الجمعة، 19 أكتوبر 2012

في تجارب حسن عبود- فضاءات الرمز بين الذاكرة والحلم- د.شوقي الموسوي

في تجارب حسن عبود
 فضاءات الرمز بين الذاكرة والحلم

ثمة بنى صورية في التشكيل العراقي المعاصر ، نلاحظها عندما تستند إلى قوانين وأسس التكوين الفني ( الوحدة ، الإيقاع ، التوازن ، الانسجام والتضاد والحركة ...) سوف تُحدث سلسلة من التداعيات الحسية التي تسمح لنا بالتفكير أوالتاويل الذي يكشف عن بعض المثيرات البصرية ، المحمّـلة بالمضامين ذات الدلالات الرمزية والجمالية التي تحدد الشكل النهائي للتكوين العام للمشهد التصويري . فنلاحظ مثلا في تجربة الفنان " حسن عبود " الاخيرة – احد فناني كربلاء - تواجد بعض الوحدات البنائية الفنية ( النقطة ، المثلث ، الدائرة ، العلامة ، بجانب اللون و الخط والشكل الطوطمي...) المؤلفة لبنية التكوين الفني ؛ التي جعلت العمل الفني يمتلك طاقات حركية كامنة فيها ، تمكنها من إنتاج أشكال ذات طابع علاماتي رمزي ، تُحيل ذهن التلقي إلى مديات أوسع تتعدى الحدود المكانية للمشهد التشكيلي ، نحو المضامين الجوهرية . فالنقطة مثلاً نجدها من أبسط العناصر التكوينية وأهمها في مشاهد الفنان حسن عبود ، التي تدخل في تكويناته المقترحة ، تثير فينا النقطة أحساساً حركياً عندما تتجاوز النقطتين ، فأنه ينشأ عنهما اتجاه وهو الذي يمثل حدوث الحركة ويكون هذا الاتجاه ذا بُعدٍ معين يقود الخط الوهمي الواصل بين النقطتين ، بينما إذا وجدت ثلاث نقط ، فأنها تُعطي شكلاً وهمياً للمثلث وإذا أربع نقاط أعطت مربعاً أو مستطيلاً وهكذا تصبح هي المركز الروحي لذاتية الفنان أو ربما هي الملاذ والرمز الروحاني المتصوف التي جسدت لفعلها منحنيات خطية روحية تتعاطف مع المحيط الذي خلقه المركز ، فكوّنت شكلاً هندسياً مربعاً محكوماً بإرادة النقطة ، والذي يتمثل فيه توازن النقيضين (الموت والحياة) ومنه يتولد المضلع والمثلث وصولا إلى الدائرة . هذه النقطة التي عدّها الفنان " حسن عبود " (المركز الروحي) لتكويناته ، نلاحظها قد أسست شكلاً ذهنياً دائرياً ، يبتدئ منها ليمر بحركة البقع اللونية المحيطية الدائرية ليمتد الى عدد لانهائي من الدوائر التي تحوي العالم المرئي ، لتعود مرة ثانية إليه، ضمن حيز العقل البشري ، وقد أجد ان النقطة ربما تعبر عن فناء أشكال الوجود فيها ، من خلال ترحيل الفنان للشكل الطبيعي من مرحلة الحس إلى مرحلة الخيال فالتجريد التام ، فالنقطة هُنا جامعة وشاملة وهي أساس لكل تكوين على الرغم من عدم حضورها عيانياً ، فهي البداية والنهاية ، وهي مرئية عند تكوّن الخط ولامرئية عند الاستعانة بحركة الأشكال المتجاورة في التعبير عن وجودها ... فقد اختزل الفنان " حسن عبود " ذاكرة المكان المُقدّس ، المتمثل بمدينته الفردوسية (كربلاء) ، الممتلئة بعلامات الجمال الروحاني المتمفصلة بالمرجع الحضاري والتاريخي وبما فيها من ايحاءات وعلامات ورموز تبتعد عن التكلف لصالح التعبير عن جدلية الفكر الذي يُقرأ من خلال اشكاله التجريدية الخالصة والتي تكوّن مع بعضها البعض اشرطة كونية تحتفل باللامرئي المخفي على حساب الذاكرة البصرية . نجد هنالك بعض التنظيمات الهندسية في نصوص الفنان التشكيلية ، قد تواشجت مع تجريديته الغنائية ، عندما أعلن الحرب على الاشكال الطبيعية وأقرّ بتقسيم او تجزئة أغلب مشاهده التصويرية الى قطبين هندسيين لكل منهما حياته التشكيلية ، بالرغم من تداخلهما تقنياً من خلال اقتراحه لبقع لونية تحتكم الى حدٍ ما الاثر التلقائي وحداثة التشظي والاغتراب ، الناتج بفعل التحزيز والحك والقشط المتكرر على المساحات اللونية المجردة (اللون البرتقالي والاحمر والابيض بجانب الاسود وتدرجاته ...) والتي تتشكل فيما بعد الى علامة او نقطة او اشكال هندسية (المثلث-الدائرة) والتي تحتضنها الارضيات الترابية اللون ، لتساعد ذهن التلقي في البحث عن الاعماق من الاعالي وعن الحب في الحرب وعن الصمت في الكلام والمخفي في المعلن واللامعنى في المعنى !!

ليست هناك تعليقات: