الأحد، 10 يوليو 2011
لم يبق إلا أسلمة اليابان..!رشيد الخيون
لم يبق إلا أسلمة اليابان..!
رشيد الخيون
التقيت الحاج صالح مهدي السَّامرائي، وهو مِن المقيمين باليابان منذ عقود، وينشط في مجال التبشير بالإسلام هناك. لاحظت معه رجلاً على هيئة متصوف، تركي الأصل، اسمه نعمة الله خليل إبراهيم يرت، ويُلقب نفسه، حسب كارت التعارف الذي يوزعه على من يمر به، بإمام المركز الإسلامي باليابان. تظهر صورته على الكارت حاضناً وردةً حمراء، وهي وردة الجوري لدينا، ووشح كارته بالشَّهادة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، مترجمة إلى اليابانية والإنكليزية.
الحاج صالح مثقف ويعرف أكثر مِن لغة، وناشط سابق في تنظيم الإخوان المسلمين العِراقيين، وعلى وجه الخصوص أوان أزمتهم مع حكم الزَّعيم عبد الكريم قاسم (قُتل 1963)، ولا شأن له، على ما يبدو، حالياً بالإسلام الحزبي أو الحركي، ناشط في مجال الدَّعوة إلى الإسلام، وبالتالي يرنو إلى أسلمة اليابان كافة. صنف السَّامرائي كتاباً أنصف فيه اليابان، ويبدي الإعجاب بأهلها، وما بلغته مِن تطور تعدى الدُّول والشُّعوب التي سبقتها إلى مجد الصِّناعة والمدنية، لكنه كإسلامي يرى أن ذلك يكتمل بأسلمة اليابان.
واليابان، كنظام سياسي، يُقرُّ دستورها الآتي: «لا ينبغي أن تحصل أي هيئة دينية على أي امتيازات مِن الدَّولة أو تمارس أي سلطة. ولن يرغم أي شخص على المشاركة في أي عمل ديني أو احتفال أو طقوس أو ممارسات عقائدية. ويحظر على الدَّولة وأجهزتها ممارسة التَّربية العقائدية، أو أي نشاط ديني» (المادة 20). وحسب السَّامرائي: «الحكومة لا تُقدم المساعدة لأي شيء يتعلق بالأديان، ولا تُدرس مادة الدِّين في المدارس والجامعات. لكن حُرية الأديان مكفولة للجميع» (السامرائي وخان، الإسلام في اليابان)، تطبيقاً لمبدأ «الدِّين لله والوطن للجميع».
وجد الحاج السَّامرائي في الشَّعب الياباني، وفق نظام بقاء الدِّين خارج نطاق أو اهتمام الدَّولة، وعدم تدريسه في المدارس الآتي: نسبة عالية مِن الرَّفاهية، والمرأة متساوية مع الرجل تماماً، لديهم أربعة عشر عيداً: عيد توقير كبار السِّن، وعيد الثَّقافة، وعيد الشُّكر للعمال، وعيد الدُّستور... (المصدر نفسه).
ويتقن الياباني المهنة أو الحرفة بحذاقة، ولديه شعور بالرَّقابة الذَّاتية، أي لا طريق للفساد بأموال الدَّولة ولا تهاون في ساعات العمل، ويحب العمل الجماعي، ولا يتظاهر ولا يتسلق. ولديهم مجلس شيوخ ومجلس شورى (حسب عبارة السَّامرائي)، أي مجلس عموم. وعلى الرَّغم مِن عظمة بلادهم إلا أن وزاراتهم عشرون لا 42 وزارة، ولا نواب ثلاثة لرئيس الجمهورية. وإمبراطوريتهم دستورية، أي مشروطة بدستور بلا ضجة مثلما حدث لدينا في العام 1906، ولا نظنهم طالعوا كتاب «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» للشيخ النائيني (ت 1936)، أو طبائع الاستبدادي والشكوى من الاستبداد الديني الأخطر مِن السياسي حسب «طبائع الاستبداد» للكواكبي (ت 1902).
بعد هذا سألت الحاج السَّامرائي وصاحبه المبشر التُّركي: هل تسمحان لبوذي ياباني التَّبشير بديانته بسامراء أو بأنقرة مثلاً؟! ولا يُطبق عليه، وعلى مَن بَشره وبوذه (مِن البوذية) حكم الرَّدة! وهنا نلفت النَّظر: ما الذي مكنَّ السَّامرائي وزميله مِن التَّبشير بحرية سوى النِّظام العَلماني أو المدني؟!
هذا أولاً، وثانياً هل حُلت مشاكلنا بأسلمة مجتمعاتنا، وخلط الدِّين بالدولة، وانتهازية الدَّولة والسِّياسة لكسب الناخبين أو ود الجماهير باسم الدِّين! أقول: لو تُركت اليابان، على ما هي عليه، فنحن أحوج إلى علومها وصناعاتها، بدلاً مِن نقل مصائبنا إليها، فإذا أسلمت فستُشغل بالخلاف حول الأُصول، فمثلما وصلها الحاج السُّني أسرع إليها الشيخ الشِّيعي. دعوا اليابان تعيل نفسها وتُعيلنا بصناعاتها وعقولها.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق