عبد الملك نوري رمزا ً
مهدي عيس الصقر
في أمسية من أماسي صيف بغداد التقيته. كنت قادما ً من البصرة، شابا ً يخطو خطواته الأولى في عالم الأدب. كانت بغداد في نظري مدينة أسطورية أمراؤها الشعراء والقصاصون. إذن جئت لأراهم عن قرب. كنت برفقة المرحوم بدر السياب ـ الدائم التنقل من مكان إلى آخرـ عندما صادفناه في كازينو أو مشرب. قال بدر:
ـ ذاك عبد الملك!
رأيت شابا ً اكبر مني، يميل إلى القصر، ممتلئ الجسم بعض الشيء، بوجه مستدير نصفه الأسفل اسمن قليلا ً من نصفه الأعلى، يضرب لونه إلى البياض يخالطه شيء من الاحمرار. كان وجها ً فتيا ً.
قال له بدر بعد ان ذكر اسمي:
ـ من البصرة.. يكتب القصة.
قلت مصححا ً:
ـ أحاول.
ابتسم وتصافحنا. كانت نظرته حميمة، تجعلك تستريح إليه بسرعة كما لو كنت تعرفه من زمن بعيد. تحدثنا قليلا ً ثم افترقنا. وبعد ذلك عدت إلى البصرة. كان ذلك عام 1950 أو ربما 1951، فالزمن يمسح الفواصل بين السنين.
عندما رجعت إلى بغداد لأقيم فيها بعد زمن اللقاء بنحو عشرين سنة كان هو قد هجر الكتابة واعتكف في بيته. لكن عبد الملك ظل قريبا ً جدا ً إلى نفسي. أحببت كتاباته، وكنت أقراها بشغف. وإذا كنت قد كتبت شيئا ً يستحق الذكر فإنني مدين ـ إلى حد كبير ـ لتلك القصص الجميلة والمعبرة التي كتبها عبد الملك نوري، والتي حفزتني على إتمام ميدان القصة الممتع والمثير للشجون.
قبل نحو ثلاث سنين كنت اقلب صفحات الجرائد، القديمة في المكتبة الوطنية فعثرت على خاطرة بقلم الكاتب عبد الملك في واحدة من هذه الجرائد، قرأتها باهتمام. كانت نثرا ً يشبه الشعر، فيها عذوبة رومانسية، تبدو بعيدة بعض الشيء عن أجواء قصصه التي اعتدنا قراءتها. ويخيل إلي ّ ان هناك خواطر أخرى مماثلة هنا وهناك، في صفحات الخمسينات، خواطر إنسان حالم، مسكون بحب بلده وأهله.. ولو اعتكف باحث دؤوب على استكشافها لطلع علينا بوجه آخر لهذا القاص الرائد الذي يستحق منا كل إعزاز وحب.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق