الجمعة، 23 سبتمبر 2011
أمثال عراقية وأصولها أخترت لكم عدد من الأمثال العراقية وأصولها عسى أن تنال إستحسانكم.
أمثال عراقية وأصولها أخترت لكم عدد من الأمثال العراقية وأصولها عسى أن تنال إستحسانكم.
أحسن ماتگلها كش ... إكسر رجلها
يضرب للشخص الذي يأخذ الأمور بالحزم ويتجنب الحيرة والتردد في جميع أفعاله وأعماله .
أصله:
أن ضيفا نزل على رجل في بيته ، فقدّم الرجل له طعاما ، وفاكهة ، وحلوى وجلس معه يأكلان ويتسامران ، وكان للرجل دجاجة كبيرة تصول في البيت وتجول . وكان الرجل قد احتفظ ببعض الطعام في ناحية ، خشية أن يكون الطعام الذي يأكل منه الضيف لايكفيهما ، فكانت الدجاجة تأتي إلى ذلك الطعام فتنقر فيه فيطردها الرجل بأن يصيح بها : ( كش .. كش!) . على عادة بعض الناس في طرد الطيور أو غيرها . ولا تكاد الدجاجة تبتعد قليلا حتى تعود فتقترب من الطعام ثانية فتلتقط منه ، فيعود الرجل فيطردها بقوله : كش ( فزهك )الضيف وقال للرجل : ( تالي وياك ؟ ) .. تظل الدجاجة تروح وتجي وانت بمكانك تصيح : كش ( أحسن ماتگلها كش .. إكسر رجلها ) فتعجّب الرجل من حزم صاحبه الضيف وحسن معالجته للأمور وذهب ذلك القول مثل
بين حانة ومانة ... ضاعت لحانه
يضرب هذا المثل للشخص الذي يقع بين داهيتين تصيبانه فلا يستطيع منهما خلاصا ، حتى يصيبه من الأذى ما لايقدر على دفعه أو النجاة من شرّه
أصله :
أن رجلا كانت له زوجة اسمها حانة فلما أسنّت تاقت نفسه للزواج من إمرأة أصغر منها . فبنى بفتاة صغيرة مليحة ، حسناء اسمها مانة فكان يعدل بينهما كما أمر الله تعالى فيقضي ليلة مع حانة وليلة مع مانة فلا يغبط إحداهما حقها وكانت كل واحدة تريد ان تستأثر به وحدها ، فكان إذا اختلى بزوجته الأولى حانة تأخذ بعض الشعرات السوداء من لحيته فتنتفها ، حتى تصبح لحيته بيضاء ، فيشعر بأنه كهل وأنه من سنها وينبغي أن يكون لها وحدها دون سواها . وإذا اختلى بزوجته الصغيرة مانة فأنها تنتف بعض الشعرات البيضاء من لحيته حتى تصبح لحيته سوداء فيشعر بأنه لا يزال شابا وأنه ينبغي أن يكون لها وحدها دون غيرها ومازال دأب زوجتيه معه حتى اختفى شعر لحيته مع الأيام ولم يبق منها ولا شعرة واحدة .
وفي ذات يوم كان الرجل جالسا مع بعض أصحابه في المقهى ، فسأله أحدهم : (( هاي شنو أبو فلان ؟ وين لحيتك ؟ .. مزيّنها ؟)) فقال الرجل : (( لا والله مازيّنتها ولكن (( بين حانة ومانة ... ضاعت لحانه ) فسأله أصحابه عن مغزى قوله ، فأخبرهم الخبر ، فضحكوا من ذلك طويلا وتعجّبوا من صبر الرجل المسكين على مافعلته زوجتاه به ، وذهب ذلك القول مثلا
تنبل أبو رطبة
يضرب للشخص الكسول الذي تعوّد على البطالة وعاش عالة على غيره من الناس
أصله:
أن رجلا كان له ولد كسول ، وكان كلما يحاول إصلاحه وإرشاده ، يزداد كسلا وبلادة ، حتى تعب الرجل وملّ ويأس من إصلاحه وسلم أمره إلى الله تعالى . وفي ذات يوم قرر الرجل أن يرسل إبنه إلى مجمع التنابلة ليعيش بينهم ويصبح واحدا منهم ، فيريح ويستريح . وكان التنابلة آنذاك يعيشون في بستان كبير في إحدى ضواحي بغداد ، ينامون فيه طيلة يومهم . فإذا جاعوا أكلوا مما يتساقط عليهم من رطب ، من النخيل الموجودة في البستان ، وإذا أحسّوا بالظمأ شربوا من ماء الساقية . ذهب الرجل إلى شيخ التنابلة وشرح له الأمر وسلّم له ولده الكسول . فرحب شيخ التنابلة بالتنبل الجديد وقال له : (( شوف بابا روح نام هناك يم الساكية .. ولما توكع يمك رطبة من النخلة أكلها وإذا عطشت إشرب من ماي الساكية .. وإنت ما مطلوب منك أي عمل هنا )) . فانبطح الولد على الأرض ، قرب الساقية ، في إنتظار سقوط الرطب بالقرب منه ، وبعد مدة وجيزة سقطت رطبة بالقرب من رأسه ، فلم يكلّف نفسه عناء إلتقاطها ووضعها في فمه ، فقال بكلامه البطيء المتثائب : (( رحم الله والديه اللي يخلّي الرطبة بحلكي )) . فسمع شيخ التنابلة ماقاله التنبل الجديد فضحك منه واستدعاه إليه ، وقال له : (( كوم ولك كوم روح لأبوك كول له : آني تنبل ونص .. و ماأحتاج أعيش ويه التنابلة حتى أتعلّم منهم )) . ثم علم الناس بحكاية ذلك الصبي ، وعجبوا من كسله وضحكوا من فعله ، فقالوا فيه (( تنبل أبو رطبة )) وذهب ذلك القول مثلا
جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني
يضرب للشخص الذي يطلب العون من الناس ، فيلقى منهم مايزيد في عنائه وشقائه
أصله :
أن إمرأة خرجت ذات يوم إلى السوق لقضاء بعض الأشغال . فلما فرغت من ذلك أرادت الرجوع إلى البيت ، وكان معها صبي صغير لها تحمله على كتفها وكان يبكي طول الطريق من غير سبب معلوم ، وكلما أرادت المرأة أن تسكّته وتهّأه ذهبت جهودها أدراج الرياح . وبينما هي تسير في أحد الأزقّة وابنها مازال يبكي وقد بلغت روحها التراقي ، صادفت رجلا يقف في جانب الطريق وبيده يشماغ له يلفّه على رأسه ، فتقدّمت منه وقالت له : (( الله يرحم والديك .. ماتخّف هذا الولد .. حتى يسكت ! )) . فقال الرجل : (( سهلة .. وينه هذا ؟ )) . فأشارت إلى ولدها ، فتقدّم الرجل منه وأمسكه من كلا كتفيه ، ثم رفع الجرّاوية عن رأسه فبدت له صلعة منكرة ! .. ثم خفض رأسه وجعله أمام وجه الصبي وهزّ رأسه ذات اليمين وذات الشمال هزّا عنيفا وصاح بصوت منكر أجشّ : (( ترررررررررر )) فإخترعت المرأة ووقعت أرضا ، ثم نهضت وأخذت ولدها وهربت به وهي تقول : ((جبت الأكرع يونّسني .. كشف راسه وخرّعني )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس فعجبوا من غباء الرجل وجهله ، وبلادة المرأة وسوء تصرّفها . وذهب ذلك القول مثلا
أكو من جلمة ... وأكو من سطرة
يضرب للشخص الذي يعامل الناس حسب قدرهم ، وعلى قدر عقولهم .
أصله:
أن أحد الحلاقين كان يحلق يوما لأحد زبائنه بموس ماضية فزلّت يده فأصاب وجه الزبون بجرح غائر ، بدأ الدم يسيل منه غزيرا فما كان من الحلاق إلاّ أن مال على أذن الزبون وقال له : (( تره أكو بعكالك وسخ )) وتلك كناية عن تعرّض سمعته لكلام الناس ! فثارت ثائرة الرجل وأحمّر وجهه غضبا وقفز من مكانه وصاح : (( اتخسه ! .. انا أخو خيته .. )) . فتوقف نزيف الدم في الحال . فاعتذر الحلاق إليه ، وأخبره بأنه قد قال ما قال حتى يثير غضبه ، ويهز أعصابه ، فينقطع نزيف الدم . فسامحه الرجل وقبل عذره .
وكان للحلاق صبي ذكي مجدّ وكان قد سمع ورأى ما دار بين أستاده الحلاق والزبون . وبينما كان يحلق لأحد الزبائن ذات يوم أصاب الزبون بجرح في وجهه سال منه الدم غزيرا . فمال الصبي على الزبون وهتف في أذنه : (( تره أكو بعكالك وسخ )) فلم يتحرك الزبون ، ولم ينقطع نزف الدم ، فقال الصبي : (( تره سمعة بنتك موزينة بالمحلة )) فلم تؤثر كلمته في الزبون شيئا. فقال : (( الناس دا يحجون على بنتك )) فلم يتحرك الزبون كذلك . وكان الحلاق يسمع ويرى مايجري بن الصبي والزبون ، فأسرع إلى الزبون ورفع كفه وضربه سطرة شديدة على رقبته . فارتاع الزبون لذلك وانتابه الغضب وقام من مقعده ثائرا ، وسأل الحلاق : (( هاي شنو ؟ .. ليش تضربني ؟ )) . وقبل أن يجيبه الحلاق انقطع نزف الدم وتوقف .. فاعتذر الحلاق إلى الزبون ، وأطلعه على حقيقة الأمر ، وأن السطرة ماكانت إلاّ لتوقف النزيف . ثم التفت الحلاق إلى صانعه وقال له : (( شوف ابني .. الناس مو كلهم سوه .. أكو من جلمة ... وأكو من سطرة )) . فتعجّب الصبي من كلام الحلاق ، وسعة اطلاعه ، وشدة ذكائه .. وذهب ذلك القول مثلا
َحميّينا الماي ... وطار الديج
يضرب هذا المثل للشخص الذي يعمل عملا عظيم الأثر ، ثم يعتذر عنه بعذر واه لا يصدّقه عقل ولا يقبله وجدان
أصله:
أن رجلا كانت له إمرأة جميلة مليحة ، وكان لها خليل تعشقه وتهيم به ولا تطيق فراقه ، وكانت تؤثره بكل شيء لديها من ملبس ومأكل وغير ذلك . وكانت كلما أعدّت طعاما لزوجها تأخذ منه شيئا لخليلها . وفي ذات يوم جاء زوجها بديك سمين ، فذبحه وطلب منها أن تعدّ منه مرقا لذيذا للغداء . فقامت المرأة إلى الديك فطبخته ووضعته في طبق ، ثم أرسلت به إلى خليلها ليأكله هنيئا مريئا . ثم إن الزوج عاد إلى البيت في وقت الغداء ، فأتته الزوجة ببعض المرق وبعض رغفان الخبز ، فسألها عن الديك ، فقالت له : (( ديج ؟ .. هذا يادبج ؟ .. هذا جان جنّي ! ))
فتعجّب الرجل من قولها ولم يصدّق كلامها وسألها : (( شنو هالحجي ؟ )) فقالت : (( لما ذبحت الديج .. نظّفناه آني والخادمة وخلينا الماي بالجدر .. والديج بالماي .. والجدر على النار .. ولما حمى الماي رفرف الديج بجناحه وطار من الجدر )) . فصعب على الرجل تصديق هذا الكلام ، فسأل الخادمة عن صحته ، فقالت : (( صدك عمّي .. حمّينا الماي ... وطار الديج . فصدّق الرجل كلام زوجته ، وتناول ما أمامه من الطعام. ثم ذاع الخبر بين الناس ، فضحكوا من غفلة الرجل وغبائه ، وعجبوا من كيد المرأة وتدبيرها . وذهب ذلك القول مثلا
ردتك شاهد .. طلعت لي قصّه خون
يضرب للشخص يؤتمن على أمر ، فلا يكون أهلا لتحمّل تلك الأمانة ، أو المحافظة عليها ، خيانة منه ولؤما .
أصله:
أن رجلا من أهل بغداد كان قد سافر إلى إحدى المدن العثمانية إبّان العهد العثماني بصحبة رفيق له . وبينما هما يتنزّهان في بعض شوارع المدينة _ في عصر ذات يوم _ رأى الرجل بقرة كبيرة واقفة في شرفة أحد البيوت والشرفة : هي ماكان يسمى في بغداد القديمة (( الطارمة )) ويسمى اليوم البلكون . وكانت الشرفة صغيرة وضيقة وبابها صغير وضيق ، فتعجّب الرجل من ذلك غاية العجب ، ولفت نظر رفيقه إلى ذلك ، وراح يتسائل وإياه عن كيفية صعود البقرة الكبيرة إلى تلك الشرفة الصغيرة الضيقة وعن كيفية نزولها منها والشرفة عالية عن الأرض ، وبابها صغير ضيق ! . ثم قال الرجل لرفيقه : (( إن هذا الأمر لايكاد يصدّقه العقل .. فلو أن امرءا حدّث به بعض معارفه ، هل كان يصدّق في قوله ؟ . فبالله عليك ياصاحبي إنتبه لما ترى جيدا واحفظ ذلك في ذاكرتك .. لعلّني أحتاج إلى شهادتك في هذا الأمر ، إذا ما عدنا إلى بغداد .. لأني أخشى الاّ يصدّقني أحد إذا ما قصصت عليه قصتها )) . فوعده رفيقه خيرا .
ثم أن الرفيقين عادا إلى بغداد ، وقد نسي الرجل أمر البقرة . وفي ذات يوم دخل الرجل إلى المسجد ليصلي الظهر ، فرأى صاحبه واقفا في ناحية من المسجد ، وقد التفّ حوله لفيف من الناس ، وهو يقصّ عليهم نبأ البقرة ، وكان القوم يستمعون إليه ويهزّون رؤوسهم غير مصدّقين لما يقول ! . وما كاد ذلك الرفيق يرى الرجل داخلا ، حتى صاح به قائلا : (( لقد جئت في الوقت المناسب ياصاحبي .. أن هؤلاء القوم يكذّبونني فيما أقصّ عليهم من نبأ البقرة . فهلاّ شهدت لي على صحة ما أقول ؟ )) . فقال الرجل : (( أنا لا أتذكّر من هذا الأمر شيئا .. وما أظن كلامك إلاّ إفتراءا وبهتانا ! . )) . فقال صاحبه : (( ماذا تقول ياصحبي ؟ .. هل نسيت ذلك بهذه السرعة ؟ .. )) فقال الرجل : (( لا .. لم أنس ذلك .. ولكنك أنت الذي نسيت ما طلبته منك .. لأني (( ردتك شاهد .. طلعت لي قصه خون . )) . ثم ذاع ذلك الأمر بين الناس ، وعجبوا من قلة عقل ذلك الصديق ، وعدم إلتزامه بما وعد به رفيقه
السبع لمّا يشيب .. تقشمره الواوية
وهو من الأمثال التي تضرب على ألسنة الحيوانات
يضرب للشخص تزول عنه قوته وشدّته ، ويفارقه بأسه ويذهب عنه سلطانه وجاهه ، فيتجرأ عليه السفهاء ، وستخف به الرعاع والأوباش ، ويتطاول عليه السفلة والتافهون .
أصله:
كان الأسد يعيش في إحدى الغابات عيشة سعيدة ، راضية ، هانئة . وكان يلازمه إبن آوى يخدمه ويقضي حوائجه ، ويتقوّت على ما يفضل من طعام الأسد مما يصيده من حيوانات الغابة . حتى مضى على ذلك وقت طويل ، أسنّ خلاله الأسد وأصابه الهرم والضعف ، فلم يعد قادرا على الصيد ، كما كان يفعل في أيام قوته وفتوّته . وفي ذات يوم أصبح الأسد جائعا لعدم تمكنه من الصيد ، فجاع ابن آوى لجوعه ، فلما أضحى النهار لم ير ابن آوى بدّا من أن يخرج فيبحث عن الطعام بنفسه وإلاّ مات جوعا . فرأى غزالا كبيرا سمينا ، يرد الماء في ناحية من الغابة . فعاد إلى الأسد مسرعا ، وقال له : (( أيها الملك .. لقد وجدت غزالا كبيرا سمينا يرد الماء في طرف الغابة .. وسأذهب لآتيك به .. فاحرص على ألاّ يفلت منك . )) . فاستعدّ الأسد للقاء الغزال ، وذهب ابن آوى إلى الغزال ، فقال له : (( أسعدت صباحا أيها الغزال الجميل . أراك ترد الماء هنا , وقد تركت وراءك تلك المزرعة الكبيرة التي تحتوي على ما لذ وطاب من أنواع الخضر الطرية ، وأصناف الفاكهة الشهية ، ولابد أنك جائع كما أنت ظمآن فلماذا لا تتفضل فتأتي معي إلى تلك المزرعة ، فتصيب مما فيها من الخضر والفاكهة ، تأكل منها ما تشاء ، وتأخذ منها معك لعشائك . )) فسأله الغزال : (( وأين هي تلك المزرعة أيها الأخ الشفيق الناصح ؟ )) فقال ابن آوى : (( إتبعني لأدلك عليها . )) فتبعه الغزال ، فقاده ابن آوى إلى حيث يكمن الأسد . فلما اقترب الغزال من مكمن الأسد ، وثب عليه الأسد وثبة سريعة ، وضربه ضربة شديدة قضى بها عليه . ثم قال لإبن آوى : (( لابد من غسل اليدين قبل الطعام ، فاجلس هنا لتحرس الغزال ، حتى أذهب فاغسل يديّ . وإياك أن تقترب منه أثناء غيابي. )) ولما ذهب الأسد عمد ابن آوى إلى الغزال ، فأكل لسانه ، وأذنيه ، وقلبه ، ودماغه . ثم جلس في مكانه .
ثم أن الأسد عاد بعد ذلك ، فسأل ابن آوى : (( أين لسان الغزال ؟ )) فقال ابن آوى : (( مولانا الملك .. لعله كان أخرس . )) فسأله : وأين أذناه ؟ )) فقال : (( لعله كان أصمّ )) . فقال : (( وأين قلبه ؟ )) فقال : (( لعله كان أعمى القلب . )) فسأله : (( وأين دماغه ؟ )) ، فقال ابن آوى : (( مولانا الملك .. لو كان لهذا الغزال دماغ .. أكان يصدّق ما قلته له عن وجود مزرعة كبيرة تحوي أصناف الخضر وأنواع الفاكهة ، وهو يعلم أننا نعيش في ناحية من الغابة الجرداء ، لا ماء فيها ولا شجر . )) فقال الأسد : (( ولك أبو الويو .. دتشوف اشلون دتقشمرني ؟ )) . (( لو جنت بأيام شبابي وقوتي .. جان تجسّرت وقشمرتني ؟ )) ثم هجم عليه ، وقبض على عنقه ، ولم يتركه حتى أصبح جثة هامدة . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس ، فقالوا فيه (( السبع لمّا يشيب .. تقشمره الواوية )).
وذهب ذلك القول مثلا
شمّع الخيط
يضرب للكيّس الفطن ، والذكي الماهر ، يستطيع بفطنته ومهارته أن يفلت من شر يحيق به أو ضر يوشك أن يصيبه .
أصله:
أن أحد اللصوص سطا على بيت نياّر ( وهو الشخص الذي يعمل بالنير والنير هو تهيئة خيوط النسيج وإعدادها ولفها على النبوبة ) . فشعر به صاحب البيت فانتضى قامة ماضية ثم هجم عليه ، فلما رآه اللص علم أنه مأخوذ ، فقال له : (( رويدك يارجل .. فأنا لم آت ِ لأسرقك كما تظن وإنما جئت إليك مرشدا وناصحا )) . فقال له صاحب البيت : (( وكيف تريد أن ترشدني وتنصحني ؟ )) فقال اللص : (( أنت تغزل الخيوط من القطن فتكون ضعيفة وركيكة لذلك يكون النسيج ضعيفا ركيكا كذلك .. فلماذا لا تتعلم كيف تشمّع الخخيوط فتصبح متينة قوية ؟ )) . فخدع الرجل بكلام اللص وسأله : (( وكيف أشمّع الخيوط ؟ )) فقال اللص : (( سأعلمك ذلك في التو واللحظة )) . ثم أخرج من جيبه قطعة من الشمع وأخذ خيطا طويلا وأعطى طرفه للرجل وقال له : (( إمسك طرف الخيط جيدا ولا تتحرك من مكانك .. وانظر كيف سأشمّع الخيط )) . ثم بدأ اللص يمرر الشمع على الخيط ويبتعد عن مكان الرجل شيئا فشيئا حتى أصبح خارج المنزل ، فربط الطرف الثاني من الخيط في باب البيت المجاور ، وفر هاربا . وانتظر الرجل عودة اللص حتى نفد صبره ، ولما طال عليه الإنتظار خرج يبحث عنه ، فلم يعثر له على أثر . فعاد إلى بيته خائبا ، فسألته زوجته : (( مالك ؟ .. وأين كنت ؟ )) فقال : (( كنت انتظر هذا الرجل .. فقد ذهب ليشمع الخيط ، ولم يعد حتى الآن ! )) . فضحكت المرأة من قوله وقالت له : (( ياخايب .. هذا ( شمّع الخيط ) .. ووصل بيتهم )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فضحكوا من قول الرجل وسخروا من غفلته وغبائه ، وعجبوا من فطنة اللص وحسن تخلّصه . وذهب ذلك القول مثلا
الشبعان ما يدري بدرد الجوعان
يضرب للشخص الذي يرى مايصيب الناس من مصائب وشدائد ، فلا يحس بها ولا يشعر بوقوعها مادام هو بمنجاة منها وبعيد عنها
أصله:
أن سائلا وقف على باب أحد القصور الكبيرة ليستجدي . فأطلّت عليه ربة القصر وسألته حاجته ، فقال السائل : (( سيدتي أنا جائع .. وفي أشد حالات الجوع )) . فسألته المرأة : (( ولماذا لم تأكل حتى الآن ؟ .. ألم يطبخ لكم طباخكم هذا اليوم ؟ )) فقال السائل : (( سيدتي .. أي بيت تعنين وأي طباخ تقصدين ؟ .. أنا رجل فقير معدم وقد مضى علي يومان لم أطعم خلالهما شيئا )) . فقالت المرأة : (( إذا كان طباخكم لم يعد لكم شيئا من الطعام .. فتلهّ بشيء تأكله : خذ من خبازكم رغيفا من الخبز الحار ثم انزل إلى السرداب ، فخذ غرفة من السمن وغرفة من العسل ولطخ بهما ذلك الرغيف ثم كله وتصبّر ، حتى ينضج الطعام ويتم إعداد المائدة )) . فقال الرجل : (( واي واي ! .. إحنا وين .. والهانم وين ؟ .. واحد جوعان .. والثاني شبعان .. شلون نتفاهم ؟ )) .
ثم تركها ومضى . وذاع ذلك الحديث بين الناس ، فقالوا فيه : (( الشبعان ما يدري بدرد الجوعان )) . وضحكوا من قول المرأة وعجبوا من غبائها وقلة عقلها . وذهب ذلك القول مثلا
فلوسه صارت بجيبه ... ليش مايضحك ؟
يضرب للشخص الذي يبخس الناس حقهم ويجعل من باطله حقا فرضه عليهم ، لؤما منه وبهتانا .
أصله:
أن رجلا كان قد أقرض جحا بعض المال لأجل معين . فلما حان موعد سداد الدّين لم يكن مع جحا من المال ما يسدّد به دينه . فاعتذر للرجل ، وعيّن له موعدا آخر للسداد . فلما عاد الرجل في الموعد المعيّن لم يستطع جحا أن يفي له بما وعده به ، لضيق ذات يده ، فراح يماطل الرجل ويعده مواعيد أخرى . واستمر الحال هكذا زمنا طويلا حتى كلّ الرجل وملّ .
وفي ذات يوم جاء الرجل إلى بيت جحا يطالبه بسداد الدّين ، فخرج إليه ولده ، وقال له : (( والدي يقرؤك السلام ويقول لك : أن بجوار بيتنا أكواما كثيرة من الشوك ، وأن رعاة الغنم كثيرا ما يمرون بأغنامهم من ههنا ، فتحتكّ فراء تلك الأغنام بتلك الأشواك ، فينزع منها بعض الصوف فيعلق بالشوك . وقد أمرني والدي أن أجمع ذلك الصوف العالق بالشوك كل يوم وأحتفظ به حتى يصبح كمية كبيرة فنعزله وننظّفه ونمشّطه ونغزله ونلفّه على الدولاب ، ثم نحيكه عباءة كبيرة ، متقنة الصنع ، ناعمة الملمس ، فنبيعها بثمن عال ، ونفي لك حقك من ذلك الثمن )) . ولم يكد الرجل يسمع ذلك الكلام حتى راح يضحك عاليا وهو يفحص الأرض برجليه ، حتى استلقى على ظهره من شدة الضحك .
لما عاد جحا إلى بيته ، أخبره ولده بقدوم الرجل الدائن ، وماذا قال له ، وكيف شرح له الأمر شرحا كافيا حتى فحص الأرض بقدميه . فقال جحا : معلوم يضحك ... إذا (( فلوسه صارت بجيبه ... ليش مايضحك ؟ )) . ذاع ذلك الخبر بين الناس ، فضحكوا من قول جحا وعجبوا من فعله ، ورثوا لحال ذلك الدائن المسكين. وذهب ذلك القول مثلا
گال له : طلگها ... گال له : ماعندي وكِت
يضرب للشخص الذي يتبطّر في دنياه ، فيسعى وراء مباهج الحياة ولذّاتها ، مالم تشغله الدنيا بشؤونها ، وتلهيه بمتاعبها وآلامها .
أصله:
أن رجلا كان مزواجا مطلاقا . فكان يبني بالمرأة الحرة الكريمة فيمسكها شهورا قليلة ثم يطلّقها ويتزوج غيرها . حتى اشتهر عنه ذلك ، فصارت الأسر الكريمة تتجنب خطبته وتأبى تزويجه . وفي ذات يوم ، أرسل الرجل بعض الخاطبات ، يطفن في البيوت يخطبن له ، فلم ترض امرأة أن تقبل به بعلا لها لعلمها أنه سوف يطلّقها إن عاجلا كان ذلك أو آجلا . حتى جاءت إليه الخاطبات وهن يكدن ييأسن من إيجاد زوج له .
وفي أحد الأيام ، أبدت إحدى النسوة رغبتها في الزواج من الرجل . ففرح الرجل بذلك وأعّ للأمر عدته . ثم دخل عليها ، فعجب لما رأى من حسنها وملاحتها ، وهمّتها وشطارتها ، وذكائها ومهارتها .
وفي صباح ليلة العرس أيقظته الزوجة مبكّرا ، قبيل أذان الفجر ، وقالت له : ((گووم ... گول ... يافتاح ... يارزاق ... روح وذّن أذان الفجر بالجامع ... وتعال )) . فذهب الرجل إلى الجامع ، فرفع فيه أذان الفجر .
فلما رجع إلى البيت وجد زوجته قد أعدّت له جدر الشلغم وقالت له : (( أخذ هذا جدر الشلغم بيعه وتعال )) . فذهب الرجل فقضى صدر اليوم في بيع الشلغم . ولما عاد وقت الظهر وجد زوجته قد أعدّت له طبك حب رگي، وقالت له : (( يالله عيني .. توكّل على الله .. أخذ هذا طبك الحب ودور بيه عالگهاوي .. بيعه وتعال )) . عمل الرجل مثل ماقالت له زوجته وعاد إلى البيت ، وكان النهار قد مضى وحلّ المساء ، فوجد زوجته واقفة له وراء الباب ، فأدخلته وسلّمته بندقية ، وقالت له : (( يالله عيني راويني شطارتك .. أخذ هاذي التفگة وصير چرخه چي .. ودير بالك زين من الحرامية )) . فأخذ الرجل البندقية وذهب فعمل حارسا طيلة ليله . ولم يزل هذا دأب الرجل حتى أنهكه التعب ، وأضعفته كثرة العمل . فصادف في أحد الأيام ، أحد أصدقائه القدماء ، فشكى له ما يلا قيه من زوجته من بلاء وعناء ، ونصب وشقاء ، فقال له صاحبه : (( أحسن شي تسوّي .. طلگها واتخلّص منها )) . فقال الرجل : (( إشوكت أطلگها .. إذا مشغول من الصبح الثاني يوم الصبح .. وين عندي وكِت أطلگها ؟ )) . فشاع هذا الحديث بين الناس ، فقالوا (( گال له : طلگها ... گال له : ماعندي وكِت )) . وذهب ذلك القول مثلا
گال له : عمي خبزك طيب .. گال له : من گرد عمّك
يضرب للشخص الذي يعين الناس بما يقدر عليه ، ويساعدهم بما يستطيع ، فيطمع الناس بما عنده من خير وعون ، فيلحّون عليه بالمسألة ويحمّلونه ما لا طاقة له به ، غباءا منه وجهلا .
أصله:
أن رجلا جاء إلى بغداد لقضاء بعض الأشغال فيها . فنزل ضيفا على رجل كان صديقا لوالده . وكان الرجل معدما ، فلما رأى الضيف يحلّ بساحته ، رحب به وأجلسه . فلما حان وقت الغداء ، أخرج الرجل بعض رغفان من الخبز ، كان قد أعدّها غداءا له ولإبنه ، ووضعها أمام الضيف مع ما تيسر له من إدام قليل . فراح الضيف يأكل رغفان الخبز بشهية عجيبة وشراهة غريبة ، حتى أتى عليها جميعا ، والرجل ينظر إليه ولا يقدر على الكلام . وبعد أن انتهى الضيف الثقيل من طعامه ، إلتفت إلى رب البيت وتشكّر منه لكرمه ، ثم (( گال له : عمي خبزك طيب .. گال له : من گرد عمّك )) . أي أن الخبز لو لم يكن طيبا ، شهيا لما أكله الضيف كله ولترك منه شيئا له ولولده وهذا من سوء طالع الرجل وشقائه . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس ، فعجبوا من فعل الضيف وسوء أدبه . وذهب ذلك القول مثلا
إلْما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره
يضرب للشخص الذي لا يحسن تدبير أموره ، فيأكل ماله بعضه بعضا ، ويذهب مايملكه هباءا منثور ا ، غفلة منه وقلة نظر .
أصله:
أن رجلا من تجار الحبوب في بغداد كان ذا ولع عظيم بتربية الخيل وأقتنائها . فكان يبذل الغالي والنفيس في شراء مايعجبه من الخيول العربية الأصيلة . وكان الرجل يتاجر بالحنطة والشعير ، فيأخذ منها مايقدر عليه في كل سنة إلى بعض المدن العراقية ، فيبيعه فيربح منه الشيء الكثير ، ويعود إلى بغداد في كل مرة سالما غانما .
وفي إحدى السنين ، أخذ الرجل مقدارا عظيما من الحنطة والشعير ، على عادته ، فسافر بها إلى مدينة الموصل الحدباء . فوجد سوق الحبوب فيها كاسدة في تلك السنة ، فباع الحنطة بثمن بخس . وأخذ المال وذهب إلى أحد الخانات ليقضي فيه ليلته ، فرأى في الخان رجلا من تجار الخيول، معه حصان أصيل ، عظيم الشأن ، معروف النسب ، يريد بيعه ، فساومه على الثمن حتى اتفق معه على أن يشتري منه الحصان بمبلغ يعادل ثمن الحنطة التي باعها في صباح ذلك اليوم ، وذلك من شدة اعجابه بذلك الحصان وتعلّقه به .
وبقي الرجل ينتظر بيع الشعير ليعود إلى مدينته. ولكن سوق الشعير أصابه من الكساد ما أصاب سوق الحنطة ، فانخفض سعره إلى النصف ، أو الثلث عمّا كان يتوقّع أن يبيعه . فبقي الرجل ينتظر تحسن حالة السوق ، وهو خالي الوفاض من المال . فأضطر أن يقدّم لحصانه بعض الشعير كل يوم ليتقوّت به . واستمر الحال هكذا أياما طويلة ، حتى قضم الحصان كل ما كان مع الرجل من الشعير . وكان للرجل مسبحة كهرمان غالية الثمن ، فباعها وقرّر الرجوع إلى بغداد خائبا ، مفلسا ، حيرانا ، أسفا . وتناقل الكثيرون من الناس قصّته لما فيها من عظات وعبر . وقيل فيه ((إلْما يعرف تدابيره .. حنطته تاكل شعيره ))
وذهب ذلك القول مثلا
لا تقولوا : جابوه .. قولوا : جاؤوا به
يضرب للشخص الذي لايترك الفضول وهو في أشد الأ وقات عسرا وأكثرها حرجا ، حماقة منه وجهلا . أصله : أن نحويا - في أواخر العهد العثماني في بغداد – مرّ ذات يوم على ( ميناء الگمرك ) في بغداد ، وكان يقع آنذاك على شاطيء دجلة ، عند ملتقى ( سوق الساعه چيه ) بسوق الهرج . رأى ذلك النحوي لوحة كبيرة مكتوب عليها : ( دائرة الگمرك) . وكان ثمة خطأ نحوي في بعض حركات تلك الكلمات ، فاضطرب النحوي عند رؤيتها إضطرابا عظيما ، وأضمر في نفسه أن يصحح ما فيها من خطأ عند حلول الظلام لئلا يزعجه أحد أو يمنعه من ذلك . ولما جنّ عليه الليل أحضر سلّما ، ومطرقة ، وإزميلا ، وأدوات أخرى يحتاجها ، وجاء إلى باب ( دائرة الگمرك ) ، فوضع السلم على الحائط وارتقى عليه ، وراح يضرب على الحرف المراد تصحيحه بالمطرقة والإزميل ليزيل أثره ... فشعر به بعض العسس ، فظنوه لصا . فقبضوا عليه واقتادوه إلى الوالي . فظنه الوالي لصّا جاء يسرق شيئا من أموال الدولة . وكان عقاب اللص الذي يسرق أموال الدولة الشنق . فأمر الوالي به أن يشنق . وفي اليوم التالي نصبت المشنقة في السوق الممتد أمام دائرة الگمرك واجتمع الناس من كل فج ّ ليشهدوا عملية الشنق . وجيء بالنحوي ، فصاح بعض الصبية : (( جابوه .. جابوه ! )) . فصاح بهم النحوي : (( ويلكم يا أولاد ! ثكلتكم أمهاتكم ؟ .. ويلكم .. [ لا تقولوا : جابوه .. قولوا : جاؤوا به ! ] . )) . فسمعه الوالي ، فضحك من قوله ، وعلم أنه نحوي فضولي . فصدر حكم العفو عنه ، وخلّي سبيله . وذهب ذلك القول مثلا
لا حظت برجيلها .. ولا خذت سيد علي
يضرب للشخص الذي يترك مافي يده طمعا في الحصول على ماهو أفضل منه ، فلا يحصل على ماكان يطمع فيه ، ولايحافظ على ما كان في يده ، فيخسر هذا وذاك ، ويذوق وبال أمره وعاقبة طمعه .
أصله :
أن إمرأة مليحة حسناء ، ذات طهر وعفاف ، كانت قد زُوّجت إلى رجل فقير ، قليل الرزق ، ضيق ذات اليد . وكان ودودا لزوجته ، حريصا على هنائها وسعادتها ما وسع جهده ، وماتسمح به حالته . وبعد مرور بضع سنوات على زواجهما ضاقت المرأة ذرعا بفقر زوجها ، وضيق عيشها معه ، فملّت عشرته ، ونفرت من العيش معه . فذهبت تفتّش عن فتاح فال يكشف لها طالعها ، وطالع زوجها ، ويكشف لها – إعتقادا منها – عن مستقبل حياتها معه . فدلّتها بعض النسوة على ملا إسمه السيد علي ، كان مشهورا بقراءة الفأْل . فرأى سيد علي حسن المرأة وجمالها ، فزاغت عينه .. فقرر أن يستحوذ عليها لنفسه ، وأن يوقعها بين براثنه . فحسِب لها النجم وسأل لها ملك الجن ، ثم أخبرها أن نجمها ونجم زوجها لا يتلا ئمان .. وأن الطلاق من زوجها هو خير ماتستطيع أن تفعله ، وإن كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله . ثم لمّح لها في حديثه أنه مستعدّ للزواج منها وإسعادها ، إذا ما افترقت عن زوجها وأكملت عدّتها . فصدّقت المرأة كلامه ، ووثقت من وعده لها . فذهبت إلى زوجها فطلبت الطلاق منه ، فطلّقها مرغما أسِفا . ثم أن المرأة عادت إلى سيد علي ، وطلبت منه أن يبرّ لها بوعده فيتزوجها. فراح يماطلها ويدافعها ، حتى أحسّت المرأة بمكره وعلمت بخداعه ، ووثقت من عزوفه عن الزواج منها ، فرجعت إلى زوجها آسِفة ، نادمة ، باكية ، وطلبت منه أن يعيدها إلى عصمته مرّة أخرى . وكان الرجل – من شدة فقره – عفيفا ، ذا إباءٍ وشممٍ ، فأبى ذلك . فعادت المرأة إلى أمها حزينة باكية ، لتعيش معها ، ولتقاسمها قسوة الفقر ، وأهوال الفاقة . وعلم الناس بذلك الأمر ، فقالوا في المرأة (( لا حظت برجيلها .. ولا خذت سيد علي )) ، ولاموا المرأة على سوء تصرفها ، وعدم قناعتها بما قسم الله تعالى لها من رزق . وذهب ذلك القول مثلا
لا داعي .. ولا مندعي
يضرب للشخص الذي يتقي المشاكل ، ويتجنب المصائب ، ولكن المشاكل تسعى إليه .. والمصائب تأتيه سعيا .
أصله:
أن القاضي – في زمن العصمنلي – كان لا يعيّن قاضيا في المدن الكبيرة إلاّ برشوة يقدّمها لمن بيدهم أمر تعيينه . وكان أهم ما يسعى إليه القاضي بعد تعيينه هو أن يقوم بجمع مبلغ الرشوة ، التي قدّمها عند تعيينه ، ثم جمْع مايمكن جمعه من المال من الرشاوي التي يجمعها من الناس .
وفي ذات يوم ، قدّم أحد القضاة رشوة كبيرة ، فعيّن قاضيا في بغداد . ولكنه ما لبث أن نقل إلى إحدى المدن الصغيرة في شمال العراق . وكان أهل تلك المدينة من الناس المستورين الذين يتجنّبون المشاكل ، وينزّهون أنفسهم عن العداوة والبغضاء . فلم تكن هناك دعاوي تُرفع ، ولم يكن هناك داعي أو مندعي يتقاضى القاضي منهم مايقدر عليه من الرشوة . فحار في أمره ، ولم يعرف كيف يخرج من ورطته . وفي ذات يوم تفتّق ذهنه عن حل سديد . فطلب من حاجب المحكمة أن يقف بباب المحكمة ، ويُدخل إليه أي رجل يمر أمام المحكمة . فكان الرجل إذا ما أُدخِل إلى المحكمة يسأله القاضي : (( إنت داعي ؟ )) فيجيب الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني ماعندي دعوى على أي شخص )) . فيسأله القاضي : (( هل إنت مندعي ؟ )) . فيقول الرجل : (( لا .. يامولانا القاضي .. آني إنسان مسالم .. ماعندي عداوة ويه أي شخص .. وما أحد إله دعوى ضدي )) . فيقول القاضي لكاتب المحكمة : (( هذا الرّجّال خوش آدمي ..[ لا داعي ولا مندعي ].. إكتب له شهادة .. وأخذ منه ليرتين رسوم الشهادة .. )) . وبهذه الطريقة راح القاضي يجمع المال الحرام من الناس . فاْنتشر الخبر بين الناس ، وتندّروا به ، حتى وصل إلى الوالي ، فأمر بعزل القاضي ومحاكمته .
وذهب ذلك القول [ لا داعي ولا مندعي ].. مثلا
لسان الحلو ... يطلّع الحيّة من الزاغور
يضرب للشخص الذي ينال بحلو لسانه ما لايناله بقوة سلطانه ، ويظفر بجميل القول وحسن الكلام ، ما لايظفر به بطرف السنانوحدّ الحسام .
أصله:
أن رجلا كان يعيش في بيت قديم البنيان مع زوجه وولده . وكان في البيت حيّة تعيش في جحر في أحد حيطانه منذ أمد بعيد . وكان الرجل يكره أن تعيش الحيّة في بيته ، ويخشى منها على ولده . وفي ذات يوم رأى الرجل الحيّة تهمّ بدخول جحرها ، فأسرع إليها ليقتلها ، ولكنها استطاعت أن تفلت منه ، وأن تدخل جحرها فتنجو بحياتها . ومنذ ذلك اليوم أضمرت الحيّة للرجل وأهل بيته شرا .
وفي صباح ذات يوم ، رأت الحيّة ربة البيت تعدّ الفطور لزوجها وولدها ، فتضع اللبن في أواني ، ثم تصفّ تلك الأ واني على منضدة الطعام . فرأت الفرصة مواتية للإنتقام من الرجل وأهل بيته ، فجاءت إلى اللبن فذرفت فيه من السم الزعاف مايكفي لقتل أناس كثيرين . ثم عادت إلى جحرها فدخلت فيه .
وبعد مدة وجيزة استيقظ الرجل من نومه ، فسمعت الحيّة زوجته تلومه على كراهيته للحيّة ومحاولة قتله لها . وقالت له : (( إنت هوايه غلطان .. هاذي الحيّة ساكنة ويانا من سنين .. وصارت واحدة من أهل البيت .. وآني أحبها مثل ما أحب ولدي )) . فأجابها : (( والله يامرة .. آني هم متندم على عملي .. ومن الآن فصاعدا راح أعامل الحيّة مثل ماتعامليها إنتِ .. وأحبها مثل ما تحبيها )) . وكانت الحيّة تنصت لما قاله الرجل وزوجته ، فلقي ذلك القول منها قبولا حسنا ، وندمت على ما فعلت من ذرف السم في أواني الحليب . فأسرعت خارجة من جحرها ، وذهبت إلى حيث يوجد بعض الرماد ، فتمرغت فيه . ثم راحت إلى أواني الحليب فجعلت تغطس في الأواني آنية بعد آنية حتى لوّثت الحليب كله بالرماد ، فصار غير قابل للشرب ، وأنقذت تلك العائلة من موت محتّم . ثم علمت المرأة بأمر الحية مع الحليب ، وخروجها من جحرها لتلوّثه . كما علمت أن الحيّة إنما فعلت ذلك بعد استماعها لكلامها وكلام زوجها . فقالت في ذلك :
{ لسان الحلو ... يطلّع الحيّة من الزاغور } .
ثم علم الناس بذلك الأمر ، فعجبوا من فعل الكلام الطيب ، والقول المعروف في الناس .
وذهب ذلك القول مثلا
لمّن يِثُبت نفسه حصيني ... يروح جلده للدباغ
يضرب للبريء الذي يوضع موضع التهمة ، فينزل به العقاب قبل أن يستطيع النجاة بنفسه ، أو الخلاص بجلده .
أصله:
أن ثلاثة من الثعالب أصابهم الجوع ، وأمضّهم السغب . فخرجوا يبحثون عن طعام لهم . فلم يجدوا شيئا يتقوّتون به . فذهبوا إلى إحدى القرى القريبة لعلهم يصيبون فيها بعض الطعام . وبينما هم سائرون في طريقهم صادفوا قطيعا من الغنم متجها نحو تلك القرية . فسرّوا لذلك ، ودخلوا بين القطيع ليختفوا عن الأنظار ، ويترقّبوا الفرصة لعلهم يصيبون ديكا ، أو دجاجة من غير أن يشعر بهم أحد من أهل تلك القرية . ولسوء حظ تلك الثعالب أن القطيع كان يساق إلى مجزرة تلك القرية للذبح . فلم تلبث تلك الثعالب أن وجدت نفسها في داخل المجزرة ووجدت الجزارين يسرعون إلى الخراف فيتناولونها بالذبح الواحد تلو الآخر . أما أحد الثعالب – وكان كيّسا ماهرا – فأنه أطلق ساقيه للريح ، حال اطّلاعه على الأمر ، فنجا بجلده . وأما الثاني فقلّد صاحبه الذكي ، فأطلق ساقيه للريح مثله ، فنجا كذلك . وأما الثالث فقد بقي مختبئا بين الخراف وهو لايعلم – لغبائه – من الأمر شيئا .
ولما أصبح الثعلبان خارج المجزرة ، قال أحدهما للآخر : (( لننتظر قليلا حتى يأتي صاحبنا الثعلب الثالث )) فقال صاحبه : (( لا فائدة من الإنتظار . فإن صاحبنا لن يفلت من الذبح )) . فقال الأول : (( وماذا يفعل الناس بلحم الثعلب ؟ .. وإن صاحبنا ذكي ماهر ، وسيلقي بحجته إليهم ، ويثبت لهم أنه حصيني وليس خروفا ، فيتعفّفون عن ذبحه ، ويطلقون سراحه )) . فقال الثاني : (( ولك هذا عقلك ؟ .. هوه { لمّن يِثُبت نفسه حصيني ... يروح جلده للدباغ } . )) . ثم ذاع ذلك الحديث بين الناس فعجبوا من ذكاء ذلك الثعلب ، ووفرة عقله .
وذهب ذلك القول مثلا
مادام عندك هيچ علبات .. تظل تاكل سطرات
ضرب للشخص الذي يعرض نفسه لإنتقاد الناس وتقوّلاتهم ، فلا يبعد عن نفسه الظنون ، ولا يجبّ عنها الشبهات
أصله:
أن صديقين خرجا ذات يوم يتنزّهان ماشيين ، فرأيا أمامهما رجلا يسير وله علبة عريضة ( قفا الرقبة ) . فقال أحد الصديقين لصديقه : (( شنو رأيك؟ .. هذا مايستاهل فد سطرة على هالعلبات ؟ )). فقال صديقه : (( إسكت .. لايسمعك ويسوي لنا مشكلة )). فقال الأول : (( طيب إنطيني دينار وآني أضربه سطرة )). فدهش صاحبه لقوله ، ولكنه لما رأى الجد في كلام صاحبه أعطاه دينارا 0 فأخذ الأول الدينار ووضعه في جيبه ، ثم توجّه به إلى الرجل ، وضربه سطرة قوية على علباته ، وصاح به : (( ولك أبو جاسم إنت وين ؟ صار لي ساعة أدوّر عليك )) . فالتفت الرجل إليه مغضبا ، فقال الأول : (( العفو أخي. تره حسبالي صديقي أبو جاسم و آني غلطان )) فقال له الرجل : (( دير بالك لاتشتبه مرة ثانية ))
وعاد الصديق إلى صديقه ، فسأله صديقه : (( إشلون خلّصت منّه؟ )) فقال الأول : (( إنت شعليك! جيب دينار ثاني وأضربه سطرة ثانية )) فتعجّب صاحبه من ذلك ، ولكنه أخرج دينار آخر من جيبه فأعطاه لصديقه. فأخذه وسار إلى الرجل وضربه سطرة قوية وقال : (( ولك أبو جاسم هاي وين إنت؟ مو هسّه اشتبهنا بلرجّال وضربنا سطرة بالغلط من وراك )) فالتفت الرجل إليه مغضبا ، وقال له : (( هاي شنو ولك )) فقال : (( العفو أخي إشتبهت مرة ثانية وحسبالي أبو جاسم )) 0 فقال الرجل : (( آني ابتليت بأبو جاسم ! على كل حال دير بالك، مرة ثانية ما أسامحك وتصير مو زينة تره ))!!
ثم رجع الأول إلى صاحبه ، فسأله : (( هالمرة اشلون خلّصت منه ؟ )) 0 فقال : (( إنت شعليك ؟ جيب دينار ثالث وأضربه سطرة ثالثة )) فازداد عجب صاحبه من ذلك القول ، ولكنه أعطاه دينارا ثالثا . فأخذه الأول ثم انطلق إلى الرجل ، وضربه سطرة قوية ، ولكن بدون أن يتكلّم هذه المرة . فالتفت الرجل ، وأخذ بتلابيبه ، وقال له : (( هالمرة شنو عذرك ؟ )) فقال الأول : (( شوف دا أگول لك في الحقيقة كل عذر ماكو ، بس إنت { مادام عندك هيچ علبات .. تظل تاكل سطرات} لو رگبتك تنگطع! لو آني أنقِتل! فلوس هذا تخلّص!! )). فضحك من قوله ، بالرغم من غضبه وتألّمه، وسأله عن مغزى قوله ، فأصدقه الخبر . فزال غضب الرجل ، وعفا عن ذنبه ، وصفح عن إساءته وذهب ذلك القول مثلا
مارضينا بجزّة .. بجزّة وخروف
يضرب للشخص الذي يتعرض لبلاء يسير فلا يتحمله ، أو يتقبّله . فينصبّ عليه بلاء آخر أكبر منه ، فيتحمّله صاغرا مستسلما .
أصله:
أن أحد الولاة – في العهد العثماني – كان قد فرض ضريبة على بعض القبائل ، تجبى منهم كل عام . وكانت عبارة عن جزّة صوف لكل عشرة رؤوس من الماشية . فلم يلق ذلك قبولا من أفراد القبيلة ، فتذمّروا منه ، وصاروا يدفعون الضريبة حينا ، ويتهرّبون من دفعها أحيانا . شاءت الأقدار وأبدل الوالي بوال غيره أشدّ حزما ، وأكثر قسوة ، من سلفه . فعلِم بتذمّر أفراد القبيلة من تلك الضريبة اليسيرة ، فغضب لذلك غضبا شديدا وأمر بزيادة تلك الضريبة فجعلها جزّة صوف وخروف لكل عشرة رؤوس من الماشية ، وأتبع ذلك بالتهديد والوعيد ، فراح أفراد القبيلة يدفعون الضريبة الجديدة صاغرين ، وقالوا في ذلك : (( مارضينا بجزّة .. بجزّة وخروف )) . وذهب ذلك القول مثلا .
ماينراد الْها روحة للقاضي
يضرب للشخص يشكُل عليه حل مشكلة بسيطة ، ويصعب عليهالتخلص من ورطة صغيرة .
أصله:
أن رجلا كان على سفر . فمرّ في طريقه على مدينة صغيرة ، يتميّز أهلها بأنهم غشمه بسطاء . وكان الوقت ليلا ، فذهب الرجل يفتّش عن خان يقضي فيه ليلته . فمرّ في أحد الأزقّة ، فرأى جمعا من الناس في هرج ومرج ورأى عروسا في لباس العرس ، تقف أمام أحد البيوت ، وقد التفّ حولها وجهاء القوم يتجادلون ويصخبون . فسأل أحد الحاضرين عمّا يجري ويدور ، فقال له : (( عدنا مشكلة كلّش چبيرة .. هاذي العروس طويلة ، وباب بيت العريس ناصي .. واحنا حايرين .. نهدم باب البيت ، صاحب البيت ما يرضى.. نگص رجل العروس ، العريس ما يرضى .. نگص راس العروس ، العروس تموت وآهلها ما يرضون. وما دا ندري اشلون نطلع من هالورطة )) . وقبل أن يجيبه الرجل بشيء، سمع أحد وجهاء القوم يصيح : (( ماكو حل .. غير نروح للقاضي ، وهو يحل المشكلة )) .
فاقترب الرجل من ذلك الوجيه ، وقال له : (( يابه .. هاي المسألة بسيطة ..
{ ماينراد الْها روحة للقاضي } . إفسحوا لي الطريق )) . ثم اقترب من العروس وأمسك برأسها ، وقال لها : (( أشو بنيتي .. نصّي راسچ شويه )). فطأطأت العروس رأسها ، وانحنت قليلا ، فاستطاعت المرور من باب الدار . فضجّ القوم بعبارات الدهشة والتعجّب . ورفعوا أصواتهم بآيات الثناء والشكر . وعجبوا من سعة إطّلاع ذلك الرجل الغريب ، وذكائه . فقدّموا له من الهدايا ما غمره .. ومن الشكر والثناء ما أفرحه وسرّه . فعلم الرجل أن أهل تلك المدينة أناس بسطاء . فضحك من قلة عقولهم وغبائهم وجهلهم .
وذهب ذلك القول { ماينراد الْها روحة للقاضي } مثلا يتداوله الناس
مثل غراب البين .. ضيّع المشيتين
يضرب للشخص الذي يترك مايحسنه رغبة بتعلّم ما لا يحسنه ، فلا يستطيع أن يجيد ذلك ، ولايقدر على الرجوع إلى ما كان عليه ، فلا يفلح في كلتا الحالتين .
أصله:
أنّ الغراب - في غابر الأ زمان – كان يسير كما تسير بقية الحيوانات ، بخطوات لطيفة ، مليحة . فكان ينقل رجليه الواحدة بعد الأخرى بحركات رشيقة تحسده عليها بقية الطيور . وفي ذات يوم ، بينما كان الغراب يسير في الغابة ، صادف العصفور أمامه . فرآه يمشي بقفزات سريعة ، متوالية ، رشيقة ، فأعجبه ذلك . وأحب أن يقلّد العصفور في مشيته . فبدأ يقفز في مشيه قفزات سريعة مثل قفزات العصفور ، فلم يفلح بالمشي مثله لثقل جسمه ، وكبر رجليه . ثم حاول ذلك أياما طويلة فلم يقدر على ذلك . فخاب أمله ، ورأى أن يعود إلى مشيته الأولى ، فوجد أنه قد نسيها ، وأنّ قدميه قد تعودّتا على القفز ، ونسيا المشي بخطوات متوالية ، كما كانتا تفعلان آنفا . فبقي الغراب يمشي مشية لا هي مشية العصفور ، ولا هي مشية الغراب ، وإنما صار يقفز قفزات قبيحة مضحكة . فعلم الناس بذلك ، فضحكوا من فعل الغراب ، ومن قلة عقله
وقالوا فيه { مثل غراب البين .. ضيّع المشيتين } . وذهب ذلك القول مثلا
الناس ويّه ْ الواگَفْ
يضرب للشخص الذي يتقرّب من ذوي الجاه والحَوْل ، والقوّة والطّول ، فيتملّقهم ، ويصفهم بما ليس فيهم ويطلق عليهم من النعوت والصفات ما لا يستحقون ، ضعة منه وخبثا .
أصله:
أن الحصيني ـــ وهو الثعلب ـــ خرج يوما للصيد ، يبحث عن طعام له يتقوّت به . فلم يسعده الحظ بذلك . فأمَضّه الجوع ، وأضْناه التعب ، فرأى أن يعمل حيلة للحصول على رزقه . وكان ملك تلك الغابة أسدا عجوزا ، أدركته الشيخوخة ، فأنْهكت قواه ، ودكّت عظامه . فقصده الثعلب ، وقال له : (( ياملك الوحوش .. تره أحسن دُوَه إلك گلب الزّمال ودماغه ولسانه . وآني شفت بطريقي فد زمال أثْوَل .. أغبر .. نايم بالطريق . فلو جنابك توصل يمّه ، تگدر تصيده بضربة وحدة .. وتاكل منه اللسان والگلب والمخ .. وتخلّي اللّشة للداعي )) . فصدّق الأسد كلام الثعلب ، وجمع ما تبقى له من قوة ونهض ، ومشى مع الحصيني نحو مكان الحمار . ولما لم يكن عند الأسد من القوة والحول ، ما يمكّنه من مهاجمة الحمار والقضاء عليه ، فقد رأى أن يأتيه من خلفه ، ويأخذه على حين غَرّة منه . ولما وصل الأسد خلف الحمار أحسّ به الحمار ، فجمع حافري رجليه إلى بعضهما ورفس بهما الأسد فأصابه في جبهته . فسقط الأسد على الأرض مغشيا عليه . ولما أفاق من غشيته سمع الحصيني يقول للحمار وهو منحنٍ أمامه : (( عيني زمال أفندي .. تره إنت زين سوّيت .. عاش حافرك على هالزوج المضبوط .. وتره أنت عندك صوت ظريف .. وطبع لطيف .. وقوام جميل .. وذيل طويل )) . فصاح به الأسد : (( وُلَك حصيني .. ملعون .. شِنو هاللغوه ؟ .. شِنو هالتملّق ؟ )) . فأجابه الثعلب : (( مولانا الأسد .. { الناس ويّه ْ الواگَفْ } .. )) .. ولمّنْ يوگًعْ الواگَُفْ يدَوْرون على واحد واگَفْ غيره .. وِيصيرون وِيّاه .. )) . فتعجّب الأسد من رجاحة عقل الثعلب .. وقوة حجّته .. وحسن منطقه .. وذهب ذلك القول { الناس ويّه ْ الواگَفْ } مثلا تتداوله الناس
نگنگ بْبيتكم .. واتعشّا هْنا
يضرب للشخص الذي يظهر شراهته للطعام ، فلا يترفّع عن تناول طعام غيره ، مع عدم حاجته لتناوله ، شراهة منه ودناءة .
أصله:
أن رجلا دخل على أحد أصحابه ، ذات مساء ، فوجده يتناول طعام عشاءه . فدعاه صاحبه إلى تناول الطعام معه مجاملة . فقال الرجل : أنه تناول عشاءه في بيته في التو ، وأنه لا يستطيع تناول شيءٍ آخر لإملاء معدته بالطعام . فعاد صاحبه يجامله ، فقال له : (( تفضل نكنك شوية )) . فلم ير الرجل بدا من تلبية دعوة صاحبه ، فجلس إلى المائدة . وبدلا من أن ينگنگ راح يأكل بشهية عجيبة وشراهة غريبة ، ويلقم لقْما منكرا .. حتى أتى على ما في المائدة من طعام صاحبه . فدهش صاحبه من ذلك ، وقال له : (( ما شاء الله . كل هاي وانت متعشّي )) . فقال الرجل : (( إي والله .. چنت متعشّي )) فقال صاحبه : (( بس هسّه اشسوّيت ؟) . فقال الرجل : (( إنت گلت لي أگعد نگنگ .. نگنگت شوية ويّاك )) . فقال صاحبه : (( شوف .. مرّة الجّاية .. { نگنگ بْبيتكم .. واتعشّا هْنا} . فعلم الرجل أنه قد تعدّى أصول الضيافة وآدابها ، ولام نفسه على ذلك . وذهب ذلك القول مثلا
إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس
يضرب للشخص الذي يقع في شدة كبيرة ، وأمر عظيم ، فلا يستطيع الجهر به ، أو الكشف عنه ، لفداحة الأمر وهول الشدة .
أصله:
أن رجلا كان يعمل ببيع الحبوب من رز وقمح وشعير وعدس ونحو ذلك . وكان له دكان كبير يقع في أول الزقاق الذي يسكنه . وكان للرجل زوجة مليحة حسناء ، ولكنها كانت خبيثة ، ماكرة ، لعوبا . وكان لها عشيقا شابا يزورها بين الفينة والفينة – عند غياب زوجها عن البيت - 0 وفي ذات يوم جاء العاشق لزيارة المرأة في بيتها ، فدخل إليها ، وجلس معها يتناجيان ويتحدثان . وبينما هما كذلك ، دخل عليهما الزوج على غير عادته في المجيء إلى البيت ورأى إمرأته تجلس مع ذلك الشاب الغريب ، فستولى عليه الغضب ، وثارت النخوة في رأسه، فاستل خنجره من غمده ، وهجم به على الشاب يبغي قتله . لكن الشاب أسرع بالفرار من البيت ، وولّى هاربا ، وخشي أن يفتضح أمره وأمر المرأة بين الناس ، فتلوك الألسن سمعته وسمعة صاحبته . فلما مرّ من أمام دكان الرجل غرف بيده قبضة من العدس المعروض للبيع ، واستمر في ركضه ، وهو يوهم الناس أن الرجل إنما ينتضي خنجره ، ويركض خلفه ، من أجل ذلك العدس الذي نشله من دكانه . ورأى الناس ذلك ، فصاحوا بالرجل : (( رويدك ياهذا .. أتقتل شخصا من أجل قبضة من عدس ؟ إتق الله يارجل )) . فصاح الزوج المسكين بهم قائلا : (( إلْحكْ وياكم .. { إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس } . ثم علم الناس بعد ذلك بأمر الرجل وخيانة زوجته له ، فعجبوا من خيانة المرأة وكيدها .
وذهب ذلك القول { إلْيدري يدري .. والمايدري گبضة عدس } مثلا متداولا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق