الأحد، 4 سبتمبر 2011

في غياب الرائد خالص عزمي-طه سالم يتذكر:


في غياب الرائد خالص عزمي
طه سالم يتذكر:
انطفاء شمعة العراق الوقادة

بغداد: د.علي عبد المحسن علي
انتقل إلى جوار ربه الأديب والصحفي المبدع (خالص عزمي) الذي نال دبلوم الصحافة من مصر عام 1950 واصدر مجلة الأسبوع الأدبية عام 1952 ، تخرج من كلية الحقوق- جامعة بغداد عام 1954 وزاوج بين العمل الصحفي وممارسة المحاماة ، تطرق إلى التاريخ الخاص بالعراق وبريطانيا من خلال رسالة الماجستير من جامعة لندن (كنجز كولج) والتي بعنوان الرقابة البرلمانية على الحكم في العراق وبريطانيا – دراسة مقارنة في القانون الدستوري في عام 1962 اصدر جريدة بغداد نيوز وأصبح رئيس تحرير صحيفة بغداد اوبزيرفر عام 1967 ، تحدث الفنان القدير (طه سالم) عن مذكراته مع الصحفي المبدع خالص عزمي وقال : كان اللقاء الأول في المتوسطة الغربية عام 1946 وكنت بالصف الأول وخالص عزمي في الصف الثالث،علاقتنا سطحية ، كان يرتدي ملابس فاخرة مما يدل على كونه من ذوي الأغنياء يتمتع خالص بحس فكاهي وكان آنذاك مراسلا لإحدى الصحف ... في احد الأيام التقيت المرحوم الأستاذ المبدع (إبراهيم جلال) ، واصل الفنان طه سالم بالحديث وقال : قال لي إبراهيم جلال الفنان خالص عزمي يطلبك لأمر ما ، في بداية عام 1965 التقيت بخالص عزمي فاخبرني بأنه يروم العمل في برنامج تلفزيوني طويل وقته ما يقارب الساعة والنصف يتناول سيرة إحدى الشخصيات العراقية المؤثرة على الساحة العراقية آنذاك انه الصحفي المرحوم (إبراهيم صالح شكر) ، إذ يقوم خالص عزمي بالإعداد والتقديم وأقوم أنا بالتمثيل بإدارة المخرج (عمو زكي) والبرنامج عبارة عن مقابلة أو لقاء بين الصحفي والشخصية ، تم دراسة أبعاد الشخصية الدرامية (الطبيعي-الاجتماعي-النفسي) ، كتب خالص عزمي البرنامج وكان بحدود 30 صفحة وكلها اسماء أعلام لشخصيات وزراء وأرقام لتواريخ معينة وأحداث وتم إجازة هذا البرنامج للتلفزيون وكان آنذاك يسجل بفيديو بدائي لا يحوي مونتاج الكتروني فإذا توقف الممثل في إحدى الكلمات يعاد البرنامج إلى البداية وقد نال البرنامج إعجاب الشرائح المختلفة للجمهور لما تضمنه من حقائق وأداء مؤثر حتى إن عائلة صالح شكر جاءتني وعلامات الحزن بادية على وجوه الجميع لأنهم تأثروا بأدائي للشخصية وأحس الجميع باني والدهم . واسترسل الفنان طه سالم بالقول اتفقنا أنا وخالص عزمي على شخصية أخرى هي الشاعر الشعبي (ملة عبود الكرخي) واستمر البحث والتنقيب عن الآثار الفكرية والشعبية والجذور الأصلية لهذا الشاعر الساخر الذي استخدم مفردات شعبية محيرة بالإضافة إلى استخدامه اللهجة الخاصة بجانب الكرخ والتي تختلف بعض الشيء عن لهجة الرصافة فضلا عن صعوبة الحركات التي كان يقوم بها الكرخي وأديت الشخصية بنجاح باهر ومنقطع النظير. تم تناول علاقة خالص بالفنان (طه سالم ) لما لها من أهمية في التعرف على خالص عزمي بدقة وحتى يتمكن الباحثون في مجال (خالص عزمي) من معرفة طبيعة الظروف السياسية في تلك الفترة بدقة . استمر حديث الفنان (طه سالم ) ثالث شخصية اشتركت مع (خالص عزمي) في تقديمها للتلفزيون هي شخصية (احمد عزت الاعظمي) وهي شخصية ذات ميول اجتماعية وسياسية وفكرية . بدا الفنان (طه سالم ) كأنه منقبا في التاريخ الخاص بالعراق عندما أعقب قائلا : الشخصية الرابعة التي تم الاتفاق على تقديمها للتلفزيون هي (احمد فهمي المدرس) المعروفة بالعلم والمعرفة والأدب والأخير هو أستاذ كلية المعلمين في بغداد . أما الزهاوي فقدمه المرحوم (يعقوب القره غولي) بعد أن رشحته أنا لكونه من الفنانين الجيدين وهو قريب الشكل إلى شكل وهيئة الزهاوي . واصل الفنان (طه سالم) بسرد تجاربه مع (خالص عزمي) بالقول كتبت مسرحية (طنطل) وقدمتها إلى وزارة الإنشاد لغرض الحصول على الإجازة ، وكان الوزير (مالك دوهان الحسن) والرقيب رفضا الإجازة المسرحية وقال الأخير عنها إنها اخطر ما يكون إلى الدولة والى رئيس الجمهورية (عبد الرحمن عارف) لان اسم طنطل يعني دربونة أبو الطنطل التي تحوي بيت عبد الرحمن عارف وعبد السلام عارف والفنان طه سالم يعنيهما في هذه المسرحية وذهبت إلى صديقي (خالص عزمي) والذي كان يشغل منصب مدير عام وزارة الإرشاد وعرضت عليه الأمر واخذ النص بيده وذكر بأنه قرأ سابقا المسرحية وحازت على إعجابه بما طرحته من فكر يسابق العصر آنذاك فذهب بالنص إلى الوزير وتحاور معه وأقنعه بان هذا النص لا يمت بصلة إلى بيت عارف ولا الطنطل الذي يحكى عنه وإنما الطنطل هنا كرمز أسطوري ليس إلا فأجاز النص على مسؤوليته وعرض النص على المسرح القومي القديم في كرادة مريم فاحدث تأثيرا كبيرا في الوسط الثقافي والفني المسرحي وكتب عنه العديد من النقاد منهم (حميد رشيد) وصحيفة الأوبزيرفر الانكليزية التي تناولته تحت عنوان قائد التجديد الدرامي في العراق الفنان طه سالم وكتب عنها كذلك (جبران خليل جبران) تحت عنوان أشكال مسرحية جديدة عن مضامين جريئة كما كتب عنها كذلك الأستاذ يوسف العاني . انتهى حديث الفنان طه سالم
من كل ما تقدم تمخضت النقاط الآتية :-
1- هناك سوء فهم من بعض رموز السلطة آنذاك لأهداف الفنان المسرحي النبيلة.
2- خالص عزمي فنان واعي ومدرك لمتطلبات وآلام وحاجات مجتمعه لذلك فهو يتقبل وجهات نظر الفنانين الآخرين.
3- كان الفنانون الأوائل بمثابة الباحثين الحقيقيين عن الحقيقة لان ديدنهم الصدق بالهدف ورغم عدم وجود الانترنت وغيره من الوسائل المعاصرة المتوفرة للفنانين والباحثين في الوقت الحاضر والذين معظمهم يعتمد على الانترنت والوسائل السهلة بالبحث والتنقيب، رغم عدم توافر كل ذلك عند الفنانين الأوائل لذا كانت نتاجا تهم الأدبية والفنية والنقدية بمستوى متقدم حينذاك لأنهم لم يعتمدوا فقط على القراءة من المصادر بل اعتمدوا كذلك على تجاربهم العملية بجدية واندفاع مما أدى إلى ظهور نتاجات فنية وأدبية ونقدية جيدة في ذلك الوقت .
4- الفنان الحقيقي هو المعبر عن آلام وهموم وتطلعات شعبه وأمته في كل زمان ومكان.
5- رغم عدم اهتمام الحكومات السابقة التي حكمت العراق كحكومة عبد السلام عارف بالفن والبرامج التلفزيونية آنذاك والتقنية البدائية المستخدمة في تصوير ومونتاج البرامج التلفزيونية فقد كان لتلك البرامج صدا كبير بين الأوساط الشعبية والمثقفة لان الإخلاص في العمل هو المهيمن الرئيسي في هكذا أعمال .
* المكان بيت الفنان طه سالم . الزمان 1/8/2011 في الساعة الحادية عشرة والربع صباحا.

ليست هناك تعليقات: