بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الاثنين، 14 مارس 2016

أختام*- عادل كامل




















أختام*

عادل كامل
 [21] خاتمة تؤدي دور المقدمة
    ليس لأنني في اشد الساعات شعورا ً بالوحدة، بسبب العوامل غير الشخصية، وليس بسبب شعوري منفيا ً، محبطا ً، مخلوعا ً، بدوافع استحالة تجانسي مع هذا الذي فقد سماته الاعتيادية، المألوفة، التقليدية، وليس بدواعي غياب ما توفر للنبات، أو للطير، من آمان مؤجل، وليس لأن قانون اللا رحمة مكث يمسك بأدق المفاصل، وأكثرها حساسية، فحسب، بل لأسباب تبدو  إنها قائمة على نظام مغاير للأمل الذي راودنا، عند تحول أسلافنا، من مخلوعين ومنفيين تائهين في المستنقعات، البراري، الوديان، إلى: نسبة ضئيلة تتحكم بالمصائر، من غير بناء قاعدة تشذب درجات (الجور) والتعسف،  والانتهاك...
    بسبب هذا كله، في مجتمع صار  الخروج من عصره الاقتصادي (البري/ الابتدائي/ السحيق)، مستحيلا ً، إزاء التقدم الحاصل في مجتمعات لم تتوفر لديها ما لدينا من موارد وطاقات بشرية وكنوز أنجزتها الحقب الذهبية، بحثت عن الوهم ذاته الذي قاد أسلافي ـ في أقدم العصور أو في زمني ـ للعثور على فردوس لا وجود له إلا في: الفن!
    لكن هذا كله لم يعمق المسار الفردي، بل على العكس، عزز حقيقة: إننا ولدنا جماعات، وإن عصيان الأفراد، وتمردهم، أو خروجهم عن الجماعة، لم يحدث إلا للبرهنة بان الجماعة لديها ما تدشنه، وتجربه، بعد... للخروج من عصر: المنافي ـ والصحارى ـ والغابات.
   فالفن، منذ لا مست يد أسلافي الطين، وصاغت نماذجها البكر للآلهة الأم ـ القانون الأول لمفهوم السحر والديمومة ـ كان ذا نزعة جمعية تضامنية لا يؤدي فيها الأفراد ـ الأكثر رهافة أو حكمة أو تشددا ً ـ إلا بحمايتها من التشتت، واندحارها إزاء قوى الطبيعة، أو الضواري، أو القوى المماثلة الأخرى.
    بهذا الهاجس النفسي، المسبوق باليات لاواعية غدت رؤيتي تتبلور بوصفها علاقة دائمة بين التعسف ـ  ومحاولات العثور على منافذ تجعل الحياة اقل عتمة...
   فإذا كنت منشغلا ً ـ لسنوات طويلة ـ بـ: لماذا...؟ فان لحظات الانشغال بالعمل الفني، كانت مقاربة دائمة  للتفكير بلغز يكمن في: أقدم مصنع أنا جزء منه: الرحم. فالحلم الذي مكث يشغل لا وعينا ـ ولا شعورنا ـ  بالعودة إلى اللا عمل، هناك، في المكان المحمي، الأمن، بالغ الدقة في توفير الاطمئنان، والسعادة في ذاتها، العمياء، الشبيهة بما يحدثه أي عقار مخدر، كالمورفين، وباقي السموم، شغلني أيضا ً. فإذا وجدت المنفى هو الزمن الوحيد للحضور إزاء الغياب، فقد تحتم علي ّ أن أؤدي دور الرحم ـ لا وعيه في توفير عناصر الحماية ـ في ديمومة كل ما هو في الطريق إلى الزوال.
   وبعيدا ً عن استعارة كلمات  لا تفسر إلا بما لا يحصى من الكلمات، ولا تقول شيئا ً، فان ترك الأصابع تفكر ـ  مع خلايا الدماغ، وباقي الأعضاء ـ سيختزل مفهوم بناء ذات غير قائمة على التعسف، والاغتصاب. فإذا كان الجسد، وقد وجد نفسه مكونا ً، كأقدم ملكية، فانه سيواجه قدره بالبحث عن عدالة ما، لا تدعه ينتهك، من غير مقاومة.
    ثمة ـ بحسب تراكم الخبرة ـ: الخامات، خامات وجدت إنها فاعلة ـ من الداخل أو بسبب الخارج أو معا ً ـ تمتلك طاقات، وتراكمات، تحتم عليها أن تنتج لغات/ وسائل للخطاب والتواصل: من الصرخة إلى الإشارة، ومن الأصوات إلى الرموز، لأجل  غاية ستبقى تمتلك لغز يجرجرها للتشبث في سبر مناطقها اللا مرئية، وقد صاغت مفهوم: التوقيع ـ الأنا ـ الختم، وكل ما يتعلق بمكونات الهوية. فالختم لا يمكن عزله عن: الكون/ الطبيعة/ المجتمع/ والبيئة ذاتها التي وجدت إنها تتكون عبر تصادماتها ـ فوضاها ـ بحثا ً عن ذات السكينة التي صنعها المصنع الأول، وقذف بها، بعيدا ً عنه!
   هكذا سأكتشف إنني تحولت إلى (سلعة) داخل سوق منتهك، لاكتشف أن المصنع الذي انتجني ـ بمكونات الأرض وعناصرها ـ الأم وهي تتعرض لشتى الانتهاكات الدائمة، يكرر السلع نفسها، ويصر، بعناد غامض وقهري يماثل نهايات الماسي القائمة على تفنيد العدالة، ومنطقها، لا يمتلك إلا  قدرات افتراضية، وهمية في الغالب، في العثور على منافذ للخلاص.
    لكني ـ ببدائيتي التي شذبتها بالقليل من المعلومات والخبرة النظرية والعملية ـ كنت اصنع أختامي، مثلما يبني الطير عشه. فانا كنت شديد الرغبة أن أبقى سلعة محمية من التلف! في عصر لم يعد للآلهة الأم إلا رمادها، بعد أن دخلت أنظمة المراكز الذكورية ـ من الثور إلى رأس الهرم، ومن سادة الغابات والمستنقعات والبراري إلى رؤساء الشركات وكبار زعماء المنظمات القائمة على المشفرات والألغاز ـ في تصادمات لم تسمح لي إلا برؤية هذا القليل من الومضات...، كي احفر هذا الذي ـ هو الآخر ـ أراه يذهب ابعد من غايته، وكأن لغز الغياب يأبى إلا أن يغوينا بظلال حضوره، وأنا أراه يقيدني بتتبع خطاه، حتى لو كان وجوده وهما ً، وقسوته عبرت حدود الآمال، والزمن.
بغداد ـ 1/3/2016
   

تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختام معاصرة.



ليست هناك تعليقات: