أبو الغيرة هاشيموتو فوكودا
ونقيضه فرهودو حورامي فرهودو
جريدة المستقبل العراقي الصادرة ببغداد في 1/10/2012
هاشيموتو فوكودا رجل ياباني بسيط من قبائل الساموراي العريقة, سجل بشهامته وحميته موقفا وطنيا مدهشاً, رفع به اسمه واسم أسرته إلى مصاف الفرسان النبلاء في الحرس الإمبراطوري. . تتلخص قصة (هاشيموتو) بأنه كان مديرا لبلدية مدينة (كوبي) اليابانية, التي ضربها زلزال عنيف دمر خزانات المياه ومحطات التحلية, وأصاب منظومات الأنابيب المنزلية في المدينة بأعطاب كثيرة, فانقطعت مياه الشرب عن الناس, وكانوا في أمس الحاجة لمن يروي ظمأهم, ويقف معهم في هذه المحنة, التي جلبتها لهم الكوارث الطبيعية, وهنا جاء دور (هاشيموتو) أبو الغيرة وصاحب الحمية, فعمل بجد ليل نهار, وكان يبكي بكاءً شديداً اثناء مساعدته المتضررين, لم يعرف أحد سبب بكائه, لكنه شوهد بعد يوم من الكارثة يقوم بتأدية بعض المراسيم التقليدية لدفن زوجته, التي تأخر في البحث عنها تحت أنقاض منزله, بسبب انشغاله بإنقاذ المنكوبين ومعالجة الجرحى, وفي صباح اليوم التالي وجدوه مشنوقاً ومعلقاً بشجرة, وقد ترك رسالة يقول فيها: ((إن المسؤول الذي يعجز عن إيصال خدمة مياه الشرب لأبناء مدينته لا يستحق الحياة)), وهكذا انتحر (هاشيموتو) تضامنا مع اسر الضحايا, ولشعوره بالذنب والتقصير في حادثة طبيعية ساقتها الأقدار إلى مدينته, لم يكن (هاشيموتو) طرفا فيها, لكنه خجل من نفسه لأنه لم يكن قادراً على تأمين مياه الشرب للعطشى, ولم يكن قادراً على مواساتهم في هذه الفاجعة, ففضل الانتحار شنقا على طريقة الساموراي, واختار الموت بشرف لذنب لم يقترفه هو, لكن مشاعره الوطنية الصادقة, وانفعالاته الإنسانية المرهفة هي التي رسمت له الطريق للالتحاق بالفرسان النبلاء. . للفساد والإهمال والتقصير صور كثيرة, ومعايير متباينة تختلف من مكان لآخر ومن زمان لزمان, ومن قوم لقوم, فما كان يراه مدير بلدية (كوبي) اليابانية فسادا, لا يراه مدير بلديتنا كذلك, وما كان يراه المدير الياباني (هاشيموتو فوكودا) تقصيراً, قد لا يراه مدير بلديتنا, وقد لا يكثر له بالمرة, فليس من عادة مدراء البلديات عندنا الاهتمام بالنواحي الخدمية بالمستوى الذي بلغته اليابان من الحرص والتفاني, أو الذي بلغته سيريلانكا الفقيرة من الكفاح والصبر. . وصدق القائل: ((اللي اختشوا ماتوا)), فكان هاشيموتو أول الذين ماتوا ألما وحزنا وتعاطفا مع شعبه, مات (هاشيموتو) لأنه كان يستحي من نفسه, وهو يرى أبناء مدينته يمزقهم الزلزال من دون أن يقدر على انتشالهم وإسعافهم ونجدتهم. . ما كان على (هاشيموتو فوكودا) أبو الغيرة والحمية أن يقتل نفسه حزنا وألما على شحة مياه الشرب بعد الزلزال الذي حطم مواسير مياه مدينته, ودمر محطات التحلية فيها, كان يتعين عليه أن يتريث قليلا, ولا يقدم على شنق نفسه تحت تلك الشجرة البائسة عقابا لتقصيره, لو نظر (هاشيموتو) لمصيبتنا لهانت عليه مصيبته, فما حدث في اليابان بفعل الزلزال اللعين, يحدث في قرانا ومدننا كل يوم من دون أن يمر بها الزلزال, ويحدث في قراننا ومدننا على الرغم من توفر كل المستلزمات المالية والتشغيلية والاجتماعية, فيمر المسؤولون علينا بمصفحاتهم المدرعة, وسياراتهم المظللة, ومواكبهم الاستفزازية, وقواتهم المبرقعة, بوجوههم المقنعة, ورؤوسهم الحليقة, فتتعالى صيحاتهم الزاجرة, تأمرنا بإخلاء الطريق للمسؤول المبجل المتوجه إلى قلعته الحصينة, المحاطة بالسواتر الخراسانية, والكتل الكونكريتية, فيسد الطرق والمنافذ المؤدية إلى ثكناته المعززة بالمراصد والموانع والكاميرات والأسلاك الشائكة. . إن أرقى ما يتعلمه المسؤول الشريف في حياته: أن يتحمل المسؤولية مهما عظمت طالما تصدى لها بكل إرادته الحرة المخلصة, ويتحمل كافة نتائجها, وأن يكون النجم الذي يقضي عمره في بث النور للجميع دون أن ينتظر من أحد رفع رأسه ليقول له شكراً لك. . رحل هاشيموتو بعد الزلزال العنيف الذي ضرب مدينته ودمرها بالكامل, لكن إخوانه في طلائع الساموراي أعادوا بنائها بأبهى حلة في غضون أربعة أعوام, وأصبحت اليوم قبلة للسياح والزائرين. فمتى ينتفض إخوان السامري (فرهودو حورامي فرهودو), وينهضوا من غفلتهم فيقدموا الحد الأدنى من الخدمات لأبناء مدنهم التي تنتحر كل يوم بسبب انقطاع الكهرباء, وشحة الماء, وغلاء الغذاء, وفساد الدواء ؟؟؟. . رحم الله هاشيموتو أبو الغيرة وصاحب الحمية, وألهم أهله في مدينة كوبي الصبر والسلوان.......... ولك الله يا عراق. . --
جريدة المستقبل العراقي الصادرة ببغداد في 1/10/2012
هاشيموتو فوكودا رجل ياباني بسيط من قبائل الساموراي العريقة, سجل بشهامته وحميته موقفا وطنيا مدهشاً, رفع به اسمه واسم أسرته إلى مصاف الفرسان النبلاء في الحرس الإمبراطوري. . تتلخص قصة (هاشيموتو) بأنه كان مديرا لبلدية مدينة (كوبي) اليابانية, التي ضربها زلزال عنيف دمر خزانات المياه ومحطات التحلية, وأصاب منظومات الأنابيب المنزلية في المدينة بأعطاب كثيرة, فانقطعت مياه الشرب عن الناس, وكانوا في أمس الحاجة لمن يروي ظمأهم, ويقف معهم في هذه المحنة, التي جلبتها لهم الكوارث الطبيعية, وهنا جاء دور (هاشيموتو) أبو الغيرة وصاحب الحمية, فعمل بجد ليل نهار, وكان يبكي بكاءً شديداً اثناء مساعدته المتضررين, لم يعرف أحد سبب بكائه, لكنه شوهد بعد يوم من الكارثة يقوم بتأدية بعض المراسيم التقليدية لدفن زوجته, التي تأخر في البحث عنها تحت أنقاض منزله, بسبب انشغاله بإنقاذ المنكوبين ومعالجة الجرحى, وفي صباح اليوم التالي وجدوه مشنوقاً ومعلقاً بشجرة, وقد ترك رسالة يقول فيها: ((إن المسؤول الذي يعجز عن إيصال خدمة مياه الشرب لأبناء مدينته لا يستحق الحياة)), وهكذا انتحر (هاشيموتو) تضامنا مع اسر الضحايا, ولشعوره بالذنب والتقصير في حادثة طبيعية ساقتها الأقدار إلى مدينته, لم يكن (هاشيموتو) طرفا فيها, لكنه خجل من نفسه لأنه لم يكن قادراً على تأمين مياه الشرب للعطشى, ولم يكن قادراً على مواساتهم في هذه الفاجعة, ففضل الانتحار شنقا على طريقة الساموراي, واختار الموت بشرف لذنب لم يقترفه هو, لكن مشاعره الوطنية الصادقة, وانفعالاته الإنسانية المرهفة هي التي رسمت له الطريق للالتحاق بالفرسان النبلاء. . للفساد والإهمال والتقصير صور كثيرة, ومعايير متباينة تختلف من مكان لآخر ومن زمان لزمان, ومن قوم لقوم, فما كان يراه مدير بلدية (كوبي) اليابانية فسادا, لا يراه مدير بلديتنا كذلك, وما كان يراه المدير الياباني (هاشيموتو فوكودا) تقصيراً, قد لا يراه مدير بلديتنا, وقد لا يكثر له بالمرة, فليس من عادة مدراء البلديات عندنا الاهتمام بالنواحي الخدمية بالمستوى الذي بلغته اليابان من الحرص والتفاني, أو الذي بلغته سيريلانكا الفقيرة من الكفاح والصبر. . وصدق القائل: ((اللي اختشوا ماتوا)), فكان هاشيموتو أول الذين ماتوا ألما وحزنا وتعاطفا مع شعبه, مات (هاشيموتو) لأنه كان يستحي من نفسه, وهو يرى أبناء مدينته يمزقهم الزلزال من دون أن يقدر على انتشالهم وإسعافهم ونجدتهم. . ما كان على (هاشيموتو فوكودا) أبو الغيرة والحمية أن يقتل نفسه حزنا وألما على شحة مياه الشرب بعد الزلزال الذي حطم مواسير مياه مدينته, ودمر محطات التحلية فيها, كان يتعين عليه أن يتريث قليلا, ولا يقدم على شنق نفسه تحت تلك الشجرة البائسة عقابا لتقصيره, لو نظر (هاشيموتو) لمصيبتنا لهانت عليه مصيبته, فما حدث في اليابان بفعل الزلزال اللعين, يحدث في قرانا ومدننا كل يوم من دون أن يمر بها الزلزال, ويحدث في قراننا ومدننا على الرغم من توفر كل المستلزمات المالية والتشغيلية والاجتماعية, فيمر المسؤولون علينا بمصفحاتهم المدرعة, وسياراتهم المظللة, ومواكبهم الاستفزازية, وقواتهم المبرقعة, بوجوههم المقنعة, ورؤوسهم الحليقة, فتتعالى صيحاتهم الزاجرة, تأمرنا بإخلاء الطريق للمسؤول المبجل المتوجه إلى قلعته الحصينة, المحاطة بالسواتر الخراسانية, والكتل الكونكريتية, فيسد الطرق والمنافذ المؤدية إلى ثكناته المعززة بالمراصد والموانع والكاميرات والأسلاك الشائكة. . إن أرقى ما يتعلمه المسؤول الشريف في حياته: أن يتحمل المسؤولية مهما عظمت طالما تصدى لها بكل إرادته الحرة المخلصة, ويتحمل كافة نتائجها, وأن يكون النجم الذي يقضي عمره في بث النور للجميع دون أن ينتظر من أحد رفع رأسه ليقول له شكراً لك. . رحل هاشيموتو بعد الزلزال العنيف الذي ضرب مدينته ودمرها بالكامل, لكن إخوانه في طلائع الساموراي أعادوا بنائها بأبهى حلة في غضون أربعة أعوام, وأصبحت اليوم قبلة للسياح والزائرين. فمتى ينتفض إخوان السامري (فرهودو حورامي فرهودو), وينهضوا من غفلتهم فيقدموا الحد الأدنى من الخدمات لأبناء مدنهم التي تنتحر كل يوم بسبب انقطاع الكهرباء, وشحة الماء, وغلاء الغذاء, وفساد الدواء ؟؟؟. . رحم الله هاشيموتو أبو الغيرة وصاحب الحمية, وألهم أهله في مدينة كوبي الصبر والسلوان.......... ولك الله يا عراق. . --
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق