الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

4 قصص للأطفال-د. بلقيس الدوسكي


4 قصص للأطفال
الطفل الحكيم
اصطحبته أسرته إلى مدينة الألعاب للترفيه عنه في يوم العطلة الأسبوعية. أرادوه ان يتسلى بركوب (دولاب الهوى)، فرفض، عند سماعه صراخ بعض الأطفال، قائلا ً: ـ لن اصعد حتى يقللوا من ارتفاعه الذي لا ينسجم مع عمر الأطفال، لأن هذا الدولاب يصلح للكبار الذين اعتادوا استخدامه، والبرهنة على رغبتهم بالمغامرة، والتباهي بشجاعتهم. فاصطحبوه إلى مكان آخر، كي يرى بعض الأطفال يلقون بالكرة على بعض العوائل ويسلبونهم راحتهم، فبكي وصرخ: ـ عودوا بي إلى البيت. قالت أمه تخاطب والده: ـ إلى أين نذهب به ..؟ قال والده: ـ نسأله أولا ً.. ما الذي يعجبه ..؟ ـ إذا ً أسأله أنت ..؟ فسأله: ـ ولدي بشار، ماذا يعجبك، وأين تريد ان نذهب بك ...؟ قال الطفل: ـ إلى مكان هاديء؛ والى ما يفرحني ويفرحكما، خذوني إلى المكتبة العامة! ـ لكن ليس فيها غير الكتب والمؤلفات التي لا تتلاءم مع سنوات عمرك. ـ بل من خلالها اشعر بأنني بعمرك يا والدي..! التفت والده نحو أمه وخاطبها: ـ ابننا اكبر من عمره، فدعينا نأخذه إلى مكتبة احد الأصدقاء، حيث توجد الكتب. وذهبوا إلى احد الأصدقاء حيث توجد مكتبة غنية بالمؤلفات، فسأل الطفل صديق العائلة: ـ هل يوجد في مكتبتكم، يا عم، كتاب يتحدث عن الأطفال المشردين في الشوارع..؟ ـ الشارع، يا ولدي، يربي الأولاد الذين لا احد يرعاهم، ليجعل منهم أعضاء غير نافعين في المجتمع. ـ وما هو مصير هؤلاء الأولاد ...؟ ـ التسكع، والفشل، والقيام بأعمال تدمرهم وتدمر سمعة عوائلهم، كي يصبح مصيرهم مجهولا ً. ـ لهذا، يا عم، ارفض ان تكون لي أية علاقة بهم. ـ المكتبة أمامك واختر منها الكتاب الذي يعجبك، وتود قراءته. ـ ولكن قل يا عم، لماذا لم تفرز في مكتبتك رفا ً تضع عليه الكتب التي تتحدث عن الأطفال، ومراحل أعمارهم، ونموهم...؟ ـ لو كان لي طفلا ً يمتلك نضوجك المبكر لفعلت ذلك. ـ وأنا صديق أسرتكم، وابن صديقكم، فارجوا ان توفر لنا الكتب أو الكراريس التي تتحدث عنا، نحن الأبناء، والأحفاد. فخاطب الرجل والد بشار: ـ لا ادري بماذا أجيب هذا الطفل الذي تجاوز عمره .. ولكن علي ّ ان أقول، ان الذكاء بلا عمر، وخذوا الحكمة من رأس هذا الطفل الموهوب

. قبلات

 سأل الطفل والده: ـ بابا، قلت لي غدا ً نحتفل بعيد ميلاد أمي.. ـ نعم يا حبيبي، وأنا سأقدم لها هدية بهذه المناسبة. فكر لبرهة وسألته: ـ وأنا ..؟ ـ ما بك أنت يا ولدي ..؟ ـ أريد ان أقدم هدية لامي الحبيبة، أيضا ً. ـ ماذا تحب ان تقدم لها..؟ ـ قبلة، وساعة! قال الوالد: ـ القبلة موجودة في شفتيك، أما الساعة فخذ ثمنها، وعليك الاختيار بينهما. ـ أشكرك يا بابا العزيز. ـ اطلب ما تشاء يا حبيبي، فأنت أغلى من كنوز الأرض كلها. ـ وماما ..؟ ـ إنها غالية مثلك أيضا ً. فسأل الطفل والده فجأة: ـ ومن سيغني لها في عيد ميلادها..؟ ـ أنا وأنت، وهناك من سيشاركنا الغناء! ـ من هو ..؟ ـ هو الحب .. ـ وماذا سيغني ..؟ ـ سيقول في أغنيته: يا عيد الميلاد، أنت عطر الغابة، ونور القمر، ونسيم الفجر، فتعال ابتهج معنا! ـ حقا ً، إنها أغنية جميلة. في اليوم التالي أقيمت حفلة عيد الميلاد، وأوقدت الشموع، ليغنيا معا ً بصوت واحد: يا عيد الميلاد.. يا ضوء السماء يا عطر الورود .. وأحلى القبلات يا عيد الميلاد .. يا أحلى الأعياد صفق الجميع لهما، وتبادلت القبلات، وعبارات التهاني، فقدم الأب هديته، وقدم ابنها الصغير قبلاته لها. في اليوم التالي كان الابن يوزع الحلوى لأصدقائه، لكن الابن سأل والده: ـ وأنت، يا بابا، متى عيد ميلادك ..؟ ـ لماذا يا حبيبي..؟ ـ كي أقدم إليك هدية عيد ميلادك، بعد ان تعطيني نقودا ً لشرائها طبعا ً! ابتسم الأب، قائلا ً: ـ سأخبرك قريبا ً بيوم عيد ميلادي.. ـ ولكن لماذا لا نحتفل في هذه الليلة بعيد ميلادك يا بابا ..؟ ابتسم الأب مرة ثانية، وقال له: ـ خذ موافقة ماما أولا ً..ولكن قل لي: لماذا كنت تبكي في صباح هذا اليوم..؟ ـ لأنني رأيت احد الأطفال يمشي على عكازة.. فكر الأب برهة من الزمن، وقال: ـ آ .. هذا هو ذنب أمه أو ذنب والده، لأنهما أهملاه ولم يصطحباه إلى الطبيب، عندما ولد مصابا ً بالكساح .. ـ اذا ً أنا زعلان على أهله .. فقال الأب بصوت رقيق: لهذا طالما طلبت منك ان لا تمشي حافيا ً، وتنظف أسنانك، وان تحترم من هم اكبر منك، مثلما تفعل مع ماما وبابا . قال الطفل بسعادة: ـ أمرك يا بابا. فسأل الأب ابنه: ـ والآن ماذا تطلب مني..؟ قال حالا ً من غير تفكير: ـ أريد ان أقبلك يا بابا. ـ آ .. سلمت، لا أجمل من هذه القبلات.

 السيف
 كان والداه يحرصان على تربية ولدهما بصبر، ويعملان على تنمية ذكائه، وتوجيه بحب الأشياء الجميلة التي تنمي في شخصيته المثابرة، والحرص على العمل، والاقتداء بالمثل العليا. وفي ذات يوم سأله والده: ـ ما هي نظرتك لي، وما هي نظرتك لوالدتك، يا حبيبي..؟ ـ أنتما الاثنان، مثل عيني، ففي كل عين يسكن أحدكما.. ـ اذا ً، أعطنا قبلة من عينيك. فقال الابن: ـ أعطياني قبلتان من عينكما، يا أبي، ويا أمي. فسأله والده: ـ ماذا تحب ان أهديك في عيد ميلادك غدا ً..؟ ـ قبلات بعدد شموع سنوات عمري! ـ وماذا بعد ....؟ ـ سيف بلا غمد! ـ ماذا تفعل به وأنت الولد المسالم، مثلنا. صمت قليلا ً وسأل والده: ـ هل انتهى زمن الباطل..؟ ـ يا ولدنا، الصراع بين الحق والباطل مازال قائما ً، فهو بدأ مع البشرية، وسيبقى معها أيضا ً. ـ اذا ً، لم يزل للسيف دوره، وزمنه لم ينته بعد. ـ من قال لك هذا يا ولدنا العزيز..؟ ـ هذا ما عرفته منكما الآن! ـ وماذا تفعل بالسيف إذ ْ كان الباطل لم يزل هو هو في حضوره إلى جانب الحق...؟ ـ سأقاوم به الباطل الذي يحاول الاقتراب من حديقة بيتنا، ويحاول إيذاء ورودها، وبلابلها، وفرشاتها الجميلة. بعد تفكير ، قدما له سيفا ً صغيرا ً من الخشب تلبيه لرغبته، وطلبه. لكنه، رفض بإصرار وطلب ان يكون السيف حقيقيا ً كي يرهب به الباطل. فقال والده له: ـ ان يدك يا ولدي لا تحتمل حمل السيف الثقيل المصنوع من الفولاذ.. ـ لكن يا والدي أنا احمل في قلبي حبا ً كبيرا ً لكما سيساعدني على حمل هذا السيف. ـ من علمك هذه الحكمة..؟ ـ من حبكما، ومن عاديات الليالي . ـ ومن أفهمك ماذا تعني عاديات الليالي..؟ ـ صمودكما، وصبركما، وكل ما في قلبيكما من حب، وحكمة. ـ حسنا ً، وإذا كبرت، فما نفع سيفك اذا لم تداهمنا الأخطار، ولم يقترب الباطل منا..؟ ـ الذي أتمناه، يا والدي، ان يفهم أصدقاء طفولتي، وشبابي، أنني كنت ولم أزل احمل هذا السيف ضد الباطل، وليس لأي سبب آخر. فانا سأحمله كي لا يقترب منا.



 العبوا في ساحات قلوبنا


 كانوا يلعبون الكرة بعد عودتهم من المدرسة، مساء ً، مثل كل يوم، وبالرغم من ممارستهم لها بهدوء، ومن غير خشونة، وعنف، لكنها كانت لا تخلو من إلحاق الأذى بالآخرين، من غير قصد. فطالما كسروا زجاج النوافذ، أو لوثوا ملابس بعض المارة بكراتهم المبللة بمياه الشارع، وغير ذلك. وحين كثرت عليهم شكاوى الأهل، والجيران، توقفوا عن اللعب في الزقاق الضيق، فتساءل احدهم: ـ لماذا لا نلعب في الشارع ..؟ جاءت الردود: ـ عندها سنعرض أنفسنا لمخاطر الطريق.. ـ اذا ً علينا ان نبحث عن ساحة نمارس فيها لعبتنا الجميلة. قال آخر: ـ لكن الساحة أكثر خطورة، لأنها تقع بين شارعين أو أكثر.. ـ اذا ً أين نلعب..؟! ـ اقترح ان نلعب فوق سطح بيتنا؟ فيضحك الجميع: ـ وهل يسع سطح بيتكم لأكثر من قطتين وجوزة صغيرة ..؟ ـ بل يسع لأكثر من عشر قطط! ـ أنا أفضل، يا صحبي، ان نتوقف عن اللعبة إلى ان نجد المكان المناسب، الأمين. ـ لكن لماذا لا نفكر في لعبة بديلة نمارسها..؟ ـ فعلى سبيل المثال، لماذا لا يفكر، كل منا، بتصميم نشرة جدارية، تتضمن الشعر، والقصص، والأمثال، والحكمة، ونقدمها هدية لإدارة مدرستنا. ـ ومن يزودنا بالمواضيع..؟ ـ آباؤنا، وأخوتنا، وأقاربنا، فضلا ً عما نحفظ من معلومات. ـ وإذا أكملنا النشرات الجدارية، وقدمناها هدية، ماذا سنفعل بعد ذلك ..؟ ـ خبر سار أقوله لكم جميعا ً.. ـ قل يا نصير. ـ لقد بادر والدي بشراء هدية جميلة ستكون نصيب أي واحد منا يقدم أفضل فكرة يرسمها. صفق الجميع للفكرة. ـ بكل تأكيد، يا نصير، ان الهدية ستكون من نصيبك! ـ لا يا زميلي، لقد اختار والدي لجنة محايدة من اثنين من أصدقائه الفنانين وستعرض عليها رسومنا وهي التي ستقرر وتعلن عن الفائز الذي يستحق الهدية. يصفق الجميع ثانية، بعدها راح كل واحد منهم يبحث عن فكرة يرسمها ليفوز بالهدية. وفي يوم العطلة، دعا والد نصير أعضاء اللجنة وآباء المتسابقين لمشاهدة معرض أبنائهم، وبعد ان استعرضت اللجنة كافة الرسوم، اختارت بالاتفاق، رسما ً لفكرة رائعة مثلت طفلا ً يقدم لوالديه باقتين من الورد. ثم أعلنت اللجنة عن فوزه بالجائزة، ونادت: ـ على الرسام الماهر خالد ان يتقدم لاستلام الهدية. تقدم خالد لاستلام الهدية، وقد انهمرت دموع الفرح من عينيه، قائلا ً: ـ بدوري، يا حضرات الآباء الأفاضل، أتبرع بالهدية إلى المربي المتقاعد الأستاذ إبراهيم، الذي وهب سنوات طويلة من عمره للعلم والمعرفة، وتربية الأجيال. صفق له الآباء، والزملاء، وارتفعت زغاريد الأمهات. فتقدم خالد بالهدية وسلمها إلى الأستاذ المربي إبراهيم، حيث نهض الآخر واستلمها، بعد ان قبله، قال: ـ أعزائي الآباء، أحبتي يا رجال الغد، يذكرني موقف خالد، بموقف مشابه تماما ً حدث لي عندما كنت بعمره، عندما تبرعت بالهدية التي فزت بها، إلى احد أساتذتي، رحمه الله .... والآن، لا اعرف لمن اهدي هدية خالد..؟ جاء الرد: ـ الهدية لا تهدى يا استأذنا الجليل، وان أطفالنا، هم جيل المستقبل، وأساتذة الزمن الآتي. ثم هتف نصير بكلمات بعثت المسرة في الجميع، عندما قال: ـ نعاهدكم جميعا ً بان فريقنا الكروي، قرر ان يتوقف عن اللعب في الأزقة، والشوارع، حفاظا ً على سلامة شبابيك بيوتكم، وحدائقكم، وعدم إحداث الضوضاء. لكن واحدة من الأمهات هتفت: ـ بل العبوا في ساحات قلوبنا.

ليست هناك تعليقات: