لمناسبة يوم المرأة العالمي....
كي لا نوغل في التمويهات...
المرأة مازالت في عصر العبودية!
عادل كامل
ليس في عام 2016 ـ في فاتحة الألفية الثالثة ـ يتم الاحتفاء بالخراب، الذي تعرضت له (المرأة)، في بلداننا ـ العربية/ الإسلامية ـ بل لقرون طويلة خلت أفضت إلى نهايتها المنطقية: تدمير (المرأة) ولغز وجودها بوصفها شكلت أقدم مفهوم لخلية إنتاج: الحياة!
فلا أقسى من وجود من يزعم أن المرأة حصلت على حقوقها، رغم إنها لم تعد معطلة، أو عاطلة عن العمل، عامة، بل بمحو كيانها الوجودي، والرمزي، معا ً، فهل الحديث عن حضورها ـ كوجود الآخر ـ يسمح بالحديث عن وجود غير مقيد بالأسر في مجتمعات قائمة ـ عبر تاريخها ـ على تدمير: العمل/ التنمية/ الحرية؟ وهن ـ كالآخر ـ يعشن عمرا ً من اليباب، والخواء، أسئلة شبيهة بوجودهن داخل زنزانات في قاع كهف مظلم وموصد بكل سبل تدمير: العمل/ العقل/ والحكمة؟
ولا جدوى من مناقشة أي فكر لا يتوخى وضع معايير منطقية للحكم....، كالقائم على الافتراضات، والمؤجلات، والتسويات، والتمويهات الرمزية...، لأن إهمال الإحصاء، في الحقوق، لا يسمح للتوغل في مواصلة بناء عالم مؤسس على الحقوق، والواجبات.
ولنرجع إلى أقدم مثال كونته الأزمنة السحيقة، ألا وهو: وجود آلاف المجسمات، التماثيل، في شتى بقاع الأرض، تمثل: الآلهة الأم...
فالعصور البدائية، القائمة على حماية وجودها بنفسها ضمن الاقتصاد البري، أنجزت (المرأة) بوصفها شاملة على عناصر الديمومة، أي بوصفها هي الأصل، الذي أنتج الآخر، الذكرـ ديمومة من غير جنسانية، أو قائمة على القمع، المبرمج، وإنما بما يمثل الحرية المقيدة بالضرورات، وكالحرية لا معنى لها من غير تنمية قائمة على وفرة: الإنتاج، وغناه المادي ـ والروحي.
فإذا كانت المصانع الأولى، لم يستحدثها احد، من البشر البدائيين، كالكون، والطبيعة، والكائنات الحية المختلفة من حيوان ونبات....، فان (الرحم) سيشكل نواة أقدم مثال للمصنع، بكامل آليات عمله المتقدمة على أكثر مصانعنا المعاصرة، تطورا ً، ونظاما ً مشفرا ً، تحكم بالديمومة، وفي مواجهة آفاق الزوال. فالرحم ـ الأكثر صلة بالكون والأرض وملغزاتهما ـ شبيه بالكهف الذي راحت عناصره تتراكم، وتتكامل، من النار، والخامات، وصنع الأدوات، إلى عمليات صياغة الأسئلة ـ سيشكل نواة أول مصنع منتج لأدوات صنع الأدوات، وليس لاستهلاكها حسب. ولعل أدق مثال هو وجود تماثيل الآلهة الأم، بوصفها علامة مبكرة لمفهوم المصنع ـ المركب، وهو يتصدى لصدمات التهديدات الخارجية، والفزع من الضواري، والموت. فهو وحده أداة لصنع الأدوات، لكن هذا لم يكن إلا المفتاح، للبحث عن الباب، وفك أقفاله الموصدة. فالحياة مكثت تتجدد عبر تجدد استحالة العثور على إجابات أخيرة، وحاسمة. إلا أن مفهوم (الأم/ الأرض/ الخصب والتجدد ...الخ) لم يقهر، لا بفعل كوارث الطبيعة ونكباتها، ولا بفعل استعباد المرأة وإلحاقها بممتلكات الآخر ـ في عصر انتصار الذكورة.
وحكاية نهاية عصر (الأم) مدوّن في الكثير من الأساطير، رغم عدم زوال آثار عصر (الأمومة)، و عصر (الأم)، بلغز عذريتها، رمزيتها، في الأقل، كما في العذراء والدة السيد المسيح. فبعد أن قام الإله (مردوخ) بقتل الآلهة (تيامة) سادت سلطته، بإلحاق المرأة، بها، فانتقل المركز، من الآلهة الأم، إلى الإله ـ الذكر.
وليس ثمة زمن محدد لهذا التحول، أدق من ظهور الزعامات ـ باستثناء زعيمات أو نساء قائدات كانخيدونا ابنة الملك سرجون الاكدي قبل موت تيامة بألفي سنة ـ في وادي النيل، والرافدين، وفي الصين والهند...
لكن (المصنع) لم يتعطل عن أداء دوره غير المستحدث، فالطبيعة لديها آليات لإنتاج دفاعات محكمة في مواجهة: التطرف أو الجنسانية، والانحياز لجنس على حساب الآخر، إلا إن عصر العبودية ـ عصر خضوع المرأة لمركزية الرجل ـ لم يدم إلا بتعديلات، هي بمثابة ترميمات، للمساواة، والتمويه. فالمركزية عملت تحت هيمنة البنيات الأقوى، حتى إن مثال قابيل وهابيل يرجعنا إلى حكاية أقدم، لهذه المركزية، بغياب دور (المرأة)، ومثال الطرد/ الخروج، النفي، بسبب خضوع حواء للغواية، هو الآخر، مدوّن لتعزيز مركزية (الذكر)، وهو مثال يمكن مقارنته بالقوة المتنامية، لعنصر الذكورة، على حساب دور الأم، المعني بحفظ الحياة.
على إن عصر (العبودية) يفصح عن تاريخ طويل زاخر بالوثائق والآثار المؤلمة....، ورغم إن البحث مازال يستدعي دراسات تفسر أو تشرح لماذا انتهى عصر الأم، لصالح الآخر، الأقوى، إلا إن تاريخ العبودية، هو تاريخ استبدال (المصنع) بأخر، لم يقد إلى العدالة، أو إلى التوازن، إلا ليأخذ (الذكر) دوره المهيمن، منذ عصر الزراعة، وتحولاتها، وصولا ً إلى العصور الصناعية، وليس انتهاء ً بالموجة الثالثة، عصر ما بعد الصناعة ...، فالمرأة ـ في الحقوق وفي الواجبات ـ مكثت في المرتبة الثانية.
وفد (نلجم) بظهور فلسفات، ومعتقدات، وسلطات، وأعراف منحت (المرأة) حقوقها، ومساواتها مع الآخر، ولكن هل حقا ً هذا يلغي تاريخ (السبي) و (العبودية) ومعاملة المرأة كسلعة، وموضوعا ً للترف، وعلامة من علامات البذخ، الطويل الذي تعرضت له المرأة، في مختلف المجتمعات البشرية، وبدرجات لا تلغي الفجوات، بينها، إن لم توسعها، في حقب ازدهار الإمبراطوريات، القائمة على القوة، وسفك الدماء، والاغتصاب ...؟
إن الحديث عن (المساواة) ليس حكما ً هشا ً، ومخادعا ً فحسب، بل انه يلغي أي تفكير (موضوعي ومقترح للمساواة)، ويدعونا إلى قراءة المعادلة، ليؤسسها على: العمل/ العقل/ الحرية.
فهل نحج (الرجال) بإقامة أنظمة الكفاية، كي لا تشهد الأرض، في عالمنا المعاصر، أكثر من ملياري (رقم بشري) يعيشون تحت خط الفقر، وبموت أكثر من (17) ألف طفل يوميا ً، ووجود أكثر من (60) مليون مهجر، نازح، مخلوع عن وطنه، وملايين من الباحثين عن بلدان لا تسفك فيها دمائهم، لأسباب واهية، مصطنعة، خادعة...، وملايين العاطلين عن العمل، والتفكير، وملايين لا علاقة لهم بالحياة، لا بمصنعها ولا بحكمتها؟
أي احتفاء ـ احتفال ـ يجري للآلهة (الأم) وهي مقيدة بنظام يلفت النظر، بالدرجة الأولى، إلى عالم: العبيد ـ رغم سيادتهم، وامتلاكهم، لإدارة شؤون الأرض، ومصانعها؟!
فالرجال ـ هنا ـ مثال للعبيد، وليس للأحرار...، وإلا كيف يتم تدمير أقدم مثال للمصنع ....، بأية ذريعة من الذراع، فلسفيا ً، أو بأي مبرر من المبررات، أو بأي عرف، أو أخلاق، أو قانون... تجري العقوبات، والمعوقات، ضد عمل المصنع الأول: لإنتاج وسائل إنتاج الحرية: التنمية، العقل، والعدالة.
ألا تبدو المقارنة، اليوم، تلفت نظرنا ليس لتحرير (المرأة) فحسب، بل لتحرير بنية النظام الذي صنع من الرجال سادة افتراضيين، وبناء عبودية لم تجعل من المرأة سلعة، رقما ً، هامشا ً، فحسب، بل مصنعا ً لا ينتج إلا العبيد! ألا يتطلب الاحتفاء/ الاحتفال، إزاحة الوهم، والتوهم، الخداع والمخادعة برؤية ما يحدث فوق كوكبنا الأزرق الشبيه بحبة رمل في ساحل لا نهائي الامتداد....، وتهديدات لا تدفع بالحياة نحو المجهول، بل تقوضها، عندما لم نتعلم من الآلهة (الأم) لغز الدور الذي افتتحت البشرية معالمها المتمدنة الأولى: كي لا يأتي منح (المرأة) حريتها، حسنة، أو مكرمة، بعد أن تحولت القوة إلى القانون الذي ينتج ـ إلا قوانين الاستبداد، وتدمير أي حرية قائمة على تكبيل التنمية، وعلى التطرف ألذكوري، الذي ما انفك يعمل على تدمير أي جهد حقيقي لحياة لا نسمع فيها إلا عويل الأطفال، واستغاثات المرضى، ولا نصغي إلا إلى أنين الأرامل، وبكاء الثكالى!
* جدارية خزفية للآلهة الأم ـ 1994/ 182×31 سم لعادل كامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق