الجمعة، 7 نوفمبر 2014

ثلاثية محمد سامي (بحيرةُ البجع)-إيمان أكرم البياتي




ثلاثية محمد سامي (بحيرةُ البجع)

إيمان أكرم البياتي


حكايةُ فرشاة تتقنُ الرقصَ على أنغامِ تشايكوفسكي  
  
بحيرةُ البجع تلكَ المقطوعة الساحرة التي خلدتها أنامل الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، لا يختلفُ اثنان على أنها واحدة من أجمل المقطوعات الموسيقية العالمية على مرِ التاريخ، موسيقى تداعبُ الحواس الخمس وتحلقُ راقصة بالروح في الفضاء اللا منتهي وهي تصوّر قصة الحب العظيمة التي تجمعُ بطليها وسط الكثير من الخطوط الدرامية الأخرى المتمازجة مع بعض بإتقان، فكانت تستحقُ أن يُعملَ عنها أكثر من فيلمٍ سينمائي وكتابٍ مطبوع والعديدِ من البحوث.
وبعد سنواتٍ طويلة من عشقي لتلكَ المقطوعة وولعي بقصةِ الأميرة الفاتنة والمسحورة على هيئة بجعة والأمير الوسيم الذي يقعُ في غرامها دون كل نساء الأرض، وجدتُ نفسي أفتتن بعملٍ جديد يحاكي القصة لكن هذه المرة ليس في هيئة فلمٍ روائي سينمائي أو فلمٍ كارتوني وإنما عبر ثلاثِ لوحاتٍ قدمها التشكيلي العراقي الشاب محمد سامي لمحبي الفن في العالم ومحبي المقطوعة الخالدة بشكل خاص مطلع العام 2010.
بحيرةُ البجع في ثلاث لوحات تحملُ على التوالي أسماء (التاريخ، الموسيقى،الرقصة)تدعو إلى الكثير من التأمل والتفكير، لا أبالغُ إن أخبرتكم أني قضيتُ في تأملها عدة أيام وحتى اللحظة كلما يقعُ عليها بصري يقعُ معها سحرُ فرشاة محمد سامي على عيني، فأجدُ نفسي مشدودةً إلى العملِ بكل حواسي، فلم تشاهد عيني يوماً لوحة قد تحكي قصة عدة مشاهد درامية في خطوطها مرة واحدة وتنافس بجدارة أي فلم أعد للغرض ذاته كما فعلت ثلاثية بحيرة البجع مع الموسيقى التي تحملُ الاسم ذاته!.
في اللوحة الأولى والتي تحملُ أسم التاريخ history Theنجد بجعة تتوسط اللوحة، ترفعُ رأسها بكل شموخ إلى الأعلى وكأنها ترقصُ مع نسمات الليل وتغازل نجوم السماء بدلال وتعلنُ للجميع أنها أميرة رغم كل شيء.
 مع لوحة التاريخ The history تقرأ تأريخ البحيرة وتأريخ الأميرة المسحورة، ومع أن بجعة محمد سامي في لوحة التأريخ لا ترتدي تاجاً كما ألفناه سابقاً في الحكايات إلا أنها أميرة متوجة بجمالها ورشاقتها وبهاء ألوانها، والساحرُ في اللوحة بالدرجة الأساس تمايلُ البجعة الأنثوي الأخاذ وأجنحتها البيضاء التي بدت كفستان طاهر البياض شديد الصفاء، ثم الألوان الأخرى التي تحيط بها والتي للأسف لا أجد لها أسماءً!، وهذه الصفة ليست جديدةً على لوحات محمد فمن شاهدَ أعماله خلال العامين الأخيرين سيتوه إن حاولَ البحث عن أسماءٍ للألوان التي يرى، فالرجلُ يجيدُ ببراعة مزج الألوان، ألواناً لا نرى مثلها كثيراً ولا نعرفُ لها أسماءً أو أوصافاً فالأزرق ليس ازرقاً نقياً والأخضر ليس بأخضرٍ صافي وإنما اللونان انصاعا لأوامر محمد فلبسا حلية جديدة تبهرُ العين، كما يخضعُ الممثلون دون نقاش لأوامر المخرج السيد الأول في العمل السينمائي!، ولا يمكنني أن أنسى اللون الأسود الذي تتميز به أغلب لوحاته والذي يجيد استخدامه ببراعة المحترفين.

Swan Lake (The history)
  
وفي لوحة The music أو الموسيقى نجدُ بجعتهُ ترقصُ من جديد لكنها هذه المرة مختلفةً تماماً عما عرفناه في لوحةThe history  السابقة، فهي مختلفة في هيئتها ورقصتها فالبجعةُ هنا امرأة بجعة أو بجعة امرأة حيث نصفها العلوي امرأة فاتنة ونصفها السفلي بجعة! 
استغرقتُ الكثيرَ من الوقت في تأمل هذه اللوحة وفي كل مرة أجدُ نفسي أصفقُ لإحساس الفرشاة وأجزم أن من سيشاركني رؤيتها سيفعل المثل لاحقاً، فذراعا الأميرة هما ذراعان وجناحان في الآن ذاته والجزء البجعي منها أشبه ما يكون بفستان عروس أبيض حتى أنه اختلطَ عليَّ هل ما أرى فستاناً أم ريشَ بجعة؟ أم ربما محمد يصوّر هنا لحظة التغير الجسدي التي تعانيها أميرة القصة لحظة تحولها من بجعة إلى امرأة كل ليلة مع غياب الشمس ومن امرأة إلى بجعة مع أول النهار، أياً كان قصده فهو قدمَ لنا لوحةً فائقةَ الجمال وبديعةً في الألوان والتي تدرجتْ بين الأسود الغامض والفيروزي والأبيض والرمادي، ولابد أن اذكر أن الخطوط الدخانية حول ذراع الأميرة الأيمن أو جناحها الأيمن منحتْ اللوحة إحساس الموسيقى فلقد كانتْ أشبه بالنوتات الموسيقية المتطايرة حول الأميرة الحزينة الراقصة.

Swan Lake (The music)
  
في اللوحة الثالثة والأخيرة الرقصة أو The dance نجدُ الأميرة ترقصُ كما لو كانت راقصة باليه، فيتخيلُ إلينا سريعاً أننا داخل القصر الكبير حيث تتزاحمُ الأجساد المتراقصة وتحتشدُ لتتمايل على أنغام تشايكوفسكي ونكادُ تسمعُ ذلكَ الجزء الذي تتصاعدُ فيه الموسيقى لأوج عظمتها مع هذه اللوحة.
كل شيء يرقص في اللوحة، الأرجل والأذرع وتتمايل الفساتين برشاقة وخفه وكأنها ريشات بجعة تركتْ في الهواء، الأميرُ يراقصُ الأميرة المسحورة، يملئ جسده أغلبُ الجزء السفلي من اللوحة وتشغلُ هي الجزء العلوي وكأنها تطير، فمع أنها امرأة وليست بجعة إلا أنها تظهرُ وكأنها تحلقُ والأميرُ يمسكها من خصرها وكأنه يحاولُ إحاطتها خوفاً من فقدانها فهي أميرة أحلامه التي انتظرها طويلاً، أما الألوان فهي ذاتها التي حرص محمد على استخدامها في لوحتيهِ السابقتين مع إضافةِ لون مهم آخر وهو اللون البنفسجي في الجزء الأيمن السفلي وكأنه يشيرُ إلى حلم بطلي الرقصة.
قد يتساءلُ أحد لما لم يختار محمد سامي مشهداً آخر بعد ليرسمه بعد الرقصة؟ فالحكاية لم تنتهي بعد؟ فأجيبُ بان الرقصة الأخيرة هي المشهد الأهم في العمل الموسيقي ككل، فكلنا يذكرُ كيف أنها تتصاعد كثيراً في إيقاعها وتتصاعدُ معها دقاتُ قلوب الحاضرين وأنفاس المتابعين في كل مرة والحالُ ذاته هنا في اللوحة حيث أختصرَ محمد عدة مشاهد في لوحة واحدة وأجادَ إيصال الإحساس عبر حركة الأمير والأميرة وتمايل أجسادهم وما يحيطهم من ألوانٍ يصورُ بعضها ذكريات الحبيبين ويصور الباقي مستقبلهما معاً.

Swan Lake (The dance)
ومن الجدير بالذكر أن أبعاد كل لوحة من اللوحات الثلاث هو 80*80 سم
  
---------
••   محمد سامي: تشكيلي عراقي تولد 1984، له عدة مشاركات داخلية وخارجية وعدة معارض، 
حائز على الجائزة الأولى لبيت العرب/ الجامعة العربية - مصر عام 1999 والجائزة الأولى في مسابقة جنوب سيناء/ مصر 1999 والجائزة الأولى في مسابقة منظمة"نساء من أجل نساء العالم" أيلول العام 2006، مقيم حالياً في السويد. 



ليست هناك تعليقات: