لا مانع لدينا من دخول الحرامي
كاظم فنجان الحمامي
هذه حكاية طريفة من حكايات العصر الجلكاني، وقعت أحداثها في ميناء أم قصر قبل بضعة أعوام، وكان بطلها مدير الميناء الأسبق الدكتور محمد خلف الصوافي.
حتى نفهم الحكاية لابد من التطرق إلى ميول مكاتب السيارات في العراق نحو استعارة بعض المسميات، أو اشتقاق بعضها أو ابتكارها، أو اللجوء إلى التشبيهات الساخرة، ومن ثم إطلاقها على السيارات والعجلات الحديثة، حتى تصبح هي التسمية الشائعة في عموم البلاد، فهم يطلقون اسم الفنانة (ليلى علوي) على الطراز المنتفخ من سيارات اللاندكروز، وهنالك مجموعة من التسميات الأخرى، من مثل: سيارات البطة، ورأس الثور، والأرنب، وجنون البقر، والانفلاونزا، والأوباما، والأدوات، والقردة، والجمرة، والجمجمة، والخروف، والأزبري، والعقرب، والملكة، وكيا منغولي، وكيا شبوط، وسوناتا صابونة، وجحشة. وما إلى ذلك من المسميات العجيبة، التي تبتكرها معارض السيارات في البصرة، ثم تصدرها إلى المدن العراقية الأخرى، حتى صارت هي الصفة الملازمة لسلسلة طويلة من موديلات السيارات والرافعات ومعدات الطرق وشاحنات النقل.
في يوم من الأيام فوجئ مدير ميناء أم قصر بمذكرة تحمل عنوان (السماح بدخول حرامي)، قدمها له رجل من التابعين للقطاع الخاص في مجال الشحن والتفريغ. كانت المذكرة تتضمن طلب السماح بدخول عجلة من طراز (الحرامي)، والمقصود بالحرامي هنا، هو نوع معروف من الشاحنات الصغيرة الجوالة المجهزة برافعة هيدروليكية، يوجهها سائق الشاحنة لالتقاط بعض المواد ورفعها وتحميلها، والانطلاق بها من مكان إلى آخر. كان واضحاً أن صاحب الطلب على قناعة تامة أن نوع شاحنته هو (الحرامي) لأنه الاسم الشعبي المتداول بين أصحاب الشاحنات.
ضحك مدير الميناء بعدما اتضحت له الصورة، ثم أبدى موافقته على دخول هذه الشاحنة من نوع (الحرامي)، ولم يفته التعليق على الموضوع، وهو المعروف بمواهبه الأدبية والكتابية، فقام بكتابة تعليق ساخر في ذيل المذكرة، قال فيه:-
(على الرغم من كثرة الحرامية. لا مانع لدينا من دخول هذا الحرامي)
مما يثير العجب ويبعث على الغضب، أن حراميتنا في العراق صاروا اليوم أساتذة في تطوير نظريات السطو الليلي والنهاري، التي برعوا في تنفيذها بأساليب حنقبازية، كانت فيها هذه الشاحنة هي الأداة الطويلة المُعوَّل عليها في غارات النهب والسلب، وعلى وجه الخصوص بعد انهيار المؤسسات الحكومية عام 2003.
لقد نالت هذه الشاحنة لقبها بسبب امتلاكها لمؤهلات السرعة والكفاءة، وخفتها في نقل المواد المسروقة وتحميلها وتفريغها، وكانت هي المفضلة بين عامة اللصوص والحرامية، الذين نهبوا المخازن، واستحوذوا على محتويات المراكز التجارية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها باعتبارها من أهم أدوات علي بابا والأربعين ألف حرامي.
فاستحقت لقب (الحرامي)، لكنها تُعرف خارج العراق باسم (Self Loading Lorry)، ومن المحتمل أن تصل إلينا أنواع حديثة منها بعد اتساع عمليات السرقة وتمددها بالطول والعرض، وذلك في ضوء تزايد الطلب على الشاحنات المجهزة بأذرع أخطبوطية.