/ والصراع، بمعزل عن الصيرورة في مجالها الدينامي، وان تمثل قوانين (الطبيعة، المجتمع)، في الفن، تتطلب مهارة استثنائية تتجانس فيها القوى، الحدود المشاركة، والمشتركة، ليس لهدمها ـ بحسب البرمجة ـ بل لإعادة بنائها برؤى لا تعزل الأنظمة الشكلية، الصورية، عن محركاتها، ولا تفصل العناوين، العلامات، عن ماهيتها.
وإذا كان الفنان قد كرس عددا ً كبيرا ً من نصوصه الفنية لموضوعات الطفولة ـ والمرأة، تارة، كموضوعات مستقلة، كما في (أطفال يلعبون)، أو مشتركة، كما في لوحة (الشجرة القتيل)، فان لا وعيه ـ فطرته، تلقائيته، ورهافته، لم تنفصل عن المجال الصوري في التكوين الذي تطلب أكثر من معادل، بين الجوهر والظاهر، بين الواقعي والرمزي، وبين المباشر والإيحائي ..الخ، كي ينبني العمل الفني برؤية (واقعية) في سياقها المرئي، من ناحية، وكي يمنحها، في الوقت نفسه، خطابها الحديث، في عصر بلغت فيه الحداثات الأوربية، ذروتها، وهي في طريقها إلى ما بعد (الحداثة)، من ناحية ثانية.
فالحلول لدى الفنان تكاد تكون شبيهة بالمخترعات، ليست مستحيلة، فحسب، بل تتطلب إعجازا ً. (1) فكيف سيتسنى للفنان ان يجد ممرات حقيقية كي يبلور خطابه بهذا التوازن؛ بين موروث يصعب إعادة إنتاجه من غير نظرية ـ رؤية ـ من ناحية، وبين حداثات مواكبة لمآزق كبرى كالاغتراب، والحروب، والانخلاع، وهي جميعا ً بلورت خطابات متداخلة يصعب تفكيكها من لدن فنان هو ذاته اعترف بما تمتلكه الحداثات من معضلات، لا تخص الأزمات الاجتماعية، والأخلاقية، بل أشكالها البصرية، الجمالية، والرمزية أيضا ً، من ناحية ثانية.
لعل الحلول التي تبناها جواد سليم، إزاء هذه التعقيدات، سمحت له بالحفاظ على تلقائيته/ فطرته، ببناء أسلوبه، مستعينا ً بالواقعية كبرنامج عمل يلخص مفهومه للتجريب، وليس العكس. فالفنان لم يكن يتخبط، أو يجرب، بل ترك ما كان يضمره، يغادر مناطقه المخبأة باستلهام موضوعات (الحياة) وفي مقدمتها: كل ما سيشكل نقيضا ً للتيارات الأقل اهتماما ً بموضوعات الحياة، في الفن الأوربي، والاستعانة بتراث تبلور عبر شخصيته الشرقية، والتجريبية في ذات الوقت. فكان موضوع المرأة ـ الطفولة،(2) الاختيار الأكثر اختزالا ً/ حذفا ً، لخزينه المعرفي، كي يأتي أسلوبه مرآة لعالمه الداخلي، ومتصلا ً بالبيئة التي وجد انه إزاء خطابها.
فلم يستعن بالرليف الأشوري ـ أو حتى بالجداريات البابلية ـ بالقدر ذاته إزاء الختم السومري، الاكدي، بما يمثله من تداخل بين الفكر المعرفي، والجمالي، في إنتاج واقعيته كخطاب دال على ما أنتجته مرحلة نشوء الكتابة ـ والفكر العلمي، في سومر، وأكد. (3)
ذلك الانحياز إلى مفهوم (التدفق)، أسهم بالحد من التأثر بالتيارات الأوربية، وأساليبها، إلا التي ـ هي ذاتها ـ استعانت بالحضارات القديمة، كما في تجارب جايكوماتي، بيكاسو، خوان ميرو، على سبيل المثال، كرد فعل إزاء مفهوم موت الفلسفة، الفن، والإنسان ذاته، حيث عبرت قصيدة (الأرض اليباب) عن خراب الحضارة، وذروتها في مجالات المصائر. فموت الفن قد لا يكون معنى متداولا ً ـ لأن بول فاليري ذاته لم يطلع على ما دوّنه هيغل بهذا الصدد ـ ولكن رهافة الفنان ـ بين الإيمان وعدمه ـ سمحت له للتعرف على مفاهيم متعددة لم تخف التعبير عن مآزقها، مما دفعه إلى اقل الاختيارات تعقيدا ً ـ وأكثرها قربا ً لشخصيته، ألا وهي موضوعات: الخصب. فكيف سيجد الحلول المناسبة، وهو ينفذ نصب الحرية، وقد وضع (المقاتل/الجندي) بؤرة ـ ومفتاحا ًـ له، ومن غير تسييس العمل، أو كي لا يصبح إعلانا ً ـ ودعاية..؟
لم تغب الحلول ـ المنطقية ـ بواقعيتها، عن اختيارات الفنان، بمنح المرأة مكانها في النصب. كما لم يغفل أي فنان سابق بهذا الاستلهام لنظام: البذرة. فالمرأة، في النصب، لا تمثل دورا ً سلبيا ً، نتيجة واقعها الاجتماعي، والإنساني، بل تحولت إلى علامة دالة على مشاركتها الواقعية للحياة مع الآخر، في الأذى، وفي التحدي. فهي الطرف المكمل للمعادلة، كي تغدو وحدة بنائية، كجسد، وكرمز، في المفهوم الملحمي لموضوع: الانعتاق.
فالجندي، وهو يحطم قيود العبودية ـ وقد بدا الموضوع سياسيا ً للوهلة الأولى ـ يجد، على اليمين، امرأة ترفع رأسها، مع يديها، إلى الأعلى، مبتهجة ومشاركة في الفعل، مؤيدة ومحتفلة، والمرأة ، على يسار الجندي، تحمل مشعلا ً للإنارة، ورمزا ً للحرية. وهي ليست مصادفة ان يمنح المرأة هذا التوازن، مع الرجل، وهو يعلن مغادرة الظلمات.
لكن الفنان، في المنحى هذا، سيختار المرأة الثائرة، إلى جانب الجواد الجامح، فاتحة النصب، ومقدمته ـ من اليمين، وهو نظام الكتابة باللغة العربية ـ وبجوارها، امرأة تنهض، يشاركها، بجوارها، حامل الراية، تشاركه امرأة تؤدي العمل ذاته، وفي الوسط، اختار جواد سليم طفلة، بحركة عفوية، شبيهة بالنماذج السومرية، وهو النموذج المدور الوحيد في النصب، كجسد محاصر بين امرأتين، لأن النائحة، الثكلى، وكمشهد مستمد من الواقع، ستستغيث، مع حركة احتجاج صريحة. وبجوارها ثلاث نساء، عند جسد رجل يتجه نحو الأرض، ضحية، وقد ربضن كما تفعل النساء عادة قبيل الدفن. فالمعالجة ليست طوطمية حسب، كعلاقة عضوية وغير قابلة للتفكيك، بل معاصرة، كنسغ يمتد بين الأسفل مع خط الأفق ـ نحو الأعلى. وبمثل هذه المعالجة، ثمة امرأة تحتضن وليدها، وقد تكورت، كما البذرة تحافظ على سر بذرة الخلق، الوليد، وقد اندمج بجسدها كمشهد طالما كان معالجا ً في الفنون السابقة على أزمنة الكتابة. هذا الجانب ـ الأيسر ـ عالج فيه الفنان مفهوم السكون ـ الحركة، بالمفهوم ذاته لدينامية الخلق. فليس الموت ـ الكمون ـ الدفن، إلا بما يؤدي إلى ضده: المغادرة ـ الولادة.
وفي هذا الجانب، بعد ان تكون القيود قد تحطمت، يسهم بها رجل مع امرأتين، أو امرأتان مع رجل ـ يختار الفنان جسدا ً أنثويا ً معتدلا ً، خلف القضبان، من الأسفل، وقد تحولت إلى أغصان. فالقيود توحي بمسار الصعود من الأسفل إلى الأعلى، والمرأة تواجه المشاهد مباشرة، بكبرياء. فهي تمثل نشوة التحرر ـ والاستقرار، والشروع بالعمل، حيث اليدين تؤديان هذا الدور، وليس الدور الذي مثلته (الأيدي) في الجانب الأيمن، من ضمور واستسلام وتمرد واستغاثة، كي تأتي الكتل الأخرى، مكملة للمرأة، حيث الاحتفال بالوفرة: امرأتان تتوسطهما صبية، الأولى تحولت إلى نخلة، يتحول السعف فيها إلى رايات ـ كعلاقة بين الرايات في يمين النصب ويساره ـ والمرأة الثانية تحمل ما أنتجته الأرض، فيما الصبية ترفع بذراعيها الواثقتين ثمرات العمل ـ وعلامته الصناعية.
ويحلل الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا، بالنسق ذاته، فيقول ـ حول هذا الجزء ـ: " مثل الفنان الرافدين العظيمين وفروعهما بنساء عراقيات. إحداهن فارعة كالنخيل الذي انتشر سعفه حول رأسها، وهي تمثل دجلة ـ وهي كلمة عراقية معناها (النخيل) ـ والأخرى امرأة حبلى بوفر العصور القديمة، فهي خصب كالسنابل التي تحملها، وتمثل الفرات ـ وهي كلمة عراقية معناها (الخصب) ـ والثالثة صبية تحمل على رأسها خيرات الأرض، ولعلها روافد دجلة والفرات" (4)
فالجنسانية تغيب عن النصب تماما ً، (5) فإذا كان الرليف ـ في النحت العراقي القديم ـ يستوحي مشاهد الحروب، والمعارك، والصيد، وهي ذات طابع ذكوري عادة، فان جواد سليم، في هذا النصب، سيمنح المرأة مفهوم (الخصب) وديناميته، حيث المرأة تغدو طرفا ً أساسيا ً في المعنى المشفر لأسطورة إنانا ـ ديموزي، في النزول إلى العالم السفلي، وفي التحرر منه، بالمفهوم الرافديني الذي وجد امتداده، هنا، بالدور الذي قامت به المرأة: الأم، الثكلى، وحاملة المشعل، والراية، والثائرة، وبالمرأة رفيقة الرجل، عبر الملحمة، رمزا ً للعمل، والعطاء، والسلام.
وقد تبدو بعض الإشارات حول علاقة جواد بوالدته مفتاحا ً لهذا المنحى برمته، ولكنه، في الحالات كلها، ليس الوحيد. (6) فالموضوعات التي ظهرت المرأة فيها/ والطفولة، لم تغب عن تجاربه طوال حياته، وهذا ـ في الجوهر ـ لم يتقاطع مع فهمه للحياة، كمشاركة بناءة، يكمل احدهما الآخر، وغير قائمة على التصادم. فالمرأة والرجل، كلاهما، يكملان بعضهما البعض، عبر تنوع حالات (الأسى) وحالات (الابتهاج). فالجندي ـ في هذا السياق ـ ليس علامة (ذكورة) بمعزل عن مفهوم الخصب، الذي عالج قضية (الثورة) بمعنى الانعتاق ـ الولادة، كي تكتمل الدورة ذاتها، للبذرة، عبر كمونها ـ دفنها ـ وتمثلها لحتمية التحرر ـ والمستقبل.
1 ـ لهذا ذكر الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا: " لقد اكتسب اسم جواد سليم في أذهان الناس هالة تكاد تكون أسطورية، وهو أهل لها، ولا ريب". جواد سليم ونصب الحرية ـ مصدر سابق ص7
2 ـ يلفت الأستاذ شاكر حسن النظر إلى: " ان فكرة الأمومة هذه التي لم يكتف جواد سليم بطرحها كموضوع بل عبر عنها على هيئة (بنية ذات شكل) تضمنت عنده (صورة) الهلال والدائرة أيضا ً) جواد سليم ـ الفنان والآخرون. مصدر مذكور ص176
3 ـ د. صبحي أنور رشيد/ حياة عبد علي ألحوري [الأختام الأكدية في المتحف العراقي] وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1982 ، إذ يؤكد ان صناعة الأختام المنبسطة والاصطوانية، من السمات الحضارية البارزة لبلاد وادي الرافدين إذ تمثلت في هذه الصناعة دقة الفن وأصالته، حيث استطاع الفنان ان يجمع بين موضوع الختم وإجادة صناعته في آن واحد. ص 9
4 ـ جواد سليم ونصب الحرية، مصدر سابق ص156
5 ـ الجنسانية بمعنى الانحياز إلى احد الجنسين، والغلو فيه. فيرى د. قاسم حسين صالح، ان حياة جواد سليم كانت خالية من العقد. فيقول: " لم يتعرض جواد خلال مرحلة طفولته إلى مشاكل عائلية. ولم يفقد خلالها والده أو والدته وكان يكن حبا ً لأفراد عائلته كافة ... إلا ان حبه لامه كان متميزا ً. وقد انعكس ذلك في أعماله الفنية المتعلقة بالأم والأمومة " قاسم حسين صالح [في سايكولوجية الفن التشكيلي ـ قراءات تحليلية في أعمال بعض الفنانين التشكيليين] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1990 ص161
6 ـ تذكر إنعام كجه جي، في كتابها [ لورنا ـ سنواتها مع جواد سليم] إشارات حول والدة الفنان، منها: " أما أم جواد، فكانت فنانة أيضا ً ومطرزة ماهرة، امرأة ذات مهابة وصاحبة الشخصية الأقوى في العائلة...." " ص39
[10] قراءة الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا
إذا رأى الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا، وهو يتحدث عن نصب الحرية، ان يعزل ما هو ظاهر في النصب، حد ان التأثير البصري الصرف هذا، قد يحجب ما فيه من مغزى يهم المتلقي أو لا يهمه، فهو يأتي بالدرجة الثانية، إلا انه سيتوقف عند نقطتين في النصب: " لا تستطيع تجاهلهما. الأولى هي ان وحداته كثيرة، والمسافة بين البداية منه والنهاية طويلة بالنسبة للعين، مما خلق مصاعب جمة للفنان، كما تعلم. والثانية، هي ان الفنان أراد ان يجعل لكل وحدة معناها الخاص، بل انه أراد المعنى واضحا ً، ومسلسلا ً، حتى كادت رؤياه النحتية المجسدة تروح ضحية لمعناه الرمزي المجرد. هاتان النقطتان خلقتا للفنان مشاكل لم يكن حسمها سهلا ً عليه، ومصاعب كان عليه ان يتغلب عليها بعبقرية، ولم تكن حلوله كلها من نوع واحد.."
فإذا كان الأستاذ جبرا قد رأى ان جواد لم يكتف بالثورة في وثبة الجندي الشجاع، فكان عليه ان يفكر بالدلالة الرمزية للنحت أيضا ً ـ أو معا. فكان عليه ان يجد الصيغة التي تلتئم فيها روعة الكتلة والتشكيل مع روعة المعنى الذي يهمه، فكان عليه ان يجعل كل جزء واقعيا ً ظاهرا ً، ورمزيا ً باطنا ً. ولجأ إلى مخزون تجاربه الكثيرة، وما تعلمه من فن وادي الرافدين والفن الايطالي في عصر النهضة: إذ ْ ان في كليهما هذا الجمع بين النص البصري والصريح، والإيحاء الرمزي المضمن.
فرواد الثورات، والجندي، والفلاحين (الزراعة) والعامل، ذات منحى واقعي، فان: الحصان، والباكية، والحرية، والسلام، والثور، والفلاح، جاءت رمزية. وبعضها كان مزيجا ً من كلتا الطريقتين ـ: كالأم الثكلى، والأم وطفلها، والسجين، وانهار العراق. وقد انحاز الأستاذ جبرا للمجموعة الأخيرة كـ: " أروع ما في النصب" ففيها: نشعر ان الفنان استطاع ان يوفق بين القوى المتصارعة في ذهنه، بين الحقيقة الداخلية والحقيقة الخارجية، بين تجسيد النحت وتجريد المعنى، بحيث تبقى الكتلة النحتية روعتها ويأتي المعنى في المرتبة اللاحقة مؤكدا ً عليها. فالمعنى إنما هو رافد من روافد جمالها، اكبر منه غاية تبرر الشكل المنحوت، كما في بعض الأجزاء الأخرى.
وأخيرا ً: ليست هذه صرخات الحرية وأغانيها البرونزية فحسب، بل هي حلم يقظة رآه فنان بغدادي، وجراح امة عرفها مع شعبه، وأمل رحب لازمه طيلة عمره.
[11] قراءة الأستاذ شاكر حسن
يلخص الأستاذ شاكر حسن، في كتابه[ جواد سليم ـ الفنان والآخرون] مدخلا ً لفك بعض مشفرات نصب الحرية، فيرى انه إزاء: " عمل معماري و (نحتي ـ انصابي) في آن واحد. وهو من حيث الخامة توالف ما بين المرمر الأبيض كخلفية سحيقة تذكره بورق (الترمة)، وما بين الكتل النحاسية التي تجمع ما بين النحت المدور، والنحت البارز. مستنتجا ً ان الرليف هو حل وسط ما بين النحت المدور والرسم.
لهذا سيختار القراءة (التعاقبية) من حيث تسلسلها الأفقي من اليمين إلى اليسار، في مجموعات أربع، موزعا ً الكتل من الحصان إلى كف المتظاهر الذي يبدو بهيئة راقصة. بينما تمتد المجموعة الثانية لتبلغ حدود المرأة الحانية على الطفل. وتبدأ الثالثة من مشهد خروج السجناء السياسيين من سجنهم، وحتى تمثال المرأة الممثلة للخصوبة، ويختتم المجموعات بموضوع الفلاحة والعمل، فهي تجمع ما بين شكل العامل حامل المطرقة وحتى شكل الفلاحة حاملة الحصيد أو الواقفة إزاء النخلة.
لتكون قراءته قائمة على رؤيته ـ هو ـ بالحدود التي لا تتجاوز تأويله للسرد، مع هذه الرؤية. فالعلاقة بين الكتل، وكل منها يرمز إلى وظيفة محددة، تكمل بعضها البعض الآخر، تعاقبيا ً. وهكذا تكون المجموعة الأخيرة من النصب مقابلة للمجموعة الأولى: فالثور يقابل الحصان/ والعامل يقابل حامل اللافتة/ والأشخاص الثلاثة من الفلاحين فهم يقابلون الممسك بالعدة والممسك باللجام، بالميت الساقط على الأرض.
فالاتجاهات، في النصب، تتكامل مع البناء العام للعمل الفني معتمدة على التناظر كقيمة أسياسية له. معترفا ً ان (التأويل) قد يتقاطع مع أي تأويل آخر، بل وحتى مع (وعي) الفنان لصالح ما هو ابعد من ذلك. فيقول بان ذاكرة الأشياء تظل تتدخل في عمل الفنان من غير (وعيه) تاركا ً الاحتمالات حرة بحسب تأويل المتلقي.
وسياق القراءة ـ هنا ـ يوضح مقاربة مع الآراء الأخرى، بما يمثله النصب من تراكم خبرات من حيث تعدد الرؤيات، ومن حيث تعدد التقنيات والأساليب، محددا ً بموضوع النصب: الثورة. لكن هذا محض وصف بالظاهر، في سياق قلب مفهوم ان العمل الفني هو الفنان كي يغدو الفنان ـ أخيرا ً ـ جزءا ًمن عمله. ثم يتساءل: أيكون موته المفاجئ جزءا ً من عمله وهو في صيرورته المستقبلية ..؟ مختتما ً قراءته بان نصب الحرية هو: خلاصة لحياة جواد سليم وموته معا ً، بهذا المعنى الأخير ـ ومع ذلك ـ فباستطاعتنا أيضا ً ان نقرا فيه أي سفر آخر.
ولا ضرورة لتذكير القاريء بعلاقة الأستاذ شاكر حسن بجواد سليم، بعمقها، من ناحية، وبرؤية جماعة بغداد للفن الحديث، ونسقها كصيرورة كونتها روافدها لتمثل الحاضر، وكمنجز قائم على صهر هذه الروافد، بالحفر في المناطق الأكثر قدرة على مواكبة حركة الزمن، من ناحية ثانية.
فالنصب، لدى شاكر حسن، يبدأ من: التاريخي، والعياني، المباشر، نحو (الشيئي ـ الجنيني) كموقف يكمل قراءة الأستاذ جبرا إبراهيم، التي حافظ فيها على موضوعية (النصب)، كي يمنح المتلقي حرية كالتي عمل بها جواد سليم، حرية كأنها هبطت من كوكب آخر، لكنها بالضرورة هي، في نهاية المطاف: حصيلة تحديات.(2)
1 ـ شاكر حسن آل سعيد [ جواد سليم ـ الفنان والآخرون] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1991
2ـ يذكر الأستاذ رفعة الجادرجي، بهذا الخصوص: " ثم، ان المثقفين عموما ً في تلك الفترة كانوا تقدميين، ضد السلطة الحاكمة والطبقة القريبة منها. حتى ان جواد قبل سفره بيومين مر من أمام ستوديو احد المصورين الفوتوغرافيين في شارع الرشيد، وكان يعرض صورة كبيرة لـ "عبد الإله"، وبالختم الذي في إصبعه شطب على الصورة. رآه شرطي فامسك به.. ولا ادري حتى الآن كيف انتهى ذلك الحادث في تلك الليلة. المهم ان جواد سافر" جريدة الجمهورية، بغداد، بتاريخ: 25/1/1978 حوار مع الأستاذ رفعة الجادرجي.
[12] قراءة ثالثة
عندما يستعيد المتلقي مشهد النصب كاملا ً، فانه سيعيده إلى الأرض. فجواد سليم ـ الذي عمل على صهر المؤثرات، بتنوعها، لا كمصالحة، بل كوحدة تضمنت اختلافاتها أيضا ً ـ درس عميقا ً مفهوم الدورات، إن كانت كبرى، خارج مدى الإدراك البشري، أو تاريخية، تخص حياة الأمم، والجماعات، والأفراد. أي انه ـ في سنوات الريادة؛ سنوات التدشين والتأسيس والمغامرة الخلاقة ـ أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته ـ أدرك ان مهمات الفنان متشعبة، ولا يمكن تأطيرها أو وضعها في مفهوم أخير. لكنها، إن كانت بلا فكر، فإنها ستبقى في حدودها الصورية، والشكلية. والفكر، ليس (النظريات) و (المعرفة) و (الخبرة) فحسب، بل كل ما سيشكل جوهر الرسالة ـ الخصوصية، والإرسال.
والفت النظر هنا إلى الكتابات النقدية، التي نشرها الفنان محمود صبري، بواقعيتها الجدلية النقدية، وأثرها في توجهات الفنان،(1) بالعودة إلى (الواقع)، بدل الانسياق بمحاكاة الأنماط السائدة، حد استنساخها، بل إعادة الحفر في صيرورة (الوجود)، ومدى مسؤوليات الفنان كصانع: علامات لها (دورتها)في فهم ديالكتيك المجتمعات ـ والحضارات، والإنسان في الأخير.
ولم يكن جواد سليم ـ مؤسس جماعة بغداد للفن الحديث بعد انفصاله عن جماعة الرواد ـ يحلم بأكثر من ردم المسافة التي تعزله عن الحقب المزدهرة في حضارة وادي الرافدين، لأن النقد الذي قدمه الفنان محمود صبري، ساعده على ذلك ـ في المنجز ـ بدل الاكتفاء بتجارب جمالية أحادية، أو باذخة، أو تزيينية من ناحية، أو متأثرة، حد التطابق، بنماذج سائدة، عالميا ً، من ناحية ثانية.
قلت: عندما يستعاد النصب كاملا ً، فان دراسة الاتجاهات، لكل كتل، ستتوازن بين (الأعلى) وبين (الأرض)، كي يمتلك خط الأفق، علاقة: البذرة ـ في صيرورتها ـ بين الدفن ـ وبين الإنبات/الانبثاق. وهو ـ عمليا ًـ وجد هوى عميقا ً لدى الفنان، مع (الثورة)، بالمعنى الأبعد من الحدث ـ السياسي، نحو: الانعتاق.
فإذا كان المشاهد لا يستطيع إلا ان يرفع رأسه، رمزيا ً، وعمليا ً، لمشاهدة الإفريز، فانه سيؤدي دور البذرة ذاتها كاملة. فالفنان المشبع بالحضارات القديمة، ومنها حضارة وادي الرافدين، أعاد قراءة أسطورة تموز ، جلجامش، وتركها تجد حياتها في ملحمته: الانبثاق، علامة فاصلة بين قرون لا اثر فيها لأية علامة، أو اثر، ومستقبل يتأسس توا ً يتطلب وجود علامات خاصة تمثله.
ولعل إحساس الفنان بصدمة (الغياب)، لم تتبلور، كما تبلورت، وهو يشرع بتنفيذ نصب الحرية. فالموت ليس حدثا ً عارضا ً، ولكن معادله، سيشكل حدا ً مقابلا ً ـ وتحديا ً ـ ومكملا ً له. وقراءته لحضارات وادي الرافدين، قبل الطوفان، مرورا ً بسومر وأكد وبابل وآشور والحضر والعصر العباسي، لم يغب عنه، حيث لا يوجد (سبات) إلى الأبد، من ناحية، وان مسؤولية كل (حقبة) لا بد ان تنبني بمشروعيه النهضة ـ الثورة ـ الولادة، من ناحية ثانية.
فالنصب، بحدود هذه القراءة، وجد زمنه كحد فاصل بين الدفن ـ والانعتاق.
ومن منظور لا شعوري ـ وبنيوي ـ فان مفهوم الختم ـ الدائري ـ يؤدي ـ في هذا النصب ـ دوره، حيث مرور الملايين، من أمامه، سيحمل بصمات النصب، وما يعمل على إيصاله، أو بثه. أي ديناميته للعبور من الحاضر، بالإضافات، نحو تشكل ملغزات الدورة، ودحض السكون، أو الارتداد.
ومع هذه العلاقة ـ للمكان والزمان ـ فان ايكولوجيا النصب، تبدأ من (الأرض) ـ الزراعة/ المرأة/ العمل/ النبات/ الحيوان/ ومعها الأدوات ـ نحو المعنى الرمزي لموضوع (الانعتاق) ـ بالجندي ـ رمزا ً للمحارب ـ حتى يومنا هذا قبل ان تمتلك الحكمة دعوتها أو نسقها أو برنامجها لنبذ العنف.
لكن عنف (الجندي) ضرورة، أي ضرورة بتحطيم القيود، بتضافر دور ـ المرأة/ المناضل/ الشعلة/ الشمس/ الطفل ـ لمغادرة حالات: القنوط ـ والسبات، والارتقاء بالفجيعة نحو التغيير ـ الثورة.
فالجندي لا يشطر النصب إلى شطرين، بل يؤدي دور (البؤرة) التي تتجمع عندها باقي أجزاء النصب، لأنه الشرارة، أو المفتاح، للبوابة كمشهد تاريخي تضمن رصد علاماته المتنوعة. فهو الممر ـ الجسر ـ والحلقة بين تاريخ مدوّن عبر مسيرة استمدها الفنان من واقعية المعاناة الحقيقية للشعب، ولكنها تحديدا ً ستمثل واقعية الأداء ـ وتحويراته، وهي واقعية جواد سليم، وخلاصة خبرة نصص فيها ـ دفن ـ أساليب وتيارات وتجارب ـ كي يغدو استحداثها شرعيا ً ـ جماليا ً، في الأخير.
فإذا كانت إحدى أهم وظائف النصب هي (التعبير)، فانه لم يتأطر بالذاتي ـ ولا بالحفاظ على ما تدل عليه تفاصيل النصب، كالانتفاضة، أو الجواد الجامح، أو الثكلى، أو الأمومة، فحسب، بل على الرؤية التي لم تفرط بالهوية ـ الكيان الكلي لمجالي المعنى ومعالجته التقنية، والتكنيكية، والرمزية أخيرا ً.
إنها احدى أكثر الخلاصات التي كوّنت شخصية الفنان: الحفر في المناطق السحيقة، وفي الوقت نفسه دراسة كل ما تنتجه الصيرورة، في المتغيرات، وأثرها في صياغة علاماتها. ولهذا قال جواد لنزيهة سليم، قبل سفرها للدراسة في فرنسا: " لكي لا يتأثر الفنان بمؤثرات أخرى عليه ان يظل باقيا ً على وعيه الفطري" (2) وقد دوّنت في كتابي [الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ـ مرحلة الرواد] (3)، إلى جانب اثر الفكر التقدمي، في التيارات الفنية الحديثة، ان (جذرا ً) بدائيا ً لم يتم التخلي عنه، لا عند جواد سليم، أو خالد الرحال، أو فائق حسن، بل الذي نراه يؤكد احد خصائص هوية هذا الجيل. والبدائية ـ أو الفطرية، لا تعني (التخلف) او التخلي عن التقنيات المبتكرة، والمستحدثة، بل أنها ستمثل النسغ، أو الرابط، او الموصل بين كل ما بدا مندثرا ً، أو ميتا ً، وبين الذي سنراه يتكون. ذلك لأن (البدائية) تعني تحديدا ً بالمعنى هذا (المصداقية) كما تعني (أصالة) التجربة، وليس لأنها مستعارة، أو تعمل عمل الأقنعة.
وعودة إلى (المفتاح) فان الفنان كان أمينا ً ـ كجزء من واقعيته ـ لاختيار (المحارب/ المقاتل/ الجندي)، لحضارة ـ كمعظم الحضارات الشرقية ـ كانت تمجد البطولات، وتاريخها، في الغالب، دوّن بحسب نتائجها. فهو ليس علامة (ثورة) على حساب العلامات الأخرى، بل محرك لها، رمزا ً للتحرر ـ وللتغيير.
وعندما نعيد قراءة الجانب الأيمن، فسنجد ان الفنان عالج حركة الكتل، باتجاه (الجندي) ـ من اليمين إلى الوسط، مثلما ستكون الحركة، في الجانب الآخر، من اليسار صوب الجندي، فهي بمثابة (الجسر) أو (الرابط) البصري، والتكويني للنصب. وبمعنى آخر، فان رمزية (الجندي) ـ كولادة ـ عميقة الارتباط بالحالات المختلفة التي عالجها الفنان. وليست هي محض مصادفة ان يختار موضوعات ـ: المفكر السياسي/ الثكلى/ الشهيد/ الباكية/ الطفل/ رواد الثورات/ الرايات/ والجواد الجامح، على الجانب الأيمن، كي يأتي الجانب الآخر، مكملا ً ـ في المسار المنطقي لدينامية الملحمة ـ كموضوعات: السلام/ دجلة والفرات/ الزراعة/ الثور، والصناعة.
فموضوعات الجانب الأيمن، مكونة، وممهدة، للحدث ـ الثورة، وموضوعات الجانب الأيسر، نتيجة يفضي إليها أو يتوخاها الحدث، وقد سحبنا جواد سليم ـ دون ان يدفننا ـ إلى ما ورد في خاتمة ملحمة جلجامش؛ وهي خاتمة معادلة لأساطير ديموزي، أكدت ان الإجابات الفلسفية لمعضلات الوجود ـ والموجودات ـ لا تجد توازنها إلا بالعمل. ومرة أخرى منح الفنان (لاوعيه) حرية موضوعات الحرية. فالأسى والقنوط والقيود والتضحيات التي اختارها في الجانب الأيمن، لم تدم، كي تجد معادلها، في بناء حياة بعيدا ً عن الاستبداد، كتوازن، في تكوين النصب.
وكأن حياة الفنان، التي توقدت، وتوقفت عندما بلغت ذروتها، في نصب الحرية، شبيهة بالنذور، التي تقدم استجابة لديمومة الحياة، فطالما شعر جواد سليم بهذا الهاجس، هاجس الموت. ولعل ما صدم الفنان ـ وأنا شخصيا ً سمعته ـ قد آذاه. فتقول نزيهة سليم، في حوار أجراه شاكر حسن معها: " علق احدهم على أشخاص النصب فقال إنها كالضفادع. وسمعت آخر (.....) يقول ان جواد سوف لا يكمل النصب. فكان جواد يقول "أنا اعرف ان منيتي قد قربت لكني سوف أكمل النصب، وهذا هو عزائي الوحيد" (4) وفي حوار لي مع الفنان د. خالد القصاب، حول دقائق جواد الاخيرة، قال لي ان جواد سليم ـ وهو يحتضر ـ سأله: هل سيكملون بناء النصب، اجابه القصاب: نعم. فانشرح جواد سليم، كأنه لخص، لا شعوريا ً، دورة (البذرة)، وهي تنبثق من كمونها، نحو الشمس.
فهل ثمة ضرورة للشروح، أو للتفسيرات، بل وحتى للتأويل، لأجزاء النصب ومكوناته، أم إنها ستقلل من حرية المتلقي، وهو يؤدي دوره، كما في النصب، الذي ارتقى بالواقعي نحو الملحمي، وبالذاكرة نحو التدشينات، وبالتعبير نحو الرموز، وبالأسى نحو الابتهال، وبالحزن نحو السلام، وبالقيود نحو الحرية، بما توفرت لديه من قراءات، وحفريات، واستذكار ..؟
أرى ـ في قراءتي ـ ان واقعية النصب، لخصت احد أكثر قوانينها عمقا ً: ان الظلمات لن تدوم، كما في الحكمة السومرية، إلى الأبد، ما دام هناك ـ كما في نصب جواد سليم ـ (5) ألتوق لحياة ستشكل إرادة الإنسان، جوهرا ً لها. فالنصب، في الأخير، ليس معالجة لعلامات دوّنت مسارها عميقا ًفي ذاكرة الأجيال، بدءا ً بجيل 14 تموز 1958، فحسب، بل ذاكرة تدوّن مصيرها، طالما ان إرادة الشعب كانت تمتلك قدرتها على قهر عوامل: القهر. فنحن إذا ً إزاء ملحمة وجدت من يعيد صياغتها ـ لعوامل تكاملت أسبابها ـ مثل قربان لم يُقدم إلى المجهول، بل للمستقبل، حيث تستيقظ بغداد، في كل يوم، أمام أطياف جواد سليم، ترفرف، كعلامات للحرية، وصانعها، في الوقت نفسه، تأخذنا إلى مداها الأبعد.
* الكتاب صدر عن مؤسسة الأديب/ عمان ـ 2014
1 ـ كان محمود صبري يرى ـ يقول رفعة الجادرجي ـ: " بان الفن ينبغي ان يكون سياسيا ً، وقال: بشكل مباشر أو غير مباشر أنت سياسي، سواء كنت تعلم أم لا تعلم. وكان محمود صبري ينطلق في هذا من موقفه التنظيمي. بينما كنت أنا قد طرحت الموضوع على النحو التالي: يجب ان نتجه إلى الفن الواقعي، وهو حصيلة تناقض ديالكتيكي بين الفكر والتكنيك وما الشكل إلا حصيلة لهذا التناقض. كان رد فعل جواد على هذا النقاش هو: ان الفن اذا أصبح سياسيا ً فان المضمون سيتغلب على التكنيك" ملحق خاص بجواد سليم، جريدة الجمهورية الأربعاء: 25/1/1978
2 ـ [جواد سليم/ الفنان والآخرون] شاكر حسن، مصدر سابق ص216
3 ـ عادل كامل [الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ـ مرحلة الرواد] جواد سليم : ضمير جيل. وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1980 ص24 وما بعدها
4 ـ جواد سليم/ الفنان والآخرون، مصدر سابق ص 11
5 ـ " وربما لم يزدد عشق جواد سليم لبغداد، إلا بعد أن رأى وتأمل وعاش في المدن الكبرى: باريس وروما ولندن، عبر فترات، وهو المشغول بمدن العراق الكبرى، ذات التراث الحضاري المميز، إلا أن راح يصّورها بمخيال استثمر محفزات الفن، بالدرجة الأولى، إلى جانب اكتشافه لنفسه، وليس لمعرفتها حسب. وبغداديات جواد سليم، بما فيها من لمسات باذخة، ومترفة، وتزويقية، وتميز على صعيد الأسلوب، إلا أنها لم تخف أنها كانت تخفي، وتضمر شيئا ً آخر، غير: الأشكال، والإمتاع، وكسب رضا المتلقي. كانت هذه الرسومات تدريبات استثمر فيها، برهافته، وتأملاته، وحدسه في تحديد لغته الفنية: استبعاد التكرار، والنسج وفق درب أخير، مما سمح له بالحفر في الموروث العام، من عصر الكهوف إلى ما بعد الحداثة، مرورا ً بتجارب الشعوب ذات الحضارات المختلفة. على أن هذا الانشغال له مركزه: لغز الانبعاث، بعد لغز الموت، في بناء تجارب تمتلك ديمومتها، إزاء ويلات الحروب، وكوارث الطبيعة، وطغيان بعض الشخصيات البشرية. ولا احد يستطيع أن يحدد رهافة جواد سليم، ورقته، إلا عبر صلابة استثنائية قادته لبناء مدينة، داخل بغداد، مدينة تضمنت مشفراتها، عبر رموزها، وإشاراتها، وعلاماتها، في نصب سكنته أزمنة، وعصور، وقبل ذلك كل ما سيمكث داخل النصب: تدشين كل ما لم يدشن." عادل كامل، كتاب معد للنشر، بعنوان [بغداد: أناشيد مدينة اشتغلت بالمشفرات]
المصادر
1 ـ جبرا إبراهيم جبرا [جواد سليم ونصب الحرية] وزارة الإعلام ـ بغداد 1974
2 ـ شاكر حسن آل سعيد [ جواد سليم ـ الفنان والآخرون] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1991
3 ـ عباس الصراف [جواد سليم] وزارة الإعلام ـ بغداد 1972
4 ـ نزار سليم [الفن العراقي المعاصر ـ الكتاب الأول/فن التصوير] وزارة الإعلام ـ 1978
5 ـ شاكر حسن آل سعيد [مقالات في التنظير والنقد الفني] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1994
6 ـ المثقف العربي ـ العدد الرابع ـ السنة الثالثة ـ وزارة الإعلام ـ بغداد 1971
7 ـ شاكر حسن [فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق] الجزء الأول. دائرة الشؤون الثقافية والنشر، بغداد ـ 1983
8 ـ جواد سليم. دليل المعرض السنوي السابع للرسم، المعهد الثقافي البريطاني ـ 1958
9 ـ مجلة الرواق، وزارة الثقافة والفنون ـ بغداد 1978
10 ـ س. ن، كريمر [هنا بدأ التاريخ ـ حول الاصالة في حضارة وادي الرافدين] ترجمة: ناجية ألمراني. الموسوعة الصغيرة ـ العدد(77) وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1980
11 ـ أندري بارو [ سومر ـ فنونها وحَضارتها ] ترجمة:د. عيسى سلمان وسليم طه التكريتي. وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1979
12 ـ عادل كامل [الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ـ مرحلة الرواد] وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1980
13 ـ عادل كامل [التشكيل العراقي ـ التأسيس والتنوع] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 2000
14 ـ مجلة [ديوان] إصدار ديوان شرق غرب ـ برلين ـ عدد خاص بالفن العراقي ـ برلين 2004
15 ـ د. شمس الدين فارس [المنابع التاريخية للفن ألجداري في العراق المعاصر] وزارة الإعلام ـ مديرية الثقافة العامة ـ بغداد 1974
16 ـ نوري الراوي [تأملات في الفن العراقي] وزارة الإرشاد ـ مديرية الفنون والثقافة الشعبية ـ بغداد 1962
17 ـ مجلة ألف باء ـ بغداد: ملف أعدته الشاعرة آمال الزهاوي ـ العدد 159 ـ آب 1971
17 ـ معرض جواد سليم ـ قاعة المتحف الوطني للفن الحديث 23 ـ 31 كانون الثاني 1968
18 ـ جواد سليم: الفن/ الموقف/ الإنسان. ملف حول الفنان بتاريخ: 25/1/1978
19 ـ قاسم حسين صالح [في سايكولوجية الفن التشكيلي ـ قراءات تحليلية في أعمال بعض الفنانين التشكيليين] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1990
20ـ د. صبحي أنور رشيد/ حياة عبد علي ألحوري [الأختام الأكدية في المتحف العراقي] وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1982
21 ـ في ذكرى رحيل الفنان جواد سليم. إعداد: عادل كامل. جريدة القادسية: 23/1/1985
22 ـ د. عاصم عبد الأمير [ الرسم العراقي ـ حداثة تكييفي دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 2004
23 ـ إنعام كجه جي[لورنا ـ سنواتها مع جواد سليم] دار الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق