بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 9 يوليو 2011

الربيع العربي بين نظريتي الطائفية والمؤامرة -بقلم : ساهر عريبي -


بقلم : ساهر عريبي -

تواجه إنتفاضة الشعوب العربية ضد حكامها تحديات جمة أهونها سيل الأتهامات الباطلة التي تواجهها هذه الحركات الشعبية العظيمة التي لم يشهد لها التأريخ العربي مثيلا منذ قرون. فمنذ إنطلاقة شرارة هذه الثورات وضع الكثير من المشككين والمهزومين والمتذاكين والمنتفعين والسذج العديد من علامات الأستفهام حولها ذاهبين إلى حد إتهامها بالتواطؤ مع الخارج وخاصة مع إسرائيل لأجل تقويض إستقرار الدول العربية بزعمهم.فيما حاولت بعض الأنظمة المتهالكة إتهام تنظيم القاعدة بالوقوف وراء ها كما فعل الطاغية الليبي وأما طاغية اليمن فاعتبر إضمحلال تنظيم القاعدة مرهون ببقائه على سدة الحكم في اليمن السعيد الذي أضحى حزينا طيلة عهده. ولقد ساهم في ترسيخ نظرية المؤامرة هذه المواقف الغربية والأمريكية خاصة التي حاولت الظهور بمظهر الداعم لهذه الثورات وهي التي كانت من أشد الداعمين للأنظمة الدكتاتورية العربية كالنظام المصري ونظام بن علي في تونس.

وواقع الأمر أن الدعم الأمريكي للثورات العربية عبر مطالبة الأدارة الأمريكية لعدد من هؤلاء الحكام بالتنحي او بإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية, لم يكن سوى محاولة لركوب الموجة ولتصحيح أخطاء السياسة الأمريكية في المنطقة العربية عبر فتح صفحة جديدة مع الشعوب العربية الثائرة والتي عانت الكثير من التهميش وإنتهاك الكرامات وكبت الحريات والمصاعب الأقتصادية بفضل تلك الأنظمة المدعوم معظمها أمريكيا.

ولقد تجلت نظرية المؤامرة بشكل واضح وجلي مع نهضة الشعب السوري ضد نظامه الدكتاتوري الذي حكمه طيلة عقود تحت نظرية الحزب الواحد والقائد الأوحد.فالنظام السوري إتهم جهات خارجية بتأجيج نار الثورة في سوريا كرد على مواقف سوريا الرافضة للأحتلال الأسرائيلي وللسياسة الأمريكية في المنطقة , وكعقابا لها على تحالفها الأستراتيجي مع إيران التي تخوض صراعا طويل الأمد مع أمريكا عبر قيادتها لمحور معاد للولايات المتحدة الأمريكية لم تعد إمتداداته تقتصر على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وأفغانستان بل وصلت إلى أمريكا الجنوبية وإلى أقاصي أسيا.

إلا أن الأمر اللافت للنظر هو أن بعدا أخر أضيف إلى الأنتفاضة السورية على عكس نظيراتها المصرية والتونسية واليمنية ألا وهو البعد الطائفي عبر إضفاء هذه الصفة على النظام السوري معتبرين إياه نظاما علويا يحكم غالبية سنية.وأما إنتفاضة الشعب البحريني التي وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بالثورة المظلومة فهي الأخرى إتهمت بأنها متواطئة مع إيران وبأنها طائفية . ولقد صب عدد من رجال الدين وللأسف النار على الزيت عبر إضفائهم لهذا البعد الطائفي على هاتين الثورتين.

إلا أن كلتا النظريتين التي أريد عبرهما تحليل تلك الثورات لم تصيبا كبد الحقيقة بل كانتا محاولة يائسة من قبل الأنظمة الدكتاتورية ومن يدعمها من وعاظ السلاطين لتبرير تشبثها بالحكم ولأعطائها مبررات لقمع تلك الثورات الشعبية الخالصة التي لم تكن وليدة يومها بل كانت ثمرة مخاض عسير ومعاناة كبيرة مرت بها الشعوب العربية. فإنتفاضة تونس ومن بعدها مصر كانتا إنتفاضتين وطنييتين خالصتين ولا أمتدادات خارجية لهما لأن العامل الخارجي كان اكبر المتضررين من وقوعهما. ولم تكن سنوات القمع وكبت الحريات وهدر الكرامات والفقر والبطالة والتخلف سوى الدافع الأساسي لقيامها. إلا ان بعض المهزومين ممن لا إرادة لهم يأبون إلا تحليل كل مايحدث في الكون عبر نظرية المؤامرة متناسين إرادة الشعوب ويقظتها.

واما ماحصل في البحرين وسوريا فقد أراد النظام البحريني تبرير قمعه للأنتفاضة البحرينية وذلك بإتهامها بالأرتباط بجهات خارجية وبالتحديد إيران وحزب الله اللبناني.وواقع الحال أن إنتفاضة الشعب البحريني لم تكن سوى إمتدادا وصدى للثورات العربية الأخرى ولاتختلف أسبابها كثيرا عن تلك التي إندلعت بسببها الثورة في الأقطار العربية الأخرى.إلا أن تهمة المؤامرة هذه اريد منها إثارة هلع دول الخليج العربية الأخرى ومحاولة لحملها على التدخل لأجل إنقاذ النظام البحريني وهو ماحصل . فيما حاول بعض رجال الدين وللأسف إخراجها من خانة الثورات العربية معتبرا إياها تمردا طائفيا من قبل طائفة ضد حكومة تنتمي إلى طائفة أخرى.

إلا أن الأمر العجيب هو تفسيرهم لثورة الشعب السوري على انها ثورة وطنية ضد حكومة طائفية على عكس البحرين التي إعتبروها ثورة طائفية ضد حكم وطني وفي هذا تناقض وإزدواجية لاتخفى على كل مراقب ولاتثير إلا الدهشة. لقد تسببت هذه التحليلات والتفسيرات وماترتب عليها من مواقف وتدخلات وردود فعل خارجية إلى نشوء حالة من الأصطفاف الطائفي التي دفع ومازال يدفع ثمنها الشعبين السوري والبحريني , فالتدخل السعودي وإن كان قد تم بطلب من الحكومة البحرينية إلا انه فتح الباب على مصراعيه امام أيران لدعم النظام السوري حتى إعتبر المرشد الأيراني الثورة السورية على انها نسخة مزيفة من ثورة الشعوب العربية الأخرى كما إعتبر الأخرون أن إنتفاضة البحرين هي طائفية ومرتبطة بإيران.

لقد دفعت الشعوب العربية ثمن هذه التدخلات الخارجية في شؤون ثوراتها الامر الذي أطال معاناتها فيما أضحت المنطقة العربية محورا لأستقطابات طائفية عمقت الخلافات وروح التافر بين ابنائها , ولذا فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومات النافذة في المنطقة وذلك عبر ممارستها لنفوذها السياسي على تلك الأنظمة عبر الضغط عليها للكف عن قمع شعوبها والبدء بعملية إصلاح حقيقي بدلا من دعم تلك الانظمة التي سئمت منها شعوبها , فاليوم هو عصر الشعوب ولن تستطيع أي قوة مهما عظمت من الوقوف بوجه إرادة الجماهير المظلومة

ليست هناك تعليقات: