الأحد، 2 أغسطس 2015

مفلاح: "المناهج الحديثة أضرّت بالقراءة العربية للخطاب القرآني" -كامل الشيرازي

مفلاح: "المناهج الحديثة أضرّت بالقراءة العربية للخطاب القرآني"


كامل الشيرازي

ذهب الأكاديمي الجزائري البارز د/الحاج مفلاح إلى كون المناهج الحديثة أضرّت بالقراءة العربية للخطاب القرآني، متسائلا عما إذا كان منظّروا التيارات التفويضية والتأويلية والوسطية اعتقدوا ثم علّلوا، أم علّلوا ثم اعتقدوا؟
في كتابه "الخطاب القرآني وقضايا التأمل" الصادر حديثا، يلاحظ د/الحاج مفلاح من خلال دراسة معمّقة لتعاطي العرب مع النص القرآني، إنّ القراءة العربية الحديثة لم تستطع أن تكتسب استقلاليتها المنهجية في مجال تناولها للنص القرآني، ولم تقدر على تبيّن حدود قراءتها فانخرطت في نسق التنازلات لحساب المنهج وإضاعة هويّة القرآني.
ويلفت الباحث إلى أنّ المناهج الحديثة بمقدار ما تكون مفيدة ونافعة في حفز الفكر على التأمل والتجديد، وتنشيط الخيال الإنساني، وإثراء النصوص الأدبية بألوان من التداعيات الإبداعية، تكون وبالاً إذا نقلت من وظيفتها الإبداعية هذه لتكون أداة تقويلية أو تحريفية في النصوص الدينية أو القانونية.
ويستدل د/مفلاح بكون الجوهر الفكري للإجراءات الحداثية في معظمه لا يتفق مع العقيدة الإسلامية بل يعارضها عمداً في أحيان كثيرة، حتى وإن كان يقرّ بإمكانية الاستفادة من الإجراءات التحليلية الصرفة التي جاءت بها (البنيوية)، لكنه لا يستسغ خطية الفكر التأويلي العربي المعاصر المتأثر بالتأويلية الغربية.
وتوصّل الأكاديمي الجزائري إلى أنّ المدونات التفسيرية التي أنتجها الفكر الإسلامي اشتملت في مجموعها على أنماط قرائية متباينة المناهج والإجراءات التطبيقية، منها ما انضوى تحت مظلة القراءة الأثرية(التفسير بالنقل)، ومنها ما ولّى شطر القراءة اللغوية الصرفة، ومنها ما كان البرهان العقلي هو الآمر الناهي.
وفي تشريحه لظاهرة التأويل في الثقافة العربية الإسلامية، يرى مفلاح إنّها ارتبطت بالآية السابعة من آل عمران: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ).
وفي منظور الباحث، فإنّ الآية المذكورة أدى الخوض في تفاصيلها، إلى انشطار الفكر الإسلامي، وبروز تيارات فكرية متباينة ومتصارحة حينا ومتصارعة في أحايين كثيرة، ويتعلق الأمر بتيار تفويضي تعاطى الخشية، وآخر تأويلي بجرأة، وثالث وسطي وقف يساند الأول بغير انغماس ويجاري الثاني بحذر والتماس، ما جعل مفلاح يتساءل إن كان الاعتقاد سابق عن التعليل أم العكس.
ويقدّر مفلاح بعدم جواز البدء بناصية التأويل منهجيا ومفاهيميا، ما لم تسبقه مرحلة التفسير، ويعزو ذلك إلى كون النصوص ليست كلها متساوية في درجة التأويل فهناك نصوص قابلة للتأويل وأخرى لا يدخلها التأويل لا من قريب ولا من بعيد؛ الشيء الذي أنتج انفراد القدامى على اختلاف اتجاهاتهم الفلسفية والمعرفية، في تعاملهم التأويلي للخطاب القرآني.
كما يبدي مفلاح قناعته أنّه رغم ما خلّفه الأسلاف من مصنفات تفسيرية، لا يزال الفكر الإسلامي المعاصر يعيش عالة عليها، حتى وإن كان يُؤخذ على بعضها من الوجهة المنهجية أنها وسمت على نية التأويل رغم انتماءها معياريا إلى العملية التفسيرية وسط تساؤل وجيه مفادُه: هل المفسرون كانوا يساوون بين مفهومي التفسير والتأويل على سياق واحد؟.
ووفق منهج وصفي تحليلي، بحث مفلاح في مصنفه النفيس، الخطاب القرآني كمفهوم /إجراء، ليتعقب ميزته ومستوياته، قبل أن يعرج على مصادر التأويل في الدراسات القرآنية، وما اكتنفها من ضوابط ومواقف وتموجهات، لينتهي إلى مقاربة الهرمونوطيقا وتطبيقاتها على الخطاب القرآني.
وذكر مفلاح أنّ الهرمينوطيقا نشأت في ظروف تميزت بالرغبة في الانفلات من طوق شروحات رجال الدين للكتاب المقدس، وصاحب هذا الانفلات اعتناق فكر التمرد، والتنادي بحرية ممارسة القراءة ورفض التفسير الواحد للنصوص، والبحث عن دلالات ومعاني جديدة للنص المقدس ترضي فضولهم، وتعزز ثقتهم به.

ليست هناك تعليقات: