عبدالملك ناقدا ً
د. محسن الموسوي
تبدو مسيرة عبد الملك نوري حافلة بالتجريب والتصحيح والمراجعة: وهي لهذا السبب ليست مسيرة تحسم بانطباعات قليلة وتقييمات نقدية نهائية. لكنها مسيرة تكاملت عند بعض القصص التي بدت أكثر جودة من غيرها، وهي القصص التي كان مقدرا ً لها ان تصبح بدايات عمر طويل في كتابة القصة لولا محنه الشخصية التي زادت من همه الفني، ومن تردده أمام الكتابة.
ورغم ان اغلب نتاجات نوري ترجع إلى مرحلة اسبق في تاريخ حياته، لكن حضوره الأدبي استمر بعد هذا التاريخ، ضئيلا ً في واقعه وكبيرا ً بمعناه. فالكتابة وحدها لم تكن عدته الوحيدة في الوسط الثقافي، بل كان تأثيره على صحبه مهما ً عند التصدي لدراسة ذلك الوسط.
ولعل تأثيره الضمني في نتاجات التكرلي يحتاج إلى ملاحظة وتدقيق، مادام يقودنا إلى التساؤل الذي حملته هذه الدراسة. فنوري في (صور خاطفة) قدم ما لديه من انطباعات إزاء وضع القصة العراقية! لكنه في مراسلاته مع التكرلي قدم أيضا ً ملاحظاته عن نتاج الأخير. وكان نقده لمسرحية مخطوطة بعثها إليه فؤاد التكرلي نقدا ً متماسكا ً بعين في تقصي تأثيراته. فهو يطرح في (2/6/1951) المواصفات العامة للكتابة المسرحية، من حيث العقدة والأجواء والشخوص والحوار، مستنتجا ً ان فؤاد في هذه المسرحية مازال يسير (في الطرق الخلفية) وكأنه (يهاب المشي في الشارع العام). ويوضح مخاطبا ً صديقه (كنت اعني انك لم تواجه العقدة وجها ً لوجه). لكنه اثار عند التكرلي تلك الشرارة الإبداعية التي تنتظر الاحتكاك المناسب عندما تصدى بالنقد والتقويم والتعاطف لقصة فؤاد التكرلي المطولة غير المنشورة المعنونة (بصفة في وجه الحياة) والتي مثلت بعضا ً من ذلك النزوع القانط المتأثر بشيوع الاهتمام الوجودي مشوبا ً بواقعية شديدة.
فبدءا ًرصد نوري فيها تأثير دستويفسكي و ديهامل وفرانسو مورياك. إذ ْيقول في رسالة بتاريخ(18/10/1950): لا ادري لماذا ذكرت هؤلاء الثلاثة دون غيرهم عندما انتهيت منها؟ إلا أنها تحدث في باطن الإنسان..؟"
وتأتي قيمة ملاحظات نوري من وقعها على التكرلي، الذي استجاب بقوة لهذه الملاحظات من جانب، مبينا ً من جانب آخر قيمة القصة في تأسيسها الفني، فهو يكتب بتاريخ (19/10/1950) موضحا ً لنوري انه لم يكن " ... مهتما ً بأسلوبها قط، مع انه أساس الشكل. وذلك لأن عاطفة عجيبة كانت تمتلك علي ّ لبي ّ أثناء كتابتها"
وبقدر ما كانت هذه العلاقة الحميمة والقائمة أيضا ً على تبادل الخبرة والرأي مفيدة في تحفيز التأسيس الفني وتوجيهه، فإنها تطرح ضمنا ً أهمية ذلك الاطمئنان القائم بين نوري وصحبه. وقياسا ً على هذه العلاقة لابد ان تكون لقاءات نوري بالقاصين الآخرين القريبين منه قد أفادت هؤلاء، كما أفادت نوري نفسه الذي كان يتقبل أراء فؤاد التكرلي عن قصصه. ولعل نوري كان يشعر منذ بدء تلك العلاقات ان مستقبلا ً أوضح ينتظر التكرلي. وإذا كان قد أكد هذا الانطباع في (صور خاطفة) فان قلق فؤاد التكرلي إزاء الكتابة، وشغفه بها وتخوفه من ان تحتويه الحياة العائلية بعيدا ً عنها (9/1/1951)، لابد ان يثير عند نوري حسا ً قاطعا ً بان التكرلي وجد مهمته القصصية وحدد غايته وهواه، على خلاف قاصين آخرين. وجاءت أقاصيص التكرلي المنشورة في مطلع الخمسينات لتؤكد هذا الانطباع وتعززه. ولهذا كان نوري يتوقع ان يحقق فؤاد التكرلي الانجاز الفني تواصلا ً وأداء ً. بل انه بلغ في عام 1952 قناعة قاطعة بان التكرلي تجاوزه، بينما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق