الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

دجاجات طائفية مستوردة-كاظم فنجان الحمامي


دجاجات طائفية مستوردة
جريدة المستقبل العراقية 26/9/2011

كاظم فنجان الحمامي
حتى الطيور الداجنة في العراق لم تستطع الإفلات بريشها من التصنيفات الطائفية, خصوصا بعد أن شملتها التقسيمات المقيتة المستمدة من ثقافة المحاصصة المذهبية, وأدخلتها بعض المؤسسات الدينية في تجارة اللحوم المستوردة, فأقحمت نفسها في مشاريع تدجين المواطن العراقي, وتلاعبت بعواطفه, واستغلت انتماءاته الطائفية في الترويج لأصناف محددة من الدجاج البرازيلي والتركي والسعودي والإيراني, وأوصت الناس بتناول منتجات معينة, وضعها الفقهاء تحت مسميات مشحونة بالايماءات الرمزية والإيحاءات الدينية المستوحاة من القاموس الفقهي, مثل دجاج (الفقيه), ودجاج (الصفاء), ودجاج (الكفيل), ودجاج (المُراد), ودجاج (الهدى), ودجاج (الحسنات), ودجاج (النور), ودجاج (الأمير), ودجاج (الوكيل), ودجاج (البركة), وتكفل بعض رجال الدين بتوفير الدعم المطلق لأصناف معينة من الدجاج على حساب الماركات التجارية الأخرى, ولست هنا بصدد التعريض بالمؤسسات التي وفرت الغطاء التجاري لتسويق هذه المنتجات, ولا بصدد تحديد العائدية الطائفية لكل صنف من أصناف الدجاج, بقدر ما أريد التحدث عن هذه الظاهرة بشكل عام, ومعرفة ما تركته من جدل عنيف في الأوساط الشعبية العراقية والعربية والعالمية, فأثارت عدة تساؤلات منها: ما مشروعية هذا الدجاج ؟, وهل يجري ذبحه فعلا بالطرق الشرعية الأصولية النافدة ؟. وهل يذبح في معامل عراقية تحت إشراف مفارز رقابية وبوجود كادر بيطري ميداني متخصص في هذا المجال ؟. وقد يحتدم الجدل أحيانا فيثير تساؤلات أخرى منها: هل صارت مهمة الهيئات الدينية في العراق منصبة على رعاية مشاريع الدجاج واللحوم الحمراء والبيضاء ؟, ولا يشغلها من هموم الناس ومصائبهم الكارثية سوى إطلاق الفتاوى والبيانات والتصريحات الداعية إلى تشجيع صنف واحد بعينه, وتفضيله على الأصناف الأخرى المدعومة أيضا من المؤسسات الدينية المناوئة للطرف الآخر في ساحة الصراع التجاري الطائفي ؟. وهل أصبح العراقيون ضحايا للثراء الفاحش الذي تسعى لتحقيقه الجهات المتنفذة باسم الحلال والحرام ؟, وهل انتهت مشاكل العراق, المذبوح من الوريد إلى الوريد, إلى المستوى الذي تفرغت فيه الهيئات الدينية العليا لتشغل نفسها بالنواحي التسويقية للدجاج المذبوح بتقنيات الليزر ؟.

قد يظن القارئ أن هذه الظاهرة مستشرية في العراق وحده, وان العراقيين هم أول من اكتشفوها, وأول من وظفوها في الدعاية التجاري الدينية, ووضعوها في خدمة الدجاج المجمد, والحقيقة أنها ظاهرة عالمية معروفة, انطلقت أول مرة من ولاية تكساس الأمريكية قبل أكثر من نصف قرن, حيث تبنت كنيسة (جورج دبليو) عام 1952 تنفيذ مشروعها التجاري الخاص بتوفير الدعم المالي لنشاطاتها الاجتماعية, وذلك من خلال الترويج لصنف خاص من الدجاج المجمد, أطلقت عليه (دجاج الكنيسة), وهو الدجاج الأوسع انتشارا حتى يومنا هذا في عموم أقطار الأرض, ونجحت الشركة المنتجة مؤخرا في توقيع اتفاقية مع شركة كويتية لإنشاء ستين مطعما في الكويت والبحرين وعمان والسعودية وقطر والإمارات, بيد أن الشركة الأمريكية آثرت تغيير ماركة دجاجها من (دجاج الكنيسة) إلى (دجاج تكساس) منعا للإحراج, الذي قد يتفجر من حساسية الظروف العقائدية لدول المنطقة, وفي أول ردة فعل لهذا المشروع الستيني, طالبت بعض المؤسسات الدينية والتجارية في دول مجلس التعاون بضرورة الإسراع بتطبيق التجربة العراقية, وحث الجمعيات الخيريّة الإسلامية لإطلاق أصناف خليجية من الدجاج المجمد تحت مسميات جديدة مستنبطة من القاموس الفقهي. ثم حذت الكثير من المؤسسات الدينية العربية حذو بعضها في الترويج لمنتجات غذائية مشكوك في صلاحيتها وشرعيتها.

على أية حال يبدو أننا تورطنا من حيث ندري أو لا ندري في حروب الدجاج الطائفي المجمد, وأصبحنا ضحايا لمؤامرات الشركات المنتجة للبيض واللحوم والدواجن, فوقعنا أسرى على موائد ومطاعم الوجبات السريعة, وظهرت علينا فئات جديدة من وعاظ السلاطين آثرت الاندماج مع الدجاج, ونجحت في تدجين الناس وتوزيعهم على أقفاص التصنيف الطائفي المبرمج. وعلى الرغم من هذه القراءة المرة لتداعيات ثقافة الدجاج الأبيض, أجد نفسي خارج دائرة التشاؤم فالتغيير قريب بإذن الله, وسيكون ثمرة كل الجهود الصادقة, التي لا تنشد سوى رفعتنا وعزتنا وضمان صحتنا وسلامتنا من كل مكروه.
وقفة
قل لي ما نوع الدجاجة التي تفضلها على المائدة ؟؟. فأقول لك من أنت, ومن تكون, ومن هو زعيمك الروحي, وربما أتوصل إلى معرفة رقم قائمتك الانتخابية, وتنظيمك السياسي إن كان لك تنظيم.

ليست هناك تعليقات: