الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

الراحل محمد غني حكمت كاد أن يُشيّع على ظهر تاكسي

الراحل محمد غني حكمت كاد أن يُشيّع على ظهر تاكسي
وكالات
الثلاثاء 20-09-2011 طباعة المقال

الساعة: الواحدة والنصف ظهراً من يوم الخميس.
المكان: مدرج مطار بغداد الدولي.
الحدث: وصول جثمان النحّات محمد غني حكمت ونقله إلى بغداد في موكب رسمي، ما لبث أن انفض على نحو مفاجئ قبل نقل الجثمان إلى مثواه الأخير في موكب متواضع للغاية.
كانت الأجواء مهيأة لاستقبال جثمان الفقيد ، بعد أن اتصلت عائلة النحات الكبير الفقيد لتخبر الجهات العراقية بوفاة عميدها. وتبنت مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون في حينها نقل الجثمان، لكنها وجدت أن من الأفضل أن يتم ذلك عن طريق أمانة بغداد، باعتبار محمد غني حكمت ابن بغداد البار ومزين مناطقها الرئيسة بتماثيله ونصبه الجميلة المميزة، وباعتبار أن زيارته الأخيرة إلى بغداد كانت بدعوة من الأمانة، حيث ابرم معها عقودا لبناء مجموعة من التماثيل والنصب في العاصمة.
عند وصول الفقيد إلى المطار نقل الجثمان على ظهر سيارة رئاسية حملته من الطائرة إلى داخل المطار، وكانت السيارات الموجودة تعود لمؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون، ورئاسة الجمهورية وأمانة بغداد، فضلا عن عجلات وزارة الدفاع التي تحركت بطلب من وزير الثقافة سعدون الدليمي باعتباره وزير الدفاع وكالة.
سار المشيعون بصورة طبيعية من مطار بغداد إلى جمعية التشكيليين في المنصور، وكانت وسائل الإعلام متواجدة بكثافة، وحظي جثمان الفقيد وأفراد عائلته باهتمام كبير من قبل الحاضرين، لكن ما حدث بعد ذلك لبعض الوقت لم يكن لائقاً. يذكر شهود عيان لـ "المدى" بان موكب التشييع تأخر في الخروج من جمعية التشكيليين، والسبب كان انتظار وزير الثقافة للوصول إلى مكان التشييع، وبعد انتظار أكثر من ساعة وصل الوزير ووقف دقائق معدودة لإلقاء كلمة في حق الفقيد. ثم بدأت مراسم التشييع، واللافت في الأمر، حسب وصف الشهود العيان، أن الوزير الدليمي والنائبة ميسون الدملوجي واللواء محمد العسكري تقدموا المراسيم، بينما تراجعت عائلة الفقيد وأصدقاؤه ليكونوا في آخر المشيعين.
ويضيف شهود العيان: تقدم موكب التشييع إلى مسافة قصيرة جدا لا تتعدى الخمسين مترا، بعدها غادر كل المسؤولين الحكوميين تقريبا المكان بسرعة. الغريب، حسب قول الحضور، أن الوزير الدليمي حين ترك التشييع تبعته كل السيارات العسكرية، ومن ضمنها العجلة العسكرية المرقمة (25058 ب/ الدفاع) التي كانت تحمل نعش الفنان الراحل وتركته ملقى على الأرض تحت الشمس، وغادرت مسرعة. وتفاجأ الجميع بان مواكب المسؤولين قسمت المشيعين إلى نصفين لأنها مرت بسرعة البرق، مما اضطر الجميع إلى الهروب على الأرصفة، وحاولت زوجة الفنان الراحل ونجله من جهة اليمين واليسار إبعاد "المشيعين" خوفا عليهم من دهس موكب "المسؤول".
احد الشهود العيان يؤكد أن الجثمان ترك في الشمس، ولم يكن من اللائق ان يترك في الشارع وسط الحرارة، لذلك ادخله عدد من الاصدقاء من جديد الى قاعة جمعية التشكيليين، وحاولوا ايجاد سيارة لنقل الجثمان، الا أنهم فشلوا فانبرى احد المشيعين بسيارته الخاصة "التاكسي" بوضع الجثمان على سطح سيارته، بعد مسافة من مسير الجثمان على "التاكسي"، رفض الأصدقاء هذا الوضع المهين، وفي ظل هذا الارتباك عادت عجلتان عسكريتان لكن بعد حين تنقل الجثمان الى مقبرة الكرخ حيث مثواه الأخير، وسط بكاء الأصدقاء على حال "شيخ النحاتين".
ومن غرائب مشهد التشييع ايضا الغياب التام لممثلي الاحزاب السياسية والمنظمات، في حين حضر العديد من الفنانيين والمثقفين.
وتوفي النحات العراقي محمد غني حكمت مساء الاثنين (15 أيلول 2011) في احد المستشفيات بالعاصمة الأردنية عمّان، بعد نحو يومين من إصابته بجلطة وعجز في الكليتين لم تمهله طويلا.
وشيع من العاصمة الاردنية في مسيرة راجلة صوب مطار الملكة علياء الدولي ضمت نحو ألفي شخص، بحضور زوجته غاية الرحال شقيقة النحات الكبير خالد الرحال وابنه ياسر.
الجدير بالذكر، ان الكثير من فناني ومثقفي العراق رحلوا بصمت دون ان يذكرهم احد او يحظوا بجنازة ولو "بسيطة ". ففي لقاء سابق مع الفنان العراقي حمودي الحارثي قال: إن وفاة سليم البصري عام 1997، كانت نقطة الانطلاق في فكرة السفر بالنسبة له "شعرت بحالة غريبة من عدم الوفاء لهذا الفنان الكبير، ففي يوم وفاته لم يشيعه احد، بل ان وزير الاعلام حينها حامد يوسف حمادي رفض ان نبقيه حتى الصباح من اجل تشييعه، وحتى المقربين لم يمشوا في جنازة البصري، تواجدوا في بيته ولم يخطوا خطوة واحدة وراءه حتى في سياراتهم.. وذهبوا الى بيوتهم، وحتى الصور الفوتوغرافية للتشييع منعت".
كما مرت وفاة الفنان العراقي جعفر السعدي الذي توفى في عام 2005 من دون مراسم تشييع تليق بمكانة الفنان، والحال ايضا مع الموسيقار رضا علي الذي لم يذكره الإعلام ولم تجر له جنازة كبيرة. والقائمة تطول بعدد المثقفين الذين ذهبوا بصمت داخل الوطن، وآخرون فارقوا الحياة في بلاد الغربة.
يشار إلى أن معظم المثقفين العراقيين قد عانوا أزمات مالية لاسيما في فترة الحصار، وملاحقة النظام السابق لهم، ما أدى الى هجرة الكثير منهم، وبعد التغيير تأمل الكثير منهم ان تتحسن احوالهم لكن بقي الحال على ما هو عليه وواجهتهم مشاكل أخرى لم تختلف كثيرا عن السابق، وكان الإرهاب والعوز المادي وجها آخر لقتل الإبداع. بالمقابل كانت خطوات وزارة الثقافة ضعيفة ومتواضعة في دعم المثقف والفنان العراقي. وتنظر الجهات الحكومية المتنفذة إلى "الثقافة" باعتباره شيئا كماليا لا يستحق الأولوية، ولذلك يحصل هذا القطاع على "فتات الخبز" من الميزانية الحكومية.

شبكة عراقنا الاخبارية

ليست هناك تعليقات: