الخميس، 22 سبتمبر 2011

امنعوا التسول في التقاطعات -كاظم فنجان الحمامي


امنعوا التسول في التقاطعات


كاظم فنجان الحمامي
في البلد الذي تطفو مدنه وأريافه وبراريه وجباله وأهواره على اكبر بحيرات النفط المخبأة تحت قشرة كوكب الأرض منذ آلاف السنين, وفي البلد الذي منحه الله كل العطايا والمزايا والهبات والخيرات والثروات, ونشأت في رحمه أقدم السلالات. وفي البلد الذي تتكاثر فيه منظمات المجتمع المدني بالانشطار.
في هذا البلد العريق تتشقق الأرض في الصباحات الباكرة فتخرج منها جنيات ملثمات مجهولات الهوية, يرتدين البراقع السود, ويحملن أطفالا مستعارين, تمت برمجتهم وتخديرهم بالعقاقير المنومة, والأعشاب السحرية مضمونة النتائج.
يتجمعن قبيل بزوغ الشمس عند تقاطعات الطرق الداخلية, وحول الإشارات المرورية المزدحمة, يزاولن الاستجداء بالضرب على زجاج السيارات ونوافذها وسقوفها, من الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من المساء, وتزداد نشاطاتهن في الأعياد والمناسبات والعطل الرسمية وغير الرسمية, التي تصل عندنا أحيانا إلى 364 يوم في السنة.
وفي خضم غياب المعالجات الحكومية الحاسمة لظاهرة استجداء النساء في تقاطعات المدن, وفي الوقت الذي تزداد فيه آلامنا لهذه المشاهد المحزنة والمخجلة, لا يسعنا إلا أن نطلق صيحتنا من هذا المنبر الحر, وندعو رجال الدولة كافة إلى وجوب الإسراع بوضع الحلول الإنسانية الناجعة لهذه الظاهرة المأساوية المستفحلة, وان يتجنبوا منعهن من الاستجداء بالقوة, فهن في أمس الحاجة للرعاية والعناية, ومعظمهن من ضحايا التهجير القسري, ومن ضحايا أعمال العنف الطائفي التي تركت عوائلهن من دون معيل. ومنهن من كان زوجها ومعيلها ضحية لإحدى التفجيرات الطائشة, التي تركته راقدا على سرير العجز الكلي.
تنامت هذه الظاهرة المفزعة في كنف التداعيات السلبية للحروب المتعاقبة والأزمات, التي مر بها مجتمعنا في العقود الماضية، والتي ذهب ضحيتها رجال العائلات الفقيرة، فضلا عما خلفه العنف السياسي المتهور من آثار خطيرة, أجبرت اليتامى والأرامل على الاستجداء، ودفعتهن للبحث عن لقمة العيش في تقاطعات الطرق المكتظة بالسيارات الفارهة, واستجداء عطف أصحابها وكرمهم .
فهل عجزت الحكومة عن توفير الرعاية لهن ؟, وهل فشلت حقا في تدبير السكن اللائق, ودفع الإعانات المالية للنساء المشردات والمفجوعات بموت ذويهن, وهل هي غير قادرة فعلا على انتشالهن من أوضاعهن المزرية ؟.
أم إن مواكب المسئولين لم تتوقف لحد الآن عند التقاطعات المرورية لكي ترى هذه الحقيقة المؤلمة, بسبب سرعاتها الفائقة, فهي دائما على عجالة من أمرها, بحيث لا يسمح لها وقتها الثمين رصد هذه المشاهد ؟. فسيارات المسئولين تتسابق في الطرق العامة كما الخيول الجامحة, تزبد وترعد وتصهل بأصواتها المرعبة, ولابد لنا من التحاور معها بلهجة المواعظ والحكم, ونقول لأصحاب الخيول الجامحة: إن الخيول إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق, فلا تكن الخيل أفطن منكم, فإنما الأعمال بالخواتيم, وأن زيف الدنيا زائل, وكل نعمة دون الجنة فانية, وكل بلاء دون النار عافية, فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة. ولَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ. وينبغي أن تحاسبوا أنفسكم قبل فوات الأوان. وان تتصدوا بحزم لعوامل نشأة هذه الظاهرة ونموها, فالفقر والجهل والبطالة, وأعمال العنف والتخريب, وما رافقها من تهجير وتشريد للعوائل المنكوبة, وما تلاها من سلسلة تفجيرات إرهابية, هي الزوابع والأعاصير التي مزقت جسد المجتمع العراقي المنهك, وبعثرت كيانه.
ومما يبعث على الحيرة إن ظاهرة استجداء النساء المبرقعات انتشرت منذ سنوات في تقاطعات الطرق الداخلية لبعض المدن الخليجية المفرطة في الثراء, فهل مرت المدن الخليجية الغارقة في العسل بمثل ما مر به العراق من أهوال ومصائب وويلات ؟. الجواب: كلا. ولكن البلاء, كفاكم الله شروره, له جنود غير مرئيين.

ليست هناك تعليقات: