السبت، 3 سبتمبر 2011
قصة قصيرة-قصة إمبراطور:عادل كامل
قصة قصيرة
قصة إمبراطور
عادل كامل
لم تعلن ، ولن يطلع عليها أحد ، تلك القرارات التي كان يصدرها ، فتنفذ قبل ان يأمر بها .. فقد كان أتباعه يدركون بالحدس الإمبراطوري أفكاره .. فخلال حكمه الذي دام ألف عام ، أصدر مالا يحصى من القرارات الهامة ، جميعها اعتبرت من أسرار الشعب . وفي الواقع كان البشر ينفذون الأوامر باعتبارها جزءاً من الحياة . لكن بعض الدول والممالك والجمهوريات المجاورة كانت تبحث عن الفضائح الداخلية .. وكانت تستقيها بطرق غامضة ، فليس ثمة آي شخص كان قد تعاون مع الأجنبي .. أو سرب شيئاً من الأوامر الخاصة ، لقد أعلن للسكان ، عند تسلمه الحكم ، ان القدر اختاره .. فصفق الشعب له سنوات وسنوات .. وكان كل جيل جديد يولد يصفق له ويؤمن بهذا القدر .. لقد صفق له الشعب لدرجة ان العالم كله سمع الصوت المدوي الهادر كأنه آت من الفضاء البعيد .. ولم يكن بمقدور أحد إفساد ذلك الاحتفال .. ألا ان الإمبراطور ، بنفسه طلب من الشعب الركون الى السكينة والهدوء .. فهدأ الشعب ، وأنصرف الى أعماله اليومية .
وعشية الأيام التي تلت الاضطرابات النفسية التي حصلت في الغابات ، أصدر آمره بذبح حاشيته كلها .. ولم تحدث ضجة في آي مكان من أرجاء المعمورة . فقد ذبح ، بهدوء ، ليلة عيد ميلاده ، ستة آلاف جارية وألف غلام . وهم في الواقع كانوا يتمتعون بحس وجمال .. ولم يعترض الوزراء أو كبار قادته على ذلك القرار .. فقد صنع لهم مجزرة عابرة بدل فيها جميع أتباعه بشخصيات جديدة .
لم تكن ثمة مؤامرات أو محاولة للإطاحة به . كان الشعب كله يؤمن أنه سيبقى الى الأبد . لذلك صارت وليمة الوزراء وكبار القادة عيداً وطنياً .. وكان الشعب بأسره قد خرج الى الشوارع يصفق بغبطة لكل وزير يذبح وتقطع أجزاء جسده الى قطع لا مرئية .
تلك الليلة ، والأيام التالية ، شهدت أكثر الاحتفالات شهرة ، فقد دعا الشعب الى وليمة الوزراء . وكان الناس يتحدثون عن نكهة الطعام النادر .
ففي خطابه عشية المذبحة ، وبعد ان تم إخماد الاضطرابات التي حدثت في الغابات ، تحدث عن لذائذ الطعام الإمبراطوري .
على أنه بعد أسبوع أصدر أمره بتعيين عشرة آلاف جارية .. وثلاثة آلاف غلام .. وأمر النساء بالإنجاب لتجديد نسل الإمبراطورية ..
ولم يذكر التاريخ ولا كتب المؤرخين وليمة الوزراء ألا باعتبارها ليلة وطنية . أما ذبح الجواري والغلمان وكبار القادة فلم يشر أليها آي مؤرخ ولم ترد في آي كتاب .
وفي الواقع لم تكن ثمة كتب ، عدا التي تصدر على نحو شخصي وسري . فقد أعلن الإمبراطور للناس ان السعادة هدف الحياة ولهذا السبب أحرق الشعب جميع الكتب ، عدا خطاباته وكتبه وقصة ميلاده .
وذات مرة تساءل / ما هي السعادة ؟ فلم يجب أي إنسان عن سؤاله .. فضحك .. وأعترف لنفسه بأنه أضاع سعادته .. وأنه سيكتشفها في ذات يوم .. صفق الشعب .. صفق فترة طويلة من الزمن .
ألا ان وليمة الوزراء أثارت انتباه بعض الأجانب ، وقليلاً من الضجة ، التي خمدت عشية ذبح الجواري والغلمان ، عندما غادر جلالته قصره صباحاً وراح يتجول في شوارع المدينة ، لقد حول المذبحة لصالحه .. فصفق الشعب له طويلاً .. ولم يعد الأجانب والصحافة الخارجية ووسائل الأعلام جميعاً تتحدث عن المجزرتين .. فقد أعترف سيادته في خطاب له ، وهو في متنزه عام ، ان بتر العضو العاطل الفاسد ، من الشؤون الداخلية .
وحول ذلك اليوم الى عرس وطني .. فأطلق سراح السجناء ، ووزع الهدايا على الجميع . وقال ان القدر الذي اختاره ، يجعله أكثر بسالة في حسم الأمور .. وأمر ، في توجيهاته يومئذ ، ان تزال جميع الرسوم والجداريات والتماثيل التي أقيمت له . فالإمبراطور في الذاكرة . وقال :
- سنشّيد أعظم دولة حديثة . وسخر من الأعداء بشدة . قائلاً ، أنه سيشن الحرب دفاعاً عن المثل العليا .
وفي مساء ذلك اليوم ، بعد جولته الحرة التفقدية ، عاد الى القصر ، وأجتمع بالقيادات العليا للدولة ، وأستمر الاجتماع ثلاثة أيام متتالية .
فخطط للحرب وشرح الأسباب وعوامل النصر . وتحدث عن النبات الجديد المدهش الذي ينمو في الهواء . وعن استخراج المعادن من الماء . وعن رؤية المستقبل بأجهزة جديدة . فصفق الشعب له حتى كادت السماء ان تتصدع ، على حد تعبير وزير الكلام .. وقال أنه سيحل مشكلة المجاعة في العالم كله حتى نهاية الوجود البشري .
وفي ذلك الاجتماع قال ان الشعب أطلق عليه ألف لقب وصفة . وأنه الآن ، بعد تطهير العقول من الخرافات ، وبعد إزالة الصور والأوثان والأساطير ، لا يريد ألا لقباً جديداً وبسيطاً . فأنا هو الجندي الذي أختاره القدر للإنقاذ . لكن الشعب أختار له ألف لقب آخر .. وضجت الناس .. وصفقت له .. فقال أنه الإمبراطور الذي اختاره القدر .. إذاً .. ان حكم الأرض لا يمثل شيئاً .. وقال يخاطب نفسه : أنه سيتقدم نحو الأبعاد الخفية في السماء . وعملياً كانت الأمة تتذكر كيف قاد بنفسه حرب الكواكب التي دامت أكثر من نصف قرن ، وكيف أنقذ البشرية من الفناء الأكيد . كانت تلك الحرب الطاحنة بمثابة الدرس الأول للشعب . ذلك لأنه ، بنفسه ، قادها وكان مثال المقاتل ، على حد تعبير الشعب ، وقال بصوت أرعب الأعداء ، أنه لن يموت ألا بعد تحرير الإنسان من فزعه الروحي .. فالإنسان الذي جاء من العدم لن يذهب الى العدم .. أنه الكائن الوحيد الذي اختاره الرب للخلود . لا جنة ولا نار ، الإنسان هو الرب . فصفق الشعب طويلاً .. وقال ، بعد مجزرة عابرة أخرى ، راح ضحيتها قادة الأشجار والمعادن والطاقة ، ان تطهير الذات يبدأ بالذات . فصفق الشعب ، صّفق وكأنه سيصفق الى البد .
وأمر في ختام الاجتماع ان تقام ولائم جديدة . فلم يتحدث آي وزير .. فقد كان الجميع يدركون أنهم ، في لحظة ما ، سيتحولون الى وليمة .
وفي تلك الليلة قالت زوجته له : أنك لرغباتي ذبحت ثلاثة آلاف جارية وألف غلام .. ونصف الوزراء .. فمتى تشن الحرب ؟ قال لها ، وكان يحدثها بالهاتف :
- ستبدأ الحرب .
فقالت زوجته له :
- الشعب يصغي إليك منذ ثلاثة أيام .. ألا يكفي ذلك ؟!
غادر القصر لفترة وجيزة ، ثم عاد .. ولا أحد يعرف كيف ذبح الإمبراطور جلالة الإمبراطورة ، إنما أعترف لقادته أنها كانت تتعاون مع الأعداء ، أنها ليست السيدة الأولى في العالم .
- ذهب زمنها .
وبعد دقائق عاد الى تأملاته ، وبدأ يحدق في وجوه قادته . ثم أمر بإقامة نصب للمرأة ، قائلاً : أنها تأتينا بالمحاربين . فالأرض ، أرضنا ، مثل العالم .. كلاهما ..
وسكت لدقيقة .. ليقول :
- مهددان بالفناء ! من غير المرأة العالم كله يتحول الى خراب ..
فصفقت له النساء .. في أرجاء العام كله . وصفقن له لسنوات وعقود .. فهو الأب الحنون والأخ الكبير لكل أنثى ولدت أو ستلد في الزمن القادم .. حتى ان الراحلة أشارت في حديث سري ان عملية ذبح ثلاثة آلاف جارية لم تكن سوى هفوة .. وان على نساء الأمة معالجة الأمر بالإنجاب ، أشعار الذي قصده الإمبراطور والذي أشرف على تطبيقه وزير النسل والأعضاء الداخلية .. فالإمبراطور كان يخطط لتأديب الجيران وحماية أسوار الإمبراطورية .. وهذا ما أعلنه في خطابه للأمة وحدد فيه أدق التفاصيل . فالجيران الأعداء لا يمكن إهمال حركاتهم .. وبالفعل جند الأمة كلها ، وبدأت حرب المائة عام . وأشتد أوارها . فقاتلت الأمة قتال الأجداد القدامى .. وكانت الحرب تبتلع الأجيال .. وكاد الزمن يتوقف لولا ان الحرب نفسها قد استنفدت أسبابها ، فعادت الأشياء القديمة الى وضعها السابق . وفي يوم وقف النزف الدموي كانت الأمة تتكون من النساء والأطفال والإمبراطور وكبار قادته .. وكانت قصة ذبح الجواري والغلمان ووليمة الوزراء قد مضى عليها الزمن ولم يعد يتذكرها أحد . بل لم يعد يصدقها أحد . فبعد النصر انشغلت نساء الأمة بمهام البناء وإنجاز المراحل التي كان يخطط لها سيادته . ان نصف مليار امرأة ناضجة معدات للإخصاب يمكنهن إعادة المسيرة على نحو أفضل . كذلك قال في خطاب النصر ان وزارة النسل والأعضاء الداخلية ستوّزع مستلزمات الإنجاب .. وبالفعل لم تعد هناك امرأة غير مخصبة .. وعلى مدى سنوات قليلة عادت نسبة الرجال الى وضعها المطلوب .. ونسى الناس الحرب والمجازر الخفية .. ولم يتطرق الشعب الى الأسرى .. بل تجاهلهم .. لأن آلاف الأسرى توزعوا على القارات .. بل قيل ان المحاربين كانوا يذهبون متطوعين الى الحرب للفرار من جحيمهم الخاص . وفي الواقع ليس ثمة حقيقة في هذا كله . فالمعارك كانت أكثر من طاحنة . ثمة فرقة مكونة من مليون مقاتل أعلن عن فقدانها التام في معركة واحدة لم تطلق فيها رصاصة . وهناك فرق أخرى وجحافل اختفت من الوجود للأسباب ذاتها .
كان جلالة الإمبراطور يعرف ذلك . وفي خطاب النصر أعترف ان الدماء التي نزفت على مدى مائة عام تكفي لإغراق العالم .. ألا ان القدر شاء ذلك .. ولم يبح لأحد أنه كان لا يعرف ماذا يريد .. إنما قال أنه كان يحلم .. وقال أنه مازال يحلم ان يكون ، في يوم ما ، جندياً في الجيش . ويعود يعيش بلا فرقة من الحرس تحيطه وتحرسه من الجهات كلها .. يعود يلعب بالطين ويجلس في المقهى .. ويتنفس بعيداً عن أوامر أساتذة الهواء .. كان يود لو مات في أول معركة بدل ان يشهد عام النصر .. فقد كانت آثار الحرب بادية على محياه .. وفي الواقع كان يعاني من الأزمة قبل ان يولد .. فأجداد الإمبراطور ، جميعاً ، بلا استثناء ، صنعهم القدر ودمرهم أيضاً . وهذا هو كلام جلالته في خطاب النصر .. وقال ان الحياة ستعود الى مجراها الواقعي ، على الرغم من أنه يكن لها الاحتقار الأزلي :
- فأنا أحلم بالسعادة الأبدية لجميع أتباعي .. أننا لم نحقق أحلامنا ، و أسفاه .. إنما الزمن القادم سيكون لصالح الأحفاد والإمبراطورية ..
وأعترف للسيدة زوجته الجديدة أنه يشعر بحزن غامض وبلا جدوى الأشياء .. فقالت له ، وكانت شبه غافية والمطر يسقط بشدة ، هو ذا جزء من قدرك ..
وفي تلك الليلة ذبح الإمبراطور جميع الجواري والغلمان والوزراء وكبار القادة .. عدا كاتبه المكلف بتدوين سيرة حياته . آي أن هذا الشخص الذي يروي لكم ، تحت تأثير الرعب والفزع والخوف والموت كل كلمة كتبتها في هذه القصة .. فقد شاهدت الإمبراطور بنفسه يضع جلالة الإمبراطورة في قدر يغلي .. ثم بعد ساعة ، بال في القدر ، وبعدها ، صنع له خدمه الطعام من ذلك القدر .
سألني مرة : أتعرف بماذا أحلم ؟
قلت : جلالة الإمبراطور هو الذي يقول ذلك ..
قال : لا .. أنا أريد ان العب بالطين .. أريد ان أتنزه في الشوارع .. أهرول . أبكي .. أرقص .. أحب .
في تلك الليلة ، كان الابن ، الإمبراطور الابن ، قد خلع الأب من مناصبه كلها . وكاد الأب يموت ، لكن زوجته أنقذته :
- غادر هذا المكان .. غادر ..
في تلك الليلة ، في الحديقة السرية للقصر ـ تحدث الإمبراطور المخلوع ، بعد خطاب النصر ، الى جواريه ، بالصمت . ثم توغل بعيداً عنهن ، بعد ان أعترف لهن بأن القدر هو القدر . فضحكت واحدة منهن قائلة : أهو القدر أم القدر ؟ متشفية بالإمبراطورة التي سلُقت . فقال القدر هو القدر وهذا يكفي . وكّن يضحكن .. وهن يرتجفن رعباً ..
ألا أنه غادرهن . لم يكن يشعر ألا بالضجر البشري ، ولم يكن بحاجة الى لذة أو متعة ، لقد ارتوى .. كذلك قال لنفسه وهو يزور مقبرة الأجداد . أجل . وبكى لحظة ، ثم آفاق وهو يخاطب والده الراقد في قبور الخالدين :
- أنا قدت القدر على مدى ألف عام !
وقال لجده :
- أنها مقبرة كبيرة .. كبيرة جداً .. وأنا الآن لا أريد ان أعيش ولا أريد ان أموت .. لقد علمت الناس المسرة والحب .. لكني لم اعرف قط المسرة ولا الحب .. أيها الجد المقدس أني دافعت عن البلاد .. وصنعت النصر .. وقاتلت .. وجعلت البلاد تعود بعد هذه الحرب الطويلة ، الى واقعها :
ورفع صوته :
- أيها الموتى سأكون الى جانبكم ..
صرخ أحدهم :
- ماذا تقول ؟
قال الإمبراطور المخلوع : من أنت وماذا تريد ؟
فقال أنه صاحب الموسوعة الإمبراطورية ، وأنه كتب كل الأشياء الخاصة بالعائلة والقصر والدولة .
- ولكن لماذا أنت هنا في هذه المقبرة ؟
- كنت أتحدث الى الموتى ..
قال الإمبراطور :
- وماذا كانت النتيجة ؟
قال الكاتب : الموتى لا يتكلمون ..
ولم يسمح الإمبراطور له بالكلام .. بل سأله : وكيف نجوت من الموت ؟
فقال الأخر بهدوء : لم أغادر قصرك !
- والآن ماذا تفعل هنا ؟
- أنا في القصر يا جلالة الإمبراطور .. !
- هنا ؟
- أجل !
كانت المقبرة تمتد بعيداً في الأفق .. والريح تهب باردة . فسأل الإمبراطور كاتب القصر :
- والآن ماذا بإمكاننا ان نفعل ؟
- أنه الفصل الأخير يا سيدي ..
فضحك الإمبراطور .. وهرول .. وتوقف .. وطلب من كاتبه سيكاراً .
- آه .. لأول مرة أكتشف أني أنا الإمبراطور الحقيقي ..
- الإمبراطور بلا إمبراطورية !
- أجل أيها الكاتب .. أني الآن سيد نفسي ..
وطلب من الكاتب زجاجة خمر .. ثم طلب منه أن يجلس تحت ظل شجرة .. كان يتحدث بطلاقة .. ولم يكن يخطب .. بل كان يتكلم بهدوء :
- هذا آخر يوم لي .. إذاً .. آي أني أعيش آخر مسراتي .. وأشار الى الأفق :
- أنظر الى الموتى السعداء .. أني سأكون أحدهم .. إذاً .. وتابع :
- لقد قدت البلاد ألف عام .. وسأكون ، أخيراً ، جثة هامدة .. نفاية .. والآن أرجوك لا تدوّن ..
وقال ساخراً :
- أنك ستبدأ بكتابة قصة الإمبراطور الجديد .. أجل .. أن الكتب مثل المقابر .. والكاتب حفار قبور .. ها .. أليس كذلك أيها الولد الشاطر .. ؟
وضحك . كان يشرب بسرعة ، وبنشوة :
- ما الذي سيبقى من أفعالنا كلها .. كلمات .. كلمات .. أي هراء هو ذا ... ورفع صوته :
- كان عليّ ان أترك الإمبراطورية منذ خمسمائة عام وأعيش حياتي كإنسان آخر .. يا للروعة ان يعيش الإنسان في الهواء الطلق .. يتنفس .. ويتجول بحرية في أي مكان يشاء ..
وحلمت . فقال كاتبه له بهدوء :
- أنها الحتمية يا سيدي ..
- أعرف .. مثلما اخترت الحياة لا بد ان أقتنع بالنهاية .. أني سأذهب الى القبر الذي أشرفت على تأسيسه .. الى جانب أجدادي وآبائي ..
وصرخ فجأة :
- لن أرقد الى جانب هؤلاء الأوغاد .. !
- أين ستذهب .. يا سيدي .. ؟
- الى النهر ..
- غريب ..
- كلا .. فأنا لا أريد ان يكون هناك قبراً لي .. لا أريد الاستماع الى كلمات السكان .. أريد – صدقني – الهدوء الأبدي .. من الصمت الى الصمت .. لا أريد ان أترك أثراً ..
- ولمن يكون هذا الصرح الشامخ سيدي ..
- للحاكم الجديد ..
وضحك ، متابعاً كلماته الأولى :
- في الواقع لا أريد ان أعود الى أي شيء .. لقد ضجرت .. وكان هذا هو قدري .
وسأل كاتبه :
- قل لي ، برب هذه البلاد ، أكنت أستطيع ان اذبح ولي العهد أم لم أكن اقدر ..
- كنت تقدر .. يا سيدي . كنت تقدر ..
- ولم أفعل ذلك .. لأني كنت أومن بالمسيرة .. ألا أني الآن لا أريد ان أرقد تحت التراب .. أريد ان أرقد في المجهول .. في الماء وفي الهواء ..
وصمت طويلاً ، ليقول لكاتبه :
- لدي أمنية واحدة الآن ..
- قل يا سيدي .. قل .. أني أصغي لك ..
- أريدك أن تحرق خطاباتي .. والكتب التي صدرت عني وحولي ..
فقال كاتبه بهدوء :
- لقد نفذ وصيتك جلالة الإمبراطور الجديد ..
- حسناً فعل ! ها .. ليكتب سيرته الآن .. وبعد ذلك .. ليحرقها أيضاً .. أنها الدورات .. ألم أقل لك أيها الكاتب أنها محض حكايات وبلا معنى في الأخير ..
- نعم .. يا سيدي .. وهذا هو معناها ..
- ألم أقل لك أنها حكايات بدأت بالصمت .. ولا بد أن تنتهي بالصمت أيضاً ..
- نعم .. يا سيدي .. بدأت بالصمت .. وستنتهي بالصمت ..
- لا تنسى ان تقول : أيضاً ..
- لا .. يا سيدي .. سأقول : أيضاً !
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق